المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
أزواج النبي "ص" يشاركن في الصراع على الخلافة
2024-11-06
استكمال فتح اليمن بعد حنين
2024-11-06
غزوة حنين والطائف
2024-11-06
اية الميثاق والشهادة لعلي بالولاية
2024-11-06
اية الكرسي
2024-11-06
اية الدلالة على الربوبية
2024-11-06

تحقيق البحث أو التحقق
28-6-2019
وجوب كون إصابة الجمر بفعل الرامي.
29-4-2016
Johann Faulhaber
13-1-2016
أسباب غفلة الأب
7-11-2017
كوشيار بن لبان الجبلي المعروف بابي الحسن
6-9-2016
[علي أمير البررة]
27-10-2015


الامام موسى الكاظم (عليه السلام) مع هارون الرشيد  
  
3574   07:14 مساءً   التاريخ: 27-7-2017
المؤلف : حسين الشاكري
الكتاب أو المصدر : سيرة الأمام الكاظم
الجزء والصفحة : ص 378- 399
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الدولة العباسية / خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى / هارون الرشيد /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2017 916
التاريخ: 13-3-2018 990
التاريخ: 12-3-2018 1209
التاريخ: 31-7-2017 807

مع هارون الرشيد:

وتولى بعد الهادي أخوه هارون المعروف بالرشيد، ودام حكمه 23 سنة وشهرين وتسعة وعشرين يوما، استشهد الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد مضي 15 سنة من ملك هارون الرشيد تقريبا، وذلك سنة 183 ه‍، وقيل : سنة 186 هـ ‍(1). قال البغدادي وابن خلكان: وأقام [موسى الكاظم (عليه السلام)] بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد، تقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة 179 ه‍، فحمل موسى معه إلى بغداد، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه (2). وكانت السنون التي قضاها الإمام (عليه السلام) في عهد الرشيد أسوأ ما مر به في حياته، فقد سخر الرشيد كافة أجهزته القمعية لمراقبة الإمام والنيل منه واستدعائه أكثر من مرة إلى بغداد في مطلع خلافته وهو حاقد عليه، وكان يضعه في سجنه ثم يأمر بإطلاقه بعد مدة من الزمن، وأحيانا كان يتظاهر بإكرامه وتعظيمه دجلا ونفاقا.

 أخباره (عليه السلام) مع الرشيد:

1- عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: حج هارون الرشيد، فأتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زائرا له، وحوله قريش وأفياء القبائل، ومعه موسى بن جعفر، فلما انتهى إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عمي، افتخارا على من حوله، فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة. فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا (3).

2- وفي كامل الزيارات: عن عدة من أصحابنا، عن سهل، عن علي ابن حسان، عن بعض أصحابنا، قال: حضرت أبا الحسن الأول (عليه السلام) وهارون الخليفة، وعيسى بن جعفر، وجعفر بن يحيى بالمدينة، وقد جاءوا إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله). فقال هارون لأبي الحسن (عليه السلام): تقدم فأبى، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية. فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن (عليه السلام): تقدم، فأبى، فتقدم عيسى، فسلم، ووقف مع هارون. فقال جعفر لأبي الحسن (عليه السلام): تقدم، فأبى، فتقدم جعفر، فسلم، ووقف مع هارون. وتقدم أبو الحسن (عليه السلام) فقال: السلام عليك يا أبة، أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك، وهدى بك، أن يصلي عليك . فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال؟ قال: نعم. قال هارون: أشهد أنه أبوه حقا (4).

3- وفي الإختصاص: عن عبد الله بن محمد السائي، عن الحسن بن موسى، عن عبد الله بن محمد النهيكي، عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري، قال: كان مما قال هارون لأبي الحسن (عليه السلام) حين أدخل عليه: ما هذه الدار؟ فقال: هذه دار الفاسقين، قال الله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا } [الأعراف: 146] (5)، الآية. فقال له هارون: فدار من هي؟ قال: هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة. قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ فقال: أخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة. قال: فأين شيعتك؟ فقرأ أبو الحسن (عليه السلام): {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } [البينة: 1] (6). قال: فقال له: فنحن كفار؟ قال: لا، ولكن كما قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] (7). فغضب عند ذلك وغلظ عليه، فقد لقيه أبو الحسن (عليه السلام) بمثل هذه المقالة، وما رهبه، وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف (8).

4- وفي كتاب أخبار الخلفاء : أن هارون الرشيد كان يقول لموسى ابن جعفر (عليه السلام): خذ فدكا حتى أردها إليك، فيأبى حتى ألح عليه، فقال (عليه السلام): لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردها؟ قال: بحق جدك إلا فعلت. قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد، وقال: إيها. قال: والحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه (9). قال: والحد الثالث إفريقية، فاسود وجهه، وقال: هيه. قال: والرابع سيف البحر (10) مما يلي الجزر وأرمينية. قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحول إلى مجلسي. قال موسى (عليه السلام): قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله (11). وفي رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول: فعريش مصر، والثاني: دومة الجندل، والثالث: أحد، والرابع: سيف البحر. فقال: هذا كله! هذه الدنيا؟! فقال (عليه السلام): هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة، فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة (عليها السلام) (12).

5- وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : عن الوراق، والمكتب، والهمداني، وابن ناتانة، وأحمد بن علي بن إبراهيم، وماجيلويه، وابن المتوكل رضي الله عنهم جميعا عن علي، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سفيان بن نزار، قال: كنت يوما على رأس المأمون فقال: أتدرون من علمني التشيع! فقال القوم جميعا: لا والله ما نعلم. قال: علمنيه الرشيد. قيل له: وكيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟! قال: كان يقتلهم على الملك، لأن الملك عقيم، ولقد حججت معه سنة، فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه، وقال: لا يدخلن علي رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه. فكان الرجل إذا دخل عليه قال: أنا فلان بن فلان، حتى ينتهي إلى جده من هاشمي، أو قرشي، أو مهاجري، أو أنصاري، فيصله من المال بخمسة آلاف درهم، وما دونها إلى مائتي دينار، على قدر شرفه، وهجرة آبائه. فأنا ذات يوم واقف، إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: يا أمير المؤمنين، على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه، والأمين والمؤتمن وسائر القواد فقال: احفظوا على أنفسكم، ثم قال لآذنه: ائذن له، ولا ينزل إلا على بساطي. فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد (13) قد أنهكته العبادة، كأنه شن بال، قد كلم (14) السجود وجهه وأنفه.

فلما رأى الرشيد رمى بنفسه من حمار كان راكبه، فصاح الرشيد: لا والله إلا على بساطي، فمنعه الحجاب من الترجل، ونظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال والإعظام، فما زال يسير على حماره حتى صار إلى البساط، والحجاب والقواد محدقين به، فنزل، فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس، وأجلسه معه فيه، وجعل يحدثه، ويقبل بوجهه عليه، ويسأله عن أحواله. ثم قال له: يا أبا الحسن، ما عليك من العيال؟ فقال: يزيدون على الخمسمائة. قال: أولاد كلهم؟ قال: لا، أكثرهم موالي وحشم، فأما الولد فلي نيف وثلاثون: الذكران منهم كذا، والنسوان منهم كذا. قال: فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟ قال: اليد تقصر عن ذلك. قال: فما حال الضيعة؟ قال: تعطي في وقت، وتمنع في آخر. قال: فهل عليك دين؟ قال: نعم. قال: كم؟ قال: نحوا من عشرة آلاف دينار. فقال الرشيد: يا بن عم، أنا أعطيك من المال ما تزوج به الذكران والنسوان، وتقضي الدين، وتعمر الضياع. فقال له: وصلتك رحم يا بن عم، وشكر الله لك هذه النية الجميلة، والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله)، وصنو أبيه، وعم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك، وأعلى محتدك. فقال: أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة. فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل قد فرض على ولاة عهده أن ينعشوا فقراء الأمة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني، وأنت أولى من يفعل ذلك. فقال: أفعل يا أبا الحسن. ثم قام، فقام الرشيد لقيامه، وقبل عينيه ووجهه، ثم أقبل علي وعلى الأمين والمؤتمن فقال: يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم، بين يدي عمكم وسيدكم، خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه، وشيعوه إلى منزله. فأقبل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي: إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي. ثم انصرفنا، وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين، من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده. فقلت: يا أمير المؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟! فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق. والله يا بني، إنه لأحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني، ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم. فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار، ثم أقبل على الفضل بن الربيع، فقال له: إذهب بهذه إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) وقل له: يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت. فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين، تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار؟! أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس. فقال: اسكت لا أم لك، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم. فلما نظر إلى ذلك مخارق المغني، دخله من ذلك غيظ، فقام إلى الرشيد وقال: يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده، فأمر له بعشرة آلاف دينار. فقال له: يا أمير المؤمنين، هذا لأهل المدينة، وعلي دين فأحتاج أن أقضيه، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى. فقال له: يا أمير المؤمنين، بناتي أريد أن أزوجهن، وأنا محتاج إلى جهازهن، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى. فقال له: يا أمير المؤمنين، لا بد من غلة تعطنيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت. فأمر له بأقطاع ما يبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له من ساعته. ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر (عليه السلام) وقال له: قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون، وما أمر به لك، وقد احتلت عليه لك وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار، وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما أحتاج إلى شيء من ذلك، وما أخذته إلا لك، وأنا أشهد لك بهذه الأقطاع، وقد حملت المال إليك. فقال: بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاك، ما كنت لآخذ منه درهما واحدا، ولا من هذه الأقطاع شيئا، وقد قبلت صلتك وبرك، فانصرف راشدا، ولا تراجعني في ذلك. فقبل يده وانصرف (15).

الوشاية به (عليه السلام):

لقد كان الحقد من مقومات ذات الرشيد، ومن أبرز صفاته النفسية، فكان يحمل حقدا لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في عصره، فلم يرق له بأي حال أن يسمع الناس وهم يتحدثون عن شخص يتمتع بمكانة عليا في المجتمع، وذلك لئلا يزهد الناس فيه، ولكي يحتكر التعالي والعظمة والأولوية لنفسه ولذاته، كما هو دأب الطغاة في كل عصر، فقد حسد الرشيد البرامكة لما ذاع صيتهم، وتحدثت الناس عن مكارمهم، فلم يشف شأفة نفسه وحرارة حقده إلا باستئصالهم وإزالة وجودهم من الأرض. وكان من الطبيعي أن يحقد الرشيد على الإمام موسى (عليه السلام)، لأنه ألمع شخصية في عصره علما وتقوى وزهدا وخلقا، فقد تناقل الناس فضائله وتحدثت جميع الأوساط عن علمه ومواهبه، وذهب جمهور غفير من المسلمين إلى إمامته، وأنه أحق بمنصب الخلافة منه. حتى إن هارون نفسه كان يقر ذلك ويقول لولده المأمون: هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده، والله يا بني إنه أحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم.

وقال مرة له: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا (16). وقد أضيف لشخصيته الحاقدة شهوته للملك وحبه للسلطان، الذي يضحي في سبيله بجميع القيم والمقدسات، فكيف تطيب نفسه وقد رأى الناس قد أجمعوا على حب الإمام وتقديره! ويضاف لذلك أيضا أنه كان مبغضا للعلويين، وورث عداءهم من آبائه وسلفه اللذين نكلوا بهم، وساموهم وابلا من العذاب، وساقوهم إلى السجون والقبور، فكان أبغض شيء على الرشيد أن يرى عميد العلويين وسيدهم الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في دعة واطمئنان دون أن ينكل به، ويودعه السجن حتى الموت. كما عمد فريق من باعة الضمير والدين إلى السعي بالإمام (عليه السلام) والوشاية به عند هارون، ليتزلفوا إليه، وينالوا من حطام دنياه النزر اليسير، بدعوى أن الإمام تجبى له الأموال الطائلة من شتى ديار الإسلام، وأنه يدعو لنفسه بالخلافة ويكتب إلى سائر الأمصار الإسلامية يدعوهم إلى نفسه، وما إلى ذلك من البهت والكذب، وفيما يلي نورد طرفا من الأخبار في ذلك:

1-  في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): عن الطالقاني، عن محمد بن يحيى الصولي، عن أبي العباس أحمد بن عبد الله، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن صالح ابن علي بن عطية، قال: كان السبب في وقوع موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى بغداد: أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا، فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة، وجعله ولي عهده، وعبد الله المأمون، وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة، والقاسم المؤتمن، وجعل الأمر له بعد المأمون. فأراد أن يحكم الأمر في ذلك، ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام، فحج في سنة تسع وسبعين ومائة، وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة.

 قال علي بن محمد النوفلي: حدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر (عليه السلام) وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد ابن الأشعث، فساء ذلك يحيى، وقال: إذا مات الرشيد، وأفضى الأمر إلى محمد ابن زبيدة انقضت دولتي ودولة ولدي، وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده (17). وكان قد عرف يحيى مذهب جعفر الأشعث في التشيع، فأظهر له أنه على مذهبه، فسر به جعفر بن الأشعث وأفضى إليه بجميع أموره، وذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفر (عليه السلام). فلما وقف يحيى على مذهبه سعى به إلى الرشيد، وكان الرشيد يرعى له موضعه وموضع أبيه محمد بن الأشعث من نصرة الخلافة، فكان يقدم في أمره [جعفر بن الأشعث] ويؤخر، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه، إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما، وجرى بينهما كلام مت (18) به جعفر بحرمته وحرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى. ثم قال يحيى للرشيد: يا أمير المؤمنين، قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه، وها هنا أمر فيه الفيصل. قال: وما هو؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه، فوجه به إلى موسى بن جعفر، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت بها له. فقال هارون: إن في هذا لفيصلا. فأرسل إلى جعفر ليلا، وقد كان عرف سعاية يحيى به، فتباينا وأظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى، وأنه إنما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما، ولبس بردة فوق ثيابه، وأقبل إلى الرشيد، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور، ورأى البردة عليه، قال: يا جعفر ما هذا؟! فقال: يا أمير المؤمنين، قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي، فأرسلت إلي لتقتلني. فقال: كلا ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه، وأنك قد فعلت ذلك في العشرين ألف دينار، فأحببت أن أعلم ذلك، فقال جعفر بن الأشعث: الله أكبر يا أمير المؤمنين، تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها. فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال. وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال، فدفعت إليه البدر بخواتيمها، فأتى به الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك. قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا، فإني لا أقبل فيك قول أحد. قال: وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر بن الأشعث.

قال النوفلي: فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي، عن بعض مشايخه - وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة - قال: لقيني علي بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد، فقال لي: ما لك قد أخملت نفسك؟ ما لك لا تدبر أمر الوزير؟ فقد أرسل إلي فعادلته (19)، وطلبت الحوائج إليه. وكان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم: ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا، فأوسع له منها؟ قال: بلى، أدلك على رجل بهذه الصفة، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد. فأرسل إليه يحيى فقال: أخبرني عن عمك، وعن شيعته، والمال الذي يحمل إليه. فقال له: عندي الخبر، فسعى بعمه. وكان في سعايته أنه قال: إن من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة تسمى اليسيرة، بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال، قال البائع: لا أريد هذا النقد، أريد نقد كذا وكذا، فأمر بها فصبت في بيت ماله، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة. قال النوفلي: قال أبي: وكان موسى بن جعفر (عليه السلام) يأمر لعلي بن إسماعيل بالمال ويثق به، حتى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل، ثم استوحش منه. فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر (عليه السلام) أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق. فأرسل إليه: ما لك والخروج مع السلطان؟ قال: لأن علي دينا. فقال: دينك علي. قال: وتدبير عيالي، قال: أنا أكفيهم. فأبى إلا الخروج. فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم. فقال: اجعل هذا في جهازك، ولا تؤتم ولدي (20). فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى (عليه السلام) لمن حضره: والله ليسعين في دمي وليؤتمن أولادي. فقالوا له: جعلنا الله فداك، أنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله! قال: نعم، حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله ، وإني أردت أن أصله بعد قطعه لي حتى إذا قطعني قطعه الله (21). قالوا: فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد، فتعرف منه خبر موسى بن جعفر، فرفعه إلى الرشيد، وزاد فيه، ثم أوصله يحيى إلى الرشيد، فسأله عن عمه موسى بن جعفر، فسعى به إليه، وقال له: إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة، فقال له صاحبها وقد أحضر المال: لا آخذ هذا النقد، ولا آخذ إلا نقد كذا وكذا، فأمر بذلك المال فرد، وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأله بعينه، فسمع ذلك منه الرشيد (22). ونقل أنه ذكر في مجلس الرشيد أنه يجتمع على باب عمه من الناس أكثر مما يجتمع على باب الرشيد، فأمر له بمائتي ألف درهم وولاه على بعض النواحي، ومضت رسله لقبض المال، فدخل إلى الخلاء فزحر زحرة خرجت منها حشوته (23) كلها فسقط لوجهه، واجتهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، فجاءه المال وهو ينزع، فقال: ما أصنع به وأنا في الموت؟ ومات ولم ينتفع بالمال (24).

 2- وفي بعض الروايات أن الذي وشى بالكاظم (عليه السلام) هو أخوه محمد بن جعفر (عليه السلام) (25)، ففي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): عن المكتب، عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، قال: جاءني محمد ابن إسماعيل بن جعفر بن محمد، وذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلم عليه بالخلافة، ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة (26). وقيل: كان ممن سعى بموسى بن جعفر (عليه السلام) يعقوب بن داود، وكان يرى رأي الزيدية.

 3- وفي رواية أن الذي وشى بالإمام (عليه السلام) هو محمد بن إسماعيل بن جعفر، روى الكشي بسنده عن علي بن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: جاءني محمد بن إسماعيل ابن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) أن يأذن له في الخروج إلى العراق، وأن يرضى عنه ويوصيه بوصية. قال: فتنحيت حتى دخل المتوضأ، وخرج وهو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو به وأكلمه، قال: فلما خرج قلت له: إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن له (عليه السلام). فلما رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عم، أحب أن توصيني. فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، فقال: لعن الله من يسعى في دمك. ثم قال: يا عم أوصني. فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي. قال: ثم ناوله أبو الحسن (عليه السلام) صرة فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها، ثم أعطاه صرة أخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده. فقلت له في ذلك واستكثرته، فقال: هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته. قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين أن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب، فقال الحاجب: انزل أولا، وغير ثياب طريقك، وعد لأدخلك إليه بغير إذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت. فقال: أعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي، فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين، خليفتان في الأرض، موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج، وأنت بالعراق يجبى لك الخراج. فقال: والله. فقال: والله. قال: فأمر له بمائة ألف درهم، فلما قبضها وحملت إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته، فمات وحول من الغد المال الذي حمل إليه إلى الرشيد (27). قال ابن شهرآشوب في المناقب: كان محمد بن إسماعيل بن الصادق (عليه السلام) عند عمه موسى الكاظم (عليه السلام) يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق، فلما ورد الرشيد الحجاز سعى بعمه إلى الرشيد، فقال: أما علمت أن في الأرض خليفتين يجبى إليهما الخراج؟ فقال الرشيد: ويلك أنا ومن؟ قال: موسى بن جعفر، وأظهر أسراره، فقبض عليه، وحظي محمد عند الرشيد، ودعا عليه موسى الكاظم بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده (28). ويمكن أن يكون كل منهم قد سعى به (عليه السلام).

موقف الرشيد:

1 - في الإختصاص : عن ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد ابن أحمد، عن محمد بن إسماعيل العلوي قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): لما أمر هارون الرشيد بحملي، دخلت عليه، فسلمت، فلم يرد السلام، ورأيته مغضبا، فرمى إلي بطومار، فقال: اقرأه. فإذا فيه كلام، قد علم الله عز وجل براءتي منه. وفيه: أن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بإمامته، يدينون الله بذلك، ويزعمون أنه فرض عليهم إلى أن يرث الأرض ومن عليها، ويزعمون أنه من لم يذهب إليه بالعشر، ولم يصل بإمامتهم، ولم يحج بإذنهم، ويجاهد بأمرهم، ويحمل الغنيمة إليهم، ويفضل الأئمة على جميع الخلق، ويفرض طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله، فهو كافر، حلال ماله ودمه. وفيه كلام شناعة، مثل المتعة بلا شهود، واستحلال الفروج بأمره ولو بدرهم، والبراءة من الذنب، ويلعنون عليهم في صلاتهم، ويزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه، ومن أخر الوقت فلا صلاة له، لقول الله تبارك وتعالى: { أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [مريم: 59] (29)، يزعمون أنه واد في جهنم والكتاب طويل، وأنا قائم أقرأ وهو ساكت. فرفع رأسه، وقال: اكتفيت بما قرأت، فكلم بحجتك بما قرأته. قلت: يا أمير المؤمنين، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ما حمل إلي أحد درهما ولا دينارا من طريق الخراج، لكنا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله) في قوله: لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت . وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن فيه، وكثرة عدونا، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب، فضاق بنا الأمر، وحرمت علينا الصدقة، وعوضنا الله عز وجل عنها الخمس، فاضطررنا إلى قبول الهدية، وكل ذلك مما علمه أمير المؤمنين. فلما تم كلامي سكت، ثم قلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته! فقلت: حدثني أبي، عن جدي، يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله): إن الرحم إذا مست رحما تحركت واضطربت ، فإن رأيت أن تناولني يدك، فأشار بيده إلي. ثم قال: ادن، فدنوت، فصافحني وجذبني إلى نفسه مليا ثم فارقني وقد دمعت عيناه، فقال لي: اجلس يا موسى، فليس عليك بأس، صدقت، وصدق جدك، وصدق النبي (صلى الله عليه وآله)، لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي، واعلم أنك لحمي ودمي، وأن الذي حدثتني به صحيح، وإني أريد أن أسألك عن مسألة، فإن أجبتني أعلم أنك صدقتني، خليت عنك ووصلتك، ولم أصدق ما قيل فيك. فأجابه الإمام (عليه السلام) عن كل ما سأل بأبلغ جواب.

وجاء في آخر الحديث: قال (عليه السلام): فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته، فأخبره فخرج، وعرضت عليه. فقال: أحسنت، هو كلام موجز جامع، فارفع حوائجك يا موسى. فقلت: يا أمير المؤمنين، أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي، فإني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا. فقال: مأذون لك، أزدد. فقلت: يبقي الله أمير المؤمنين لنا معاشر بني عمه. فقال: أزدد. فقلت: علي عيال كثير، وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين وعادته. فأمر لي بمائة ألف درهم وكسوة، وحملني، وردني إلى أهلي مكرما (30). وهذا الحديث يدل على أنه (عليه السلام) قد استدعي أكثر من مرة إلى بغداد، وأن الرشيد قد تمادى به الغي إلى أن يسجن الإمام مرة بعد أخرى رغم قناعته ببراءة الإمام، وكذب ما أنهي إليه عن طريق الوشاة.

 2 - وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : عن أبي أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي (رضي الله عنه)، عن أبيه بإسناده رفعه إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: لما أدخلت على الرشيد، سلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: يا موسى بن جعفر، خليفتان يجبى إليهما الخراج؟! فقلت: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما علم ذلك عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي، عن آبائه، عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: قد أذنت لك. فقلت: أخبرني أبي، عن آبائه، عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت ، فناولني يدك. فقال: ادن، فدنوت منه، فأخذ بيدي، ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا، ثم تركني، وقال: اجلس يا موسى، فليس عليك بأس. فنظرت إليه، فإذا أنه قد دمعت عيناه، فرجعت إلى نفسي، فقال: صدقت، وصدق جدك (صلى الله عليه وآله) لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي، حتى غلبت علي الرقة، وفاضت عيناي. وسأله عدة مسائل فأجابه (عليه السلام) بأجوبة بليغة.

وجاء في آخر الحديث: فقال الرشيد: أحسنت يا موسى، ارفع إلينا حوائجك. فقلت له: أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده (صلى الله عليه وآله) وإلى عياله. فقال: ننظر إن شاء الله. فروي أنه أنزله عند السندي بن شاهك، فزعم أنه توفي عنده، والله أعلم (31).

3 - وقال الرشيد لموسى بن جعفر (عليه السلام): إني قاتلك! قال: لا تفعل، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن العبد يكون واصلا لرحمه وقد بقي من أجله ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعا لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيصيرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين (32).

____________

(1) الكافي 1: 405. روضة الواعظين: 221. تاج المواليد: 123. المناقب 4: 323. الفصول المهمة: 241.

(2) تأريخ بغداد 13: 27. وفيات الأعيان 5: 309.

(3) تأريخ بغداد 13: 31. وفيات الأعيان 5: 309. إعلام الورى: 307.

(4) كامل الزيارات: 18. عنه البحار 48: 136 / 9. ورواه في الكافي 4: 553 / 8. عنه البحار 100: 155 / 26. وحلية الأبرار 2: 273. وأخرجه في التهذيب 6: 6 / 3. عن محمد بن يعقوب. وفي الوسائل 10: 268 / 4 عن الكافي والتهذيب.

(5) الأعراف: 146.

(6) البينة: 1.

(7) إبراهيم: 28.

(8)  الإختصاص: 256. البحار 49: 156 / 28، و72: 136 / 22. تفسير العياشي 2: 29 / 78.

(9) أربد وجهه: احمر حمرة فيها سواد عند الغضب.

(10) أي ساحله.

(11) ربيع الأبرار 1: 315.

(12) بحار الأنوار 48: 144 / 20، عن المناقب لابن شهرآشوب.

(13) أي مصفر الوجه.

(14)  أي جرحه وأثر فيه.

(15) عيون الأخبار 1: 88 / 11، عنه البحار 48: 129 / 4. ومدينة المعاجز: 449 / 74. وحلية الأبرار 2: 269.

(16) أمالي الصدوق: 307 / 1. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 93 / 12. البحار 48: 134 / 6.

(17) ولم يكن يحيى يعلم أن الله بالمرصاد لكل باغ، وأن من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيها، وأن من سل سيف البغي قتل به، فزالت دولته ودولة ولده في حياة الرشيد قبل انتقال الأمر إلى الأمين، وقتله الرشيد وولده شر قتلة، واقتص للإمام الكاظم (عليه السلام) منهم في دار الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.

(18) المت: التوسل والتوصل بحرمة أو قرابة أو غير ذلك.

(19) أي ركبت معه في المحمل.

(20) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 69 / 1. البحار 48: 207 / 1.

(21) الإرشاد 2: 238.

(22) مقاتل الطالبيين: 333. روضة الواعظين 1: 218. الإرشاد 2: 238.

 (23) الزحير: استطلاق البطن، حشوة البطن: أمعاؤه.

(24) الإرشاد 2: 238 و239. التتمة في تواريخ الأئمة: 113.

(25) لعل هذا الحديث مجرد ادعاء من محمد بن إسماعيل بن جعفر على عمه محمد بن جعفر ليس إلا، لأن محمد بن جعفر كان معروفا بجلالته وتقواه أولا، ولأنه كان مخالفا للعباسيين وقد خرج أيام المأمون وتسمى بأمير المؤمنين، وقد ذكرنا ذلك في ترجمته عند ذكر إخوته (عليه السلام) في الفصل الأول من هذا الكتاب.

(26) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 72 / 2. البحار 48: 210 / 8.

(27) رجال الكشي: 263 / 478.

(28) المناقب 4: 326.

(29) مريم: 59.

(30) الإختصاص: 48. البحار 2: 240، و48: 121 / 1، و104: 337 / 19. تحف العقول: 404.

(31) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 81 / 9. البحار 48: 125 / 2. الاحتجاج 2: 161. البحار 8: 129 / 3.

(32) ربيع الأبرار للزمخشري 3: 553، وفي طبعة الأعلمي 4: 277.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).