المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



نظرية افتراض الخطأ بجانب الإدارة.  
  
11016   08:47 صباحاً   التاريخ: 12-4-2017
المؤلف : اسماعيل صعصاع غيدان البديري
الكتاب أو المصدر : مسؤولية الادارةعن الضرر المعنوي في القانون العراقي
الجزء والصفحة : ص122-135
القسم : القانون / القانون العام / القانون الاداري و القضاء الاداري / القضاء الاداري /

كانت نظرية الخطأ المفترض ، الفكرة الأولى التي اتجه إليها فقه القانون المدني لتحديد أساس مسؤولية المتبوع عن أخطاء تابعه ، وطبقاً لهذه النظرية ينسب الخطأ إلى المتبوع أو الإدارة بصورة مباشرة ، على أساس أنه قد ارتكب خطأً ذاتياً بنفسه دون تابعه . والخطأ في هذه الحالة يكون مفترضاً ، لا يكلف المضرور بإثباته ، وهذا الافتراض قاطعاً في القانون المدني الفرنسي والمصري ، وبسيطاً قابلاً لإثبات العكس في القانون المدني العراقي(1). غير أن أصحاب هذه النظرية لم يتفقوا حول نوع ذلك الخطأ المفترض في جانب المسؤول عن غيره ((الإدارة)) فهل أنه خطأ الإدارة في اختيار موظفيها ؟ أم أنه خطؤها في رقابة الموظف  وتوجيهه ؟ أم أن الخطأ كان في الأمرين معاً ؟ ومن أجل بيان ذلك نقسم هذا الموضوع إلى ثلاثة فروع ، نخصص الفرع الأول للكلام عن الخطأ المفترض في الاختيار ، وفي الفرع الثاني نتكلم عن الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه , وفي الفرع الثالث نتناول موقف التشريع العراقي من ذلك .

الفرع الأول

الخطأ المفترض في الاختيار

ذهب الفقه في بداية الأمر ، إلى أن أساس مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها هو خطؤها في اختيارهم ، وعلى هذا الأساس فإن الأفعال غير المشروعة التي يرتكبها موظفوها أثناء قيامهم بواجباتهم لحسابها , فإنها تكون مسؤولة عنها لأنها قد أساءت في اختيارهم ولذلك قيل بأن أساس مسؤولية المتبوع عن فعل الغير ، هو الخطأ في الاختيار ، فلو أنه لم يقم باختيار ذلك التابع لانتفت مسؤوليته . ووفقاً لذلك فإن فكرة الاختيار تعد عنصراً لازماً لقيام علاقة التبعية ، كما أنها ترتبط في الوقت نفسه بالفكرة ذاتها بوصفها الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية , ولذلك فإن مسؤولية الإدارة أو المتبوع لا تتحقق إن لم تكن لديهما الحرية في اختيار تابعيهما ، وذلك لانتفاء قيام علاقة التبعية بانعدام عنصر الاختيار فيها(2). وعلى هذا الأساس فإذا كان لدى الإدارة أو المتبوع الحرية في اختيار تابعيهما وارتكب أياً منهما خطأ تحققت مسؤوليتهما عن ذلك الفعل الضار على أساس الخطأ الحاصل منهما في هذا الاختيار لأنه لابد وأن جاء سيئاً(3). وكذلك فإن بعضاً من  أنصار هذه النظرية ، إستند على فكرة الغلط ، فقالوا أن المتبوع قد ارتكب غلطاً عندما منح ثقته لتابعه في الوقت الذي لم يكن هذا الأخير جديراً بهذه الثقة ، وبسبب ذلك يجب أن يتحمل المتبوع أو الإدارة المسؤولية عن هذا الغلط ، لا بل أن بعضهم ذهب أبعد من ذلك فقالوا بتوافر الاختيار ولو لم يقم المتبوع بتعيينه . وقد عللوا ذلك لأن من شأن هذا الأمر أن يدفعهم إلى توخي الحرص والدقة في اختيار تابعيهم ومن ثم فلا يستخدمون الا من هو جديرٌ بهذه الثقة(4). وقد ظل هذا الرأي سائداً ردحاً من الزمن ، كما وردت بعض التطبيقات القضائية القديمة ، التي تبنت فكرة الاختيار كأساس تقوم عليه مسؤولية الإدارة . وعلى هذا الأساس فقد سمحت هذه الفكرة للإدارة ((وزارة الدفاع)) بأن تنفي مسؤوليتها عن الأخطاء التي يرتكبها بعض موظفيها ((الجنود)) لانعدام حريتها في الاختيار إذ أن الخدمة إلزام قانوني لا يتم اختيار من يقوم به بل هو واجب وتكليف على الجميع , ينظمه القانون . وقد جاء في هذا الحكم ما يأتي : (( … إن الخدمة العسكرية هي تكليف واجب … والعسكري بأدائه تلك الخدمة إنما  يؤدي واجباً وطنياً ولا يشغل وظيفة من الوظائف ، فليس العسكري خادماً ولا تعتبر الحكومة بالنسبة للعسكريين … في مقام السيد … ومن حيث أن الحكومة ليس لها حرية اختيار العساكر لأنهم يجندون حتماً متى توافرت فيهم شروط التجنيد بصرف النظر عن كفاءتهم…))(5). يتضح لنا مما تقدم أن ثمة ارتباطاً بين فكرة الخطأ في الاختيار كأساس تقوم عليه المسؤولية عن فعل الغير وبين فكرة الاختيار الحر كعنصر من أجل قيام علاقة التبعية بين المتبوع وتابعه ، ومن ثم تحقق هذه المسؤولية(6). وهكذا فقد ذهب أصحاب هذه النظرية ، إلى القول بأن أساس مسؤولية الإدارة بوصفها شخصاً معنوياً عاماً هو خطؤها الشخصي المفترض باختيار ذلك الغير ((التابع)) , كما أن هذه الفكرة كانت سائدة في القانون الروماني ، وقد لقيت قبولاً عند الفقهاء الفرنسيين وخاصة القدماء منهم ، كما يدل على ذلك النقاش الذي دار بينهم إبان وضع المادة ((1384)) من القانون المدني الفرنسي ، حول الأساس القانوني للمسؤولية وفق تلك المادة ، إذ أن سوء اختيار المتبوع لتابعه كان أحد الآراء السائدة آنذاك , ومن ثم فمن العدل أن ينال الأفراد الذين تضرروا من جراء هذه الثقة الطائشة تعويضاً من المتبوع بوصفه السبب والمصدر الحقيقي لما لحق بهم من أضرار معنوية(7). غير أن هذه النظرية لم تسلم من النقد ، لأنه توجد حالات يسأل فيها المتبوع عن أفعال تابعه ، رغم أنه لم يكن لديه الحرية في اختياره ، كما هو الحال عندما تقوم الإدارة بتعيين بعض الأفراد   لديها ، فهي ليست حرة في اختيارهم دائماً وإنما تقوم بتعيينهم تبعاً لدرجة نجاحهم في المسابقة التي تجريها ، ومن ثم تجد نفسها ملزمة بتعيينهم ، فإذا ما ارتكب أحدهم عملاً غير مشروع تحملت الإدارة نتائج أفعالهم مع أنه يتعذر القول بأنها اختارتهم وأساءت اختيارهم(8). وكذلك فقد رفض بعض فقهاء القانون العام نظرية الخطأ في الاختيار ، لأنها فكرة غامضة . والمتبوع لا يمكنه إذا ما أراد أن يختار أحد الأفراد ليعمل معه أن يحدد مسبقاً إمكانية وقوعه في الخطأ من عدمه بالإضافة إلى الانتقادات التي تعرضت لها نظرية الخطأ المفترض بصورة عامة كأساس تقوم عليه المسؤولية عن فعل الغير(9). وإزاء هذه الانتقادات التي وجهت لنظرية الخطأ المفترض في الاختيار ، فقد رفض المشرع المصري في القانون المدني هذه الفكرة ، وأكد ذلك صراحة بقوله (( وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه)) (10). وعلى هذا النهج ذاته سار القانون المدني الأردني عندما أجاز إلزام المتبوع بأداء الضمان عن عمل تابعه غير المشروع ((ولو لم يكن حراً في اختياره)) (11).

الفرع الثاني

الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه

إزاء الانتقادات الموجهة لفكرة الخطأ في الاختيار ، ذهب جانبٌ آخر من الفقه إلى القول بفكرة أخرى تنطوي تحت مضمون نظرية الخطأ المفترض أيضاً . فقالوا أن أساس مسؤولية المتبوع أو الإدارة ، هو الخطأ المفترض في رقابة وتوجيه التابع أو الموظف . بيد أن هذا التحول لم يبدأ بصورة مفاجئة ، بل أنه بدأ بالأخذ بفكرتي الخطأ في الاختيار والخطأ في الرقابة والتوجيه مجتمعين كأساس للمسؤولية عن فعل الغير . ولهذا فإن أساس مسؤولية الإدارة أو المتبوع عن أخطاء الموظفين أو التابعين ، هو الخطأ الواقع من جانب الإدارة أو المتبوع في اختيار تابعهما ، وكذلك خطؤهما في رقابته وتوجيهه(12)، إذ أن ارتكاب الموظف أو التابع للخطأ رغم بذل المتبوع العناية اللازمة في رقابته وتوجيهه ، يعني أن الخطأ قد حصل في الجانب الآخر ، وهو اختياره لهذا التابع والعكس صحيح  أيضاً ، فإن وقع الخطأ رغم حرص الإدارة أو المتبوع في اختياره ، أو إذا كان التابع ((الموظف)) مفروضاً عليه ، فإن هذا يعني أن خطأ المتبوع وقع في رقابته وتوجيهه إذ لو اهتم بذلك لما وقع الخطأ(13). هذا وقد وجد هذا الاتجاه ترحيباً من بعض الفقهاء الفرنسيين والمصريين(14)، كما أن القضاء الفرنسي والمصري أخذ بذلك ، ومن تطبيقات القضاء المصري بهذا الشأن حكم محكمة التمييز ((النقض والإبرام )) المصرية بشأن مسؤولية وزارة الدفاع ، حيث أنها قالت بأن هذه المسؤولية تقوم ((على خطأ مفترض من جانب المتبوع فرضاً لا يقبل إثبات العكس مرجعه سوء اختياره لتابعه وتقصيره في رقابته)) (15). غير أن هذا الاتجاه لم يأتِ بشيء جديد مما يعني أنه يكون عرضة للانتقادات السابقة ذاتها  ، إذ لا يجوز إقامة المسؤولية المدنية أو الإدارية على أساسين في آن واحد , وبسبب ذلك فقد رأى جانبٌ آخر من الفقه أن الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية الإدارة أو المتبوع عن أخطاء موظفيها أو تابعيه ، هو الخطأ الذي يقع من الإدارة أو المتبوع في رقابة وتوجيه الموظف أو التابع ، وتقوم هذه النظرية على أساس أن إصدار الأوامر هو حق للإدارة ويجب على الموظف تنفيذها ، ونتيجة لذلك يكون للإدارة الحق في رقابة وتوجيه الموظف بشأن كيفية تنفيذه للأوامر الصادرة إليه والأعمال المناطة به(16). هذا وأن حق الإدارة في هذا الشأن يقابله التزام عليها بضرورة مراقبة وتوجيه موظفيها طالما أن العمل يجري لمصلحتها وتحت إشرافها ، وذلك من أجل الحيلولة دون ارتكابهم خطأ يضر بالغير ، وهذا يعني بالضرورة قيامها بتعديل بعض التصرفات الخاطئة التي يمارسها هؤلاء الموظفين ، أو الغائها أحياناً أو وقف تنفيذها ، وذلك لأن ما للمراقب يكون للرقيب من باب أولى . فإذا وقع الخطأ ، فما ذلك إلاّ بسبب إهمال الإدارة ، أو تقصيرها في القيام بواجب الرقابة والتوجيه , ولذلك يكون هذا الخطأ هو الأساس الذي تقوم عليه مسؤوليتها(17). ويبدو لنا أن المشرع في القانون المدني قد أخذ بنظرية الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه كأساس لمسؤولية الإدارة أو المتبوع عن أخطاء تابعيه ، فالقانون المدني المصري أكد على مسؤولية المتبوع عن العمل غير المشروع الذي يحدثه تابعه إذا كان واقعاً منه حال تأديته لوظيفته أو بسببها . كما أنه نص على تحقق هذه المسؤولية ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه متى كانت عليه سلطة فعليه في رقابته وتوجيهه(18), وكذلك نجد أن هذه النظرية كانت من أهم الاتجاهات التي قيلت بشأن أساس مسؤولية المتبوع في القانون المدني الفرنسي(19) . هذا وقد حظيت هذه النظرية في بداية الأمر بتأييد بعض كبار الفقه في القانونين المدني والإداري إذ أنهم اتفقوا بأن أساس مسؤولية  الشخص الإداري ، أو المتبوع هو خطؤه المفترض في رقابة وتوجيه الموظف أو تابعه(20). غير أن هذه النظرية سرعان ما تعرضت لانتقادات كثيرة ، حتى أن بعضاً من  أنصارها قد تخلى عنها ومن أهم هذه الانتقادات ما يأتي :

  1. إذا كانت مسؤولية الإدارة ، أو المتبوع قائمة على الخطأ ، فإن المنطق يقضي بأن يكون لكل منهما إثبات عدم مسؤوليته عن طريق نفي العلاقة السببية بين خطئه وما وقع من ضرر ، أي بعبارة أخرى أن يكون له إثبات أن الضرر المعنوي المتمثل بالآلام والمعاناة كان لابد واقعاً حتى وإن قام بواجبه في الرقابة والتوجيه . غير أن ذلك لا يستطيع المتبوع أن يقوم به بإجماع الفقه والقضاء , فالإدارة أو المتبوع لا تستطيع نفي علاقة السببية إلاّ تلك التي تكون بين الضرر وخطأ الموظف أو التابع لا خطؤه هو ، وبهذا يستطيع التخلص من المسؤولية عن طريق نفي المسؤولية عن الموظف أو التابع التي هي شرط لقيام مسؤولية الإدارة أو المتبوع(21),  فالإدارة أو المتبوع يبقى مسؤولاً ، حتى وإن استطاع أن ينفي العلاقة السببية بين الضرر وخطـئه المفترض ، وفي ذلك دليل على أن مسؤولية الإدارة أو المتبوع ، لا تقوم على خطأ مفترض ، لا بل أنها لا تقوم أصلاً على الخطأ ، إذ المسؤولية ا لمؤسسة على  الخطأ ، حتى وإن كان هذا الخطأ لا يقبل إثبات العكس ، تزول عند نفي العلاقة السببية بينما نلاحظ هنا أن مسؤولية المتبوع تبقى حتى مع نفي هذه العلاقة .
  2. يعاب على هذه النظرية أنه لو كانت مسؤولية المتبوع قائمة على الخطأ المفترض ، لأنتفت هذه المسؤولية ، إذ كان المتبوع غير مميز ، لأنه لا يتصور ارتكابه للخطأ ، ومن ثم لا يمكن معه أيضاً أفتراض الخطأ بجانبه ، إلاّ أنه في الواقع يظل مسؤولاً بالرغم من عدم تمييزه ، وفي ذلك دليل آخر على أن مسؤولية المتبوع لا تقوم على الخطأ(22).
  3. وكذلك نلاحظ أن القواعد العامة في المسؤولية المدنية أو الإدارية ، تقضي بوجود رابطة بين الخطأ والضرر الذي أصاب المضرور ، وعند ملاحظة خطأ الموظف أو التابع يتبين أنه أكثر صلة بالضرر من خطأ الإدارة أو المتبوع ، ولهذا فإن المنطق يوجب علينا إقامة المسؤولية على الخطأ القريب ، وهو خطأ الموظف لأنه خطأ مباشر ، دون خطأ الإدارة ، لأنه ليس له أي صلة بالضرر الواقع لكونه خطأ غير مباشر(23).
  4. إن نظرية الخطأ المفترض ، لا تعدو أن تكون سوى فكرة وهمية بعيدة عن الحقيقة ، وذلك لأن الالتزام المفروض على الإدارة ، أو المتبوع سببها القانون ، وليس الفعل الضار ، فعندما ينص القانون على افتراض الخطأ بجانب المتبوع دون السماح له بنفي ارتكابه للخطأ ، فليس ذلك إلاّ مجرد خدعة قانونية ، أو إجراء صوري للإيهام بأن مسؤولية المتبوع تقوم على الخطأ بينما هي في الحقيقة مسؤولية موضوعية تقوم على فكرة تحمل التبعة(24).
  5. وأخيراً يرى بعض الفقه أن المسؤولية المبنية على الخطأ المفترض لا تسمح للإدارة أو المتبوع بالرجوع الكلي على التابع ، إذ أن خطأ التابع الذي أثبته المضرور قضاءً وخطأ الإدارة أو المتبوع المفترض قانوناً يعني أن كلاهما قد ارتكب خطأ يؤدي بالضرورة إلى اشتراكهما في دفع التعويض ، بينما نلاحظ أن القانون يسمح للمتبوع بالرجوع على من هو مسؤول عنه بما دفعه من تعويض(25)، وهذا هو عين ما نص عليه القانون المدني العراقي(26).

وإزاء هذه الانتقادات ، فقد تخلى عن هذه النظرية أحد أهم كبارها ، وتبنى فكرة الحلول أو النيابة وإن كان قد أيد نظرية الضمان ، وذلك لأن هذه النظرية تجعل الإدارة أو المتبوع مسؤولاً عن تابعه ، حتى لو أثبت أنه كان يستحيل عليه أن يمنع الخطأ الذي سبب الضرر ، إذ أن التزامه هو التزام بتحقيق غاية لا مجرد بذل عناية ، كما أنها تتلاءم مع مسؤولية المتبوع حتى ولو كان غير مميز(27).

هذا وقد تبنى بعض فقهاء القانون الإداري ، نظرية الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه كأساس للمسؤولية الإدارية . أما بشأن نظرية الضمان ، فقد قالوا عنها أنها تتلاءم مع قواعد القانون المدني ، وخاصة عندما يكون المتبوع فرداً عادياً . غير أنه لا يوجد أي اختلاف حقيقي بين نظرية الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه ونظرية الضمان كأساس لمسؤولية الإدارة , وذلك لان فكرة المتبوع غير المميز تقتصر على مسؤولية الأفراد ولا محل لها في القانون الإداري ، وكذلك فإنه من المتعذر على المتبوع في إطار المسؤولية الإدارية ، أن يقوم بنفي العلاقة السببية بين خطؤه المفترض وما حدث من ضرر ، وذلك لهيمنة الإدارة المطلقة على موظفيها ، بحيث يمكن معه القول بتحقق علاقة السببية دائماً بين الخطأ المفترض والضرر الذي أصاب الغير ، ونتيجة لذلك فإن فكرة الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه تصلح لأن تكون أساساً لمسؤولية الإدارة عن أخطاء موظفيها(28). غير أن هذه النظرية ، لم تحظَ بإجماع فقه القانون العام ، إذ أن بعضهم أخذ عليها ما يأتي :

  1. إن نسبة الخطأ للإدارة بوصفها أحد أشخاص القانون العام أمرٌ لا يمكن التسليم به , وذلك لعدم توافر أحد ركني الخطأ ، وهو الإدراك أو التمييز .
  2. إن السلطة الفعلية التي يملكها المتبوع ، وما تقتضيه هذه السلطة من القدرة على إصدار الأوامر والتعليمات بغية رقابة وتوجيه تابعه ، هي في الواقع رابطة التبعية والتي تعد شرطاً لازماً لقيام مسؤولية المتبوع وليس أساساً لها ، فلو كان الخطأ في الرقابة والتوجيه أساساً لهذه المسؤولية لوجب على المضرور أن يثبت ذلك الخطأ ، ولكان في وسع المتبوع أن ينفيه بأن يثبت عدم وجود إرتباط بين الخطأ الذي ارتكبه التابع وبين العمل الذي يقوم به لحسابه .
  3. ربما يمكن التسليم بنظرية الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه ، كأساس لمسؤولية الإدارة , لو كان نشاط الإدارة مقتصراً على مجرد إصدار القرارات الإدارية ، إذ تظهر في هذا العمل هيمنة الإدارة التامة بسبب مرور عملية إصدار القرار الإداري ، بمراحل عدة قبل إعلانه ، مما يؤدي إلى خضوعه لرقابة شديدة من قبل الرئيس الإداري الأعلى . ولكن أعمال الإدارة ، لا تقتصر على القرارات الإدارية ، وإنما هناك أعمال أخرى تقوم بها كالأعمال المادية ، وفي هذه الأعمال تقف سلطة الإدارة في بعض الأحيان عند حد التوجيه العام غير المحدد ، وفقاً لطبيعة العمل الذي يقوم به الموظف وكيفية أدائه ، الأمر الذي يضعف من أهمية هذه الرقابة ، أو يجعلها مجرد إجراء شكلي ، وعندئذٍ تتساوى الإدارة في رقابتها على العاملين لديها مع رقابة المتبوعين في القانون الخاص .
  4. وكذلك إذا سلمنا جدلاً بإمكان افتراض الخطأ بجانب الإدارة بسبب إحكامها الرقابة على أعمال موظفيها ، فإن ذلك لا يتلاءم مع نظرية الخطأ المفترض ، لأن من كانت مسؤوليته قائمة على أساس الخطأ بجانبه ، فإن مسؤوليته تكون شخصية ذاتية ، ولا يمكنه التخلص منها إلاّ بإثبات أنه لم يقصر بواجب الرقابة فيما هو مهيمن عليه ، فإذا كانت مسؤولية الإدارة عن أعمالها هي من قبيل مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه ، فإن قرينة افتراض الخطأ بجانب الإدارة مع هيمنتها المطلقة على أعمال موظفيها ، توجب في هذه الحالة جعل مسؤولية الإدارة مسؤولية ذاتية ، بينما هي ليست كذلك باتفاق الفقهاء ، وذلك لأن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه ، ما هي إلاّ من قبيل المسؤولية عن فعل الغير(29).
  5. إن الإقرار بأن أساس مسؤولية المتبوع من الأفراد تقوم على نظرية الضمان ، وكذلك ترجيح نظرية الخطأ المفترض كأساس تقوم عليه مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها، كل هذا يعني وجود أساسين مختلفين لمسألة واحدة ينطبق عليها نص واحد ، وهذا أمر من الصعب التسليم به(30).

ونحن بدورنا نؤيد صحة هذه الحجج القانونية ، ولذلك لم يعد بالإمكان التسليم بصحة نظرية الخطأ المفترض باعتبارها الأساس القانوني الصحيح لمسؤولية الإدارة من أخطاء موظفيها .

 

الفرع الثالث

موقف التشريع العراقي

أن المشرع العراقي ، قد أخذ بالاتجاه التقليدي الذي يقيم المسؤولية على أساس الخطأ ، إذ أنه نص على ذلك بقوله : ( 1- الحكومة والبلديات والمؤسسات الأخرى التي تقوم بخدمة عامة وكل شخص يستغل إحدى المؤسسات الصناعية أو التجارية مسؤولون عن الضرر الذي يحدثه مستخدموهم إذا كان الضرر ناشئاً عن تعدٍ وقع منهم أثناء قيامهم بخدماتهم. 2- ويستطيع المخدوم أن يتخلص من المسؤولية إذا أثبت أنه بذل ما ينبغي من العناية لمنع وقوع الضرر ، أو أن الضرر كان لابد واقعاً حتى ولو بذل هذه العناية)) (31). يتضح لنا أن المشرع العراقي ، جعل من الخطأ الأساس القانوني لمسؤولية الإدارة عن الضرر المعنوي ، وذلك لأن النص جاء مطلقاً والمطلق يجري على إطلاقه .  ومن جهة أخرى فقد وصف المشرع العراقي ، هذا الخطأ بأنه مفترض في جانب الأشخاص الإدارية التي حددتها المادة المذكورة . إلاّ أن التساؤل الذي يطرح هنا هل أن القانون المدني العراقي تبنى خطأ الإدارة في الاختيار أم الخطأ في الرقابة والتوجيه أو أنه جمع بينهما معاً كأساس للمسؤولية الإدارية ؟ للإجابة عن ذلك نقول أن الأعمال التحضيرية للقانون المدني العراقي ، لا تبين لنا سوى اعتماد المشرع العراقي على فكرة الخطأ ، كأساس لمسؤولية  الإدارة بشكل عام دون أن تحدد نوع الخطأ المذكور(32). إلاّ أنه ولما كان المشرع العراقي عند وضعه للنص المتقدم قد اعتمد على الشريعة الإسلامية والقانون المدني المصري ، ورغم أنه قد أغفل النص على قيام رابطة التبعية حتى ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه ، كما نص على ذلك القانون المدني المصري ، فإن ذلك لا يعني أن المشرع العراقي يأخذ بمبدأ الخطأ في الاختيار أساساً تقوم عليه المسؤولية الإدارية ، ونعزز من قولنا هذا بالحجج الاتية :

  1. أنه في نطاق العمل الوظيفي لدى الهيئات الإدارية التي تقوم بتقديم الخدمات العامة ، ليس لأي منهما الحرية في اختيار الأفراد العاملين لديها ، وذلك لأنها مقيدة بموجب نصوص دستورية وتشريعية ، يصار إلى تطبيقها عند تعيين الأفراد عندما تتوافر شروط تطبيقها ، وقد أكد دستور جمهورية العراق لعام 1970 ، على ذلك عندما نص على مبدأ المساواة أمام القانون في تولي الوظائف العامة(33). وكذلك فإن قانون الخدمة المدنية حدد هو الآخر الشروط الواجب اتباعها للتعيين في الوظيفة العامة(34)، مما تنعدم معه السلطة التقديرية للإدارة ، ويجعل واجبها محصوراً بمجرد تطبيق النصوص القانونية(35).
  2. إن القضاء العادي في العراق ، وفي إطار المسؤولية عن الأعمال المادية ، أخذ بفكرة الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه أساساً للمسؤولية الإدارية بمقتضى المادة ((219)) من القانون المدني العراقي . ومن تطبيقاته بهذا الشأن حكمه الذي ورد فيه ما يأتي ((تسأل دائرة   الكهرباء عن الأضرار التي تصيب الأفراد … إذ ينبغي عليها الرقابة والصيانة للشبكة الكهربائية …))(36). وفي حكم آخر جاء ما يأتي ((تسأل الدائرة عن تعويض الضرر الذي أحدثه سائقها … طالما ثبت الخطأ والتعدي من جانب السائق مما يحقق مسؤولية الدائرة لإهمالها الواضح في رقابته)) (37).

وبذلك فإن الخطأ المفترض بجانب الإدارة ، يتحقق عندما لا تبذل العناية اللازمة في رقابة وتوجيه الموظف ، وإلى ذلك التفسير يذهب الفقه العراقي ، وذلك لأن العناية في اختيار الموظف ما هي إلاّ فكرة قديمة ومهجورة لا تصلح لأن تكون أساساً للمسؤولية مدنية كانت أم إدارية ، وخاصة في حالة اضطرار الهيئات الإدارية لطلب المعونة من الأفراد تحقيقاً للصالح العام . كما هو الأمر في حالة الخدمة العسكرية ، أو في حالة الموظفين الفعليين ، وذلك لانعدام حرية الاختيار في هذه الحالة ، ولأن العمل لدى الهيئات العامة يعود عليها وللمجتمع بالنفع والفائدة(38).

هذا وكما تبين لنا مما تقدم أن المشرع العراقي ، أوجد بجانب الموظف الذي تسبب بخطئه في وقوع الضرر أياً كان نوعه شخصاً إدارياً آخر ، افترض المشرع الخطأ بجانبه ، يكون بذلك قد مال قليلاً نحو حماية المضرور إلاّ أنه لم يجعل هذا الخطأ قاطعاً بل بسيطاً يجوز معه للهيئات الإدارية التي وردت حصراً في النص المذكور التخلص من المسؤولية وتعطيل ما أراده المشرع نفسه من حماية للمضرور ، وذلك بإثباتها أنها قد بذلت العناية اللازمة لمنع وقوع الضرر , أو أن الضرر كان لابد واقعاً حتى مع قيامها بواجب العناية ، وفقاً لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة ((219)) ، وبهذا يكون المشرع قد تلافى بعض النقد الموجه إلى نظرية الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه ، والذي مقتضاه أنه لما كانت مسؤولية الإدارة أو المتبوع قائمة على أساس الخطأ المفترض لكان من حقها إثبات عدم خطئها أو بنفي العلاقة السببية بين الخطأ المفترض والضرر(39). وبذلك اختلف موقف القانون المدني العراقي عن القانون المدني الفرنسي والمصري إذ أنهما قد جعلا الخطأ قاطعاً غير قابل لإثبات العكس ، وبذلك يكون موقفهما أكثر حماية للمضرور من موقف المشرع العراقي(40).

إن السؤال الذي يطرح هنا أيضاً هو لماذا اعتمد المشرع العراقي الخطأ أساساً لمسؤولية الأشخاص الإدارية بمقتضى المادة ((219)) من القانون المدني وهل كان بإمكانه أن يقيم هذه المسؤولية على غير من فكرة الخطأ ؟ للإجابة عن ذلك نقول أن تمسك المشرع العراقي بفكرة الخطأ بوصفها الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية الإدارة ، يرجع بالدرجة الأولى إلى أن القانون المدني العراقي حديث العهد بهذا النوع من المسؤولية ، وأنه عند انفصال العراق من الامبراطورية العثمانية ، كان يطبق أحكام الشريعة الإسلامية على قضايا المسؤولية ، ولما كانت الشريعة الإسلامية لا تعرف سوى فكرة الخطأ أساساً لتحقق المسؤولية ، ولهذا فقد فضل المشرع العراقي الإبقاء على هذه الفكرة معللاً ذلك بالتخلف الاقتصادي والصناعي الذي يعاني منه العراق آنذاك(41). لقد تعرض مسلك المشرع العراقي ، إلى انتقاد الفقه العراقي سواء من حيث اعتماده على أفكار أصبحت بالية ومهجورة فقهاً وقضاءً ، أم من حيث الاعتبارات التي تمسك بها في تبرير بقائه موالياً لنظرية الخطأ . وفي هذا الصدد نقول مع الفقه بأنه إذا كان صحيحاً أن التنظيم القانوني في أي بلد يرتبط بالتقدم الحضاري الذي وصل إليه . إذ قد يصدر التشريع وهو يعبر عن واقع حضاري معين سبقه في الوجود إلاّ أن التشريع قد يصدر ، وهو متقدم على الواقع السائد وذلك بهدف سحب الواقع الحضاري القائم إلى واقع آخر سيكون هو الأفضل من وجهة نظر المشرع . وبذلك يمكن أن تسهم التشريعات في بناء التقدم الحضاري وبوقت أقل مما لو ترك الأمر للزمن وحده . وعلى ذلك فلا نعتقد أن التقدم الحضاري يشكل قيداً على التشـريع بحيث أن على هذا الأخير ، أن لا يتعدى المرحلة الحضارية التي شرع فيها ، بل أن الحاجة إلى تغيير أو تعديل التشريع وفق ما تتطلبه المرحلة الحضارية القادمة ليست إلاّ لأن هذه المرحلة قد كشفت عن عيوب لم تكن ببال المشرع وقت سنه للقانون ، بحيث لو كانت بحسبانه لوجب عليه تلافيها دون انتظار اللحظة التي تتكشف فيها هذه العيوب ، فإذا لم يبادر المشرع إلى ذلك لتضاعفت العيوب في التشريع ، وهو ذات ما حصل في القانون المدني العراقي بخصوص الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية الإدارة وفقاً لأحكام المادة ((219)) منه ، فقد لاحظنا أنه جعل هذا الأساس هو الخطأ المفترض افتراضاً بسيطاً رغم علمه بأن هذا الأساس لم يعد مقبولاً في التشريعات الحديثة(42). وعلى هذا الأساس تكون الأسباب التي تمسك بها المشرع العراقي ، والتي من بينها أن التقدم الحضاري في البلد لم يصل إلى ما بلغته الدول المتقدمة ، لا يمكن التسليم بها ، ومن ثم بات عليه أن يساير التقدم التشريعي في البلدان الأخرى ، وذلك بالبدء من حيث ما انتهت إليه أحدث التشريعات وقت تشريع قانوننا المدني . وإذا كان الإبقاء على فكرة الخطأ المفترض أمراً لابد منه من وجهة نظر واضعي القانون المدني العراقي ، فلا نعلم السبب الذي دعاه لأن يجعل من الخطأ بسيطاً ، فهل أن المرحلة الحضارية كانت تقتضي أن لا يكون ذلك الخطأ قاطعاً خاصة بعد التطورات التي شهدها القطر في مختلف المجالات الصناعية والعمرانية ، إذ نلاحظ أن الدولة اليوم ومن خلال هيئاتها العامة المختلفة ، أخذت تخطط من أجل التوسع في النشاط الصناعي والزراعي وغيرهما ، الأمر الذي يستلزم استخدام الآلام الميكانيكية المتطورة ولا يخفى عن الأذهان ما فيها من مخاطر على الأفراد . وبذلك تنتفي الحكمة من التمسك بنظرية الخطأ البسيط أساساً للمسؤولية الإدارية ، مما يقتضي إعادة النظر في النص العراقي بما يحقق أفضل الضمانات للمتضررين(43).      وعلى هذا الأساس ندعو مع الفقه لأن يتبنى المشرع نظريات أخرى أساساً لمسؤولية الإدارة أفضل بكثير من فكرة الخطأ ولعل في مقدمتها نظرية المخاطر الإدارية(44) أو تحمل التبعة أو المنفعة(45) التي تكون من أهم هذه النظريات ، إذ أن نظرية الخطأ لا تعد أساساً صالحاً لمسؤولية الإدارة ، وقد لاحظنا أن المشرع العراقي في الوقت الذي جعل من الخطأ أساساً لمسؤولية الإدارة أو المتبوع ، إلاّ أنه عاد وبمقتضى المادة ((220)) من القانون المدني ليعطي الحق للإدارة أو المتبوع بوصفهما مسؤولين عن أفعال تابعيهم بالرجوع عليهما بما دفعا من تعويض للمضرور ، وقد جاء هذا النص مطلقاً مما يعني أن الإدارة لا تتحمل تبعة التعويض ولو كانت هي المسؤولة عن الخطأ . وهذا يعني أن أساس مسؤولية الإدارة هو نظرية الضمان(46)، وذلك لأن المشرع أوجد بجانب مرتكب الخطأ شخصاً إدارياً موسراً يحق للمضرور مطالبته بالتعويض وبعد ذلك يكون لهذا الأخير الحق في الرجوع على تابعه بما ضمنه . إن ما يؤكد من صحة وجهة نظرنا المتقدمة أن الإدارة بوصفها شخصاً معنوياً عاماً لا تمتلك الإرادة الذاتية التي تمكنها من التعبير ، بعكس الأشخاص الطبيعية ، ولهذا لا يمكن أن ينسب الخطأ إليها . ووفقاً لذلك يقتضي القول بأن مسؤولية الإدارة مشروطة بوقوع خطأ وليست مؤسسة على  الخطأ ، وأن هذه المسؤولية تعد من قبيل المسؤولية عن فعل الغير ، وذلك لأن نشاط الإدارة يمارس بواسطة الأشخاص الطبيعيين الذين يعملون باسمها ولحسابها ، وينسب إليها ما يقوم به هؤلاء الأشخاص من أعمال لصالحها(47). وبما أن الإدارة تستفيد من نشاط تابعيها ، لذا وجب عليها تعويض الأضرار الناشئة عن تلك المنفعة تطبيقاً لمبدأ الغرم بالغنم . هذا وأن فكرة المنفعة ، لا تعني إلزام الإدارة بالتعويض بشكل مطلق ، وإنما تلتزم الإدارة فقط بتعويض الضرر المعنوي الناشئ عن نشاط موظفيها ، طالما أن هذا الضرر ناجم عن الواجبات المناطة بهم . أما ما يمارسه الموظف من نشاطات خارج تلك الواجبات ويترتب عليه ضررٌمعنويٌ لأحد الأفراد فلا يدخل ضمن إطار المنفعة ، ومن ثم لا تلتزم الإدارة بتعويضه(48). وختاماً ندعو مشرعنا إلى أن يحث الخطى سريعاً نحو اعتناق هذه الأفكار , خاصة وأن قانون إصلاح النظام القانوني نص على ضرورة ((إقامة المسؤولية عن عمل الغير على عنصر الضرر تأسيساً على فكرة الضمان بحيث يكون المتبوع مسؤولاً عن الأضرار التي يحدثها تابعه ، وله الرجوع على التابع ، إذ نشأ الضرر عن تعمده أو خطئه الجسيم)) (49)  إننا نؤيد ما جاء به هذا القانون ، ونرى ضرورة تطبيقه في مجال مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية ، ولا ينتقص من ذلك ما يذهب إليه بعض فقه القانون الخاص ، من أن المشرع العراقي لم يتخلص نهائياً من الخطأ (50)   , فإذا كان هذا الأمر ينسجم مع قواعد القانون المدني ، فإنه في إطار القانون الإداري , نرى ضرورة الإبقاء على مسؤولية الموظف الشخصية في حالة خطأه الجسيم ، أو تعمده إلحاق الضرر بالغير ، إذ أن القول بخلاف ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تهور موظفي الإدارة ، وإلى تستر بعضٍ منهم بستار الوظيفة لتحقيق أغراضه الخاصة غير المشروعة ، كما أن من شأن ذلك أن يدفعهم إلى الحرص في أداء واجباتهم بدقة وأمانة ، وعلاوة على ذلك فإن من شأن هذا الأمر أنه يحول دون تبديد الأموال العامة بسبب أخطاء كان بإمكان الموظف تحاشيها بطريقة اعتيادية .

________________

1-   ينظر في ذلك المواد (((1384 مدني فرنسي ، 174 مدني مصري ، 219 مدني عراقي)) . وفي شرح ذلك ينظر أستاذنا الدكتور إبراهيم طه الفياض : مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها في العراق ، دراسة مقارنة، مطبعة عبدة وأنور أحمد، دار النهضة العربية، القاهرة ،1973  ص 473 وما بعدها .

2-  ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها في العراق ، مصدر سابق ، ص478-480 . والدكتور عادل أحمد الطائي:المسؤولية المدنية للدولة عن أخطاء موظفيها ، الطبعة الثانية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999 ، ص 147 . وكذلك جبار صابر طه : إقامة المسؤولية المدنية عن العمل غير المشروع على عنصر الضرر وحده ، مديرية مطبعة جامعة الموصل ، منشورات جامعة صلاح الدين ، 1984، ص315 . 

3- ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 147 .

4-   ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 479 . وكذلك جبار صابر طه : إقامة المسؤولية المدنية عن العمل غير المشروع على عنصر الضرر وحده ، مديرية مطبعة جامعة الموصل ، منشورات جامعة صلاح الدين ، 1984ص315 .

5- ينظر في ذلك حكم محكمة الاسنئناف المصرية في 28/1/1928 ، أشار له الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 479 . وكذلك تعليق مصطفى مرعي : المسؤولية المدنية في القانون المصري ، الطبعة الثانية ، الناشر مكتبة عبد الله وهبه ، القاهرة ، 1944 ، ص167 . وكذلك ينظر بهذا الشأن حكم محكمة السين الفرنسية في 26/7/1931 ، مشار له لدى الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص148 . وكذلك الدكتور محمد الشيخ عمر دفع الله : مسؤولية المتبوع ، مطبعة سبل العرب ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1970 ، ص87 .

6-  ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 479-480 .

7-  ينظر في ذلك جبار صابر طه : إقامة المسؤولية المدنية عن العمل غير المشروع على عنصر الضرر وحده ، مصدر سابق ،        ص 315 . وكذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص148 .

8-  ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 149 . والدكتور محمود سعد الدين الشريف : شرح القانون المدني العراقي ، نظرية الالتزام ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1955 ، ص 426-427 .

9- ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 149 . وكذلك الدكتور عاطف النقيب : النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل الغير ، الطبعة الأولى ، منشورات عويدات ، بيروت، 1987 ، ص 104 . والدكتور يحيى أحمد موافي : الشخص المعنوي ومسؤولياته قانوناً مدنياً وإدارياً وجنائياً ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1987 ، ص116-117 .

10-  ينظر في ذلك الفقرة ((2)) من المادة (((174)) من القانون المدني المصري.

11-  ينظر في ذلك الفقرة ((ب)) من المادة ((288)) من القانون المدني الأردني لعام 1976 .

12-  ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 150 . وكذلك محمد مصطفى حسن : تكييف دعوى المتبوع على   التابع ، مجلة إدارة قضايا الحكومة ، العدد الثالث السنة السادسة عشرة ، يوليو – سبتمبر، 1972 , ص 754 .

13- ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي  : مصدر سابق ، ص 150 .

14-  ينظر في ذلك جلال محمد عبد الله الخطيب : مسؤولية المتبوع المدنية عن أعمال تابعه ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1982 ، ص 249-252 . وكذلك المصادر المشار إليها في الصفحات السابقة .

15-  ينظر في ذلك قرار محكمة التمييز المصرية ، في 1/6/1971 ، منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة ، العدد الرابع السنة الخامسة عشرة ، أكتوبر – ديسمبر ، 1971 ، ض1002 . و بهذا المعنى نفسه ينظر قرارها في 7/10/1958 ، مشار له لدى الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 151 . وكذلك القرارات القضائية التي أشار لها جلال محمد عبد الله الخطيب : مصدر سابق ،   ص251 .

16-  ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 150-151 .

17- ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 486-487 . والدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 151-152 . وكذلك جلال محمد عبد الله الخطيب : مصدر سابق ، ص253 وما بعدها .

18-  ينظر في ذلك المادة ((174)) من القانون المدني المصري .

19-  ينظر في ذلك جبار صابر طه : إقامة المسـؤولية المدنية عن العمل غير المشروع على عنصر الضرر وحده ، مصدر سابق ، ص315 . وكذلك جلال محمد عبد الله الخطيب : مصدر سابق ، ص318 .

20-  ينظر في ذلك الدكتور سليمان محمد الطماوي :  القضاء الإداري ، قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام ، الكتاب الثاني ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1986,  ص297 وما بعدها . والدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الأول ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الأولى، 1952، ص 1180 .

21-  ينظر هذا الشروط بالتفصيل لدى الدكتور إبراهيم طـه الفياض : مصدر سابق ، ص 158 وما بعدها.

22- ينظر في ذلك الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : مصدر سابق ، ص1180-1182 .

23-  ينظر في ذلك الدكتور يحيى أحمد موافي : الشخص المعنوي ومسؤولياته قانوناً مدنياً وإدارياً وجنائياً ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1987، ص116 . وكذلك جلال محمد عبد الله الخطيب : مسؤولية المتبوع المدنية عن أعمال تابعه ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1982 ، ص 257 .

24-  ينظر في ذلك الدكتورة بشرى جندي : تحمل التبعة في المسؤولية غير العقدية ، مجلة إدارة قضايا الحكومة ، العدد الثالث السنة الثالثة عشرة ، 1969 ، ص555 .

25-  ينظر في ذلك الدكتور محمد الشيخ عمر دفع الله :مسؤولية المتبوع ، مطبعة سبل العرب، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1970 ، ص 92 .

26- ينظر في ذلك المادة (220)) من القانون المذكور .

27-  ينظر في ذلك الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، مصدر سابق ، ص 1184-1186 .

28-  ينظر في ذلك الدكتور سليمان محمد الطماوي : القضاء الإداري ، مصدر سابق ، ص300 .

29- بشأن تكييف هذه المسؤولية ينظر الدكتور عبد الرزاق السنهوري : مصدر سابق ، ص1184 . وكذلك الدكتور عبد المنعم فرج الصدة : مصادر الالتزام ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر , 1960 ، ص 538 وما بعدها . وكذلك الدكتور محمود سعد الدين الشريف : شرح القانون المدني العراقي ، نظرية الالتزام ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1955 ، ص427 .

30-  ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 492-495 .

31-  ينظر في ذلك المادة ((219)) من القانون المدني العراقي . وفي شرح ذلك ينظر الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص157 وما بعدها .

32- ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 160 .

33-  ينظر في ذلك الفقرتان ((ب)) من المادتين ((19 ،30)) من الدستور .

34-  ينظر في ذلك المادة ((7)) من قانون الخدمة المدنية رقم ((24)) لسنة 1960 المعدل .

35- ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 480-481 .

36- ينظر في ذلك قرار محكمة التمييز المرقم ((1867)) مدنية ثالثة ، منقول ، في 20/9/1988 ، منشور في مجموعة الأحكام العدلية ، العدد الثالث ، 1988 ، ص24 . وكذلك حكمها المرقم ((892)) مدنية ثالثة ، 1974 ، في 4/9/1974 ، منشور في النشرة   القضائية ، العدد الثالث السنة الخامسة ، 1977 ، ص47 .

37-  ينظر في ذلك قرار محكمة التمييز المرقم ((198)) مدنية أولى ، في 2/9/1981 ، منشور في مجموعة الأحكام العدلية ، العدد الثالث  السنة الثالثة عشرة ، 1981 ، ص13 . وكذلك القرارات التي أشار إليها الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص 482 . وكذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 160-161 .

38-  ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه  الفياض : مصدر سابق ، ص 482-483 .

39-  ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص487-488 . وكذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ،    ص 159 .

40- ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص476 .

41-  ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص475-476 . وكذلك ينظر الأعمال التحضيرية للقانون المدني العراقي ، نقلاً عن سلمان بيات : القضاء المدني ، الجزء الأول ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، 1962 ، ص 241 .

42-   ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 161-162 .

43-   ينظر في ذلك الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 162-163 .

44-  في بيان مفهوم هذه النظرية ينظر الدكتور السيد صبري : نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الدولة في القانون الإداري ، مجلة العلوم الإدارية ، العدد الأول السنة الثانية ، يونيو ، 1960 ، ص199 وما بعدها . وكذلك الدكتور محمد فؤاد مهنا : حقوق الأفراد إزاء المرافق العامة والمشروعات العامة , معهد البحوث والدراسات العربية ، 1970 ، ص414-420 .

45-   ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص614 وما بعدها . والدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ،      ص182-185 .

46-  ينظر الدكتور عادل أحمد الطائي : مصدر سابق ، ص 163 وما بعدها .

47-   ينظر في ذلك :

RENE chapus. , Responsabilite publique et responsabilite privee, L.G.J. Paris, 1954 , P. 202-227.

48- ينظر في ذلك الدكتور إبراهيم طه الفياض : مصدر سابق ، ص615 .

49-  ينظر في ذلك قانون إصلاح النظام القانوني رقم ((35)) لسنة 1977 ، دار الحرية للطباعة ، وزارة العدل ، بغداد ، 1977 ، ص37 .

50-  ينظر في ذلك علي عبيد عودة : العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وتطبيقاتها القضائية ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1977 ، ص105 .

 

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .