المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



نشأة علم الدلالة  
  
5069   03:03 مساءً   التاريخ: 3-8-2017
المؤلف : منقور عبد الجليل
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة اصوله مباحثه في التراث العربي
الجزء والصفحة : ص14- 22
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / نشأة علم الدلالة /


نشأة علم الدلالة
1- نشأة علم الدلالة: المسار التطوري التاريخي:
لقد استقطبت اللغة اهتمام المفكرين منذ أمد بعيد، لأن عليها مدار حياة مجتمعاتهم الفكرية والاجتماعية، وبها قوام فهم كتبهم المقدسة، كما كان شأن الهنود قديماً حيث كان كتابهم الديني (الفيدا) منبع الدراسات اللغوية والألسنية على الخصوص التي قامت حوله، ومن ثمة غدت اللسانيات الإطار العام الذي اتخذت فيه اللغة مادة للدراسة والبحث. وكان الجدل الطويل الذي دار حول نشأة اللغة قد أثار عدة قضايا تعد المحاور الرئيسية لعلم الألسنية الحديث فمن جملة الآراء التي أوردها العلماء حول نشأة اللغة قولهم: "بوجود علاقة ضرورية بين اللفظ والمعنى شبيهة بالعلاقة اللزومية بين النار والدخان."( ) إن المباحث الدلالية قد أولت اهتماماً كبيراً علاقة اللفظ بالمعنى، وارتبط هذا بفهم طبيعة المفردات 
ص14

والجمل من جهة وفهم طبيعة المعنى من جهة أخرى، فلقد درس الهنود مختلف الأصناف التي تشكل عالم الموجودات، وقسموا دلالات الكلمات بناء على ذلك إلى أربعة أقسام:
1-قسم يدل على مدلول عام أو شامل (مثل لفظ: رجل)
2-قسم يدل على كيفية (مثل كلمة: طويل)
3-قسم يدل على حدث (مثل الفعل: جاء)
4-قسم يدل على ذات (مثل الاسم: محمد)( )
إن دراسة المعنى في اللغة بدأ منذ أن حصل للإنسان وعي لغوي، فلقد كان هذا مع علماء اللغة الهنود، كما كان لليونان أثرهم البين في بلورة مفاهيم لها صلة وثيقة بعلم الدلالة، فلقد حاور أفلاطون أستاذه سقراط حول موضوع العلاقة بين اللفظ ومعناه، وكان أفلاطون يميل إلى القول بالعلاقة الطبيعية بين الدال ومدلوله، أما أرسطو فكان يقول باصطلاحية العلاقة، وذهب إلى أن قسم الكلام إلى كلام خارجي وكلام داخلي في النفس، فضلاً على تمييزه بين الصوت والمعنى معتبراً المعنى متطابقاً مع التصور الذي يحمله العقل عنه. وقد تبلورت هذه المباحث اللغوية عند اليونان حتى غدا لكل رأي أنصاره من المفكرين فتأسست بناء على ذلك مدارس أرست قواعد هامة في مجال دراسة اللغة كمدرسة الرواقيين.( ) ومدرسة الاسكندرية ثم كان لعلماء الرومان جهد معتبر في الدراسات اللغوية خاصة ما تعلق منها بالنحو، وإليهم يرجع الفضل في وضع الكتب المدرسية التي بقيت صالحة إلى حدود القرن السابع عشر بما حوته من النحو اللاتيني، وبلغت العلوم اللغوية من النضج والثراء مبلغاً كبيراً في العصر الوسيط مع المدرسة السكولائية (Scolastique) والتي احتدم فيها الصراع حول طبيعة العلاقة بين الكلمات ومدلولاتها، وانقسم المفكرون في هذه المدرسة إلى قائل بعرفية العلاقة بين الألفاظ ودلالاتها وقائل بذاتية العلاقة.
وبقي الاهتمام بالمباحث الدلالية يزداد عبر مراحل التاريخ، ولم يدخر المفكرون أي جهد من أجل تقديم التفسيرات الكافية لمجمل القضايا اللغوية التي فرضت نفسها على ساحة الفكر، ففي عصر النهضة، أين سادت "الكلاسيكية" بأنماطها في التفكير والتأليف امتازت الدراسات اللغوية في هذه المرحلة بالمنحى 
ص15

المنطقي العقلي، وأحسن من يمثل هذه الفترة رواد مدرسة (بوررويال) الذين رفعوا مقولة: أن اللغة ما هي إلا صورة للعقل، وأن النظام الذي يسود لغات البشر جميعاً قوامه العقل والمنطق.( )
وفي حدود القرن التاسع عشر الميلادي، تشعبت الدراسات اللغوية، فلزم ذلك تخصص البحث في جانب معين من اللغة، فظهرت النظريات اللسانية وتعددت المناهج، فبرزت الفونولوجيا التي اهتمت بدراسة وظائف الأصوات إلى جانب علم الفونتيك الذي يهتم بدراسة الأصوات المجردة، كما برزت الأتيمولوجيا التي اعتنت بدراسة الاشتقاقات في اللغة، ثم علم الأبنية والتراكيب الذي يختص بدراسة الجانب النحوي وربطه بالجانب الدلالي في بناء الجملة.
وفي الجانب الآخر من العالم، كان المفكرون العرب قد خصصوا للبحوث اللغوية حيزاً واسعاً في إنتاجهم الموسوعي الذي يضم إلى جانب العلوم النظرية كالمنطق والفلسفة علوماً لغوية قد مست كل جوانب الفكر عندهم، سواء تعلق الأمر بالعلوم الشرعية كالفقه والحديث، أو علوم العربية، كالنحو والصرف والبلاغة، بل إنهم كانوا يعدون علوم العربية نفسها وتعلمها من المفاتيح الضرورية للتبحر في فهم العلوم الشرعية، ولذلك "تأثرت [العلوم اللغوية] بعلوم الدين وخضعت لتوجيهاتها. وقد تفاعلت الدراسات اللغوية مع الدراسات الفقهية، وبنى اللغويون أحكامهم على أصول دراسة القرآن والحديث والقراءات، وقالوا في أمور اللغة بالسماع والقياس والإجماع والاستصلاح تماماً كما فعل الفقهاء في معالجة أمور علوم الدين".( ) ولما كانت علوم الدين تهدف إلى استنباط الأحكام الفقهية ووضع القواعد الأصولية للفقه، اهتم العلماء بدلالة الألفاظ والتراكيب وتوسعوا في فهم معاني نصوص القرآن والحديث. واحتاج ذلك منهم إلى وضع أسس نظرية، فيها من مبادئ الفلسفة والمنطق ما يدل على تأثر العرب بالمفاهيم اليونانية ولذلك يؤكد عادل الفاخوري أنه "ليس من مبالغة في القول إن الفكر العربي استطاع أن يتوصل في مرحلته المتأخرة إلى وضع نظرية مستقلة وشاملة يمكن اعتبارها أكمل النظريات التي سبقت الأبحاث المعاصرة."( ) فالأبحاث الدلالية في الفكر العربي التراثي، لا يمكن حصرها في حقل معين من الإنتاج الفكري بل هي تتوزع لتشمل مساحة شاسعة من العلوم لأنها مدينة "للتحاور بين المنطق وعلوم المناظرة 

ص16

وأصول الفقه والتفسير والنقد الأدبي والبيان."( ) هذا التلاقح بين هذه العلوم النظرية واللغوية هو الذي أنتج ذلك الفكر الدلالي العربي، الذي أرسى قواعد تعد الآن المنطلقات الأساسية لعلم الدلالة وعلم السيمياء على السواء، بل إنك لا تجد كبير فرق بين علماء الدلالة في العصر الحديث وبين علماء العرب القدامى الذين ساهموا في تأسيس وعي دلالي هام، يمكن رصده في نتاج الفلاسفة واللغويين وعلماء الأصول والفقهاء والأدباء، "فالبحوث الدلالية العربية تمتد من القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية إلى سائر القرون التالية لها، وهذا التأريخ المبكر إنما يعني نضجاً أحرزته العربية وأصّله الدارسون في جوانبها."( )
إن هذه الجهود اللغوية في التراث العربي لأسلافنا الباحثين، وتلك الأبحاث التي اضطلع بها اللغويون القدامى من الهنود واليونان واللاتين وعلماء العصر الوسيط وعصر النهضة الأوروبية، فتحت كلها منافذ كبيرة للدرس اللغوي الحديث وأرست قواعد هامة في البحث الألسني والدلالي، استفاد منها علماء اللغة المحدثون بحيث سعوا إلى تشكيل هذا التراكم اللغوي المعرفي في نمط علمي يستند إلى مناهج وأصول ومعايير، وهو ما تجسم في تقدم العالم الفرنسي (ميشال بريال M.Breal) في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى وضع مصطلح يشرف من خلاله على البحث في الدلالة، واقترح دخوله اللغة العلمية، هذا المصطلح هو "السيمانتيك" يقول بريال: "إن الدراسة التي ندعو إليها القارئ هي نوع حديث للغاية بحيث لم تسم بعد، نعم، لقد اهتم معظم اللسانيين بجسم وشكل الكلمات، وما انتبهوا قط إلى القوانين التي تنتظم تغير المعاني، وانتقاء العبارات الجديدة والوقوف على تاريخ ميلادها ووفاتها، وبما أن هذه الدراسة تستحق اسماً خاصاً بها، فإننا نطلق عليها اسم "سيمانتيك" للدلالة على علم المعاني.( )
إن العالم اللغوي (بريال) انطلق- دون ريب- في تحديد موضوع علم الدلالة ومصطلحه من جهود من سبقه من علماء اللغة الذين وفروا مفاهيم مختلفة تخص المنظومة اللغوية من جميع جوانبها يقول الدكتور كمال محمد بشر: "إن دراسة المعنى بوصفه فرعاً مستقلاً عن علم اللغة، قد ظهرت أول ما ظهرت سنة 1839، لكن هذه الدراسة لم تعرف بهذا الاسم (السيمانتيك) إلا بعد فترة طويلة 
ص17

أي سنة 1883 عندما ابتكر العالم الفرنسي (م.بريال) المصطلح الحديث."( ) إلا أن المؤرخين اللغويين لظهور علم الدلالة يجمعون على أن فضل (بريال) يكمن في تخصيصه كتاباً استقل بدراسة المعنى هو كتاب (محاولة في علم المعاني) بسط فيه القول عن ماهية علم الدلالة، وأبدع منهجاً جديداً في دراسة المعنى هو المنهج الذي ينطلق من الكلمات نفسها لمعاينة الدلالات دون ربط ذلك بالظواهر اللغوية الأخرى. ويمكن أن نرسم معالم هذا المنهج اللغوي الجديد انطلاقاً من النص الذي أورده (بريال) في سياق تعريفه بعلم الدلالة:
أولاً: إذا كانت اللسانيات تهتم بشكل الكلمات، فإن علم الدلالة (السيمانتيك) يهتم بجوهر هذه الكلمات ومضامينها.
ثانياً: الهدف الذي ينشده علم الدلالة هو الوقوف على القوانين التي تنتظم تغيّر المعاني وتطورها، والقواعد التي تسير وفقها اللغة، وذلك بالاطلاع على النصوص اللغوية بقصد ضبط المعاني المختلفة بأدوات محددة وفي هذا سعي حثيث إلى التنويع في التراكيب اللغوية لأداء وظائف دلالية معينة، وهذا التنويع هو الذي يثري اللغة إثراء يحفظ أصول هذه اللغة، ولا يكون حاجزاً أمام تطورها وتجددها ويمكن في خضم البحث عن هذه النواميس "خلق" نواميس لغوية جديدة لكي تشرف على النظام الكلامي بين أهل اللغة لأن "عالم اللسان يكون همه الوعي باللغة عبر إدراك نواميس السلوك الكلامي"!!( )
ثالثاً: اتباع المنهج التطوري التأصيلي الذي يقف على ميلاد الكلمات ويتتبعها في مسارها التاريخي، وقد يردها إلى أصولها الأولى "لأن اللغة مؤسسة اجتماعية تحكمها نواميس مفروضة على الأفراد، تتناقلها الأجيال بضرب من الحتمية التاريخية، إذ كل ما في اللغة- راهناً- إنما هو منقول عن أشكال سابقة هي الأخرى منحدرة من أنماط أكثر بدائية، وهكذا إلى الأصل الأوحد أو الأصول الأولية المتعددة"( ) فالنظام اللغوي، نظام متجدد ما دامت الكلمات لا تخضع لقانون ثابت يلزمها بمدلولاتها، فاللغة تنتظمها نواميس خفية تعود إلى اقتضاءات تعبيرية هي جزء من النظام الكلي الذي تسير وفقه اللغة، وتصرف
ص18

 دلالات تراكيبها.
هذه النقاط الثلاث هي الأطر الكبرى التي يندرج ضمنها منهج (ميشال بريال) في علم الدلالة ومعه تحديد لمجمل فروع البحث في هذا المجال.
2- بين علم الدلالة وعلم اللسانيات:
إن نشأة علم الدلالة، لم تكن نشأة مستقلة عن علوم اللغة الأخرى. إنما كان يعد هذا العلم جزءاً لصيقاً بعلم اللسانيات الذي كان يهتم بدراسة اللسان البشري، إلا أن عدم اهتمام علماء اللسانيات بدلالة الكلمات- كما أشار إلى ذلك (بريال)- هو الذي كان دافعاً لبعض العلماء اللغويين إلى البحث عن مجال علمي يضم بحثاً في جوهر الكلمات ودلالاتها، لكي يحددوا ضمنه موضوعاته ومعاييره وقواعده ومناهجه وأدواته وما كان ذلك يسيراً خاصة إذا علمنا ذلك التداخل المتشابك الذي كان يجمع بين علوم اللغة مجتمعة وعلم الألسنية الذي ذهب علماؤه إلى تفريعه إلى مباحث جمعت بين حقول مختلفة من العلوم كما هو شأن اللسانيات النفسية (psycolinguistique)، ومبحث اللسانيات العصبية neuro-linguistique وما إلى ذلك. إن العلم اللساني كان يهتم بوصف الجوانب الصورية للغة ويتجنب الخوض في استبطان جوهر الكلمات ومعانيها الذي أصبح من اهتمامات علم الدلالة (الحديث)، ثم إن ضرورة الإحاطة ببعد اللغة الاجتماعي والثقافي والنفسي وتتبع سيرورة المعنى الديناميكي كل هذه حواجز وقفت أمام علماء اللسانيات، فاستبعدوا بذلك الخوض في دراسة المعنى وركزوا بحوثهم على شكل الكلمات، إلى أن برز علم الدلالة ليسد هذا الفراغ في الدراسات اللغوية من جهة ويعمق البحث في الجانب الدلالي للغة من جهة أخرى، ويجتاز تلك الحواجز التي حالت دون أن يخوض اللسانيون في دراسة المعنى، "لأن علم الدلالة هو ميدان يتجاوز حدود اللسانيات التي يتعين عليها وصف الجوانب الصورية للغة قبل كل شيء، فالدلالة ليست ظاهرة لغوية صرفاً وإذا كان بالإمكان بناء الحقول الدلالية فإنه ينبغي آنذاك الاعتماد على المعطيات الخارجية فقط.. (…)
إن بعد اللغة الاجتماعي والثقافي من العوائق التي تقف أمام الدراسات الدلالية الحديثة ويمكن تحديد ذلك فيما يلي:
أ- تعدد القيم الحافة بدلالة الألفاظ المركزية.
ب- إن دلالة اللفظ ليست ظاهرة قارة ذلك أنه يمكنها أن تعتني دوماً بحسب
ص19

التجارب الجديدة (اللغوية وغيرها التي يخبرها المتكلم)"( ).
إن هذه المباحث المتشعبة التي هي من صميم اهتمامات علم الدلالة، هي التي دفعت علماء الألسنية ومنهم التوزيعيين( ) إلى إبعاد دراسة الدلالة من اللسانيات. والحقيقة التي لا مراء فيها أن دراسة المعنى لم تخل منه أي مباحث لغوية سواء أكانت قديمة أم حديثة، ذلك أنه لا يمكن تصور دراسة الكلمات وهي جوفاء خالية من الدلالات. وهذا ما عبر عنه سوسير في سياق حديثه عن الدال والمدلول وشبه اتحاد الكلمات ودلالتها بوجهي الورقة الواحدة.
إن علم الدلالة كمبحث من المباحث اللغوية حسب ماهية اللسانيات، يهتم بحلقة من حلقات علم اللسان البشري، هذه الحلقة تكمن في المظهر الإبلاغي وما يتعلق به، فالرسالة الإبلاغية هي التي تضطلع بنقل دلالة الخطاب إلى المتلقي بحيث يتم- في الحالات العادية- استيعابها استيعاباً كافياً، "فالدراسة اللسانية لا تقف عند تشخيص الحدث اللغوي في مستواه الأدائي، ولكن في سلكه الدائري إذ تهتم اللسانيات بتولد الحدث وبلوغه وظيفته ثم بتحقيقه مردوده عندما يولد رد الفعل المنشود، وهكذا يكون موضوع علم اللسان اللغة في مظهرها الأدائي ومظهرها الإبلاغي وأخيراً في مظهرها التواصلي.( )
لقد ولجت اللسانيات كل مجالات الاتصالات الإنسانية حتى غدت ملتقى لكل العلوم الإنسانية واعتمدت في الخطاب بأنواعه، ولا يمكن أن نقيم هذا الدور الرائد في مجالات الحياة للألسنية دون أن نقر بحضور الدلالة في ذلك، كفرع أساسي ومهم في فعالية الخطاب "فاللسانيات تستلهم الظاهرة اللغوية ونواميسها من مصادر لسانية وغير لسانية فتعمد إلى إجراء مقطع عمودي على كل منتجات الفكر، بمنظور مخصوص فبعد البحث عن خصائص الخطاب الإخباري والخطاب الشعري الأدبي، تعمد اللسانيات إلى دراسة نواميس الخطاب العلمي والقضائي والإشهاري والديني والمذهبي.( )
ولم يكن للألسنية هذا الاهتمام الواسع باللغة الإنسانية، إلا بعد أن ظهرت 
ص20

في أوربا مدارس بنيوية عاينت الظاهرة اللغوية من كل جوانبها: الجانب الصوتي، والجانب المعجمي، والجانب التركيبي والجانب الدلالي، واستقر لديها أن "الألسنية هي دراسة اللغة بحد ذاتها دراسة علمية، وتحليل خصائصها النوعية، بغية الوصول إلى نواميس عملها"( ). وأن "اللغة تنظيم، وهذا التنظيم وظيفي، يتوسله الإنسان للتعبير عن أغراضه ولعملية التواصل" فلم تعد الألسنية تهتم بشكل الكلمات فحسب، بل أعطت لجوهر هذه الكلمات أهمية كبيرة، وذلك بعد ما تأكد لدى علماء الألسنية، أن البحث الألسني يبقى ناقصاً ما لم يهتم بجوانب اللغة جميعها، ويظل حكمه على الظواهر اللغوية يفتقد إلى طابع المعيارية التي تسم ديناميكية اللغة وفعاليتها بسمة التقعيد. ولم يحصل هذا الوعي اللغوي في البحث الألسني إلا مع العلماء اللغويين المتأخرين كالعالم الأمريكي "بلومفيلد" الذي كان يرى أن الدراسة الألسنية، لا تنحصر بدراسة الأصوات والدلالات اللغوية بذاتها، بل تشمل دراسة الارتباط القائم بين أصوات معينة ودلالات معينة (…)، وجدير بالذكر أن مفهوم ارتباط الصوت اللغوي بالدلالة، قد تبنته الألسنية بصورة عامة.( )
وبعد هذا التزاوج الذي لزم علم الألسنية الأخذ به، تبين لعلماء اللغة المحدثين أن الجانب الدلالي في اللغة لا يزال البحث فيه هزيلاً كما كان في القديم، وأنه محتاج إلى نظرة أخرى على مستوى البحث وعلى مستوى المنهج، رغم ما قدمته العلوم المستحدثة من نظريات أنارت جوانب مهمة من علم الدلالة كنظريات الإعلام والتواصل والمعلوماتية. يقول في ذلك الكاتبان: ريمون طحان ودينر بيطار طحان: "يقترن الكلام أو الأصوات، بنظريات الدلالة العامة، وكان علم الدلالة الجزء الهزيل من النظريات الألسنية، وقد أصبح يفضل نظريات الإعلام والتواصل والمعلوماتية، مزوداً بمؤشرات سليمة منها أن المتكلمين بلغة واحدة يتبنون المعنى الواحد في الكلام الواحد أو الجملة الواحدة"( ).
وبعد ذلك توفر لعلم الدلالة وجود مستقل، وإن بقيت تربطه بعلوم اللغة الأخرى- وخاصة الألسنية- وشائج تتجلى بصورة واضحة في مجالات البحث. حيث يبرز التقاطع بين هذه العلوم مجتمعة. ولكن ما يميز البحث الدلالي، هو عمق الدراسة في معنى الكلمات والتراكيب متخذاً في ذلك منهجاً خاصاً يتوخى 
ص21

المعيارية في اللغة والكلام، "والعلوم إذا اختلفت في المنهج تباينت في الهوية وقوام العلوم ليست فحسب مواضيع بحثها وإنما يستقيم العلم بموضوع ومنهج".( ) وتبعاً لذلك اتسع نطاق البحث الدلالي، وأحرز علماء العرب سبقاً في هذا المجال حيث برز لغويون كثيرون وضعوا نظريات مختلفة وأرسوا بذلك قواعد أضحت مدارس دلالية، تنظر إلى قضية "المعنى" بنظريات مختلفة، وداخل المنهج الأوحد للبحث الدلالي ظهرت مناهج فرعية رأى أصحابها نجاعتها في تقديم الأجوبة الكافية لمختلف المسائل التي طرحت في الدراسات الدلالية، والتي عجز عنها البحث اللغوي قبلها، ولكن ما هي القضايا الأساسية التي طرحها الدرس الدلالي الحديث؟ وما هي المباحث اللغوية التي اختص بها علم الدلالة حتى غدت مجالاً خاصة به، تعبر عن خصوصية هذا العلم واستقلاله عن بقية العلوم اللغوية الأخرى؟
ص22
_____________________
( ) د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة- ص19.
(2) المرجع السابق، ص19.
(3) الرواقيون (stoiciens) ينتسبون إلى ريتون القيسيوني (ت244ق.م) ربطوا المسائل اللغوية بالفلسفة.
(4) زبير دراقي محاضرات في اللسانيات العامة والتاريخية، ص25.
(5) فنون التعقيد  وعلوم الألسنية: ص26.
(6) علم الدلالة عند العرب، ص5.
(7) المرجع السابق، ص5.
(8) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص6.
(9) Les grands courrants de la linguistique moderne. Le roy Maurice- p.46.
(10) تأليف ستيفن أولمن، دور الكلمة في اللغة، مقدمة، ص6.
(11)  د. عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية. ص 104
(12) المرجع السابق، ص161.
(13)سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، ترجمة محمد يحباتين، ص28.
(14) التوزيعية: نظرية تزعمها العالم اللغوي الأمريكي بلومفيلد وهي نظرية عامة للألسنية ترى أن اللغة تتألف من إشارات معبرة تتدرج جميعاً ضمن نظام اللغة لمنطق يكون التعبير على مستويات مختلفة والجملة تحمل إلى مؤلفاتها المباشرة بواسطة قواعد التوزيع والتعويض والاستبدال.
(15) د.عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص81.
(16) المرجع السابق، ص168.
(17) ريمون طحان، دينر بيطار، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص92.
(18) د.ميشال زكريا، انظر الألسنية (علم اللغة الحديث): ص232-233.
(19) فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص105.
(20) عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص41.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.