مكة وقريش:

تقع مدينة مكة ضمن منطقة تهامة في واد ضيق على شكل هلال بين جبلي ابي قيس وقعيقعان، ويتميز مناخ هذا الوادي بالجفاف والحرارة العالية، ويستمد ماءه من آبار تستجمع ماءها بدورها من أمطار الشتاء والربيع؛ وهي أمطار تسقط أحياناً بصورة غزيرة، فتتكون في لحظات سيول ضخمة تتدفق من الجبلين المحيطين الى قلب الوادي وتهدد المدينة بالدمار. لذا، فقد أقام الأهالي مصدات للسيوف من قديم الزمان من الجبل بغرض حماية الكعبة التي تعرضت لأضرار السيول مرات عديدة، وآثار هذه المصدات باقية حتى اليوم، ويطلق اسم البطحاء على قاع الوادي حيث تقع الكعبة وحول الكعبة المسجد الحرام ثم تمتد بيوت الأهالي حتى سفوح الجبال.

ترجع أهمية هذه المدينة في العهود القديمة الى موقعها على الطريق التجاري الممتد من اليمن الى الشام وفلسطين ومصر، وقد زاد وجود الكعبة من أهمية المدينة حيث كانت في الجاهلية مزارا ومطافا، لذا، نرى في التاريخ ان مختلف الطوائف العربية آل جرهم والخزاعيون وأخيرا قريش التي كانت تبسط نفوذها على مكة بصورة مستقلة عند ظهور الاسلام.

حسب الروايات الاسلامية، بنى الكعبة ابراهيم وولده اسماعيل بناء على امر من الله (1)، فأقاما بناءها على أساس الكعبة القديم الذي كان قد وضعه شيت وأزاله طوفان نوح، وقد امر ابراهيم بإقامة شعائر الحج طبقا لوحي اتاه مع جبريل، ثم عاد ابراهيم اغلى فلسطين في حين ظل اسماعيل بمكة قائما على نشر دين أبيه وعلى شئون الكعبة، وكذلك فعل ابناؤه الى ان أتى آل جرهم من الجنوب، وفرضوا سيطرتم على الكعبة ثم تغلب بنو خزاعة الذين كانوا من المهاجرين القحطانيين أيضاً على آل جرهم، وعلى أثر ذلك قام الملك الخزاعي عمرو بن لحى بالترويج لعبادة الاصنام في مكة، كما سبق ان ذكرنا. وبناء على أقوال معظم المؤرخين العرب كانت إدارة مواسم الحج في منى وعرفات في يد بطون من نسل اسماعيل وكانوا يتوارثونها جيلا بعد جيل طوال عهود آل جرهم وخزاعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمزيد من التفاصيل انظر كتاب الخميس، ج1 ، ص 100.