المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16642 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (137-139) من سورة النساء  
  
4689   02:29 مساءً   التاريخ: 24-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء : 137-139] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} قيل في معناه أقوال أحدها : إنه عنى به الذين آمنوا بموسى ، ثم كفروا بعبادة العجل ، وغير ذلك {ثُمَّ آمَنُوا} يعني النصارى بعيسى {ثُمَّ كَفَرُوا} به {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عن قتادة . وثانيها : إنه عنى به الذين آمنوا بموسى ، ثم كفروا بعد موسى ، ثم آمنوا بعزير ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الزجاج ، والفراء .

وثالثها : إنه عنى به طائفة من أهل الكتاب ، أرادوا تشكيك نفر من أصحاب رسول الله ، فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم ، ثم يقولون : قد عرضت لنا شبهة أخرى فيكفرون ، ثم ازدادوا كفرا بالثبات عليه إلى الموت ، عن الحسن ، وذلك معنى قوله تعالى : {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} . ورابعها : إن المراد به المنافقون ، آمنوا ثم ارتدوا ، ثم آمنوا ثم ارتدوا ، ثم ماتوا على كفرهم ، عن مجاهد ، وابن زيد . وقال ابن عباس : " دخل في هذه الآية كل منافق كان في عهد النبي ، في البحر والبر " .

{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} بإظهارهم الإيمان ، فلو كانت بواطنهم كظواهرهم في الإيمان ، لما كفروا فيما بعد {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} معناه : ولا يهديهم إلى سبيل الجنة ، كما قال فيما بعد : ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم . ويجوز أن يكون المعنى أنه يخذلهم ، ولا يلطف بهم ، عقوبة لهم على كفرهم المتقدم . ثم قال {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} أي : أخبرهم يا محمد {بِأَنَّ لَهُمْ} في الآخرة {عَذَابًا أَلِيمًا} أي :

وجيعا إن ماتوا على كفرهم ونفاقهم . وفي هذه الآية دلالة على أن الآية المتقدمة ، نزلت في شأن المنافقين ، وأنه الأصح من الأقوال المذكورة ، ثم وصف هؤلاء المنافقين ، فقال : {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ} أي : مشركي العرب ، وقيل : اليهود {أَوْلِيَاءَ} أي : ناصرين ، ومعينين ، وأخلاء {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي : من غيرهم {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} أي : أيطلبون عندهم القوة والمنعة ، باتخاذهم هؤلاء أولياء من دون (2) الإيمان بالله تعالى ، ثم أخبر سبحانه أن العزة والمنعة له ، فقال : {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} يريد سبحانه : إنهم لو آمنوا مخلصين له ، وطلبوا الاعتزاز بالله تعالى ، وبدينه ، ورسوله ، والمؤمنين ، لكان أولى بهم من الاعتزاز بالمشركين ، فإن العزة جميعا لله سبحانه ، ومن عنده ، يعز من يشاء ، ويذل من يشاء .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 216-217 .

2. [أهل] .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ولا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} قد يؤمن الإنسان بدين من الأديان ، أو بمبدأ من المبادئ ، ويتعصب له ، ويناضل من أجله أهل الأديان والمبادئ الأخرى ، ثم يدرس ويبحث ، فيتبين له مواقع الخطأ فيه ، فينفصل عنه ، وينضم إلى صفوف الصالحين الذين كانوا بالأمس من ألد أعدائه . . وعلى هؤلاء أن يقبلوه ويرحبوا به ، وليس من حق أي إنسان أن يعيب وينكر عليه هذا العدول بعد ان سلك الطريق الصحيح الذي ظهر له ، بل يجب أن يمدح ويكرم ، لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة ، والإصرار عليه رذيلة .

هذا إذا ثبت ودام على إيمانه الجديد ، أما إذا عدل ، وأعاد سيرته الأولى ، ثم عدل ، وأعاد . . وهكذا يفعل مرات وكرات ، أما هذا فيجب نبذه وطرده ، بل يجب أن يعاقب بأقسى العقوبات وأشدها . . وهذا ما التزمت به أهل الأديان ، وأرباب المذاهب السياسية قديما وحديثا ، لأن تقلبه هذا ان دل على شيء فإنما يدل على انه ساخر ماكر ، ومفتر كذاب ، يلج في الفساد والغواية ، ويزداد من الإثم والضلالة كلما دخل وخرج . . وهذا وأمثاله هم المعنيون بقوله تعالى :

{آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً} بهذا التقلب والتلاعب {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} ما داموا متزلزلين يتقلبون بين الكفر والإيمان {ولا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} لأنهم أضاعوا السبيل بسوء اختيارهم بعد ان عرفوه وسلكوه .

والخلاصة ان المؤمن هو الذي يثبت على إيمانه مهما تقلبت الظروف ، واختلفت الأحوال ، أما الذي يرتد مرة ومرة فهو أسوأ حالا ممن ثبت على الكفر والإلحاد .

{بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} . قال الرازي : استعمل سبحانه البشارة بالعذاب للتهكم ، تماما كما تقول العرب : تحيتك الضرب ، وعتابك السيف .

ويلاحظ بأن أسلوب القرآن أبعد ما يكون عن التهكم . . والأقرب ان المراد بالبشارة مجرد الأخبار ، وجاز استعمالها في المكروه لوجود القرينة ، كما أسلفنا في فقرة اللغة .

{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} . كل منا يريد أن يكون شيئا مذكورا في هذه الحياة ، وقد يحرص بعض الناس أن يشتهر بالطيبة والصلاح ، أو بالفهم والعلم ، ولكن البعض يريد العزة والشهرة بأي شيء كان ، ويبيع دينه من أجلها للشيطان ، ويتخذه وليا يسمع له ويطيع .

وهنا يأتي السؤال في توبيخ واستنكار من رب العزة ، لا من سواه : أيطلب هؤلاء العزة من الشيطان وأوليائه الأدنياء الأذلاء ؟ وهل العزة إلا بالإيمان والتقوى ؟ . . لقد أذل الإسلام بعزته جميع الأديان ، فكيف تطلب العزة ممن كفر به ؟ .

والمؤمنون الذين عناهم بقوله : {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} هم الذين يعتز بهم الإسلام ، لأنهم أعزوه وأعلوا كلمته بجهادهم وتضحياتهم . . وقد تكلمنا مفصلا عن موالاة الكافرين عند تفسير الآية 28 من سورة آل عمران ، فقرة « موالاة المؤمن للكافر » .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 462-463 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } الآية لو أخذت وحدها منقطعة عما قبلها وما بعدها كانت دالة على ما يجازي به الله تعالى أهل الردة إذا تكررت منهم الردة بأن آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا فالله سبحانه يوعدهم ـ وحالهم هذا الحال ـ بأنه لا يغفر لهم ، ولا يهديهم سبيلا ، وليس من المرجو منه المتوقع من رحمته ذلك لعدم استقرارهم على إيمان ، وجعلهم أمر الله ملعبة يلعبون بها ، ومن كان هذا حاله لم يثبت بالطبع على إيمان جدي يقبل منه ، وإن كانوا لو آمنوا إيمانا جديا شملتهم المغفرة والهداية فإن التوبة بالإيمان بالله حقيقة مما لا يرده الله في حال على ما وعد الله تعالى عباده ، وقد تقدم الكلام فيه في قوله تعالى { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ} : الآية (النساء : 17) في الجزء الرابع من هذا الكتاب.

فالآية تحكم بحرمانهم على ما يجري عليه الطبع والعادة ، ولا تأبى الاستثناء لو اتفق إيمان واستقامة عليه من هذه الطائفة نادرا كما يستفاد من نظير الآية ، قال تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ـ إلى أن قال ـ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } (آل عمران : 90) .

والآيات ـ كما ترى ـ تستثني ممن كفر بعد إيمانه ، وقوبل بنفي المغفرة والهداية ، وهي مع ذلك تنفي قبول توبة من ازداد كفرا بعد الإيمان ، صدر الآيات فيمن كفر بعد الإيمان والشهادة بحقية الرسول وظهور الآيات البينات ، فهو ردة عنادا ولجاجا ، والازدياد فيه لا يكون إلا مع استقرار العناد والعتو في قلوبهم ، وتمكن الطغيان والاستكبار في نفوسهم ، ولا يتحقق الرجوع والتوبة ممن هذا حاله عادة .

هذا ما يقتضيه سياق الآية لو أخذت وحدها كما تقدم ، لكن الآيات جميعا لا تخلو عن ظهور ما أو دلالة على كونها ذات سياق واحد متصلا بعضها ببعض ، وعلى هذا التقدير يكون قوله { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } ، في مقام التعليل { لقوله وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ ـ إلى قوله ـ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً } ويكون الآيتان ذواتي مصداق واحد أي إن من يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هو الذي آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر ثم ازداد كفرا ، ويكون أيضا هو من المنافقين الذين تعرض تعالى لهم في قوله بعد { بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً } إلى آخر الآيات.

وعلى هذا يختلف المعنى المراد بقوله { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } ( إلى آخر الآيات ) بحسب ما فسر به قوله { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ } وَرَسُولِهِ على ما تقدم من تفاسيره المختلفة : فإن فسر بأن آمنوا بالله ورسوله في الباطن كما آمنتم به في الظاهر كان معنى الإيمان ثم الكفر ثم الإيمان ثم الكفر ما يبتلى به المنافقون من اختلاف الحال دائما إذا لقوا المؤمنين وإذا لقوا الكفار.

وإن فسر بأن اثبتوا على الإيمان الذي تلبستم به كان المراد من الإيمان ثم الكفر وهكذا هو الردة بعد الردة المعروفة.

وإن فسر بأن المراد دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بالله ورسوله كان المراد بالإيمان ثم الكفر وهكذا الإيمان بموسى ثم الكفر به بعبادة العجل ثم الإيمان بعزير أو بعيسى ثم الكفر به ثم الازدياد فيه بالكفر بمحمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله وما جاء به من عند ربه ، كما قيل.

وإن فسر بأن ابسطوا إجمال إيمانكم على تفاصيل الحقائق كما استظهرناه كان قوله { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } ، تعليلا منطبقا على حال المنافقين المذكورين فيما بعد ، المفسرين بقوله { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } فإن من اتصل بالكفار منفصلا عن مجتمع المؤمنين لا يخلو عن الحضور في محاضرهم والاستيناس بهم ، والشركة في محاوراتهم ، والتصديق لبعض ما يتذاكرونه من الكلام الذي لا يرتضيه الله سبحانه ، وينسبونه إلى الدين وأوليائه من المطاعن والمساوئ ويستهزءون ويسخرون به .

فهو كلما لقي المؤمنين واشترك معهم في شيء من شعائر الدين آمن به ، وكلما لقي الكفار وأمضى بعض ما يتقولونه كفر ، فلا يزال يؤمن زمانا ويكفر زمانا حتى إذا استحكم فيه هذه السجية كان ذلك منه ازديادا في الكفر والله أعلم .

وإذ كان مبتلى باختلاف الحال وعدم استقراره فلا توبة له لأنه غير ثابت على حال الندامة لو ندم على ما فعله ، إلا أن يتوب ويستقر على توبته استقرارا لا يزلزله اختلاف الأحوال ، ولا تحركه عواصف الأهواء ، ولذا قيد الله سبحانه التوبة المقبولة من مثل هذا المنافق بقيود لا تبقي مجالا للتغير والتحول فقال في الاستثناء الآتي : { إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ } (الآية) .

قوله تعالى : { بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ } (إلخ) تهديد للمنافقين ، وقد وصفهم بموالاة الكافرين دون المؤمنين ، وهذا وصف أعم مصداقا من المنافقين الذين لم يؤمن قلوبهم ، وإنما يتظاهرون بالإيمان فإن طائفة من المؤمنين لا يزالون مبتلين بموالاة الكفار ، والانقطاع عن جماعة المؤمنين ، والاتصال بهم باطنا واتخاذ الوليجة منهم حتى في زمن الرسول صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله.

وهذا يؤيد بعض التأييد أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين طائفة من المؤمنين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ويؤيده ظاهر قوله في الآية اللاحقة { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ ـ إلى قوله ـ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ } فإن ذلك تقرير لتهديد المنافقين ، والخطاب فيه للمؤمنين ، ويؤيده أيضا ما سيصف تعالى حالهم في نفاقهم بقوله { وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً } فأثبت لهم شيئا من ذكر الله تعالى ، وهو بعيد الانطباق على المنافقين الذين لم يؤمنوا بقلوبهم قط .

قوله تعالى : { أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } استفهام إنكاري ثم جواب بما يقرر الإنكار فإن العزة من فروع الملك ، والملك لله وحده ، قال تعالى { قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ } : ( آل عمران : 26 ) .

________________________

1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 97-100 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

مصير المنافقين المعاندين :

تماشيا مع البحث الذي ورد في الآية السابقة والذي تناول وضع الكفار وضلالهم البعيد ، تشير هذه الآيات الأخيرة إلى وضع مجموعة من الكفار الذين يتلوّنون في كل يوم تلون الحرباء ، فهم في يوم إلى جانب المؤمنين ، وفي يوم آخر إلى جانب الكفار ، ثمّ إلى جانب المؤمنين ، وفي النهاية إلى جانب الكفار المعاندين ، حتى يموتوا على هذه الحالة ! فالآية الأولى من الآيات الثلاثة الأخيرة تتحدث عن مصير أفراد كهؤلاء ، فتؤكد بأنّ الله لن يغفر لهم أبدا ، ولن يرشدهم إلى طريق الصواب : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} .

إنّ هذا السلوك الحربائي في التلون المتوالي ، إمّا أن يكون نابعا من الجهل وعدم إدراك الأسس الإسلامية ، وإمّا أن يكون خطّة نفّذها المنافقون والكفار المتطرفون من أهل الكتاب لزعزعة إيمان المسلمين الحقيقيين ، وقد سبق شرح هذا الموضوع في الآية (٧٢) من سورة آل عمران .

ولا تدل الآية ـ موضوع البحث ـ على عدم قبول توبة أمثال هؤلاء ، ولكنها تتناول أفرادا يموتون وهم في كفر شديد ، فإنّ هؤلاء ـ نتيجة لأعمالهم ـ لا يستحقون العفو والهداية إلّا إذا غيروا أسلوبهم ذلك.

ثمّ تؤكّد الآية التالية نوع العذاب الذي يستحقه هؤلاء فتقول : {بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} .

واستخدام عبارة {بشر) في الآية إنّما جاء من باب التهكم والاستهزاء بالأفكار الخاوية الواهية التي يحملها هؤلاء المنافقون ، أو أنّ العبارة مشتقة من المصدر «بشر» بمعنى الوجه ، وفي هذه الحالة تحتمل معاني واسعة فتشمل كل خبر يؤثر في سحنة الإنسان ، سواء كان الخبر مفرحا أو محزنا.

وقد أشارت الآية الأخيرة إلى المنافقين بأنّهم يتخذون الكفار أصدقاء وأحباء لهم بدلا من المؤمنين ، بقولها : {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.

ثمّ يأتي التساؤل في الآية عن هدف هؤلاء المنافقين من صحبة الكافرين ، وهل أنّهم يريدون حقّا أن يكتسبوا الشرف والفخر عبر هذه الصحبة؟ تقول الآية : {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} بينما العزة والشرف كلها لله {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} لأنّها تنبع من العلم والقدرة ، وأن الكفار لا يمتلكون من القوّة والعلم شيئا ، ولذلك فإنّ علمهم لا شيء أيضا ، ولا يستطيعون إنجاز شيء لكي يصبحوا مصدرا للعزّة والشرف .

إنّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ تحذير للمسلمين بأن لا يلتمسوا الفخر والعزّة في شؤونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية عن طريق إنشاء علاقات الود والصداقة مع أعداء الإسلام ، بل إنّ عليهم أن يعتمدوا في ذلك على الذات الإلهية الطاهرة التي هي مصدر للعزة والشرف كله ، وأعداء الإسلام لا عزّة لديهم لكي يهبوها لأحد، وحتى لو امتلكوها لما أمكن الركون إليهم والاعتماد عليهم ، لأنّهم متى ما اقتضت مصالحهم الشخصية تخلوا عن أقرب حلفائهم وركضوا وراء مصالحهم ، وكأنّهم لم يكونوا ليعرفوا هؤلاء الحلفاء مسبقا ، والتاريخ المعاصر خير دليل على هذا السلوك النفعي الانتهازي .

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 328-329 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .