بدأ الفن يأخذ خطوطه الثابتة منذ العهد الاشوري ، من ناحية الطراز والاسلوب المعماري . بالإضافة الى ان الفن صار يعبر في تلك الآونة عن حياة الملوك وأعمالهم ، بجانب كونه انعكاسا في نفس الوقت عن القيم الدينية التي آمن بها الانسان العراقي في العهد الاشوري القديم . وقد تخلفت بعض الاثار من عهد الملك توكلتى ننورتا الاول ، وهي تعكس المدرسة الاشورية الفنية في المفهوم الفني . فمناظر الحرب توضح العربات الحربية التي يبدو فيها الملك وهو لا يتصدر المنظر، ولكنه يبدو مع جنوده في وسط المعسكر (1). وقد اعاد توكلتى ننورتا بناء معبد عشتار في اشور ، ووضع تمثال الالهة في احدى نهايتى المعبد في مكان مرتفع تعبيرا عن النظام المتبع في المعابد الاشورية . كما يوجد معبد اشوري في كار توكلتى ننورتا ، وفي مارى . ثم تطور الفن بعد ذلك في العهد الاشوري الحديث ، عندما بدأ يعكس نواحي النشاط العسكرية كالمعارك وتصوير الاسرى ، والتمثيل بالأعداء . وكان ذلك يتم عادة بالنقوش على جدران غرف الاحتفالات في القصور الملكية . وقد قام بعض الملوك ببناء القصور الملكية خارج العاصمة ، كما حدث في عهد تجلات بلاسر الثالث . الذي بنى قصرين في سورية ، احدهما في تل بارسيب Til-Barsip وهو الذي احتوت جدرانه الكثير من النقوش البارزة والمعبرة عن مناظر الحرب والصيد وصور الاعداء (2) .

ان هذا الطراز المتميز بتزين جدران القصور ، يظهر كذلك بوضوح في حجرة العرش في قصر سرجون في خرسباد ، وهو يشبه نظيره في نقوش تجلات بلاسر الثالث ، سواء في تل بارسيب أو في قصر تجلات بلاسر الاخر في كالح . ويلاحظ ان الملوك الاشوريين كانوا عادة عندما يعتلون العرش ، يهجرون القصر الملكي القديم ويبدؤون في تشييد قصر آخر . ومن أشهر تلك القصور ، قصر دور شاروكين الذي شيد في الاعوام الاخيرة من القرن الثامن ق . م . لذلك تميزت القصور الاشورية بكونها انعكاسا للفن المعماري في تلك القصور ومن ذلك ، الاقواس الثلاثية التي كانت تقام في مدخل القصور، وكذلك تغطية الجدران بطبقة من الطوب المزجج بالألوان الزاهية ، هذا في داخل القصر، فيبدو ان الاشوريين قد نقلوا الكثير من الحيثيين الذين برعوا في زخرفة اسفل الجدران بمسافة تمتد مئات من الاقدام ، وعليها صور بارزة منحوتة في المرمر. ويمكن الاشارة الى تزيين حجرات القصور الملكية بالصور البارزة من المرمر، والتي تصور حياة الملوك واعمالهم . اما بالنسبة لمناظر الحيوانات ، فكانت تبدو فيها الواقعية من حيث الجمع بين دقة التفاصيل وجمال التركيب الفني . وخير مثال على ذلك مناظر الصيد في قصر اشور بانيبال (3) وهو يبدو منزعجا من منظر اسد جريح  يهاجمه من الخلف بينما يسارع الجنود لانقاذ الملك الذي يبدو في وضع الاستدارة للخلف  استعداد لمعركة اخرى.

.                                               

                                                                 أشور بانيبال يبدو منزعجا من منظر اسد

ولا شك ان مفهوم هذه اللوحة الفنية يعبر بصدق عن هذه الواقعة التي حدثت لأشور بانيبال ، اذن فهو تعبير فني صادق واقعي ذلك الذي نراه في الفن العراقي . وقد عثر في تل واحد في نينوى على واحد وسبعين ردهة من ردهات القصر الملكي ، بها ما لا يقل عن ميلين من هذه الصور البارزة المرمرية. ومعظم هذه اللوحات، موجودة حاليا بالمتحف البريطاني. ومن المناظر المعبرة كذلك عن الفن الاشوري ، منظر أشور بانيبال والملكة في الحديقة الملكية في نينوى وهم يحتفلان بالنصر على عيلام (4) .

اما بالنسبة للطراز الاشوري للأختام الاسطوانية ، فيلاحظ ان النماذج المبكرة لتلك الاختام كانت تتميز ببساطة التصميم ، حيث تبدو بعض النباتات ، ومناظر للثور المجنح . وتوجد نماذج لهذا النوع من الاختام (5) ثم تطورت تلك الاختام في نقوشها حيث ظهرت نماذج يبدو فيها نجمة عشتار وسمكة (6) وبعد ذلك ظهرت نماذج اخرى مميزة للتصميم الاشوري عما سبقه حيث تظهر ثيران الصيد (7) . هذا بالإضافة الى العديد من النماذج الاخرى التي يبدو في بعضها منظر لطيور مقدسة على مائدة قربان (8) .

وفيما يتعلق بالتأثير البابلي على الفن الاشوري ، فيتضح في استمرار استخدام الرصيف فوق المبنى ، بغرض وقايته من التعرض للفيضان. وذلك على الرغم من ان اشور لم تكن معرضة للفيضانات مثل بابل . كما اقتبس الاشوريون عن المصريين فن صناعة تزجيج القوالب الملونة ، بالاضافة الى الرسوم الزخرفية ، وتطعيم قطع الاثاث بالعاج والابنوس ، واطباق البرونز المنقوش .

وقد استمر ملوك الدولة الكلدانية في السير على طريقة الملوك الاشوريين في بناء القصور وتجميل المدن (9) . ومن الامثلة الدالة على ذلك . قصر نبوخذ نصر الثاني في بابل. ويعتبر من الناحية الفنية نموذجا رائعا للفن المعماري في تلك الآونة من التاريخ العراقي القديم. ويمكن ملاحظة الاختلاف الواضح بين غرفة العرش في هذا القصر، ونظريتها في قصر سرجون الثاني في خرسباد ، فبينما نرى سرجون يتوج امام حائط قصير في نهاية الحجرة ، نرى نتوءا للعرش في قصر نبوخذ نصر الثاني . ويقع هذا النتوء في وسط حائط طويل يواجه المدخل . كما يلاحظ في قصر بابل تزيين واجهة القصر بقوالب مزججة. كما يلاحظ زخارف قاعة العرش بالأجر المزجج ولقد كانت خطة نبوخذ نصر في تخطيط المدينة ان يشيد القصر في وسط حائط المدينة الشمالي فيما بين الفرات غربا والميدان الشمالي الجنوبي (10) .

ومن النماذج المعبرة عن جمال النقش والمرسم ، بوابة عشتار التي أقامها نبوخذ نصر الثاني وهي محلاة بقوالب مزججة وتبدو صور الثيران والافعوانات على خلفية زرقاء. والثيران لونها أصفر وشعرها أزرق ، بينما الافعوانات بيضاء يتخللها بعض الظلال الصفراء (11) . ومن نماذج التركة المنقوشة كذلك ، يمكن الاشارة الى بوابة معبد سن بدور شاروكين ، والتي يبدو فيها النقش البارز باستخدام لوحات من الاجر المزجج .

أما بالنسبة للنحت في العهد الاشوري ، فيعتبر تطورا للنحت البابلي .

ولقد بلغ الفنان الاشوري مرتبة فنية عالية في نحت الحيوانات، والعناية بالزي والزينة في تصوير الانسان ولا سيما في مناظر المعارك الحربية، ومناظر الصيد . ولقد تضمنت التركة المنحوتة المتخلفة عن العصر الاشوري، الكثير من التماثيل الحجرية الضخمة للملوك، ومنها تمثال للملك اشور ناصر بال الثاني، وهو مصنوع من الحجر الجيري عثر عليه في المعبد الصغير بكالح ويشاهد الملك وفي يده اليسرى عصا الرئاسة ، بينما اليد اليمنى تمسك بما يحتمل ان تكون عصا الراعي (12). كما تضمنت التركة المنحوتة الحيوانات كالثيران والاسود، والتي كانت تقام عادة عند مداخل القصور (13) والمدن .

ومن النماذج المعبرة عن ذلك الاتجاه ، المسلة السوداء من عصر شلمنصر الثالث.

وعلى الرغم من سقوط الامبراطورية الاشورية، الا ان الاشوريين قد ساعدوا على تقدم الحضارة. فبناء القصور الملكية الضخمة في نينوى، اول المكتبات التي عرفت في تلك الآونة. ولما تبعهم الكلدانيون، تقدم العلم في عصرهم تقدما ملحوظاً، ولا سيما التقويم الفلكي الذي ما زال معمولا به حتى وقتنا الحالي .

_________

(1). Frankfort, H., The Art and Architecture of the Ancient Orient, London 1954, p. 67.

(2). Frankfort, H., Ibid. P. 92.

(3). Frankfort,  Kingship and the Gods, A Study of Ancient Near Eastern Religion as the Integration of Society and Nature, Chicago 1969, P. q.

(4). Smith, S., Op. Cit., p. 224. P1. B.

(5). في متحف اللوفر "Cat. A" 647.

(6) في متحف اللوفر " Cat. A" 649.                 

(7). في متحف اللوفر  "Cat. A" 653.

(8). في متحف اللوفر . "Cat. A" 688                    

 (9) Smith, S., Ibid., P. 224, Pls. A.B.C. and F.

(10). King, -L.W., Op. Cit., «PP. 279-280.

(11). Frankfort, H., the Art and Architecture of the Ancient Orient, London, 1954, PP. 107-108.

(12). Frankfort, H., Ibid. P. 108, P1. 122.

(13). Smith, S., Op. Cit., p. 214.