أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-08-2015
933
التاريخ: 20-11-2014
1021
التاريخ: 20-11-2014
833
التاريخ: 7-08-2015
1338
|
... اعلم أنّ القائلين بأنّ الحسن والقبح عقليّان اختلفوا في أنّهما ذاتيّان مطلقا ـ بمعنى أنّ كلّ ذات فعل له حسن أو قبح في الواقع ونفس الأمر ، لا أنّ كلّ حسن أو قبح منسوب إلى الذات ؛ لأنّ الظاهر أنّ صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس كالصدق الضارّ والكذب النافع المنجي للنفس المحترمة من الهلاك ممّا لا ينكره أحد ـ أو بالوجوه والاعتبارات ، أو نحو ذلك مطلقا ، أو بالتفصيل على أقوال ، ونحن نكتفي في ذلك بذكر كلمات بعض المتكلّمين.
ففي المواقف وشرحه : « ( ثمّ إنّهم اختلفوا ، فذهب الأوائل منهم ) إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا بصفات (1) فيها تقتضيهما.
وذهب بعض من بعدهم من المتقدّمين ( إلى إثبات صفة ) حقيقيّة ( توجب ذلك مطلقا ) أي في الحسن والقبح جميعا ، فقالوا : ليس حسن الفعل أو قبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما.
( و ) ذهب ( أبو الحسين من متأخّريهم إلى إثبات صفة في القبيح ) مقتضية لقبحه ( دون الحسن ) ؛ إذ لا حاجة به إلى صفة محسّنة له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصفة المقبّحة.
( و ) ذهب ( الجبائيّ إلى نفيه ) أي نفي الوصف الحقيقيّ ( فيهما مطلقا ) فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها بصفات حقيقيّة فيها ، بل بوجوه اعتباريّة وأوصاف إضافيّة تختلف بحسب الاعتبار ، كما في لطم اليتيم تأديبا وظلما » (2) انتهى.
ومثله ذكر الشارح القوشجي في شرح الكتاب (3) وكذا غيره.
والحاصل : أنّ الأقوال في المسألة خمسة :
الأوّل : أنّ الحسن والقبح ذاتيان بالمعنى المذكور كما عن القدماء.
الثاني : أنّهما لصفة لازمة لذات الشيء ، موجبة لهما.
الثالث : أنّهما بالوجوه والاعتبارات ؛ لترتّب مصلحة أو مفسدة ظاهرة أو كامنة ، ولكن حكم العقل مخصوص بالصورة الأولى.
الرابع : أنّ الحسن ذاتيّ ، والقبح لصفة مقبّحة كما عن أبي الحسين.
الخامس : أنّهما للقدر المشترك الأعمّ ، كما اختاره أستاذ الأستاذ (4) حاكيا عن غير المعتزلة ، وهو ظاهر المقدّس الأردبيليّ أيضا ؛ حيث قال : « ينبغي أن يختار أنّه قد يكون لذاته كما في الصدق والكذب ، وقد يكون لصفة ذاتيّة ، وقد يكون لوجوه واعتبارات كما في لطم اليتيم » (5). والحقّ هو الأوّل كما عن الأوائل (6).
ويشهد على كونهما ذاتيّين أنّ من استوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجّح أصلا ، ولا علم باستقرار الشرائع على تحسين الصدق وتقبيح الكذب ، فإنّه يؤثر الصدق قطعا، ويترك الكذب حتما ، وما ذاك إلاّ لأنّ حسنه بالمعنى المتنازع فيه ذاتيّ ضروريّ عقليّ ، وكذا إنقاذ من أشرف على الهلاك حيث لا يتصوّر له نفع وغرض ولو كان مدحا وثناء.
وتوهّم أنّ إيثار الصدق لملاءمة الطبع والمصلحة العامّة ، وإنقاذ الهالك لرقّة الجنسيّة المجبولة في الطبيعة كأنّه يتصوّر لنفسه مثل تلك الحالة فيستحسنه من نفسه كما يستحسنه من غيره في حقّه فاسد ؛ لما لا يخفى.
فإن قلت : الذاتيّ لا يختلف ولا يتخلّف ، والحسن والقبح يختلفان ويتخلّفان كما في الصدق الضارّ والكذب النافع الموجب لنجاة النفس المحترمة ، فلا يمكن كونهما ذاتيين.
قلت : عدم تخلّف الذاتيّ إنّما هو بحسب نفس الأمر ، فلا ينافي صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس ، كما لا يخفى.
وبالجملة ، فالأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوجوب والحرمة مترتّبة على الحسن والقبح الواقعيّين ـ ذاتيّين كانا أم عارضيّين لمصلحة بارزة أو كامنة ـ وتسمّى تلك الأحكام شرعيّة ؛ لكون الشرع كاشفا ، أو مؤكّدا لا جاعلا كما هو مذهب الأشاعرة ؛ حيث جعلوا العقل معزولا ، وجعلوا الشرع جاعلا في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوضعيّة.
وكيف كان ، فبعد ثبوت كون حسن الأشياء وقبحها عقليّين ذاتيّين نقول : إنّ أفعال الله تعالى كلّها ـ حتّى التكليف ونحوه ـ حسنة بالحسن العقليّ الذاتيّ أو العارضيّ بسبب الوجوه والاعتبار ، وليس فيها قبح وغبار ، كما أشار إليه المصنّف بقوله : ( واستغناؤه وعلمه يدلاّن على انتفاء القبح من أفعاله تعالى مع قدرته عليه ؛ لعموم النسبة ، ولا ينافي الامتناع اللاحق ).
بيان ذلك : أنّ الله تعالى عالم بالعلم الذاتيّ بجميع الأشياء التي منها حسن الأشياء وقبحها الواقعيّان ... والعالم بقبح القبيح المستغني عنه لا يفعله ببديهة العقل ؛ لعدم الداعي إليه ووجود الصارف عنه ، مضافا إلى أنّه لو صدر عنه تعالى القبيح لزم ترجيح المرجوح ، فتجويز صدور القبيح عنه تعالى تجويز لكونه تعالى موردا للذمّ عقلا ، وهو ممتنع ضرورة ، فلا يكون خالقا للكفر والعصيان ، وإلاّ كان التعذيب عليهما قبيحا ، والقبيح لا يصدر عنه تعالى، فيلزم أن لا يكون واقعا ، فيكون الإخبار بإيقاعه كذبا ، وهو محال عنه تعالى.
وبالجملة ، فهو تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، بل جميع أفعاله حسنة بالحسن العامّ ؛ لأنّه عالم بالحسن ، وقادر على إيجاد الحسن من غير صارف ، فالداعي موجود ، والمانع مفقود، فالأثر لازم ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة.
وقال الشارح القوشجي : « قد أجمعت الأمّة إجماعا مركّبا على أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب ، فالأشاعرة من جهة أنّه لا قبيح منه ، ولا واجب عليه ، ولا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب. وأمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبيح يتركه ، وما يجب عليه يفعل ، لأنّ الله تعالى مستغن عن غيره ـ قبيحا كان أو حسنا ـ وعالم بحسن الأعمال وقبحها ، وقد علم بالضرورة أنّ العالم بالقبيح ، المستغني عنه لا يصدر عنه » (7).
وفيه أوّلا : أنّ الأشاعرة يقولون بقبح المعاصي شرعا ، ومع ذلك يقولون بأنّ الله تعالى يفعلها ويخلقها ؛ ولهذا قال العلاّمة في الشرح : « ونازع الأشعريّة في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى» (8).
وقال الشارح القديم : « أمّا الأشاعرة ، فلأنّهم لمّا أسندوا جميع الممكنات الموجودة إلى الله تعالى ، جوّزوا صدور القبيح عنه » (9).
وثانيا : أنّ إطلاق الإجماع المركّب على ذلك الاتّفاق المدّعى ـ لو سلّم تحقّقه ـ خلاف مصطلح الأصوليّين ، كما لا يخفى.
وكيف كان ، فالقائلون بعدم صدور القبيح عن الله تعالى اختلفوا في أنّه تعالى قادر عليه ، أم لا؟ فالأكثر على أنّه تعالى قادر عليه. والنظّام ـ على ما حكي (10) عنه ـ اختار أنّه تعالى لا يقدر على خلق القبيح. واختار المصنّف مذهب الأكثر ؛ فإنّه الصحيح.
واحتجّ عليه بأنّ نسبة القدرة إلى جميع الممكنات على السواء ، والقبائح منها ، فيكون قادرا عليها.
واحتجّ النظّام بأنّ فعل القبيح محال ؛ لأنّه يدلّ على الجهل ، أو الحاجة ، وكلاهما محال ، وما يؤدّي إلى المحال محال ، والمحال غير مقدور (11).
والجواب : أنّ الامتناع الوقوعيّ من جهة القبح لاحق للإمكان الأصليّ بالنظر إلى الحكمة ، فلا ينافي القدرة الذاتيّة ؛ فإنّ المحال الوقوعيّ مقدور ذاتيّ.
وصل
هذا الاعتقاد من أصول المذهب التي عليها بناء مذهب الاثني عشريّة ، فمن أنكره فهو خارج عن المذهب ، لا الدين ، كما لا يخفى.
__________________
(1) في المصدر : « لا لصفات ».
(2) « شرح المواقف » 8 : 184.
(3) « شرح تجريد العقائد » : 337 ـ 339.
(4) اختاره الحكيم السبزواريّ حاكيا عن الشيخ البهائيّ في « زبدة الأصول » وحواشيها. راجع « شرح الأسماء » : 322.
(5) « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » : 120.
(6) « كشف المراد » : 302 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 338 ؛ « شرح الأسماء» : 318 ؛ « شرح المواقف » 8 : 184.
(7) « شرح تجريد العقائد » : 339.
(8) « كشف المراد » : 305.
(9) الشرح القديم غير متوفّر لدينا.
(10) حكي عنه في « المحصّل » : 418 ؛ « كشف المراد » : 306 ؛ « إرشاد الطالبين » : 188 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 339 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 213.
(11) « المحصّل » : 418 ؛ « إرشاد الطالبين » : 188 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 399.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|