أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2019
2113
التاريخ: 9-9-2018
2063
التاريخ: 10-12-2019
6288
التاريخ: 9-9-2018
1601
|
تولِّي الخلافة وسياسته في الإصلاح :
قتل عُثمان، ولم يكن ثمة فرصة لتعيين من يقوم بعده بالخلافة، فلا سقيفة ولا شورى! فكان من حقِّ الجماهير، ولأوَّل مرَّة في تأريخها، أن تطلق صوتها وترجع إلى رشدها.
فنهضت الجماهير عطشى تتسابق سباق الإبل إلى الماء، جاءوا دار الإمام عليٍّ عليه السلام حيث اعتزل قبل هلاك عُثمان، ولم يخرج من بيته، يطالبون أن يخرج إليهم ليبايعوه..
حتى وصف أمير المؤمنين عليه السلام هذا السيل العارم وإصرارهم على البيعة بقوله : « فما راعني من الناس الا وهم رسلٌ إلي كعُرف الضبع ، يسألونني أن أُبايعهم ، وانثالوا عليَّ حتى لقد وُطئ الحسنان ، وشُقَّ عطفاي ».
ومضى يصف في خطبته هذه موقفه من الخلافة : « أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ولزوم الحجَّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على أولياء الأمر الا يقرُّوا على كظَّة ظالم أو سغب مظلومٍ ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوَّلها ، ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنزٍ » (1) .
وتمَّت بيعته في الخلافة في يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي الحجَّة عام 35هـ ، وقال عليه السلام يصف ذلك الأمر : « وبسطتهم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثُمَّ تداككتم عليَّ تداكَّ الإبل الهيم على حياضها يوم وردها ، حتى انقطعت النعل وسقط الرداء ووُطئ الضعيف.. » (2) .
وعن أبي ثور ـ كما جاء في ( الإمامة والسياسة ) ـ أنَّه قال : « لمَّا كانت البيعة بعد مصرع عثمان خرجت في اثر عليٍّ عليه السلام والناس حوله يبايعونه ، فدخل حائطاً من حيطان بني مازن ، فألجأوه إلى نخلة وحالوا بيني وبينه ، فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراع الإمام ، تختلف أيديهم على يده ، ثُمَّ أقبلوا به إلى المسجد الشريف ، فكان أوَّل من صعد المنبر في المسجد طلحة وبايعه بيده ، وكانت أصابعه شلاء ، فتطيَّر منها عليٌّ عليه السلام وقال : « ما أخلقها أن تنكث » ، ثُمَّ بايعه الزبير وأصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وجميع من في المدينة من المسلمين » (3) .
بهذه اللهفة تمَّت أوَّل بيعة على صعيد واسع، وصعد الخليفة الأول الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر الشريف بقبول الناس ورضاهم، لكنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام لم يكن من أصحاب السلطة.. فلم يقبل بالخلافة الا بعد أن رأى أنْ لا مفرَّ من ذلك ، وأنَّ مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن يمدَّ يده لتختلف عليه أيدي الناس المبايعة..
في هذا الجو المشحون بالفتن والحوادث بعد مقتل الخليفة وما خلَّف قتله من آثار ـ سنمرُّ عليها لاحقاً ـ في هذه الأجواء تمَّت البيعة للإمام عليه السلام، فقال ابن عبد البر : « بويع لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة يوم قُتل عُثمان ، فاجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار ، وتخلَّف عن بيعته نفرٌ منهم ، فلم يهجهم ولم يُكرههم.. » (4).
وكان ممَّن تخلَّف عن بيعته يوم ذاك : حسَّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وزيد بن ثابت ، ومروان بن الحكم ، وسعد بن أبي وقَّاص ، وعبدالله بن عمر ، ومعاوية ومن معه في جماعة أهل الشام وآخرون (5) ، وعائشة بنت أبي بكر ، زوج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث وقفت من الإمام عليٍّ أشدَّ المواقف العدائية التي سنقف عليها لاحقاً.
على أي حال قد تمَّت البيعة المثالية ، التي لم يشهد التأريخ مثلها على جوانب صفحاته ، بيعة ليس لها نظيرٌ قطُّ ، اندفع كلُّ الناس يتسابقون أيُّهم يحوز الفضل قبل صاحبه.. ولم يفد معهم كلام ولا حجَّة ، فكانوا مصرِّين على بيعته حتى « وبلغ من سرور الناس بيعتهم إيَّاي أن ابتهج بها الصغير ، وهَدَجَ إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب.. » (6) لا يرتضون له بديلاً حتى وإن أعلمهم بحقيقة الأمر وسياسته التي قد لا تُرضي الجمهور!
قد وضعهم أمام السياسة الواضحة؛ إذ قال لهم: « دعوني والتمسوا غيري، فإنَّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول.. وإنَّ الآفاق قد أغامت ، والمحجَّة قد تنكَّرت.. ».
وأضاف قائلاً: « واعلموا أنِّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب ».
فاستجاب الناس طائعين إلى عرض أبواب السياسة التي سينتهجها ، ووجد المسلمون أنفسهم أمام واقعٍ جديد وأحداث جديدة لا عهد لهم بها من قبل.
ذكر الشيخ المفيد خبراً عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : « جمع أمير المؤمنين عليه السلام الناس للبيعة ، فجاء عبدالرحمن بن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ فردَّه مرَّتين أو ثلاثاً ثُمَّ بايعه ، وقال عند بيعته له : « ما يحبس أشقاها! فو الذي نفسي بيده لتُخضبن هذه من هذا » ووضع يده على لحيته ورأسه عليه السلام، فلمَّا أدبر ابن ملجم عنه منصرفاً قال عليه السلام متمثِّلاً:
« أشدد حيازيمك للموت * فإنَّ الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت * إذا حلَّ بواديك
كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيك » »
____________
1) مقاطع من خطبته الشقشقية.
2) نهج البلاغة، الخطبة: 229.
3) الإمامة والسياسة1 : 50 ، وانظر : الكامل في التاريخ3 : 81 ـ احداث سنة 35 ، البداية والنهاية 7 : 227.
4) تهذيب الكمال 13: 304.
5) أنظر : الكامل في التاريخ 3 : 82 حيث ذكر عشرة أشخاصٍ تخلفوا عن بيعة الإمام.
6) نهج البلاغة، الخطبة: 229.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|