المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



مصرع أبي الفضل  
  
3134   03:46 مساءً   التاريخ: 7-8-2017
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : العباس بن علي
الجزء والصفحة : ص220-226.
القسم : أبو الفضل العباس بن علي بن أبي طالب / دوره الكبير في النهضة الحسينية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2017 3339
التاريخ: 3-9-2017 3525
التاريخ: 7-8-2017 2997
التاريخ: 14-8-2017 2793

لما رأى أبو الفضل (عليه السلام) وحدة أخيه وقتل أصحابه وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب الرخصة منه ليلاقي مصيره المشرق فلم يسمح له الإمام وقال له بصوت حزين النبرات : أنت صاحب لوائي .. .

لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والحماية ما دام أبو الفضل فهو كقوة ضاربة إلى جانبه يذبّ عنه ويردّ عنه كيد المعتدين وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً : لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأريد أن آخذ ثأري منهم .. .

لقد ضاق صدره وسئم من الحياة حينما رأى النجوم المشرقة من أخوته وأبناء عمومته صرعى مجزرين على رمضاء كربلاء فتحرّق شوقاً للأخذ بثأرهم والالتحاق بهم.

وطلب الإمام منه أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فانبرى الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والرأفة فجعل يعظهم ويحذّرهم من عذاب الله ونقمته ووجّه خطابه بعد ذلك إلى ابن سعد :

 يا بن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء قد احرق الظمأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول :  دعوني أذهب إلى الروم أو الهند وأخلّي لكم الحجاز والعراق .. .

وساد صمت رهيب على قوّات ابن سعد ووجم الكثيرون وودّوا أن الأرض تسيخ بهم فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فردّ عليه قائلاً : يا بن أبي تراب لو كان وجه الأرض كلّه ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلاّ أن تدخلوا في بيعة يزيد ...

لقد بلغت الخسّة ولؤم العنصر وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار ... وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم وسمع فخر عدنان صراخ الأطفال وهم يستغيثون وينادون :  العطش العطش .. .

ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاهم وتغيّرت ألوانهم وأشرفوا على الهلاك من شدّة العطش وفزع أبو الفضل وسرى الألم العاصف في محيّاه واندفع ببسالة لإغاثتهم فركب فرسه وأخذ معه القربة فاقتحم الفرات فانهزم الجيش من بين يديه واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء فاحتلّه وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه إلاّ أنه تذكّر عطش أخيه ومن معه من النساء والأطفال فرمى الماء من يده وامتنع أن يروي غليله وقال :

يا نفس من بعد الحسين هوني ... وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون ... وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال ديني

ان الإنسانية بكل إجلال واحترام لتحيّي هذه الروح العظيمة التي تألّقت في دنيا الفضيلة والإسلام وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الإنسانية.

ان هذا الإيثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيات في خلق سيّدنا أبي الفضل فلم تمكّنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان أن يشرب من الماء قبله فأي إيثار أنبل أو أصدق من هذا الإيثار ... واتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملأ القربة وهي عنده أثمن من حياته والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبيّ (صلى الله عليه واله) ، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز :

لا أرهـب الموت اذ المـوت زقا ... حتى أواري في المصاليت لقى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا ... إني أنا العباس أغـدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

لقد أعلن بهذا الرجز عن شجاعته النادرة وانّه لا يخشى الموت وانّما يستقبله بثغر باسم دفاعاً عن الحق وفداءً لأخيه سبط النبيّ (صلى الله عليه واله) .. وانه لفخور أن يغدو بالسقاء مملوءً من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.

وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطّم فلول الشرك إلاّ ان وضراً خبيثاً من جبناء أهل الكوفة كمن له من وراء نخلة ولم يستقبله بوجهه فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين ولم يعن بها بطل كربلاء وراح يرتجز :

والله ان قطعتـم يميني ... انّي أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين ... نجل النبيّ الطاهر الأمين

ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة والمثل الكريمة التي يناضل من أجلها فهو انّما يناضل دفاعاً عن الإسلام ودفاعاً عن إمام المسلمين وسيّد شباب أهل الجنّة.

ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية وهو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها وحمل القربة بأسنانه ـ حسبما تقول بعض المصادر ـ وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت : وهو غير حافل بما كان يعانيه من نزف

الدماء وألم الجراح وشدّة العطش وكان ذلك حقّاً هو منتهى ما وصلت إليه الإنسانية من الشرف والوفاء والرحمة ... وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها ووقف البطل حزيناً فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته وهوى إلى الأرض وهو يؤدّي تحيّته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً : عليك منّي السلام أبا عبد الله ... .

وحمل الأثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه ومزّقت أحشاءه وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل واقتحم جيوش الأعداء فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه وجعل يضمخه بدموع عينيه وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدويّ ... .

وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى جثمان أخيه وقد انهارت قواه وانهدّ ركنه وتبددت جميع آماله وودّ أن الموت قد وافاه قبله وقد وصف السيّد جعفر الحلّي حالته بقوله :

فمشى لمصرعه الحسين وطرفه ... بين الخيام وبينه متقسم

ألفـاه محجوب الجمال كأنّه ... بدر بمنحطم الوشيج ملثم

فأكب منحنياً عليه ودمعه ... صبغ البسيط كأنّما هو عندم

قد رام يلثمه فلم ير موضعاً ... لم يدمه عـضّ السلاح فيلثم

نادى وقد ملأ البوادي صيحة ... صم الصخور لهولها تتألّم

أأخي يهنيك النعيم ولم أخل ...   ترضى بأن أرزى وأنت منعم

أأخي من يحمي بنات محمد ...  اذ صرن يسترحمن من لا يرحم

ما خلت بعدك أن تشلّ سواعدي ... وتكف باصرتي وظهري يقصم

لسواك يلطم بالأكف وهذه ... بيض الضبا لك في جبيني تلطم

ما بين مصرعك الفضيع ومصرعي ... إلاّ كما أدعوك قبل وتنعم

هذا حسامك من يذلّ به العدا ... ولواك هذا من به يتقدم

هونت يا باابن أبي مصارع فتيتي ... والجرح يسكنه الذي هو آلم

وهو وصف دقيق للحالة الراهنة التي حلّت بسيّد الشهداء بعد فقده لأخيه ووصف شاعر آخر وهو الحاج محمد رضا الأزري وضع الإمام (عليه السلام) بقوله :

وهوى عليه ما هنالك قائلاً ... اليوم بان عن اليمين حسامها

اليوم سار عن الكتائب كبشها ... اليوم بان عن الهداة امامها

اليوم آل إلى التفرق جمعنا ... اليوم حلّ عن البنود نظامها

اليوم نامت أعين بك لم تنم ... وتسهّدت أخرى فعز منامها

اشقيق روحي هل تراك علمت ان ... غودرت وانثالت عليك لئامها

قد خلت اطبقت السماء على الثرى ... أو دكدكت فـوق الربى أعلامها

لكن أهان الخطب عندي انني ... بك لاحق أمراً قضى علامها

ومهما قال الشعراء والكتّاب فانهم لا يستطيعون أن يصفون ما ألمّ بالإمام من فادح الحزن وعظيم المصاب ووصفه أرباب المقاتل بأنّه قام من أخيه وهو لا يتمكّن أن ينقل قدميه وقد بان عليه الانكسار وهو الصبور واتجه صوب المخيّم وهو يكفكف دموعه فاستقبلته سكينة قائلة : أين عمّي أبو الفضل .. .

فغرق بالبكاء واخبرها بنبرات متقطّعة من شدّة البكاء بشهادته ، وذعرت سكينة وعلا صراخها ولما سمعت بطلة كربلاء حفيدة الرسول (صلى الله عليه واله) بشهادة أخيها الذي ما ترك لوناً من ألوان البرّ والمعروف إلاّ قدّمه لها أخذت تعاني آلام الاحتضار ووضعت يدها على قلبها المذاب وهي تصيح : وا أخاه واعبّاساه وا ضعيتنا بعدك ... .

يالهول الفاجعة.

يالهول الكارثة.

لقد ضجّت البقعة من كثرة الصراخ والبكاء وأخذت عقائل النبوة يلطمن الوجوه وقد أيقن بالضياع بعده وشاركهنّ الثاكل الحزين أبو الشهداء في محنتهنّ ومصابهنّ وقد علا صوته قائلاً : واضيعتنا بعدك يا أبا الفضل ... .

لقد شعر أبو عبد الله (عليه السلام) بالضيعة والغربة بعد فقده لأخيه الذي ليس مثله أخ في برّه ووفائه ومواساته فكانت فاجعته به من أقسى ما مُني به من المصائب والكوارث.

وداعاً يا قمر بني هاشم.

وداعاً يا فجر كل ليل.

وداعاً يا رمز المواساة والوفاء.

سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تُبعث حيّاً.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.