أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-11-2016
1203
التاريخ: 22-11-2016
778
التاريخ: 22-11-2016
903
التاريخ: 22-11-2016
1174
|
في الوقت الذى كانت شبه الجزيرة الإسبانية تجوز فيه هذه الحوادث والأزمات الخطيرة، كان العرب قد أتموا فتح المغرب الأقصى، واستولوا على ثغر طنجة، وأشرفوا على شواطئ الأندلس من الضفة الأخرى من البحر، ولم يبق لإتمام فتح افريفية سوى ثغر سبتة الذى يقع مقابل طنجة في الطرف الآخر من اللسان المغربى.
وكانت سبتة قد استطاعت لمنعتها وسهر حاكمها الكونت يوليان، أن تحبط كل محاولة لأخذها.
وكان موسى بن نصير بتوق إلى افتتاح هذا الثغر المنيع، وتطهير افريقية من البقية الباقية من العدو.
وبينا هو يرقب الفرص لتحقيق هذه الأمنية، إذ جاءته رسالة من الكونت يوليان نفسه يعرض فيها تسليم معقله، ويدعوه إلى فتح اسبانيا، وجرت بينهما المفاوضة في هذا المشروع الخطير.
وتختلف الرواية في أمر هذا الاتصال، فيقال إن موسى ويوليان اتصلا بالمراسلة، وقيل إنهما اتصلا بالمقابلة الشخصية، وإن الكونت استدعى موسى الى سبتة، وهنالك وقعت المفاوضة بينهما.
وقيل أخيرا إنهما اجتمعا في سفينة في البحر (1).
وعلى أي حال فقد استجاب موسى لدعوة الكونت، واهتم بمشروعه أعظم اهتمام، وكان قد وقف على أحوال اسبانيا وخصبها وغناها، واستطاع أن يقدر أهمية مثل هذا الفتح، وجليل مغانمه ومزاياه، فلما علم من يوليان وحلفائه ما تعانيه اسبانيا من الخلاف والشقاق، وما يسودها من الانحلال والضعف، ورأى مما يعرضه يوليان من تسليم سبتة وباقى معاقله، وتقديم سفنه لنقل المسلمين في البحر، ومعاونته بجنده وإرشاده، أن الفوز ميسور محقق، كتب إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بأمر المشروع، فكتب إليه الوليد أن يختبره بالسرايا، أعنى بالحملات الصغيرة بادىء بدء، وألا يزج بالمسلمين إلى أهوال البحر، بيد أن المسلمين كانوا قد خاضوا قبل ذلك غمر المعارك البحرية في هذه المياه، وغزوا صقلية وسردانية، ثم غزوا جزائر البليار (الجزائر الشرقية) كما قدمنا، وكان البحر الذى يفصل بين إفريقية والأندلس مجازا ضيقا سهل العبور.
ولبث موسى حينا بطنجة يهيئ عُدة الفتح، والظاهر أن يوليان وحلفاءه لم يقصدوا بدعوة موسى أن يمتلك العرب اسبانيا، وأن يحكموها، بل كان مشروعهم أن يستعينوا بالعرب على محاربة المغتصب وإسقاطه، واستخلاص الملك لأنفسهم.
وكان اعتقادهم أن العرب متى امتلأت أيديهم بالأسلاب والغنائم، قفلوا إلى إفريقية.
وهو فرض معقول يؤيده سير الحوادث في اسبانيا، فقد كان الخوارج على ردريك يقصدون إلى انتزاع الملك من يده، وتحقيق أطماعهم بالحلول مكانه.
أما الفرض الآخر - وهو أنهم كانوا يقصدون بالفعل تسليم وطنهم إلى العرب - فمعناه أنهم كانوا يعملون للقضاء بانفسهم على مشاريعهم وأطماعهم، وهو مما يصعب قبوله وتعليله (2)، والظاهر أن موسى بن نصير كان من جانبه يؤكد ليوليان أنه لا يقصد بالغزو سوى مجد الفتح وكسب الغنائم، وأنه لا ينوى إنشاء دولة مسلمة فيما وراء البحر.
ونزل موسى على نصح الخليفة في اختبار الفتح الجديد بالسرايا، وبدأ مشروعه بمحاولة صغيرة، فجهز خمسمائة مقاتل بينهم مائة فارس، بقيادة ضابط من البربر يدعى طريف بن مالك، فعبروا البحر من سبتة في أربع سفن قدمها يوليان، إلى البقعة المقابلة التي سميت جزيرة طريف باسم قائد الحملة، وذلك في رمضان سنة إحدى وتسعين (يوليه سنة 710 م)، وجاست الحملة خلال الجزيرة الخضراء بإرشاد يوليان، فأصابت كثيراً من الغنائم، وقوبلت بالإكرام والترحيب، وشهدت كثيرا من دلائل خصب الجزيرة وغناها، ثم عادت في أمن وسلام، وقص قائدها على موسى نتائج رحلته، فاستبشر بالفوز، وجد في أهبة الفتح.
وفى شهر رجب سنة اثنتين وتسعين (إبريل سنة 711 م) جهز موسى جيشا من العرب والبربر يبلغ سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد الليثي، وكان يومئذ حاكماً لطنجة كما قدمنا (3).
ومن الغريب أن الرواية الإسلامية لا تحدثنا عن فاتح الأندلس بشئ قبل ولايته لطنجة، بل إنها لتختلف في أصله ونسبته، فقيل هو فارسي من همذان، كان مولى لموسى بن نصير، وقيل إنه من سبى البربر، وقيل أخيراً إنه بربري من بطن من بطون نفزة ، وهذه فيما يظن أرجح رواية، وهى رواية يؤيدها صاحب البيان المغرب، بإيراد نسبة طارق مفصلة.
ويبدو منها أن طارقاً تلقى الإسلام عن أبيه زياد عن جده عبد الله، وهو أول اسم عربي إسلامي نسبته، ثم ينحدر مساق النسبة بعد ذلك خلال أسماء بربرية محضة حتى ينتهى إلى نفزة، وهى القبيلة التي ينتمى إليها (4).
وتقدم إلينا الرواية الإسلامية التي يسوقها الينا صاحب كتاب " الإمامة والسياسة " وصفا لشخص طارق خلاصته أنه كان " رجلا طويلا أشقر، بعينيه قبل أي حول وبيده شلل " (5).
فإذا صحت هذه الرواية، فإنها يمكن أن تقدم الينا دليلا آخر على انتماء طارق إلى الجنس البربرى.
فالبربر حسبما شهدنا من التجوال في بعض ربوعهم بالمغرب، يكثر بينهم الطول والشقرة.
وكان طارق جنديا عظيما ظهر في غزوات المغرب بفائق شجاعته وبراعته، وقدر موسى مواهبه ومقدرته واختاره لحكم طنجة وما يليها، وهى يومئذ أخطر بقاع المغرب الأقصى وأشدها اضطربا، ثم اختاره لفتح الأندلس.
فعبر البحر من سبتة بحيشه تباعا في سفن يوليان القليلة، ونزل بالبقعة الصخرية المقابلة التي ما زالت تحمل اسمه إلى اليوم أعنى جبل طارق، وذلك في يوم الإثنين الخامس من رجب سنة 92هـ (27 إبريل سنة 711 م) (6).
واخترق طارق المنطقة المجاورة غرباً بمعاونة يوليان وإرشاده، وزحف على ولاية الجزيرة التي كان يحكها تيودومير القوطى عامل ردريك واحتل قلاعها، بعد أن هزم شراذم من القوط تصدت لوقفه.
وبادر حكام الولايات المجاورة بإخطار بلاط طليطلة بالخطر الداهم.
وكان ردريك يشتغل يومئذ بمحاربة بعض الخوارج في الولايات الشمالية، فهرع إلى طليطلة شاعراً بفداحة الخطر المحيق بعرشه وأمته، وبعث قائده اديكو لرد العدو حتى يستكمل أهبته.
ولكن طارقا هزمه ثم اخترق بسائط " الفرنتيره " (7) معتزماً السير صوب عاصمة القوط.
وكان رُدريك أو رذريق أو لذريق كا يسميه العرب (8)، أميراً شجاعاً وافر المقدرة والعزم، ولكنه كان طاغية يثير بقسوته وصرامته حوله كثيراً من البغض والسخط (9).
وكان عرشه يرتجف فوق بركان من الخلاف، وكانت اسبانيا قد مزقت شيعا وأحزابا، يتطلع كل منها إلى انتزاع السلطان والملك، وكان أهم هذه الأحزاب وأقواها حزب العرش القديم الذى يلتف حول ولدى وتيزا (غيطشة).
ومع ذلك فقد اعتصم القوط حين الخطر الداهم بنوع من الاتحاد، واستطاع ردريك أن يجمع حوله معظم الأمراء والأشراف والأساقفة، وحشد هؤلاء رجالهم وأتباعهم، فاجتمع للقوط يومئذ جيش ضخم تقدره بعض الروايات بمائة ألف (10)، ويقدره مؤرخ أندلسي متأخر بتسعين ألف (11)، وسار ردريك نحو الجنوب للقاء المسلمين، وكان طارق قد وقف على أمر هذه الأهبة العظيمة، فكتب إلى موسى يستنجد به، فأمده بخمسة آلاف مقاتل، فبلغ المسلمون اثنى عشر ألفاً، وانضم إليهم يوليان في قوة صغيرة من صحبه وأتباعه.
كان القوط أضعاف المسلمين، وكان المسلمون يقاتلون في أرض العدو في هضاب ومفاوز شاقة، ولكن قائدهم الجريء تقدم إلى الموقعة الحاسمة بعزم.
فكان اللقاء بين الجيشين في سهل الفرنتيره Frontera على ضفاف نهر وادي لكه أو وادي بكه.
وقد اختلف البحث الحديث في تحديد المكان والنهر الذى يحمل هذا الاسم الذى تورده الرواية العربية. فذكر البعض أنه هو نهر "جواداليتى" Guadalete (وادي لكه) الذى يصب في خليج قادس على مقربة من مدينة شريش، وأن اللقاء حدث على ضفته الجنوبية شمالى مدينة شذونة.
وذكر البعض الآخر، وهى الرواية الراجحة فيما يرى البحث الحديث، أن اللقاء قد حدث جنوبي بحيرة " خَندة " Janda الصغيرة المتصلة بنهر بارباتى Barbate الصغير الذى يصب في المحيط على مقربة من رأس " طرف الغاز " (12) وأن الرواية العربية تقصد هذا النهر بما تورده من إسم وادي لكه أو وادي بكه.
ففى هذا السهل الصغير الذى تحده من الجنوب سلسلة من التلال العالية، وعلى ضفاف بحيرة خندة ونهر " بارباتى " تلاقى العرب والقوط، والإسلام والنصرانية، وذلك في الثامن والعشرين
من شهر رمضان سنة 92 (17 يوليه سنة 711 م) (13).
وفرق النهر بين الجيشين مدى أيام ثلاثة شغلت بالمعارك البسيطة.
وفى اليوم الرابع التحم الجيشان ونشبت بينهما معركة عامة. وظهر ردريك وسط الميدان في حلل ملوكية فوق عرش تجره الخيل المطهمة، وهو منظر يثير سخرية الفيلسوف جيبون ولاذع تهكمه إذ يقول: " ولقد يخجل ألاريك (مؤسس دولة القوط) عند رؤية خلفه (ردريك) متوجا باللآلئ، متشحا بالحرير والذهب، مضطجعاً في هودج من العاج " (14).
واستمرت المعركة هائلة مضطرمة بين القوى النصرانية الضخمة، وبين القوة المسلمة المتواضعة نحو أربعة أيام (15).
ولكن الجيش القوطى كان رغم كثرته مختل النظام منحل العرى، وكان يقود جناحيه إيفا وسيزبوت خصما ردريك (16)، وتتكون صفوفه من أتباعهما وأتباع حلفائهما من الأمراء والزعماء الناقمين، الذين تظاهروا بالإخلاص وقت الخطر، وكلهم يتحين الفرصة للإيقاع بالملك
المغتصب (17)، فكانت الخيانة تمزق جيش القوط شر ممزق.
واستمال يوليان والأسقف أوباس وهما في صف المسلمين كثيراً من جند القوط، وبثا بدعايتهما
في الصفوف الموالية لردريك كثيراً من عوامل الشقاق والتفرق، فأخذ كل أمير يسعى في سلامة نفسه.
وتمكن الجيش الإسلامى على ضآلة عدده، بجلده وثباته واتحاد كلمته، من جيش القوط، فلم يأت اليوم السابع من اللقاء حتى تم النصر لطارق وجنده، وهزم القوط شر هزيمة، وشتتوا ألوفاً في كل صوب.
أما ردريك آخر ملوك القوط، فقد اختفى عقب الموقعة، ولم يعثر له بأثر. ويقول إيزويدور الباجى إنه بقي في ميدان الحرب حتى قتل مدافعاً عن عرشه وأمته.
وتقول بعض الروايات النصرانية الأخرى إنه فر عقب الهزيمة على ظهر جواده، ولكنه غرق في مياه النهر.
وتميل التواريخ الإسلامية إلى تأييد هذه الرواية، وتقول لنا إن ملك القوط مات غريقاً، وإنهم عثروا على جواده وسرجه الذهبى، ولم يعثر إنسان بجثته.
وتزعم بعض الروايات النصرانية أيضا أن ردريك استطاع أن يلوذ بالفرار، ولكنه قتل بعد ذلك، أو أنه فر إلى بعض الأديار في البرتغال وترهب، وعاش متنكراً حيناً من الدهر.
وينفرد صاحب كتاب الإمامة والسياسة بين المشارقة برواية أخرى، وهى أن طارقاً ظفر بجثة ردريك، فاحتز رأسه وبعث بها إلى موسى بن نصير، وبعث بها موسى إلى الخليفة، ويتابعه في هذه الرواية كاتب أندلسي هو صاحب كتاب تحفة الأنفس الذى تقدم
ذكره (18). هذا إلى روايات كثيرة أخرى.
ولكن المرجح في هذه الروايات كلها هو أن ردريك فقد حياته في الموقعة التي فقد فيها ملكه، وأنه مات قتيلا أو غريقاً على الأثر (19).
هكذا كانت موقعة شذونة التي دالت فيها دولة القوط، بعد أن لبثت زهاء ثلاثمائة عام منذ قيامها في غاليس، وغنم الإسلام فيها ملك إسبانيا. وتحيط الرواية الإسلامية حوادث الفتح بطائفة كبيرة من الأساطير والقصص التي لا يستطيع المؤرخ أن يقف بها (20).
بيد أنه يجدر بنا في هذا المقام أن نذكر ما تعرضه الرواية من أن طارقا خطب جنده قبيل نشوب المعركة الحاسمة، كما أنه يجدر بنا أن نورد نص هذا الخطاب الشهير الذى ينسب لفاتح الأندلس، والذى يعتبر نموذجا بديعا من الفصاحة والحماسة الحربية وهو:
يا أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم. وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام فى مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيوشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدى عدوكم.
وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا، ذهبت ريحكم وتعوضت. القلوب عن رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة. من أمركم، بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاعا فيها للنفوس، أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفة الألذ طويلا، فلا ترغبوا
بأنفسكم عن نفسى، فما حظكم فيه بأوفى من حظى.
وقد بلغكم ما أنشات هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمرجان.
والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوى التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا وأختانا، ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم. والله تعالى ولىّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين.
أيها الناس:
ما فعلت من شىء فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، وإنى عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أنهيه حتى أخالطه وأمثل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تنازعوا، فتفشلوا وتذهب ريحكم، وتولوا الدبر لعدوكم فتبدوا بين قتيل وأسير.
وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة، والراحة من المهنة والذلة، وما قد أحل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا، والله معكم ومفيدكم، تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدا بين من عرفكم من المسلمين، وهأنذا حامل حتى أغشاه فاحملوا بحملتي " (21).
ويشير صاحب كتاب تحفة الأنفس إلى خطبة طارق في قوله: " لما التقى العرب والقوط، فاقتتلوا ثلاثة أيام أشد قتال، فرأى طارق ما الناس فيه من الشدة، فقام يعظهم ويحضهم على الصبر ويرغبهم في الشهادة، وبسط في آمالهم "، ثم يورد نص الخطبة (22).
ثم تنوه الرواية الإسلامية بما كان لهذا الخطاب من أثر فعال في إذكاء همم المسلمين وشجاعتهم وثقتهم، ودفعهم إلى طريق النصر والظفر.
على أنه يسوغ لنا أن نرتاب في نسبة هذه الخطبة إلى طارق؛ فإن معظم المؤرخين المسلمين، ولاسيما المتقدمين منهم لا يشير إليها، ولم يذكرها ابن عبد الحكم ولا البلاذري، وهما أقدم رواة الفتوحات الإسلامية؛ ولم تشر إليها المصادر الأندلسية الأولى، ولم يشر إليها ابن الأثير وابن خلدون، ونقلها المقرى عن مؤرخ لم يذكر اسمه.
وهى على العموم أكثر ظهوراً في كتب المؤرخين والأدباء المتأخرين.
وليس بعيداً أن يكون طارق قد خطب جنده قبل الموقعة، فنحن نعرف أن كثيرا من قادة الغزوات الإسلامية الأولى، كانوا يخطبون جندهم فى الميدان؛ ولكن في لغة هذه الخطبة، وروعة أسلوبها وعباراتها، ما يحمل على الشك في نسبتها إلى طارق، وهو بربري لم يكن عريقاً في الإسلام والعروبة.
والظاهر أنها من إنشاء بعض المتأخرين، صاغها على لسان طارق مع مراعاة ظروف المكان والزمان.
وتشير الرواية الإسلامية في هذا الموطن إلى واقعة أخرى جديرة بالتأمل والبحث؛ وهى واقعة قد يغلب عليها لون الأسطورة، وإن كانت مع ذلك تعرض علينا في ثوب التاريخ الحق؛ تلك هى واقعة إحراق السفن التي نقل عليها طارق جيشه من الشاطئ الإفريقي إلى شاطىء الأندلس.
ونحن نعرف مما تقدم أن الكونت يوليان هو الذى قدم السفن التي ركبها العرب إلى الأندلس في بعثتهم الاستكشافية الأولى بقيادة طريف بن مالك، ثم في حملتهم الغازية بقيادة طارق.
وهنا تذكر الرواية أن طارقاً ما كاد يعبر بجيشه إلى الشاطئ الأندلسي، حتى أمر بإحراق السفن التي عبر عليها جيشه، وذلك لكى يدفع جنده إلى الاستبسال والموت، أو النصر المحقق، ويقطع عليهم بذلك كل تفكير في التخاذل والارتداد.
فما مبلغ هذه الرواية من الصحة؟ إن جميع الروايات الإسلامية التي تحدثنا عن فتح الأندلس لا تذكر شيئاً عن هذه الواقعة، ولا تذكرها الرواية الإسلامية إلا فى موطن واحد، فقد ذكر الشريف الإدريسي في معجمه الجغرافى " نزهة المشتاق " عند الكلام على جغرافية الأندلس، أن طارقا أحرق سفنه بعد العبور بجيشه إلى الأندلس (23)، وقد نقلت بعض التواريخ النصرانية المتأخرة هذه الرواية عن الإدريسي فيما يرجح.
وفيما عدا ذلك فإن جميع الروايات الإسلامية تمر عليها بالصمت المطلق. وقد يقال إن في الخطاب المنسوب إلى طارق ما يؤيد صحة هذه الرواية، فطارق يستهله بقوله: " أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر ..
"، وفي ذلك ما يمكن أن يحمل على أن الجيش الفاتح قد جرد من وسائل الارتداد والرجعة إلى الشاطئ الإفريقي، أو بعبارة أخرى قد جرد من السفن التي حملته في عرض البحر إلى اسبانيا، ولكنا رأينا أن هذا الخطاب لا يمكن الاعتماد عليه من الوجهة التاريخية، كوثيقة بعيدة عن شوائب الريب.
ولو صح أن طارقا ألقى في جنده مثل ذلك الخطاب، فقد نجد تفسيراً لأقوال طارق في أن السفن كانت ملكاً للكونت يوليان، وفي أنها لم تكن تحت تصرف الغزاة في جميع الأوقات.
ومع ذلك كله فإن رواية الشريف الإدريسي عن واقعة إحراق طارق للسفن ليست من الأمور المستحيلة، وهى عمل بطولة يتفق مع بطولة فاتح الأندلس.
على أنها تبتي عرضة لكثير من الريب، فقد دونت لأول مرة في القرن الخامس الهجري أعنى بعد فتح الأندلس بأكثر من ثلاثة قرون، ولم تؤيدها أية رواية إسلامية أخرى (24).
وعلى أثر الموقعة الحاسمة التي غلب فيها الجيش القوطى ومزق، ساد الرعب على القوط، فامتنعوا بالحصون والجبال، وقصدوا إلى الهضاب والسهول. وذاعت أنباء النصر في طنجة وسبتة وما جاورهما من أراضي العدوة، فعبر إلى الجيش الفاتح سيل من المجاهدين والمغامرين من العرب والبربر.
وزحف طارق بحيشه شمالا، وكانت بقية الجيش القوطى قد اجتمعت عند إستجة لتحاول رد الجيش الفاتح، فالتقى الجيشان هناك ثانية، وهزم القوط مرة أخرى، ولم يبق إلا أن يستولى الفاتحون على المدن والقواعد الحصينة واحدة بعد الأخرى.
وكان يوليان وأصحابه إلى جانب المسلمين، يعاونهم بالنصح والإرشاد كما قدمنا، ففى إستجة وضعت خطة السير، وتقرر أن يسير طارق بنفسه إلى طليطلة عاصمة المملكة القوطية، وأرسل طارق مغيثاً الرومي مولى الوليد بن عبد الملك إلى قرطبة في سبعمائة فارس، فاقتحم أسوارها الحصينة واستولى عليها دون مشقة، وأرسل حملات أخرى إلى غرناطة وإلبيرة ومالقة، فافتتحت مالقة وفر سكانها إلى الجبال، ثم لحق جيشها بالجيش المتجه إلى إلبيرة وغرناطة، فحوصرت غرناطة قليلا وفتحت، ثم فتحت إلبيرة.
وكان اليهود يعاونون المسلمين في كل هذه الفتوح، فكان المسلمون يضمون إليهم في كل مدينة من المدائن المفتوحة حامية صغيرة لحفظها.
ثم سار المسلمون بعد ذلك شرقاً نحو ولاية مرسية، وكانت تسمى يومئذ تيودمير (أو تدمير) باسم أميرها، وقاعدتها مدينة أوريولة، وكان تيودمير جندياً كبيراً، وافر العزم والبأس، فالتقى بالمسلمين ونشبت بينه وبينهم معارك شديدة هلك فيها معظم رجاله، فارتد إلى أوريولة، وامتنع بها، وعرض النساء، حسبما تقول الرواية، على الأسوار بأثواب الرجال إيهاما بكثرة جنده، واستطاع بثباته وجلده، أن يعقد الصلح مع المسلمين بشروط حسنة أنقذت بها مدينته من السبى والجزية (25).
وسار طارق في بقية الجيش إلى طليطلة مخترقاً هضاب الأندلس (26) وجبال سيرّا مورينا (جبل الشارّات) التي تفصل بين الأندلس وقشتالة، بإرشاد يوليان وأصحابه.
وكان القوط قد فروا منها نحو الشمال بأموالهم وآثار قديسيهم.
ولم يبق بها سوى اليهود وقليل من النصارى، فاستولى طارق عليها، وأبقى على من بقى من سكانها، وترك لأهلها عدة كنائس، وترك لأحبارها حرية إقامة الشعائر الدينية، وأباح للنصارى من القوط والرومان اتباع شرائعهم وتقاليدهم، واختار لحكمها وإدارتها أوباس مطرانها السابق وأخا الملك وتيزا.
وتابع طارق زحفه شمالا، فاخترق قشتالة ثم ليون في وهاد ومفاوز صعبة، وطارد فلول القوط حتى أسترقه؛ فلجأت إلى قاصية جليقية واعتصمت بجبالها الشامخة.
وعبر طارق جبال أشتوريش (أستورياس) (27) واستمر في سيره حتى أشرف على ثغر خيخون الواقع على خليج بسكونية (غسقونية) فكان خاتمة زحفه ونهاية فتوحاته، ورده عباب المحيط عن التقدم فعاد إلى طليطلة حيث تلقى أوامر موسى بوقف الفتح.
وكان ذلك لعام فقط من عبوره إلى اسبانيا.
وقد اختلف المؤرخون في تعليل البواعث التي حملت موسى على أن يصدر أوامره إلى طارق بوقف الفتح، فقيل إن موسى لم يكن يتوقع كل هذا الفوز لقائده ومبعوثه، فلما وقف على مبلغ فوزه وتقدمه، تحول إعجابه به إلى حسد وغيرة، وخشى أن ينسب ذلك الفتح العظيم إليه دونه، فكتب إليه ألا يتقدم حتى يلحق به، ويتوعده بالعقاب إذ توغل بعد بغير إذنه (28).
ولكن البعض يعلل غضب موسى على طارق ولحاقه به، بأن طارقا خالف الأوامر الصادرة إليه بألا يجاوز قرطبة أو حيث تقع هزيمة القوط (29).
وهذا تعليل حسن يتفق وما أثر عن موسى من الحيطة والحذر، فقد ينكب المسلمون إذا توغلوا في أراض ومسالك مجهولة. على أن ذلك لا يمنع من أن يكون للغيرة أثرها أيضاً في نفس موسى وفي تصرفه.
وعلى اى حال فقد عبر موسى البحر إلى اسبانيا في عشرة آلاف من العرب وثمانية آلاف من البربر، في سفن صنعها خصيصا لذلك، يحفزه شغف الفتح بالرغم من شيخوخته، ونزل بولاية الجزيرة حيث استقبله آلكونت يوليان، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين (يونيه سنة 712 م).
وبدأ موسى زحفه بالاستيلاء على مدينة شَذُونة (30)، ثم سار إلى قَرْمونة وهى يومئذ من أمنع معاقل الأندلس، فاستولى عليها بمعاونة يوليان وأصحابه.
وقصد بعدئذ إلى إشبيلية أعظم قواعد الأندلس. فافتتحها بعد أن حاصرها شهرا. ثم سار إلى ماردة وحاصرها مدة، وقتل تحت أسوارها جماعة كبيرة من المسلمين في كمين دبره النصارى.
وانتهت بالتسليم في رمضان أو شوال سنة أربع وتسعين، على أن تكون أموال الغائبين والكنائس، غنيمة للمسلمين دية لمن قتل منهم.
وقصد موسى بعدئذ إلى طليطلة فالتقى بطارق على مقربة منها وكان قد سار إلى استقباله.
فأنبه وبالغ في إهانته، وزجه مصفداً إلى ظلام السجن بتهمة الخروج والعصيان، وقيل بل هم بقتله أيضا (31). ولكنه ما لبث أن عفا عنه ورده إلى منصبه (32).
ووضع الإثنان خطة لافتتاح ما بقى من إسبانيا. ثم زحفا نحو الشمال الشرقي واخترقا ولاية أراجون (الثغر الأعلى) وافتتحا سرقسطة وطركونة وبرشلونة وغيرها من المدائن والمعاقل.
ثم افترق الفاتحان، فسار طارق نحو الغرب ليغزو جليقية، وليتم القضاء على فلول القوط. وسار موسى شمالا فاخترق جبال البرنيه (جبال البرت أو البرتات أو الممرات) (33)، وغزا ولاية لانجدوك أو سبتمانيا التي كانت تابعة إذ ذاك لملوك القوط، واستولى على قرقشونة (كاركاسون) وأربونة (ناربون).
ثم نفذ إلى مملكة الفرنج وغزا وادي الرون (رذونة) حتى مدينة لوطون أو لوذون (ليون)، فاضطرب أمراء الفرنج وأخذوا في الأهبة لرد الغزاة؛ ويقال إن المعارك الأولى بن العرب والفرنج وقعت في تلك السهول على مقربة من أربونة (34).
وهنا فكر القائد الجريء في أن يخترق بجيشه جميع أوربا غازياً فاتحا، وأن يصل إلى الشام من طريق قسطنطينية، وأن يفتتح في طريقه أمم النصرانية والفرنجة كلها.
وهو ما يجمله ابن خلدون في تلك العبارة القوية: " وجمع أن يأتي المشرق على القسطنطينية، ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلس، ويخوض ما بينها من بلاد الأعاجم أمم النصرانية مجاهداً فيهم، مستلحماً لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة " (35).
وكان موسى يقدر تنفيذ مشروعه العظيم بجيش ضخم يقتحم البرنيه، يؤيده من البحر أسطول قوى، فيبدأ بافتتاح مملكة الفرنج ثم يقصد إلى مملكة اللومبارد (36) في شمالى إيطاليا، فيخترقها فاتحا إلى رومة قاعدة النصرانية، فيفتتحها ويقضى فيها على كرسي النصرانية.
ويتابع سيره بعدئذ شرقاً إلى سهول الدانوب، مثخنا في القبائل الجرمانية التي تسيطر على ضفافه، ثم يخترق أراضي الدولة البيزنطية حتى قسطنطينية فيستولى عليها، ثم يعبر إلى آسيا الصغرى قاصدا إلى دمشق فيصل بذلك أملاك الخلافة الإسلامية فيما بين المشرق والمغرب من طريق الشمال، كما اتصلت من طريق الجنوب (37).
ولم يك ثمة ما يحول دون تنفيذ هذا المشروع الضخم، فقد كان الإسلام يومئذ في ذروة الفتوة والقوة والبأس، وكانت جيوشه تقتحم أرجاء العالم القديم ظافرة أينما حلت.
وكانت أمم الغرب من جهة أخرى يسودها الضعف والانحلال، وكانت مملكة الفرنج وهى أضخمها وأقواها يمزقها الخلاف والتفرق، وقد بدأ العرب غزوها بالفعل.
ولم تستطع النصرانية أن توحد جهودها لرد الإسلام، ولم تقم فيها زعامة قوية تجمع كلمتها وتنظم قواها في جهة دفاعية موحدة.
ولم تكن أوربا في ذلك الحين سوى مزيج مضطرب من الأمم والقبائل المتنافرة، تمزقها
المطامع والأهواء المختلفة.
فكان الإسلام يستطيع غزوها وفتحها.
ولم يكن حلما وإغراقاً ما تصوره موسى بن نصير واعتزامه. ولكن سياسة الإحجام والتردد التي اتبعها بلاط دمشق نحو الفتوح الغربية، والتي كادت تحول دون فتح اسبانيا، أودت بذلك المشروع البديع، وكتب الوليد بن عبد الملك إلى موسى يحذره من التوغل بالمسلمين في دروب مجهولة، ويأمره بالعود، فارتد موسى مرغما آسفا، ولكنه تمهل في العود حتى يتم إخضاع معاقل جليقية التي اعتصمت بها فلول القوط، ويطهر اسبانيا بأسرها من كل خروج ومقاومة، فاخترق جليقية واستولى على معظم معاقلها، ومزق كل قوة تصدت لمقاومته، ولم يبق من النصارى سوى شراذم يسيرة اجتمعت حول زعيم يدعى بلاجيوس أو بلايو، ولجأت إلى قاصية جليقية؛ وبينما كان موسى يتأهب للحاق بها وسحقها، إذ وصله كتاب آخر من دمشق يستدعيه وطارقا، ويأمرهما بتعجيل العودة ولعل أقوى البواعث التي حملت الوليد على هذا الاستدعاء ما نمى إليه من خلاف موسى وطارق، وخوفه أن ينتهى هذا الخلاف، بتفرق كلمة المسلمين ونكبتهم في تلك الأقطار الجديدة المجهولة التي افتتحوها (38).
أو لعله خوف الوليد أن يفكر موسى بما عرف من طمعه ودهائه، في الاستقلال بذلك الملك الجديد النائي، وهو أفضل تعليل يقبله النقد الحديث ويرجحه.
وربما كان من هذه البواعث أيضا ما بلغ الوليد عن وفرة الأموال والتحف التي اغتنمت من الأندلس، وخوفه أن تمتد إليها يد التبديد.
ومهما كانت العوامل التي دفعت، الوليد إلى استدعاء فاتحي الأندلس، فلا ريب أنه كان خطراً على مستقبل الإسلام في اسبانيا.
ذلك أن هذه الشراذم النصرانية الصغيرة التي نجت من المطاردة واعتصمت بصخور جليقية، لم تلبث أن نمت وقويت، وكانت منشأ المملكة النصرانية التي قامت في الشمال، ولبثت قرونا تكافح دولة الإسلام في اسبانيا حتى انتهت بالقضاء عليها.
وفى ذلك الحين كان عبد العزيز بن موسى قد افتتح منطقة الساحل الواقعة بن مالقة وبلنسية، وأخمد الثورة في إشبيلية وباجة، وافتتح لبلة وغيرها من المعاقل والحصون، وأبدى في معاملة البلاد المفتوحة كثيرا من الرفق والتسامح، والاعتدال في تطبيق الأحكام وفرض الضرائب.
ولنا في معاهدته مع تيودمير خير شاهد باعتدال السياسة الإسلامية وتسامحها.
وإليك نص هذه المعاهدة، حسبما نقله إلينا الغزيرى في معجمه، نورده نموذجاً للوثائق السياسية الإسلامية في عصر الفتح:
" نسخة كتاب الصلح الذى كتبه عبد العزيز بن موسى لتدمير عبدوش -
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد العزيز إلى تدمير، أنه نزل على الصلح، وأنه له عهد الله وذمته أن لا ينزع عنه ملكه، ولا أحد من النصارى عن أملاكه. وأنهم لا يقتلون ولا يسبون، أولادهم ولا نساؤهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا تحترق كنائسهم ما تعبد ونصح، وأن الذى اشترط عليه أنه صالح على سبع مدائن، أوريوالة وبلنتلة ولقنت ومولة وبقسرّة وأنة ولورقة.
وأنه لا يأوي لنا عدوا، ولا يخون لنا أمناً ولا يكتم خبرا علمه. وأنه عليه وعلى أصحابه دينارا كل سنة، وأربعة أمداد قمح وأربعة أمداد شعير، وأربعة أقساط طلا، وأربعة أقساط خل، وقسطي عسل، وقسطي زيت، وعلى العبد نصف ذلك.
كتب في أربع من رجب سنة أربع وتسعين من الهجرة.
شهد على ذلك ..
. الخ " (39).
واتخذ موسى بن نصير أهبته للعود إلى دمشق نزولا على أوامر الخليفة. فنظم حكومة الأندلس قبل رحيله ما استطاع، وجعل حاضرتها إشبيلية (40) لاتصالها بالبحر وكانت حاضرتها أيام الرومان، واختار لولايتها ولده عبد العزيز، واستخلف على المغرب الأقصى ولده عبد الملك، كا استخلف على إفريقية عبد الله أكبر أولاده.
وفى شهر ذى الحجة سنة خمس وتسعين (أغسطس 715 م) قفل راجعاً إلى المشرق وطارق معه، وفي ركبه من نفيس التحف والغنائم ما لا يقدر ولا يوصف، ومن أشراف السبى عدد عظيم (41).
وقد اختلفت الرواية العربية في مصير موسى بن نصير، واختلف الرواة فى أمر لقائه بالخليفة؛ فقيل إنه وصل إلى دمشق قبل وفاة الوليد بن عبد الملك، وقدم إليه الأخماس والغنائم؛ فأكرمه وأحسن إجازته، وقيل بل وصل عقب وفاة الوليد وارتقاء سليمان بن عبد الملك أخيه عرش الخلافة، وأن سليمان غضب عليه ونكبه (42).
على أنه يمكن التوفيق بين القولين أعنى وفود موسى على الوليد ابن عبد الملك ثم نكبته على يد سليمان. وهنالك ما يرجح لدينا أنه لحق بالوليد قبيل وفاته، فإن ابن عبد الحكم وهو أقدم رواة فتوح الأندلس، يقول لنا إن موسى بن نصير مر بمدينة الفسطاط في أواخر شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين في طريقة إلى دمشق (43).
وقد توفى الوليد في منتصف جمادى الآخرة من هذا العام أعنى بعد وصول موسى إلى كل مصر بأكثر من شهرين ونصف.
ولما كانت مسافة السفر بين الفسطاط ودمشق لا تتجاوز في هذا العصر بضعة أسابيع، فإن الوقت كان يكفى لمقدم موسى على الوليد قبل وفاته بأسابيع.
على أن الرواية من جهة أخرى تكاد تجمع على أن سليمان سخط على فاتح الأندلس ونكبه.
ذلك أن موسى وصل إلى الشام والوليد في مرض موته، فكتب إليه سليمان ولى العهد أن يتمهل في السير، رجاء أن يموت الوليد بسرعة، فيقدم عليه في صدر خلافته بما يحمل من التحف والغنائم الكثيرة، فأبى موسى وجد في السير حتى قدم والوليد حي فسلم إليه الأخماس والغنائم.
ثم توفى الوليد بعد ذلك بقليل مستخلفا أخاه سليمان على كرسي الخلافة. فغضب سليمان على موسى، وزاد في حقده عليه، ما قدمه فى حقه طارق ومغيث من مختلف التهم (44).
وفى الحال أمر، بعزله واتهمه وبنيه باختلاس مقادير عظيمة من المال والتحف، وقضى عليه بردها، وبالغ في إهانته وتعذيبه، ثم ألقاه إلى ظلام السجن.
واستجار موسى بصديقه يزيد بن المهلب من نقمة سليمان. وكان من أخصائه وذوى النفوذ عنده، فيروى أن يزيداً قال له: " لم أزل أسمع عنك أنك من أعقل الناس وأعرفهم بمكائد الحروب ومداراة الدنيا.
فقل لي كيف حصلت في يد هذا الرجل بعد ما ملكت الأندلس، وألقيت بينك وبين هؤلاء القوم البحر الزخار، وتيقنت بعد المرام واستصعابه، واستخلفت بلاداً أنت اخترعتها، وحصل في يدك من الذخائر والأموال والمعاقل ما لو أظهرت به الامتناع ما ألقيت عنقك في يد من لا يرحمك.
ثم إنك علمت أن سليمان ولى عهد وأنه الوالي بعد أخيه، وقد أشرف على الهلاك لامحالة، وبعد ذلك خالفته وألقيت بيدك إلى التهلكة، وأحقدت مالكك ومملوكك ". وما زال يزيد بسليمان حتى عفى عن موسى، وأعفاه من الغرامة الفادحة التي قضى بها عليه، ويقال بل عفا عن حياته، ولم يعفه من الغرامة، وإن موسى استطاع أن يفتدى نفسه ببعض ما فرض عليه، وإن سليمان عفا عنه بعد ذلك (45)، وأقر ابنه عبد الله على إفريقية وابنه عبد العزيز على الأندلس.
وتبالغ بعض الروايات فتقول إن سليمان أمير على معاقبة موسى وتغريمه، حتى كان يطوف أحياء العرب مع حراسه ليسأل بعض المال ليفتدي نفسه، وإنه لبث على تلك الحال حتى توفى في منتهى البؤس والذلة بوادي القرى في شمال الحجاز حيث ينسب مولده، وذلك سنة سبع وتسعين (46).
بيد أنه لا يوجد ما يبرر الأخذ بمثل هذه الرواية المغرقة.
والصحيح المعول عليه أن سليمان عفا عن موسى، وأقاله من محنته؛ وتوفى موسى بعد ذلك بقليل في سنة سبع وتسعين (وقيل في سنة تسع وتسعين) وهو في طريقه إلى الحج مع سليمان، وقد جاوز الثمانين من عمره.
هذا ما تردده الرواية الإسلامية عن مصير موسى بن نصير. ومهما كان من الأمر، فإن فاتح الأندلس لم يلق الجزاء الحقَ، بل غمط حقه وفضله أشنع غمط، وأبدت الخلافة بهذا الجحود والنكران، أنها لم تقدر البطولة في هذا الموطن قدرها، ولم تقدر عظمة الفتح الباهر الذى غنمته على يد رجلها وقائدها.
وكان موسى بن نصير من أعظم رجال الحرب والإدارة المسلمين في القرن الأول للهجرة.
وقد ظهرت براعته الإدارية في جميع المناصب التي تقلدها، كما ظهرت براعته الحربية في جميع الحملات البرية والبحرية التي قادها.
على أن هذه المواهب تبدو بنوع خاص في حكمه لإفريقية، حيث كانت الحكومة الإسلامية تواجه شعباً شديد المراس، يضطرم بعوامل الانتقاض والفتنة، وإذا كان موسى قد أبدى في معالجة الموقف وإخماد الفتنة كثيرا من الحزم والشدة، فقد أبدى في الوقت نفسه خبرة فائقة بنفسية الشعوب، وبراعة في سياستها وقيادتها.
وكان موسى فوق مواهبه الإدارية والعسكرية غزير العلم والأدب، متمكنا من الحديث والفقه، عالماً بالفلك مجيداً للنثر والنظم.
غير أن هذه المواهب والخلال البديعة كانت تشوبها نزعة قوية إلى الطغيان والبطش، وشهوة الحقد والحسد (47).
وإلى موسى بن نصير يرجع الفضل الأول في عبور الإسلام إلى أوربا من الغرب وقيام دولته فيها، بعد أن اخفقت محاولته في العبور إليها من المشرق عن طريق قسطنطينية.
ومع أن سيل الفتح الإسلامى رد غير بعيد في سهول بلاط الشهداء، فإن الإسلام استطاع مع ذلك أن يستقر في إسبانيا قروناً، يبهر بضوء مدنيتها الزاهرة جميع الأمم الأوربية في العصور الوسطى.
هذا ما كان من شأن موسى ومصيره، فماذا كان مصير طارق؟ هذا ما تمر عليه الرواية الإسلامية بالصمت. وكل ما هنالك أنها تشير إلى ما كان من نية سليمان بن عبد الملك في تعيينه والياً للأندلس مكان موسى، وكيف عدل عن ذلك حينما وقف من مغيث الرومي فاتح قرطبة، على ما كان يتمتع به طارق في الأندلس من عظيم الهيبة والنفوذ، وذلك توجساً مما قد يجيش به من أطماع ومشاريع نحو ذلك القطر النائي من أقطار الخلافة (48).
وقد كان مغيث يحقد على موسى وطارق منذ الفتح ويسعى إلى منافستهما والإيقاع بهما، وكان لوقيعته ومساعيه ضدهما أكبر الأثر في استدعائهما إلى دمشق.
وإذا كانت هذه الرواية لا تلقى ضوءا كافيا على مصير طارق، فإنها قد تسمح لنا مع ذلك أن نعتقد أن طارقاً لم يلق مثل المصير المحزن الذي لقيه موسى، وأنه بالعكس قد استقبل في بلاط دمشق استقبالا حسناً، وربما أحسن الخليفة فوق ذلك إثابته، بدليل أنه فكر في تعيينه واليا للقطر
الذى ساهم في افتتاحه بأعظم قسط.
ولكن الرواية الإسلامية لا تحدثنا بعد ذلك عن طارق بشئ، ولا تذكر لنا أين ومتى توفى، بل تسدل على نهايته حجابا عميقا من الصمت (49).
وليس في وسعنا إزاء هذا الغموض الذي يحيط بسيرة طارق أن نتحدث عن صفاته وخلاله، وكل ما نستطيعه في هذا الموطن هو أن ننوه بخلاله العسكرية الباهرة، التي ظهرت بوضوح في حروب المغرب وفتح الأندلس، وهو بهذه الخلال يتبوأ مكانته بين أعظم الفاتحين المسلمين.
أما مصير الكونت يوليان الذي مهد لفتح الأندلس، فلم تشر إليه الرواية الإسلامية. وفى بعض الروايات أنه عاد بعد الفتح إلى سبتة وأقطع ما حولها من الأراضي، وقُلد إمارتها جزاء خدماته.
ولكنه بقى نصرانيا هو وبنوه الأقربون، ثم دخل عقبه في الإسلام بعد ذلك. وتقول الرواية الكنسية الإسبانية إنه قتل بيد مواطنيه في معركة نشبت بينه وبينهم، أو أنه قتل بعد ذلك بأعوام في ولاية الحر الثقفي بيد العرب لريبة في ولائه.
وتقول هذه الرواية أيضاً إن العرب أعدموا ابنى وتيزا وأفراد أسرته لمثل هذا السبب (50).
وهذا ما تنفيه الرواية الإسلامية وتؤكد عكسه.
فالمصادر الإسلامية تجمع كلها على أن العرب أحسنوا معاملة إيفا (أو إيبا) وسيزبوت ابنى وتيزا وعمهما أوباس؛ فأما أوباس فقد عين كما تقدم مطراناً لطليطلة، وأقطع إيفا وسيزبوت ما كان لأبيهما من الضياع.
ثم توفى إيفا أكبر الأخوين بعد ذلك بأعوام عن إبنة تدعى سارة وولدين صغيرين، فاغتصب سيزبوت ميراثه وضياعه، فبادرت سارة بالسفر مع أخويها إلى دمشق، وشكت عمها إلى الخليفة هشام بن عبد الملك، فأنصفها وقضى لها برد ميراث أبيها، وبعث بذلك إلى والى الأندلس أبي الخطار الكلبى.
وتزوجت سارة في دمشق من سيد عربي يدعى عيسى بن مزاحم، ورزقت منه بولدين هما إبراهيم وإسحاق. ثم عادت مع زوجها إلى الأندلس، وأحرز ولداها، مكانة ممتازة.
وإليها ينتمى نسب ابن القوطية القرطبي المؤرخ، نسبة إلى لقبها العربى وهو سارة " القوطية " (51).
_______
(1) راجع ابن الأثير ج 4 ص 213، والبيان المغرب ج 2 ص 6.
(2) قدم ابن الأثير في روايته ما يفيد صحة الفرض الأول (ج 4 ص 214). وكذا صاحب " أخبار مجموعة " (ص 8)، والمقري (ج 1 ص 120). ومن جهة أخرى فإن البحث الحديث
يؤيده ويرجحه.
راجع دوزى: Dozy: Hist, V.
1.
p.
272، وأيضا جيبون حيث يقول:
" يظهر أن الكونت لا يستحق وصمات الخيانة والخسة والغدر مطلقة، فإن التاريخ لم يثبت أنه كان يريد تسليم بلاده للعرب. وإنما كان مشروعه أن يستعين بهم على قلب الحكومة وإسقاط ردريك حتى يكون له في حكومة هو منشؤها مكانة أسمى " Gibbon: ibid.
Chap.
L1.
(note)
(3) يقول صاحب البيان المغرب إن ولاية طارق لطنجة كانت في سنة 85هـ (ج 2 ص 28)، ولكن الظاهر أنه وليها بعد ذلك ببضعة أعوام.
(4) راجع البيان المغرب (ج 2 ص 6) وفيه ترد نسبة طارق هكذا: - طارق بن زياد ابن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن نيرغاس بن ولهاص بن يطومث بن نفزا؛ وراجع أيضا نزهة المشتاق للشريف الإدريسي حيث يقول إنه بربري من زناته (طبع رومة ص 179)، وكذلك ابن خلدون (ج 4 ص117)، والمقري (نفح الطيب ج 1 ص 119).
(5) الإمامة والسياسة ج 2 ص 74. ونقل إلينا المقرى ما يفيد أن طارقا كان ضخم الهامة، وفي كتفه 4 الأيسر شامة (ج 1 ص 107).
(6) المقرى (ج 1 ص 119)، والبيان المغرب؛ وهناك خلاف على الشهر الذى عبر فيه طارق.
(7) الفرنتيره La Frontera، هى المنطقة الوسطى والغربية في المثلث الإسبانى.
(8) ويسميه الواقدي باسم آخر هو (الأدرينوق)؛ راجع الطبري ج 8 ص 82.
(9) Cardonne: ibid.
p.
62
(10) راجع ابن الأثير ج 4 ص 214؛ والمقري ج 1 ص 120. ويقدره في مكان آخر بسبعين ألف (ص 112). ويأخذ جيبون بهذه الرواية فيقدر جيش القوط بتسعين ألف أو مائة ألف (الفصل الحادي والخمسون). ولكن ابن خلدون يقدره بأربعين ألف فقط، وهو في نظرنا
أقرب إلى المعقول (ج 4 ص 117).
(11) هذه هي رواية على بن عبد الرحمن بن هذيل صاحب كتاب " تحفة الأنفس وشعار أهل
الأندلس " وهو من كتاب القرن الرابع عشر الميلادي (مخطوط بالإسكوريال رقم 1652 دير نبور - لوحة 48) وهو مؤلف فريد في بابه يتحدث عن الجهاد والمغازي والصوائف والفروسية وأحوالها وشروطها. وبه نبذ تاريخية مفيدة. وقد نشره المستشرق مرسييه.
(12) يقول دوزى إن هذا النهر يحمل اليوم اسم سلادو Salado ( ج 1 ص 273 هامش) وهو خطأ لأن هذا الإسم يطلق على نهر آخر يقع شمالى نهر بارباتى.
ويسميه ابن القوطية " وادي بكه " (ص 7).
وراجع: الأستاذ ليفي بروفنسال: Histoire de l'Espagne Musulmane
p.
15 & 16.
(1944) والهوامش.
(13) تجمع الرواية الإسلامية تقريبا على أن الموقعة كانت في هذا التاريخ. ولكن ابن حيان مؤرخ الأندلس يقول إنها كانت في السابع من ربيع الأول سنة 92 هـ (المقرى عن ابن حيان ج ص 116) ولعله ينفرد بهذا الخلاف.
(14) تشير معظم الروايات الإسلامية إلى هذا المنظر؛ فيقول الطبري نقلا عن الواقدي:
" فزحف الأدرينوق في سرير الملك، وعلى الأدرينوق تاجه وقفازه وجميع الحلة التي كان يلبسها الملوك " (ج 8 ص 82)، والمقري (ج 1 ص 112)، وابن الأثير (ج 4 ص 212)،
وابن عذارى (ج 2 ص 9).
(15) قال الرازى: " كانت الملاقاة يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان، فاتصلت الحرب بينهم إلى يوم الأحد لخمس خلون من شوال. ثم هزم الله المشركين فقتل منهم خلق عظيم أقامت عظامهم بعد ذلك بدهر طويل ملبسة بتلك الأرض، قالوا: وحاز المسلمون من عسكرهم ما يجل قدره، فكانوا يعرفون كبار العجم وملوكهم بخواتم الذهب يجدونها في أصابعهم، ويعرفون من دونهم بخواتم الفضة، ويميزون عبيدهم بخواتم النحاس " (المقرى ج 1 ص 121).
(16) أخبار مجموعة (ص 8).
(17) ابن الأثير (ج 4 ص 214) والمقري (ج 1 ص 121) ودوز (ج 1 ص 272).
(18) راجع كتاب الامامة والسياسة ج 2 ص 75 و76.
ووردت هذه الرواية في كتاب تحفة الأنفس في المخطوط المتقدم ذكره (لوحة 48).
(19) راجع في مصير ردريك، C.
Julian: Histoire de la Gaule p.
750 - Gibbon, ibid
Chap.
LI.
& notes، وراجع من المصادر الإسلامية: ابن الأثير حيث يقول إنه غرق في نهاية الموقعة
(ج 4 ص 214). والمقري حيث يقول إنه رمى بنفسه مختارا إلى النهر، وقد ثقلته الجراح (نفح الطيب ج 1 ص 121).
وقال ابن الأبار في الحلة السيراء إنهم عثروا على جواد ردريك وسرجه من ذهب وزبرجد وإحدى نعليه وغاب شخصه، فما وجد حيا ولا ميتا (ليدن ص 31). وهذه أيضا رواية صاحب " أخبار مجموعة " (ص 6)، وقال ابن عذارى إن ردريك اختفى ولم يعرف له موضع ولا وجدت له جثة، وإنما وجد له خف مفضض، فقالوا إنه غرق وقالوا إنه قتل (ج 2 ص 10)؛ وتردد بعض التواريخ الغربية هذه الرواية (كامى جوليان في تاريخ " غاليس " ص 758). وتقول بعض الروايات الإسبانية إنه فر إلى مغار ناسك، والبعض الآخر إنه ألقى حيا إلى بئر ملأي بالأفاعي حيث صاح: " وإنها تلتهم الجزء الذى ثقلته بالخطايا " (جيبون الهامش في الفصل الحادي والخمسين).
(20) راجع رواية ابن عبد الحكم عن فتح الأندلس (ص 304 وما بعدها) فقد تخللها بعض هذه الأساطير، ولكن المقرى يستوعب الكثير منها نقلا من مختلف الروايات (نفح الطيب ج 6 ص 114 وما بعدها).
(21) هذا، ومما ينسب لطارق أيضا من قصيدة قالها في الفتح:
ركبنا سفينا بالمجاز قصيرا عسى أن يكون الله منا قد اشترى
نفوسا وأموالا وأهلا بجنة إذا ما اشتهينا الشئ فيها تيسرا
ولسنا نبالى كيف سالت نفوسنا إذا نحن أدركنا الذى كان أجدرا
(22) كتاب تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس؛ المخطوط المتقدم ذكره لوحة 48.
(23) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (المختصر)، طبع رومة، ص 178.
(24) يقدم لنا التاريخ الحديث مثلا بديعا للفاتح الذي يحرق السفن التي عبر عليها جيشه لكى يقطع على جيشه كل تفكير في الرجعة والارتداد، هو مثل المستكشف الإسباني فرناندو كورتيث فاتح المكسيك. فقد أمر هذا الفاتح الشهير، حينما أشرف على شواطئ المكسيك. مستكشفا فاتحا فى سنة 1519م. بإحراق سفينه التي قدم عليها جيشه من اسبانيا.
ومن الغريب أن يكون بطل هذا الحادث إسبانيا، وهو ما يحملنا على الظن بأنه قد تأثر في عمله بالمثل الذي ينسب لطارق فاتح الأندلس.
(25) ابن الأثير (ج 4 ص 215). والبيان المغرب (ج 2 ص13). وسنورد فيما بعد نص هذه المعاهدة.
(26) يطلق المؤرخون والجغرافيون العرب كلمة " الأندلس " على شبه جزيرة إيبيريا المكونة من اسبانيا والبرتغال (ياقوت في معجم البلدان تحت كلمة الأندلس. والروض المعطار ص 1).
وتطلق في الرواية العربية أيضا على اسبانيا المسلمة، التي كانت عقب الفتح تشمل كل إسبانيا ما عدا جليقية وولايات جبال البرنيه. ولكن " الأندلس " تطلق في العصور المتأخرة وفي الجغرافية الحديثة على ولايات الأندلس الواقعة في جنوبي إسبانيا بين نهر الوادي الكبير والبحر، وبين ولاية مرسيه وإشبيلية؛ وما زالت " الأندلس " تحتل في تقسيم اسبانيا الإداري الحاضر نفس هذه المنطقة.
والرواية العربية تعلل هذه التسمية بصور مختلفة فتقول مثلا إنها سميت أندلس باسم أول من سكنها من قديم الزمان وهم قوم من الأعاجم يقال لهم أندلوش (نفح الطيب ج 1 ص 67).
ويقول ابن الأثير إن النصارى يسمون الأندلس إشبانة باسم اشبانس أحد ملوكها، وهذا هو اسمها عند بطليموس (ج 4 ص 212). ولكن ابن خلدون يقدم لنا تعليقا أدق فيقول إنها سميت "الأندلس" باسم "قندلس" ولعلها فندلس، ومن الواضح أنه يقصد الفندال أي الوندال (ج 2 ص 235 في تاريخ القوط).
ويقدم لنا البكرى خلاصة دقيقة لهذه المسميات الجغرافية التاريخية فيقول في وصفه لجزيرة الأندلس، " إن اسمها في القديم إباريه Iberia من وادي إبره، ثم سميت بعد ذلك باطقة Baetica، من وادي بيطى وهو نهر قرطبة. ثم سميت إشبانية من إسم رجل ملكها في القديم كان اسمه إشبان.
وقيل سميت بالإشبان سكنوه في أول الزمان على جرية النهر وما والاه.
وقال قوم إن اسمها هو في الحقيقة إشبارية Hisperia. من إشبرش وهو الكوكب المعروف بالأحمر. وسميت بعد ذلك بالأندلس من أسماه الأندليش من الذين سكنوها ".
والأندليش هم الوندال Vandals. ( أبو عبيد البكرى في جغرافية بلاد افريقية والمغرب طبعة دى سلان).
وهذا هو التعليل الذى يأخذ به دانفيل Danville إذ يقول إن الاشتقاق مأخوذ من كلمة فاندالوسيا Vandalusia أي بلد الوندال، (نقله جيبون عن كتاب ممالك أوربا في هامش الفصل الحادي والخمسين).
وهذا ما يقرره الغزيرى أيضا في معجم مخطوطات الإسكوريال ( Bibliotheca Arabico - Hispana Escurialensis II, p.
237)
(27) وهنا تذكر الرواية العربية أن طارقا انتهى إلى مدينة المائدة خلف جبال أستوريه واستولى على مائدة سليمان بن داود، وهى خضراء من زبرجد حافاتها منها وأرجلها ثلثمائة وخمسة وستون. ويقال إن هذه المائدة غنمها الرومان من المشرق أو بيت المقدس في بعض غزواتهم ثم نقلوها إلى رومة، فغنمها القوط حين افتتحوا رومة، ثم أحرزها العرب عند فتح اسبانيا. وذكر ابن الأثير أن أحد ملوك اسبانيا في عهد الوندال غزا بيت المقدس وأحرز المائدة (ج 4 ص 212).
وذكر صاحب الروض المعطار، كما ذكر بعض مؤرخي الإفرنج، أن هذه المائدة هى من نفائس ملوك القوط، وأن العرب عثروا بها في كنيسة طليطلة وهو أقرب إلى المعقول. (الروض المعطار ص 5).
(28) هذه هى رواية ابن عبد الحكم (ص 207)، وصاحب أخبار مجموعة (ص 15)، وابن القوطية (ص 9)، وابن الأثير (ج 4 ص 215)، وابن خلدون (ج 4 ص 117)، وابن حيان مؤرخ الأندلس (نفح الطيب ج 1 ص 126)، وبغية الملتمس للضبى (ص 11)، والحميدي في جذوة المقتبس (طبع مصر) ص هـ.
(29) البيان المغرب (ج 2 ص 15 و18).
(30) Medina Sedonia، ويسميها ابن الأثير مدينة سالم (ج 4 ص 215).
ولكن شدونة أو شذونة تسمية أكثر ذيوعا.
(31) ابن عبد الحكم (ص 208)، وابن الأثير (ج 4 ص 215)، والمقرى في نفح
الطيب (ج 1 ص 127)، والحميدى في جذوة المقتبس (ص 6).
(32) ينفرد ابن عبد الحكم برواية عن إطلاق سراح طارق، هى أن طارقا استجار بمغيث الرومي وكان عائدا من الأندلس إلى المشرق، ووعده بمائة عبد إذا ما هو أبلغ أمره إلى الوليد بن عبد الملك، فقام مغيث بالرسالة وبادر الوليد بالكتابة إلى موسى أن يطلق سراح طارق ويتوعده إذا أساء اليه وحمل مغيث هذا الكتاب إلى الأندلس، فأفرج موسى عن طارق ورده إلى منصبه (ص 210)، وذكر الطبري أن طارقا ترضى موسى فرضى عنه وقبل منه عذره (ج 8 ص 90).
(33) البرت أو البرتات محرفة عن الاسبانية Puerta، ومعناها الباب. وسميت الجبال بهذا الاسم لأنها تحتوى على خمسة أبواب أو ممرات طويلة كانت تستعمل للعبور والغزو. وسنعود إلى تفصيل ذلك. أما تسميتها بجبال البرانس فهو خطأ جغرافي حسبما نوضح بعد.
(34) ابن حيان مؤرخ الأندلس (نقله المقرى في نفح الطيب ج 1 ص 128)، والبيان المغرب (ج 2 ص 14).
ومعظم الروايات على أن موسى وقف في زحفه عند أربونة.
(35) ابن خلدون ج 4 ص 117، ونفح الطيب ج 1 ص 130.
(36) في الجغرافية العربية بلاد اللنبرد أو أنكبردية.
(37) Cardonne: ibid.
V.
I.
p.
96 - 97.
ويقول الفيلسوف جيبون تعليقا على هذا المشروع إنه تمكن مقارنته بخطة مثراديتيس ليفتتح ما بين القرم ورومة، أو خطة قيصر ليفتتح المشرق ثم يعود من طريق الشمال. ويفوق هذه المشاريع جميعا مشروع هانيبال الذى نفد بنجاح عظيم (الفصل الحادي والعشرون).
(38) لم توضح الرواية الإسلامية أسباب هذا الاستدعاء. ولكن الغزيرى نقل في معجمه عن بعض أوراق مخطوطة في الإسكوريال في سبب الاستدعاء هذه الفقرة: " ولما علم الوليد بن عبد الملك ما حدث لطارق بن زياد وموسى بن نصير من الخلاف بعث فيهما فانصرفا إلى المشرق ".
ويعتقد الغزيرى أن الأوراق التي عثر بها ونقل منها هذه الفقرة إنما هى من تاريخ الرازى لقرائن ذكرها.
راجع Casiri: ibid ; V.
II.
p.
328
(39) نقل الغزيرى هذا النص في معجمه عن بعض مخطوطات الإسكوريال، وقرنه بترجمة لاتينية ( Casiri: ibid.
V II.
p.
105)
هذا وقد أورد لنا العذري نصا آخر لهذا الأمان في كتابه " ترصيع الأخبار وتنويع الآثار "؛ على نفس المدن السبعة، جاءت شروطه على النحو الآتي: " ألا يقدم ولا يؤخر لأحد من أصحابه بسوء، وأن لا يسبون، ولا يفرق بينهم وبين نسائهم وأولادهم، ولا يقتلون ولا تحرق كنائسهم، ولا يكرهون على دينهم؛ وأنه لا يدع حفظ العهد، ولا يحل ما انعقد، ويصحح الذى فرضناه عليه، وألزمناه أمره، ولا يكتمنا خبرا علمه، وأن عليه وعلى أصحابه غرم الجزية من ذلك على كل حر دينار .. الخ " ثم يلى ذلك شهود هذا الأمان " (راجع " نصوص عن الأندلس " وهى عبارة عن أوراق منقولة من كتاب " ترصيع الأخبار " ومنشورة بعناية الدكتور عبد العزيز الأهواني، وصادرة عن معهد الدراسات الإسلامية بمدريد - ص 4 و5).
(40) اقتبس العرب اسم " إشبيلية " من اسمها اللاتيني " هسبالى " Hispali، ثم حرف الإسبان هذا الاسم إلى " سفيليا " Sevilla، وهو الذى يطلق عليها في الجغرافية الحديثة.
(41) تفيض الرواية الإسلامية في وصف ما أصابه المسلمون في الأندلس من الغنائم الجليلة والسبي الذى لا يحصى.
وتقول إن موسى بن نصير حمل إلى دمشق من التحف والذخائر من الذهب والدر والياقوت والزبرجد ما لا يقدر؛ منها مائدة سليمان السالفة الذكر؛ وأما السبايا فيقال إنه حمل منها ثلاثين ألفا، بينهم مئات من أشراف القوط والوصفاء المختارين، من ذو الشباب الغض والجمال الباهر ذكورا وإناثا. وذكر ابن القوطية أن موسى بن نصير عاد ومعه من أبناء الملوك والعجم أربعمائة، على رؤوسهم تيجان الذهب وفي أوساطهم مناطق الذهب (ص 10). ونقل المقرى عن بعض المؤرخين أن العرب وجدوا في طليطلة حين فتحوها من الذخائر والأموال ما لا يحصى، فمن ذلك مائة وسبعون تاجا من الذهب الأحمر مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الكريمة، ووجد فيها ألف سيف ملوكى، ومن الدر والياقوت أكيال، ومن أوانى الذهب والفضة ما لا يحيط به وصف (نفح الطيب ج 1 ص 130 و135 و136).
(42) يقول بالرواية الأولى ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص 211)، وصاحب كتاب الإمامة والسياسة (ج 2 ص 93 و94)، وابن خلكان (ج 2 ص 181).
ويقول بالرواية الثانية ابن الأثير (ج 4 ص 216)، والحميدى في جذوة المقتبس (ص 6)، وابن خلدون (ج 4 ص 118).
(43) فتوح مصر ص 211.
(44) أخبار مجموعة ص 29.
(45) هذه هى رواية ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص 213).
وهى رواية يؤيدها البلاذري (فتوح البلدان ص 230).
(46) يراجع في مصير موسى بن نصير: فتوح مصر (ص 211)، وأخبار مجموعة (ص 29 و30)، وابن القوطية (ص 10 - 11)، وابن الأثير (ج 4 ص 216)، والمقرى عن ابن حيان وابن بشكوال والحجارى، (نفح الطيب ج 1 ص 134 و135)، وابن خلكان (ج 2 ص 181)، وكذلك كتاب الإمامة والسياسة (ج 2 ص 86، 89 و93، 96). هذا ويبدى المستشرق دوزى ريبه في صحة الروايات والقصص التي قيلت عن مصير موسى بن نصير، ويقول إنه لا يوجد ثمة ما يبررها، لأن موسى كان يتمتع بحماية يزيد بن المهلب صديق سليمان وصاحب النفوذ لديه، ويستشهد برواية البلاذري إلى أشرنا إليها، وأيضا برواية مؤرخ نصراني معاصر هو إيزيدور الباجى ( Dozy, Hist.
V.
I.
p.
134 - 135)
(47) نفع الطيب (ج 1 ص 133 و134).
(48) راجع نفح الطيب ج 2 ص 55.
(49) ولا نعرف مصدرا لما يقوله السيد أمير على من أن طارقا لقى نفس المصير التعس الذي
قيل إن موسى لقيه وأنه مات في فقر وضعة: p.
122 History of the Saracens
(50) - Cronica General ; Vol.
II.
P.
324.
Cardonne: ibid.
V.
I.
p.
85
Gibbon, ibid.
Ch.
Li - - Scott: Moorish Empire, V.
I.
p.
259
(51) تضطرب معظم الروايات العربية في ذكر ابناء وتيزا، فتقول إنه ترك ثلاثة بنين وتسميهم المند ورملة وأرطباس. والظاهر أن الخطأ في اعتبارها أواباس (ولعله هو أرطباس) ابنا لوتيزا. والمند هو إيفا ورملة هو سيزبوت. (راجع فتح الأندلس لابن القوطية ص 5 و6): والمقرى (ج 1 ص 125)، ولكن صاحب " أخبار مجموعة " يقرر أنهما اثنان. وب يسميهما ششبرت وأبة، وهو تعريب حسن للاسمين (ص 8)، وكذا ابن الأثير (ج 4 ص 213).
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|