أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-11-2014
5250
التاريخ: 6-12-2015
4760
التاريخ: 26-09-2014
5486
التاريخ: 2023-04-14
1435
|
لقد عرّف الله سبحانه وتعالى نفسه في هذا المثال بأنّه مشتر، والمؤمنين بأنّهم بائعون، وقال : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } [التوبة: 111]. ولما كانت كل معاملة تتكون في الحقيقة من خمسة أركان أساسية، وهي عبارة عن: المشتري، والبائع، والمتاع، والثمن، وسند المعاملة أو وثيقتها، فقد أشار الله سبحانه إِلى كل هذه الأركان، فجعل نفسه مشترياً، والمؤمنين بائعين، وأموالهم وأنفسهم متاعاً وبضاعة، والجنّة ثمناً لهذه المعاملة. غاية ما في الأمر أنّه بيّن طريقة تسليم البضاعة بتعبير لطيف، فقال : {يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} وفي الواقع فإنّ يد الله سبحانه حاضرة في ميدان الجهاد لتقبل هذه البضاعة، سواء كانت روحاً أم مالا يبذل في أمر الجهاد.
ثمّ يشير بعد ذلك إِلى سند المعاملة الثابت، والذي يشكل الركن الخامس فيها، فقال : (وعداً عليه حقّاً في التوراة والإِنجيل والقرآن).
إِذا أمعنا النظر في قوله : (في سبيل الله) يتّضح جلياً أنّ الله تعالى يشتري الأرواح والجهود والمساعي التي تبذل وتصرف في سبيله، أي سبيل إحقاق الحق والعدالة، والحريّة والخلاص لجميع البشر من قبضة الكفر والظلم والفساد. ثم، ومن أجل التأكيد على هذه المعاملة، تضيف الآية : (ومن أوفى بعهده من الله) أي أنّ ثمن هذه المعاملة وإن كان مؤجلا، إلاّ أنّه مضمون، ولا وجود لأخطار النسيئة، لأنّ الله تعالى لقدرته واستغنائه عن الجميع أوفى من الكل بعهده، فلا هو ينسى، ولا يعجز عن الأداء، ولا يفعل ما يخالف الحكمة ليندم عليه ويرجع عنه، ولا يخلف وعده والعياذ بالله، وعلى هذا فلا يبقى أي مجال للشك في وفائه بعهده، وأدائه الثمن في رأس الموعد المقرر.
والأروع من كل شيء أنّه تعالى قد بارك للطرف المقابل صفقته، ويتمنى لهم أن تكون صفقة وفيرة الربح، تماماً كما هو المتعارف بين التجار، فيقول عزَّوجلّ: {فَاسْتَبْشِرُوا (1) بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]. وقد جاء نظير هذا المبحث بعبارات أُخرى، ففي الآيتين (10) و(11) من سورة الصف يقول الله عزَّوجلّ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [الصف: 10 - 12].
إنّ الإنسان ليقع في حيرة هنا من كل هذا اللطف والرحمة الإِلهية، فإنّ الله المالك لكل عالم الوجود، والحاكم المطلق على جميع عالم الخلقة، وكل ما يملكه أيّ موجود فإنما هو من فيضه ومنحته، يبدو في مقام المشتري لنفس هذه المواهب التي وهبها لعباده، ويشتري ما أعطاه بمئات الأضعاف.
والأعجب من ذلك، أنّ الجهاد الذي هو السبب في عزّة الإِنسان وافتخار الاُمّة، وثمراته تعود في النهاية عليها، قد اعتبر دفعاً وتسلمياً لهذه البضاعة.
ومع أنّ المتعارف أنّ الثمن يجب أن يعادل المثمن أو البضاعة، إلاّ أن هذا التعادل لم يلاحظ في هذه المعاملة، وجعلت السعادة الأبدية في مقابل بضاعة متزلزلة يمكن أن تفنى في أية لحظة، (سواء كان على فراش المرض أو ساحة القتال).
والأهم من هذا أنّ الله سبحانه وتعالى مع أنّه أصدق الصادقين، ولا يحتاج إِلى سند وضمان، فإنّه تعهد بأهم الوثائق والضمانات أمام عبيده.
وفي نهاية هذه المعاملة العظيمة، والصفقة الكبيرة، فإنّه قد بارك لهم وبشّرهم، فهل تُتصور رحمة ومحبّة أعلى من هذه؟!
وهل يوجد معاملة أكثر ربحاً من هذه؟!
ولهذا ورد في حديث عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه لما نزلت هذه الآية كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد، فتلا هذه الآية بصوتِ عال، فكبر الناس، فتقدم رجل من الأنصار وسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا رسول الله، أنزلت هذه الآية؟ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «نعم». فقال الأنصاري : بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل (2).
_____________________
1- فاستبشروا مأخوذة من مادة البشارة، والتي أخذت في الأصل من البشرة، أي وجه الإنسان، وهي إشارة إِلى آثار الفرحة والسرور التي تبدو بوضوح على وجه الإِنسان.
2- الدّر المنثور ,ج3 ,ص 280 ؛ وتفسير الميزان ,ج9 , ص405 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|