المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05

لمحة تاريخية عن‌ الأصول الأربعمائة.
2023-11-11
Coates-Wiles Theorem
6-7-2020
أجراء عملية قص المنقار لدجاج البيض (Debeaking)
14-9-2021
إمنح إبنك الإِحترام والتقدير
2-4-2022
الكاسافا
18-12-2020
Melanin
16-11-2021


تفسير الاية (174-176) من سورة البقرة  
  
3854   04:43 مساءً   التاريخ: 15-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 174 - 176].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير الآيات (1) :

عاد الكلام إلى ذكر اليهود الذين تقدم ذكرهم فقال تعالى : {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} أي صفة محمد والبشارة به عن ابن عباس وقتادة والسدي وقيل كتموا الأحكام عن الحسن والكتاب على القول الأول هو التوراة وعلى الثاني يجوز أن يحمل على القرآن وعلى سائر الكتب {ويشترون به ثمنا قليلا} أي يستبدلون به عرضا قليلا وليس المراد أنهم إذا اشتروا به ثمنا كثيرا كان جائزا بل الفائدة فيه أن كل ما يأخذونه في مقابلة ذلك من حطام الدنيا فهو قليل وللعرب في ذلك عادة معروفة ومذهب مشهور ومثله في القرآن كثير قال {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به} ويقتلون النبيين بغير حق وفيه دلالة على أن من ادعى أن مع الله إلها آخر لا يقوم له على قوله برهان وإن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق وذلك بأن وصف الشيء بما لا بد أن يكون عليه من الصفة ومثله في الشعر قول النابغة :

يحفه جانبا نيق ويتبعه  *** مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد(2)

 أي ليس بها رمد فيكتحل له وقول الآخر :

لا يغمز الساق من أين ومن وصب *** ولا يعض على شرسوفه الصفر(3)

أي ليس بساقه أين ولا وصب فيغمزها من أجلهما وقول سويد بن أبي الكاهل :

من أناس ليس في أخلاقهم *** عاجل الفحش ولا سوء الجزع

ولم يرد أن في أخلاقهم فحشا آجلا أو جزعا غير سيء بل نفي الفحش والجزع عن أخلاقهم وفي أمثال هذا كثيرة {أولئك} يعني الذين كتموا ذلك وأخذوا الأجر على الكتمان {ما يأكلون في بطونهم إلا النار} ومعناه أن أكلهم في الدنيا وإن كان طيبا في الحال فكأنهم لم يأكلوا إلا النار لأن ذلك يؤديهم إلى النار كقوله سبحانه في أكل مال اليتيم : {إنما يأكلون في بطونهم نارا} عن الحسن والربيع وأكثر المفسرين وقيل إنهم يأكلون النار حقيقة في جهنم عقوبة لهم على كتمانهم فيصير ما أكلوا في بطونهم نارا يوم القيامة فسماه في الحال بما يصير إليه في المال.

 وإنما ذكر البطون وإن كان الأكل لا يكون إلا في البطن لوجهين (أحدهما) أن العرب تقول جعت في غير بطني وشبعت في غير بطني إذا جاع من يجري جوعة مجرى جوعة وشبعه مجرى شبعه فذكر ذلك لإزالة اللبس (والآخر) أنه لما استعمل المجاز بأن أجري على الرشوة اسم النار حقق بذكر البطن ليدل على أن النار تدخل أجوافهم.

 {ولا يكلمهم الله يوم القيامة} فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يكلمهم بما يحبون وفي ذلك دليل على غضبه عليهم وإن كان يكلمهم بالسؤال بالتوبيخ وبما يغمهم كما قال {فلنسألن الذين أرسل إليهم} وقال اخسئوا فيها ولا تكلمون وهذا قول الحسن والجبائي (والثاني) أنه لا يكلمهم أصلا فتحمل آيات المسألة على أن الملائكة تسألهم عن الله وبأمره ويتأول قوله اخسئوا فيها على دلالة الحال وإنما يدل نفي الكلام على الغضب في الوجه الأول من حيث أن الكلام وضع في الأصل للفائدة فلما انتفى الفائدة على وجه الحرمان دل على الغضب فأما الكلام على وجه الغم والإيلام فخارج عن ذلك {ولا يزكيهم} معناه لا يثني عليهم ولا يصفهم بأنهم أزكياء ومن لا يثني الله عليه فهو معذب وقيل لا تقبل أعمالهم كما تقبل أعمال الأزكياء وقيل معناه لا يطهرهم من خبث أعمالهم بالمغفرة {ولهم عذاب أليم} أي موجع مؤلم .

{أولئك} إشارة إلى من تقدم ذكرهم {الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي استبدلوا الكفر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالإيمان به فصاروا بمنزلة من يشتري السلعة بالثمن وقيل المراد بالضلالة كتمان أمره مع علمهم به وبالهدى إظهاره وقيل المراد بالضلالة العذاب وبالهدى الثواب وطريق الجنة أي استبدلوا النار بالجنة وقوله {والعذاب بالمغفرة} قيل أنه تأكيد لما تقدم عن أبي مسلم وقيل أنهم كانوا اشتروا العذاب بالمغفرة لما عرفوا ما أعد الله لمن عصاه من العذاب ولمن أطاعه من الثواب ثم أقاموا على ما هم عليه من المعصية مصرين عن القاضي وهذا أولى لأنه إذا أمكن حمل الكلام على زيادة فائدة كان أولى فكان اشتراؤهم الضلالة يرجع إلى عدولهم عن طريق العلم إلى طريق الجهل واشتراؤهم العذاب بالمغفرة يرجع إلى عدولهم عما يوجب الجنة إلى ما يوجب النار.

 وقوله {فما أصبرهم على النار} فيه أقوال (أحدها) إن معناه ما أجرأهم على النار ذهب إليه الحسن وقتادة ورواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) (والثاني) ما أعملهم بأعمال أهل النار عن مجاهد وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (والثالث) ما أبقاهم على النار كما يقال ما أصبر فلانا على الحبس عن الزجاج (والرابع) ما أدومهم على النار أي ما أدومهم على عمل أهل النار كما يقال ما أشبه سخاءك بحاتم عن الكسائي وقطرب وعلى هذه الوجوه فظاهر الكلام التعجب والتعجب لا يجوز على القديم سبحانه لأنه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء والتعجب إنما يكون مما لا يعرف سببه وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من يتعجب منه فهو تعجيب لنا منهم (والخامس) ما روي عن ابن عباس أن المراد أي شيء أصبرهم على النار أي حبسهم عليها فتكون للاستفهام ويمكن حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة على الاستفهام أيضا فيكون المعنى أي شيء أجرأهم على النار وأعملهم بأعمال أهل النار وأبقاهم على النار وقال الكسائي هو استفهام على وجه التعجب وقال المبرد هذا حسن لأنه كالتوبيخ لهم والتعجيب لنا كما يقال لمن وقع في ورطة ما اضطرك إلى هذا إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها والمراد به الإنكار والتقريع على اكتساب سبب الهلاك وتعجيب الغير منه ومن قال معناه ما أجرأهم على النار فإنه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا لأن بالجرأة يصبر على الشدة .

{ذلك} إشارة إلى أحد ثلاثة أشياء (أولها) ذلك الحكم بالنار عن الحسن (وثانيها) ذلك العذاب (وثالثها) ذلك الضلال وفي تقدير خبره ثلاثة وجوه (أحدها) ما ذكرناه من قول الزجاج (وثانيها) إن تقديره ذلك الحكم الذي حكم فيهم أوحل بهم من العذاب أو ذلك الضلال معلوم بأن الله نزل الكتاب بالحق فحذف لدلالة ما تقدم من الكلام عليه (والثالث) ذلك العذاب لهم {بأن الله نزل الكتاب بالحق} ويكون الباء مع ما بعده في موضع الخبر ومن ذهب إلى أن المعنى ذلك الحكم بدلالة أن الله نزل الكتاب بالحق فالكلام على صورته ومن ذهب إلى أن المعنى ذلك العذاب أو الضلال بأن الله نزل الكتاب بالحق ففي الكلام محذوف وتقديره فكفروا به والمراد بالكتاب هاهنا التوراة وقال الجبائي هو القرآن وغيره وقال بعضهم المراد بالأول التوراة وبالثاني القرآن {وإن الذين اختلفوا في الكتاب} قيل هم الكفار أجمع عند أكثر المفسرين اختلفوا في القرآن على أقوال فمنهم من قال هو كلام السحرة ومنهم من قال كلام تعلمه ومنهم من قال كلام تقوله وقيل هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى عن السدي اختلفوا في التأويل والتنزيل من التوراة والإنجيل لأنهم حرفوا الكتاب وكتموا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وجحدت اليهود الإنجيل والقرآن وقوله {لفي شقاق بعيد} أي بعيد عن الألفة بالاجتماع على الصواب وقيل بعيد في الشقاق لشهادة كل واحد على صاحبه بالضلال وكلاهما عادل عن الحق والسداد وقيل في اختلاف شديد فيما يتصل بأحكام التوراة والإنجيل .

____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص477-482.

2- النيق : أرفع موضع في الجبل .

3- غمره: جسّه باليد . الأين : الاعياء . والوصب : المرض . وشرشوف : رأس الضلع من جانب البطن . والصفر فيما تزعم العرب : حية في البطن تعض الانسان اذا جاع.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير الآيات (1) :

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ ويَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّار} . قيل : ان هذه الآية نزلت في أهل الكتاب الذين كتموا وصف محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ونبوته ، ومهما كان سبب النزول فان المراد كل من عرف شيئا من الحق وكتمه بالتأويل والتحريف لمنفعته الشخصية ، يهوديا كان أو نصرانيا ، أو مسلما ، لأن اللفظ عام ، والعبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص سبب النزول .

وقد هدد اللَّه سبحانه هذا الضال المضل في العديد من الآيات : منها ما تقدم في الآية 146 و159 ، وما يأتي في سورة آل عمران ، والنساء ، والمائدة ، ومنها هذه الآية ، وكلها غضب ووعيد بأشد العذاب والعقاب ، لأن الحق يجب تقديسه وإعلانه بكل وسيلة ، ودفع الشبهات عنه ، وتحدي من يتحداه ، وتنفيذه بقوة السلاح ، والتضحية في سبيله بكل عزيز ، إذ لا قوام للدين ، ولا للنظام ، ولا للحياة الا به .

{ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} . أي ما يوجب العذاب في النار ، فهومن باب اطلاق المسبب ، وهو النار ، على السبب ، وهو أكل الحرام . . وذكر البطون ، مع العلم بأن الأكل لا يكون الا في البطن ، للإشارة إلى انه لا همّ لهم الا امتلاء بطونهم .

{ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} . كناية عن اعراضه عنهم ، وغضبه عليهم . {ولا يُزَكِّيهِمْ} من الذنوب بالمغفرة . {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} . الضلالة اتباع الهوى ، والهدى اتباع كتاب اللَّه ، وشراء الضلالة بالهدى أن يؤثر الباطل على الحق ، والهوى على الهدى .

{فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} . ليس هذا اخبارا عن صبرهم على النار ، ولا تعجبا من صبرهم عليها ، لأن التعجب منشأه الجهل بالسبب ، وهو ممتنع في حقه تعالى ، وانما القصد تصوير أقدامهم وجرأتهم على اللَّه بترك أحكامه وحدوده ، واتباعهم الباطل والضلال ، القصد تصوير حالهم هذه ، وتمثيل مآلهم الذي لا يمكن الصبر عليه بحال ، قال الرازي : لما أقدموا على ما يوجب النار صاروا كالراضين بعذاب اللَّه ، والصابرين عليه . . فهو كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان : ما أصبرك على القيد والسجن ؟ .

وتسأل : هذا حال من عرف الحق وكتمه ، فما هو حال من لم يعرف شيئا مما أنزل اللَّه ، ومع ذلك يقول : هذا حلال ، وذاك حرام ، ولا مستند له الا الوهم والخيال ؟ .

الجواب : ان هذا أسوأ حالا ممن عرف الحق وكتمه ، لأنه قد أقام نفسه مقام اللَّه جل وعلا ، واتخذ منها مصدرا للتشريع ، والتحليل والتحريم .

التجاذب بين الحق والباطل :

نقل صاحب المنار في تفسيره عن الشيخ محمد عبده انه قال في تفسير هذه الآية : (ان في المسلمين من كتم ما أنزل اللَّه بالتحريف والتأويل ، تماما كما فعل اليهود بكتمان وصف الرسول ، وهؤلاء المسلمون يشعرون بجاذبين متعاكسين :

جاذب الحق الذي عرفوه ، وجاذب الباطل الذي ألفوه ، ذاك يحدث لهم هزة وتأثيرا ، وهذا يحدث لهم استكبارا ونفورا ، وقد غلب عقولهم ما عرفوا ، وغلب قلوبهم ما ألفوا ، فثبتوا على ما حرفوا ، وصاروا إلى حرب عوان بين العقل والوجدان ، يتصورون الخطر الآجل ، فيتنغص عليهم التلذذ بالعاجل ، ويتذوقون حلاوة ما هم فيه ، فيؤثرونه على ما سيصيرون إليه . . أليس هذا الشعور بخذل الحق ، ونصر الباطل نارا تشب في الضلوع ؟ . أليس ما يأكلونه من ثمن الحق ضريعا لا يسمن ، ولا يغني من جوع ؟) .

وهذا صحيح بالنسبة إلى بعض الأفراد الذين يحسون بوخز الضمير وتأنيبه ، وهم يقترفون الذنوب . . ولكن بعض الأفراد قد ألفوا الباطل ، واعتادوه ، حتى أصبح طبيعة ثانية لهم ، ويشعرون من أعماقهم بالعداء لكل ما فيه رائحة الحق والانسانية . . والآن أكتب هذه الكلمات في شهر حزيران سنة 1967 ، وفي هذا الشهر المشؤوم تغلب الإسرائيليون على بعض أطراف البلاد العربية بمعاونة بريطانيا وأمريكا ، وأخرجوا أهلها من ديارهم ، وشردوا أكثر من مائتين وخمسين ألفا ، وحرقوا الألوف من الرجال والنساء والأطفال بقنابل النابالم . وقد بارك هذه الفضائح كثيرون ، وطربوا لها ، وتمنوا لوان إسرائيل استمرت في طغيانها إلى غير حد . . ان الهوى عندهم قد طغى على العقل والوجدان ، حتى لم يبق لهما عينا ولا أثرا فصار من فقدوهما تماما كالبهائم ، وقد وصف اللَّه هؤلاء بأنهم قوم لا يعقلون ، ولا يفقهون ، وبأنهم كالأنعام ، بل أضل سبيلا .

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهً نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} . ذلك إشارة إلى العذاب الذي سينزل بالذين يكتمون الحق ، وقوله {بِأَنَّ اللَّهً نَزَّلَ الْكِتابَ} بيان لسبب العذاب ، وهو جرأتهم على مخالفة الحق الذي جاء في كتاب اللَّه .

{وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} . اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : {الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ} . فذهب أكثرهم - على ما في مجمع البيان - إلى أنهم الكفار ، ووجه الاختلاف ان منهم من قال : ان القرآن سحر ، ومنهم من قال : هو رجز ، وقال آخرون : أساطير الأولين .

وقال بعض المفسرين : بل المراد المسلمون ، فإنهم بعد أن اتفقوا على ان القرآن من عند اللَّه اختلفوا في تفسيره وتأويله ، وتشعبوا إلى فرق وشيع ، وكان عليهم أن تكون كلمتهم واحدة بعد ان كان قرآنهم واحدا .

ويجوز أن يكون المراد الكفار ، ولكن ، لا لأن بعضهم قال : ان القرآن سحر ، وآخر قال : انه رجز ، بل لأنهم السبب الوحيد للخلاف والشقاق ، وعدم جمع الكلمة على الحق بينهم وبين من آمن بالقرآن .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص266-269.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير الآيات (1) :

قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب}، تعريض لأهل الكتاب إذ عندهم شيء كثير من المحللات الطيبة التي حرمها كبراؤهم ورؤساؤهم في العبادات وغيرها - وعندهم الكتاب الذي لا يقضي فيه بالتحريم - ولم يكتموا ما كتموه إلا حفظا لما يدر عليهم من رزق الرئاسة وأبهة المقام والجاه والمال.

وفي الآية من الدلالة على تجسم الأعمال وتحقق نتائجها ما لا يخفى فإنه تعالى ذكر أولا أن اختيارهم الثمن القليل على ما أنزل الله هو أكل النار في بطونهم ثم بدل اختيار الكتمان وأخذ الثمن على بيان ما أنزل الله في الآية التالية من اختيار الضلالة على الهدى ثم من اختيار العذاب على المغفرة ثم ختمها بقوله: {فما أصبرهم على النار}، والذي كان منهم ظاهرا هو الإدامة للكتمان والبقاء عليها فافهم.

____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص354.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الآيات (1) :

إدانة كتمان الحقّ مرّة اُخرى

هذه الآيات تأكيد على ما مرّ في الآية 159 بشأن كتمان الحقّ. وهي ـ وإن كانت تخاطب أحبار اليهود ـ لها مفهوم عام، لا تقتصر ـ كما ذكرنا مراراً ـ على سبب نزولها. فسبب النّزول ـ في الواقع ـ وسيلة لبيان الأحكام الكلية العامة، ومصداق من مصاديق الحكم الكلي للآية.

فكل الذين يكتمون أحكام الله وما يحتاجه النّاس من حقائق طلباً للرّئاسة أو الثروة، قد ارتكبوا خيانة كبرى، وعليهم أن يعلموا أنهم باعوا حقيقة نفيسة بثمن بخس، وهي تجارة خاسرة.

الآية الاُولى تقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بِطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ}.

هذه الهدايا والعطايا التي ينالونها من هذا الطريق نيران محرقة تدخل بطونهم. هذا التعبير يوضح ضمنياً مسألة تجسيم الأعمال في الآخرة وتدل على أن الأموال المكتسبة عن هذا الطريق المحرّم، هي في الواقع نيران تدخل في بطونهم وستتجسّم بشكل واقعي في الآخرة.

ثم تتعرض الآية إلى عقاب معنوي سينال هؤلاء أشدّ من العقاب المادي، وتقول: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

وفي موضع آخر ذكر القرآن مثل هذا اللون من العقاب لأُولئك الذين ينكثون عهد الله من أجل مصالح تافهة، فقال: {نَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77].

يستفاد من هذه الآية والآية التالية أن واحدة من أعظم المواهب الإِلهية في الآخرة أن يكلم الله المؤمنين تلطفاً بهم. أي إن المؤمنين سينالون في الآخرة نفس المنزلة التي نالها أنبياء الله في الدنيا، وسيلتذون بما التذ به الأنبياء من تكليم إلهي ... وأية لذة أعظم من هذه اللذة؟!

أضف إلى ذلك إن الله ينظر إليهم بعين لطفه، ويطهرهم بماء عفوه ورحمته، وأية نعمة أعظم من هذه النعمة؟!

بديهي أن تكليم الله عبادَه لا يعني أن الله له جسم ولسان، بل إنه بقدرته الواسعة يخلق في الفضاء أمواجاً صوتية خاصة قابلة للسمع والإِدراك، (كما كلّم الله موسى عند جبل الطور)، أو أنه يتكلم مع خاصة عباده بلسان القلب عن طريق الإلهام.

على أية حال، هذا اللطف الإلهي الكبير، وهذه اللذة المعنوية المنقطعة النظير، للعباد المخلصين الذين ينطقون بالحق ويعرّفون النّاس بالحقائق، ويلتزمون بعهودهم ومواثيقهم، ولا يضحون برسالتهم من أجل مصالحهم المادية.

وقد يسأل سائل عن تكليم الله المجرمين يوم القيامة، استناداً الى ما ورد في الآيات كقوله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]. وهذا جواب من الله لأُولئك الذين يطلبون الخروج من النار. ومثل هذا الحوار نجده في الآيتين 30 و31 من سورة الجاثية.

والجواب: أن المقصود من التكليم في آيات بحثنا، هو تكليم عن لطف وحبّ واحترام، لا عن تحقير وطرد وعقوبة فذلك من أشدّ الجزاء.

من الواضح أن عبارة {يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلا} لا تعني السماح بأن يشتروا به ثمناً باهظاً، فالمقصود أن الثمن المادّي مهما زاد فهو تافه لا قيمة له أمام كتمان الحقّ، حتى ولوكان الثمن الدنيا وما فيها.

الآية التالية تحدد وضع هذه المجموعة وتبين نتيجة صفقتها الخاسرة وتقول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ}.

فهؤلاء خاسرون من ناحيتين: من ناحية تركهم الهداية واختيار الضلالة، ومن ناحية حرمانهم من رحمة الله واستحقاقهم بدل ذلك العقاب الإلهي، وهذه مبادلة لا يقدم عليها إنسان عاقل.

لذلك تتحدث الآية عن هؤلاء بلغة التعجب وتقول: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}؟!

آخر آية في بحثنا تقول إن ذلك التهديد والوعيد بالعذاب لكاتمي الحق، يعود إلى أن الله أنزل القرآن بالدلائل الواضحة، حتى لم تبق شبهة لأحد: {ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}.

مع ذلك فإن زمرة محرفة تعمد إلى كتمان الحقائق صيانة لمصالحها، وتثير الاختلاف في الكتاب السماوي لتتصيد في الماء العكر.

مثل هؤلاء الذين يثيرون الإختلاف في الكتاب السماوي بعيدون عن الحقيقة: {وَإنَّ الَّذِينَ اخْتلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاق بَعِيد}.

كلمة «شقاق» تعني في الأصل الشق والإِنفصال، ولعل المراد به أن الإِيمان والتقوى ونشر الحقائق رمز وحدة المجتمع الإِنساني، أما الخيانة وكتمان الحقائق فعامل التفرقة والتبعثر و الإنشقاق لا الإنشقاق السطحي الذي يمكن التغافل عنه بل البعيد والعميق.

________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص405-407.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .