أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-2-2020
566
التاريخ: 15-7-2019
494
التاريخ: 13-11-2016
341
التاريخ: 23-1-2017
659
|
[نص الشبهة]
قالوا: ما أنكرتم أن يكون العقد لأبي بكر وعمر الإمامة، وتقدمهما على الكافة في الرئاسة، يدل على فضلهما في الإسلام، وعلوهما في الديانة، وإن كنا لا نحيط علما بذلك الفضل، ولم يتصل بنا من جهة الأثر والنقل. وذلك أنهما لم يكونا من أشرف القوم نسبا فيدعو ذلك إلى تقديمهما، لأن بني عبد مناف أشرف منهما، ولا كانا من أكثرهم مالا فيطمع العاقدون لهما في نيل أموالهما، ولا كانا أعزهم عشيرة فيخافون عشيرتهما.
فلم يبق إلا أن المتقدمين لهما على أمير المؤمنين عليه السلام والعباس بن عبد المطلب وسائر المهاجرين والأنصار إنما قدموهما لفضل عرفوه لهما، وإلا فما السبب الموجب لاتباع العقلاء المخلصين لأمرهما، ونصبهما إمامين لجماعتهم ورئيسين لكافتهم لولا الذي ادعيناه؟
[جواب الشبهة]
قيل لهم: لو كان للرجلين فضل حسب ما ادعيتموه، وكان ذلك معروفا عند أهل زمانهما كما ذكرتموه، لوجب أن تأتي به الأخبار وترويه نقلة السير والآثار، بل وجب أن يظهر على حد يوجب علم اليقين والاضطرار، ويزيل الريب فيه حتى لا يختلف في صحته اثنان، لأن جميع الدواعي إلى انتشار فضائل الرجال متوفرة، في نقل ما كان لهذين الرجلين مما يقتضي التعظيم، لمن وجد لهما، والأخبار بها.
ألا ترى أنهما كانا أميري الناس، وحصلت لهما القدرة على الكافة والسلطان، وكان المظهر لولايتهما في زمانهما ومن بعد إلى هذه الحال هو الظاهر على عدوه، المتوصل به إلى ما يصلح به الأحوال، والمظهر لعداوتهما مهدور الدم، أو خائف مطرود عن البلاد، والمظنون به من الافصاح ببغضهما مبعد عن الدنيا، مستخف باعتقاده عند الجمهور، متوقع منهم ما يخافه ويحذره، حتى صار القتل مسنونا لمن أظهر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وإن كان مظهرا لمحبة أبي بكر وعمر، متدينا بها على الاعتقاد، وحتى جعل بنو أمية الامتحان بالبراءة من أمير المؤمنين عليه السلام طريقا إلى استبراء الناس في اعتقاد إمامة من تقدمه، وكل من امتنع من البراءة حكموا عليه بعداوة الشيخين، والبراءة من عثمان، ومن تبرأ من أمير المؤمنين عليه السلام حكموا له باعتقاد السنة، وولاية أبي بكر وعمر وعثمان.
ونال أكثر أهل الدنيا مما تمنوه منها من القضاء والشهادات والإمارات، وحازوا الأموال، وقربت منازلهم من خلفاء بني أمية وبني العباس بالعصبية لأبي بكر وعمر وعثمان، والدعاء إلى إمامتهم، والتفضيل لهم على كافة الصحابة، والتخرص بما يضيفونه إليهم من الفضل الذي يمنع بالقرآن، وينفى بالسنة، ويستحيل في العقول، ويظهر فساده بيسير الاعتبار.
وإذا كان الأمر على ما وصفناه، ولم يمكن لعاقل رفع ما بيناه وشرحناه، بطل أن يكون العلم بفضل الرجلين والثالث أيضا على الحد الذي ذكرناه، مما يزول معه الارتياب لتوفير الدواعي على موجبه لو كان، بل لم يقدر الخصم على ادعاء شئ في هذا الباب أقوى عنده مما حكيناه عنهم فيما سلف من هذا الكتاب، وأوضحنا عن وهن التعلق به وكشفناه، وبان بذلك جهل الناصبة فيما ادعوه لهما من الفضل المجهول على ما توهموه، كما وضح به فساد مقالهم فيما تعلقوا به من ذلك في تأويل المسطور، وتخرصوه من الخير المفتعل الموضوع، والمنة لله تعالى.
ثم يقال لهم: قد سبرنا أحوال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام، فيما يقتضي لهم فضلا يوجب تقدمهم، فلم نجده على شئ من الوجوه، وذلك أن خصال الفضل معروفة، ووجوهه ظاهرة مشهورة، وهي: السبق إلى الإسلام، والجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، والعلم بالدين، والإنفاق في سبيل الله جل اسمه، والزهد في الدنيا.
أما السبق إلى الإسلام: فقد تقدم أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر باتفاق العلماء وإجماع الفقهاء(1)، وإن كان بعض أعدائه يزعم أنه لم يكن على يقين، وإنما كان منه لصغر سنه على جهة التعليم، وقد تقدمه أيضا بعد أمير المؤمنين عليه السلام زيد وجعفر وخباب رضي الله عنهم وغيرهم من المهاجرين، وجاء بذلك الثبت في الحديث.
فروى سالم بن أبي الجعد، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال لأبيه سعد: كان أبو بكر أولكم إسلاما؟ قال: لا، قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا(2).
فأما عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فإنه لا يشتبه على أحد من أهل العلم أنهما ينزلان عن مرتبة التقدم على السابقين، وأنهما لم يكونا من الأولين في الإسلام، وقد تقدمهما جماعة من المسلمين.
وأما الجهاد: فإنه لا قدم لأحدهم فيه، فلا يمكن لعاقل دعوى ذلك على شئ من الوجوه وقد ذكر من كان منه ذلك سواهم، فلم يذكرهم أحد، ولا تجاسر على القول بارزوا وقتا من الأوقات قرنا، ولا سفكوا لمشرك دما، ولا جرحوا في الحرب كافرا، ولا نازلوا من القوم إنسانا، فالريب في هذا الباب معدوم، والعلم بما ذكرناه حاصل موجود.
وأما العلم بالدين: فقد ظهر من عجزهم فيه، ونقصهم عن مرتبة أهل العلم في الضرورة إلى غيرهم من الفقهاء، أحوال إماراتهم ما أغنى عن نصب الدلائل عليه.
وقد كان رسول صلى الله عليه وآله حكم لجماعة من أصحابه بأحكام فيه، فما حكم لأحد من الثلاثة بشئ منه، فقال صلى الله عليه وآله: " أقرأكم أبي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضكم زيد، وأقضاكم علي "(3).
فكان صلى الله عليه وآله ناحلا لكل من سميناه سهما من العلم، وجامعا سائره لأمير المؤمنين عليه السلام، بما حكم له بالقضاء الذي يحتاج صاحبه إلى جميع من سماه من العلوم، وأخرج أبا بكر وعمر وعثمان من ذلك كله، ولم يجعل لهم فيه حظا كما ذكرناه، وهذا مما لا إشكال فيه على ذوي العقول.
وأما الإنفاق: ...[فـ] عمر بن الخطاب من بين الثلاثة صفر منه بالاتفاق، أما عثمان فقد كان له ذلك، وإن كان بلا فضل، فإن خلو القرآن من مديح له على ما كان منه، دليل على أنه لا فصل له فيه، ولو حصل له به قسط من الفضل لكان كسهم غيره من المنفقين الذين لم يجب لهم التقدم بذلك في إمامة المسلمين.
وأما الزهد في الدنيا: فقد قضى بتعرية الثلاثة منه مثابرتهم على الإمارة، ومضاربتهم الأنصار على الرئاسة، ومسابقتهم إلى الحلية في التظاهر باسم الإمامة، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله مسجى بين أظهرهم، لم يقضوا له بذلك في مصابه حقا، ولا حضروا له غسلا وتجهيزا، ولا صلاة ولا تشييعا ولا دفنا، وتوفروا على مخاصمة من سبقهم إلى السقيفة طمعا في العاجل، وزهدا في الآجل، وسيعا في حوز الشهوات، وتناولا للذات، وتطاولا على الناس بالرئاسات، ولم يخرجها الأول منهم عن نفسه حتى أيقن بهلاكه، فجعلها حينئذ في صاحبه ضنا بها على سائر الناس، وغبطة لهم.
وكان من أمر الثاني في الشورى ما أوجب تحققه بها بعد وفاته، وتحمل من أوزارها ما كان غنيا عنه لو سنحت بها نفسه إلى مستحقها، وظهر بعده من الثالث ما استحل به أصحاب رسول الله صلى عليه وآله دمه، من إطراح الدين، والانقطاع إلى الدنيا، وقضاء الذمامات بأموال الله تبارك وتعالى، وتقليد الفجار من بني أمية ومروان رقاب أهل الأديان، ولما طولب بنزعها عنه ليقوم بها من سلك طرق الدين، امتنع من ذلك حبا للدنيا، وتأكد طمعه فيها، إلى أن سفك القوم دمه على الاستحلال له، ورفع الحظر والتحريم.
ثم فأي زهد حصل لهم مع ما وصفناه، وأي شبهة تبقى على مخالف في خروجهم عن خصال الفضل كلها مع ما ذكرناه، لولا أن العصبية ترين على القلوب؟!.
وأما سؤالهم عن علة تقديم الناس لهم مع ما ذكروه من أحوالهم في النزول عن الشرف، وقلة العشيرة والمال، فلذلك غير علة:
إحداها: أنهم قصدوا إلى من ليس بأشرفهم فقدموه، ليكون ذلك ذريعة إلى نيل جماعاتهم الإمامة، مع اختلافهم في منازل الشرف، ولا يمنع أحدا منهم انحطاطه عن أعلى الرتب في النسب من التقدم إلى من هو أشرف منه، ولو حصروها في أعلى القوم نسبا وأكرمهم حسبا لاختصت بفريق، وحصل الباقون منها أصفارا، ثم لو جعلوها فيمن كان غيره أكثر منه مالا لطمع الفقراء كلهم بذلك فيها، وتقدير هم حوز الأفعال، ولم يحصروها في أعزهم عشيرة مخافة أن يتغير عليهم، فلا يتمكنون من إخراجها منه، ولأمتنع عنهم بعشيرته فلا يبلغون منه المراد.
والثانية: أن الذي قدموه كان متعريا، مما أوجب عندهم تأخيره ، فلم يك على حال من الفضل يبعث على الحسد، فيحول ذلك بينه وبين التقديم.
والثالثة: أن الأكثر كانوا إلى الرجل أسكن منهم إلى غيره، لبعده عن عداوتهم، وخروجه عن آصارهم، بوتر من وترهم في الدين.
والرابعة : ملاءمة العاقدين للمعقود له في الباطن، واجتماعهم على السر من أمرهم والظاهر، فتشابهت لذلك منهم القلوب.
والخامسة: استحكام طمع الاتباع في النيل من المتقدمين مراداتهم في الرئاسات، والسيرة فيهم بما يؤثرونه من الأحكام المخالفة للمفترضات والمسنونات، والتجاوز لهم عن العثرات والزلات، وهذا أيضا من الأسباب الداعية إلى إخراج الحق عن أهله بلا اختلاف.
والسادسة: الاتفاق الذي لا يرجع فيه إلى أصل ثابت ولا نتيجة نظر، وقد جرت به العادات، وقضت بوجود أمثاله الشهادات. ألا ترى إلى اجتماع أهل الجاهلية على عبادة الأوثان، وهي جمادات لا تنفع أحدا ولا تضره، ولا تجلب إليه خيرا ولا تدفع عنه شرا، مع انصرافهم عن عبادة الله الذي خلقهم، وأراهم في أنفسهم وغيرهم الآيات.
وكذلك كانت حال من تقدمهم في عبادة الأصنام ، مع تقريع الأنبياء لهم وتوبيخ الحكماء. وكذلك كانت حال قوم موسى عليه السلام حين خالفوا نبيهم في عبادة العجل واتبعوا السامري، فتركوا هارون نبي الله، ولم يصغوا إلى وعظه، ولا التفتوا إلى قوله، ولا اعتنوا بحجته، ولم يكن السامري أكثر القوم مالا، ولا أشرفهم نسبا، ولا أعزهم عشيرة.
وقد اتبع كثير من العرب مسيلمة الكذاب، مع ظهور نقصه وعجزه وحماقته، واشتهار كذبه وسخفه، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله مع ظهور فضله وكمال عقله، واشتهار صدقه فيهم، وأما منته، وشرف أصله وكرم فرعه، وبرهان أمره ووضوح حجته وعجيب آياته، ولم يك مسيلمة أعزهم عشيرة، ولا أكثرهم مالا، ولا أشرفهم نسبا، بل كان بالضد من هذه الصفات كلها، ولم يمنع ذلك من الضلال به، وتقديم أتباعه له، وارتداد جماعة ممن كان قد أسلم عن دينه واللحوق به.
وقد ظهر من اتباع الجمهور لأراذل الناس وانصرافهم عن أفاضلهم على مرور الأوقات ما لا يمكن دفعه، ولم يك ذلك لعز عشيرة، ولا لشرف نسب، ولا كثرة مال، بل كان بتمام حيلة وجد في الدنيا واتفاق، حتى ساست النساء الرجال، وتقدم الأطفال على العقلاء، واسترق العبيد الأحرار، واستعبد الأوضاع الأشراف، وحكم الجهال على العلماء.
وقد قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31] .وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } [الأنعام: 112] .
وكان الجمهور في زمان أكثر الأنبياء أتباع المجرمين، فضل بهم أكثر أممهم وغيروا شرائعهم، وصدوا عن سبيلهم، ودعوا إلى غير دينهم، ولم يدعهم إلى ذلك شرف المضلين، ولا عزهم في عشائرهم، ولا كثرة أموالهم، وإنما دعاهم إليه ما ذكرناه من الداعي إلى تقديم من سميناه.
ولو ذهبنا إلى تتبع هذا المعنى وتعداد من حصل له وشرح الأمر فيه، لطال الخطاب، وفي الجملة أن الأغلب في حصول الدنيا لأهلها، والأكثر فيها تمام الرئاسة لأهل الجهل، والمعهود في ملكها والغلبة عليها لأهل الضلال والكفر، وإنما يخرج عن هذا العهد إلى أهل الإيمان وذوي الفضل والكمال في النادر الشاذ، ومن دفع ما وصفناه، وأنكر ما شرحناه، كان جاهلا أو مرتكبا للعناد.
ثم يقال لهم: لسنا ننكر أن تقديم المفضول على الفاضل مخالف لأحكام العقول، وأن سياسة الناقص الكامل من الحكم المعكوس المرذول، لكنه غير بدع عند أهل الضلال، ولا عجب من اختيارهم فيما سلف من الأزمان والأحوال، وأن تقديم تيم وعدي على بني هاشم وعبد مناف إنما هو كتقديم العبيد على السادات، وتغلب أبي بكر بن أبي قحافة على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، ودفع أخيه ووصيه وصهره ووزيره ووارثه وخليفته في أهله وأحب الخلق إلى الله تعالى وإليه لعجيب، تكاد النفوس منه تذوب، لكنا إذا وكلنا الأمر إلى ما قدمناه من ذكر أمثاله في البدائع من الأمور فيما سلف، سلت لذلك القلوب.
_______________
(1) قال الحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث: 22: لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما.
وحديث أن عليا عليه السلام أولهم إسلاما مروي في مصادر معتبرة كثيرة وبطرق ومتون شتى. فرواه الترمذي في صحيحه 5: 640 / 3728، والحاكم في مستدركه على الصحيحين 3: 136، 183، 465، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1: 65، 66، والخطيب في تاريخ بغداد 2: 18 و 4: 233.
(2) تاريخ الطبري 2: 215، الأعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السلام: 409.
(3) سنن الترمذي 5: 664 / 3790 و 3791، سنن ابن ماجة 1: 55 / 154، مسند أحمد 3: 281، مصابيح السنة 4: 179 / 4787، مستدرك الحاكم 3: 422.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|