أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-03-2015
2341
التاريخ: 16-10-2014
3038
التاريخ: 5-03-2015
1892
التاريخ: 21-09-2015
9287
|
نـعـم نسب الى جماعة الاخباريين ـ في عصر متاخر ـ ذهابهم الى رفض حجية الكتاب ، فلا يصح الاستناد اليه ولا استنباط الاحكام منه ، وهي نسبة غير صحيحة على اطلاقها ، اذ لم يذهب الى هذا الـمـذهـب الـغريب احد من الفقهاء ، لا في القديم ولا في الحديث ، ولا لمسنا في شيء من استناداتهم الفقهية ما يشي بذلك ، بل الامر بالعكس .
و لـعل فيما فرط من بعض المتطرفين منهم بصدد المغالاة بشان اهل البيت ـ وموضعهم القريب من الـقـرآن الـمـجـيد ـ بعض تعابير اوجبت هذا الوهم ، ومع ذلك فان له تأويلا ، وليس على ظاهره المريب .
قال المولى محمد امين الاسترابادي (ت 1033) :
(الـصـواب عندي مذهب قدمائنا الاخباريين وطريقتهم اما مذهبهم فهو ان كل ما يحتاج اليه الامة الـى يـوم الـقـيـامـة ، عـلـيـه دلالة قطعية من قبله تعالى حتى ارش الخدش وان كثيرا مما جاء به النبي (صلى الله عليه واله)من الاحكام ، ومما يتعلق بكتاب اللّه وسنة نبيه ، من نسخ وتقييد وتخصيص وتأويل ، مـخـزون عـند العترة الطاهرة ، وان القرآن في الاكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة الى اذهان الـرعـيـة (1) ، وكـذلك كثير من السنن النبوية وانه لا سبيل لنافي ما لا نعلمه من الاحكام الـنـظرية (2) الشرعية ، اصلية كانت او فرعية ، الا السماع من الصادقين (عليه السلام) وانه لا يجوز اسـتـنـباط الاحكام النظرية من ظواهر الكتاب ولا ظواهر السنن النبوية ، ما لم يعلم احوالهما من جهة اهل الذكر(عليه السلام) ، بل يجب التوقف والاحتياط فيهما) (3) .
و قـال بصدد بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين من المسائل الشرعية ، اصلية كانت او فرعية ، في السماع عن الصادقين (عليه السلام) :
(الـدلـيـل الـثـاني : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، اذ معناه : انه يجب التمسك بكلامهم (عليه السلام) ليتحقق التمسك بالأمرين والسر فيه انه لا سبيل الى فهم مراد اللّه (4)الا من جهتهم ، لانهم عـارفـون بناسخه ومنسوخه ، والباقي على اطلاقه ، والمؤول وغير ذلك ، دون غيرهم ، خصهم اللّه والنبي بذلك ) (5) .
قلت : ليس في كلامه ـ ولا في كلام من تبعه من الاخباريين المتأخرين ـ ما يشي بترك كتاب اللّه وابـعـاده عن مجال الفقه والاستنباط نعم سوى عدم افراده في الاستناد ، ولزوم مقارنته بالمأثور من صحاح الاحاديث الصادرة عن ائمة اهل البيت (عليه السلام).
ولا شـك ان في القرآن اصول التشريع وكلياته ، وايكال التفاصيل الى بيان النبي (صلى الله عليه واله) الذي اودع الـكـثـير من بيانه بشان التشريع الى خلفائه المرضيين ، فعندهم ودائع النبوة ، وهم ورثة الكتاب وحملته الى الخلائق .
فلا يجوز افراد الكتاب عن العترة ، ولا يفترقان حتى يردا على النبي (صلى الله عليه واله)عند الحوض .
وهـذا هـو مـراد الاسـترابادي (لا يجوز استنباط الاحكام من الكتاب والسنة النبوية ما لم يعلم احوالهما من جهة اهل الذكر) ، اي بعد الفحص عن الدلائل في كلامهم بشأنهما ، اما العثور على بيان منهم ، او الياس من التخصيص او التقييد ، فعند ذلك يجوز.
وللمولى الكبير محمد بن الحسن الحر العاملي (1033 ـ 1104) بيان مسهب بشان مواضع آل البيت من القرآن الكريم ، وان لتفسيرهم بالذات مدخلية تامة في فهم معاني الايات ، ولا سيما آيات الاحكام .
وقـد تـوسع في الكلام حول ذلك في فوائده الطوسية (فائدة48 ) ، كما عقد لذلك ابوابا في كتاب القضاء من كتابه وسائل الشيعة ، ذكر فيها ما يقرب من مئتين وعشرين حديثا ، قال بشأنها :
(اوردنـا منها ما تجاوز حد التواتر ، وهي لا تقصر سندا ولا دلالة عن النصوص على كل واحد من الائمة ، وقد تضمنت انه لا يعلم المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعام والخاص ، وغـيـر ذلـك الا الائمـة ، وانه يجب الرجوع اليهم في ذلك ، وانه لا يعلم تفسيره ولا تأويله ، ولا ظـاهـره ولا بـاطـنه غيرهم ، ولا يعلم القرآن كما انزل غيرهم ، وان الناس غير مشتركين فيه كـاشتراكهم في غيره ، وان اللّه انما اراد بتعميته (اي الاجمال والابهام في لفظه) ان يرجع الناس فـي تفسيره الى الامام ، وانه كتاب اللّه الصامت ، والامام كتاب اللّه الناطق ولا يكون حجة الا بقيم (اي مـن يـقوم بتبيينه وتفسيره ) وهو الامام ، وانه ما ورث علمه الا الائمة ، ولا يعرف الفاظه ومعانيه غيرهم ، وانه لاحتماله للوجوه الكثيرة ، يحتج به كل محق ومبطل ، وانه انما يعرف القرآن من خوطب به ) (6) .
وظـاهـر كـلامه هو ظاهر عنوان الباب الذي عقده ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، في كتاب الـحـجة من الكافي الشريف ، لبيان : (انه لم يجمع القرآن كله ولم يحط به علما ، ظاهره وباطنه ، سـوى الائمـة مـن اهـل البيت (عليه السلام) ، وان علم المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعام والخاص علما كاملا ، مودع عندهم ، ورثوه من جدهم الرسول (صلى الله عليه واله)) (7) .
وهذا شيء لا ينكر ، ولا يجوز الاخذ بظاهر الكتاب ، ما لم يرجع الى ما ورد عن الرسول وخلفائه الـعـلـمـاء ، فان في كلامهم التبيين والتفصيل لما جاء في القرآن من الاجمال والابهام ، في التكليف والتشريع .
وهـكـذا فـهم معاصره السيد نعمة اللّه الجزائري (1050 ـ 1112) من ظاهر الروايات ، وبذلك جمع بين متعارضاتها.
قـال : (ذهـب الـمجتهدون ـ رضوان اللّه عليهم ـ الى جواز اخذ الاحكام من القرآن ، وبالفعل قد اخـذوا الاحـكـام مـنـه ، وطرحوا ما ظاهره المنافاة او اولوه ، ومن ثم دونوا كتبا بشان (آيات الاحكام ) واستنبطوا منها ما هداهم اليه امارات الاستنباط.
وامـا الاخـبـاريون ـ قدس اللّه ضرائحهم ـ فذهبوا الى ان القرآن كله متشابه بالنسبة الينا ، وانه لا يجوز لنا اخذ حكم منه ، الا من دلالة الاخبار على بيانه .
قـال : حـتـى اني كنت حاضرا في المسجد الجامع من شيراز ، وكان استاذي المجتهد الشيخ جعفر البحراني ، وشيخي المحدث صاحب جوامع الكلم ـ قدس اللّه روحيهما ـ يتناظران في هذه المسالة فانجر الكلام بينهما حتى قال له الفاضل المجتهد : ما تقول في معنى (قل هو اللّه احد) فهل يحتاج في فـهم معناها الى الحديث ؟فقال : نعم ، لا نعرف معنى (الاحدية ) ولا الفرق بين الاحد والواحد ونحو ذلك .
ثـم عـقـبه بكلام الشيخ في التبيان ـ على ما سنذكر ـ واردفه بتحقيق عن المولى كمال الدين ميثم الـبحراني ، بشان حديث التفسير بالراي واخيرا قال : وكلام الشيخ اقرب من هذا ، بالنظر الى تتبع الاخبار ، والجمع بين متعارضات الاحاديث وحاصل هذه المقالة : ان اخذ الاحكام من نص القرآن او ظاهره او فحواه ونحو ذلك ، جائز كما فعله المجتهدون .
قـال : يرشد الى ذلك ما رواه امين الاسلام الطبرسي ـ في كتاب الاحتجاج ـ من جملة حديث طويل عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قال فيه :
(ان اللّه قسم كلامه ثلاثة اقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه وشرح صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه الا اللّه وامناؤه والراسخون في العلم ) (8) .
واصـرح مـن الجميع كلام الفقيه البارع الشيخ يوسف البحراني (1107 ـ 1186) في موسوعته الفقهية الكبرى (الحدائق الناضرة ) ذكر اولا الاخبار من الطرفين ، ثم عقبها بما حققه شيخ الطائفة ابـو جعفر الطوسي (385 ـ460) في المقام ، وجعله (القول الفصل والمذهب الجزل ) الذي تلقاه العلماء بالقبول ، قال : قال الشيخ ابو جعفر الطوسي ـ بعد نقل الروايات المتعارضة والدلائل المتناقضة ـ ما ملخصه : (ان معاني القرآن على اربعة اقسام :
احدها : ما اختص اللّه تعالى بعلمه فلا يجوز لاحد التكلف فيه ولعل منه الحروف المقطعة في اوائل السور.
ثـانـيـها : ما يكون ظاهره متطابقا مع معناه ، معروفا من اللغة والعرف ، لا غبار عليه فهذا حجة على الجميع ، لا يعذر احد الجهل به ، مثل قوله تعالى : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام : 151] .
ثالثها : ما اجمل في تعبيره واوكل التفصيل فيه الى بيان الرسول ، كالأوامر بالصلاة والزكاة والحج والصيام ، فتكلف القول فيه ـ من دون مراجعة دلائل الشرع ـ محظور منه .
رابـعـها : ما جاء مشتركا محتملا لوجوه فلا يجوز البت في تبيين مراده تعالى بالذات ، الا بدليل قاطع من نص معصوم او حديث متواتر) (9) .
وبذلك قد جمع الشيخ بين روايات المنع ودلائل الترخيص ، باختلاف الموارد.
قـال الـمـحدث البحراني ـ تعقيبا على كلام الشيخ ـ : (و عليه تجتمع الاخبار على وجه واضح المنار) (10).
قـلـت : فـهـذا شيخ المحدثين ورائد الاخباريين في العصور المتأخرة نراه قد وافق القول مع شيخ الطائفة وراس الاصوليين بشان التفسير ، والخوض في فهم معاني كلام اللّه العزيز الحميد.
فيا ترى ، ما الذي يدعو الى فرض الافتراق في هذا المجال العصيب والحمد للّه على ما انعم علينا من لمس نعومة الوفاق وذوق حلاوة الاتفاق .
___________________________
1- اي على وجه الاجمال والابـهـام مـن غـيـر بـيان التفصيل وذكر القيود والشرائط ، فأنها خافية على اذهان العامة غير المطلعين على الشرح والتبيين الذي جاء في كلام الرسول (صلى الله عليه وآله).
2- مـقصوده من الاحكام النظرية ، المسائل غير الضرورية التي هي بحاجة الى اجتهاد واعمال نظر.
3- الفوائد المدنية ، ص 47.
4- اي الـمـراد الـجـدي ـ الذي لا يعرف الا بعد الفحص والياس عن الصوارف من تخصيص او تـقييد او قرينة مجاز ، دون المراد الاستعمالي المفهوم من ظاهر اللفظ لمجرد العلم بالوضع ومن الواضح ان التسرع في الاخذ بظاهر الاستعمال ، في نصوص الشريعة ، غير جائز ، الا بعد التريث والفحص التام .
5- الفوائد المدنية ، ص 128.
6- الـفـوائد الـطـوسية ، ص 191 ـ 192 وراجع : صفحات : 163 ـ 196 والوسائل ، ج18 ، باب 4 و5 و6 و7 من كتاب القضاء ابواب صفات القاضي صفحات : 9 ـ 41 (ط اسلاميه).
7- الكافي الشريف (الاصول ) ، ج1 ، ص 228.
8- رسالة (منبع الحياة ) ، ص 48 ـ 52 م5 .
9- الحدائق الناضرة ، ج1 ، ص 32 وراجع : التبيان ، ج1 ، ص 5 ـ 6 ورسالة (منبع الحياة )للسيد نعمة اللّه الجزائري ، ص 48 ـ 51 (طبيروت ).
10- الحدائق الناضرة ، ج1 ، ص 32.
|
|
للحفاظ على صحة العين.. تناول هذا النوع من المكسرات
|
|
|
|
|
COP29.. رئيس الإمارات يؤكد أهمية تسريع العمل المناخي
|
|
|
|
|
الامين العام للعتبة الحسينية يؤكد على هيئة التعليم التقني بتحقيق التنمية المستدامة في البلاد
|
|
|