أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
481
التاريخ:
1139
التاريخ: 12-11-2016
791
التاريخ: 12-11-2016
525
|
المناذرة(1) في العراق، وهم من لَخْم، ويعود بها النسابون إلى أصل يمني، هي وبعض قبائل عربية نزلت هناك مثل تنوخ. وقد احتذى الفرس الساسانيون معهم سياسةَ الرومان والبيزنطيين أعدائهم التقليديين مع عرب الشام. وربما كان جَذيمة الأبرش أهم ملك أسطوري ظهر في هذه الأنحاء قبل اللخميين، ويقال: إنه كان يعاصر الزباء، وخلفه ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي وهو رأس المناذرة. وتاريخهم أكثر وضوحًا من تاريخ الغساسنة، وربما كان ذلك يرجع إلى أن ملوك الفرس دونوا تاريخهم، فأخذه عنهم العرب، على أن ابن الكلبي يزعم أنه استخرج تاريخهم من بِيَع الحيرة وأديرتها.
وكان هؤلاء العرب العراقيون ينزلون في الخيام أولًا، ثم تحولوا إلى قرية في الجنوب الشرقي من النجف الحالية، كانت تقع في منطقة خصبة يرويها نهر الفرات، وهي الحيرة "تحريف لكلمة حرتا في السريانية ومعناها المخيم أو المعسكر" وسرعان ما نصب عليها الساسانيون المناذرة ليحموهم من غارات البدو وليساعدوهم في حروبهم ضد الرومان والبيزنطيين وأحلافهم من الغساسنة عرب الشام. ويقال إن سابور "241-272" هو الذي نصب عمرو بن عدي، وتتابع من بعده خلفاؤه من بيته، وربما كان ابنه امرؤ القيس الذي عُثر على نقشه في النمارة يدين بالولاء للفرس والروم جميعًا؛ أما من خلفوه فكانوا يدينون بهذا الولاء للفرس وحدهم، ومن أهمهم النعمان الأعور أو السائح، وكان له جيش قوي يتألف من كتيبتين هما الشهباء والدوسر. واشتهر ببنائه قصرى الخورنق والسدير، ونرى الملك الساساني الذي كان يعاصره وهو يزدجر الأول "399-420" يرسل أكبر أبنائه إليه؛ لينشأ في قومه، وليتعلم الفروسية والصيد، وهو بهرام جور ولما توفي يزدجرد أراد الفرس إقصاءه على العرش فتدخل النعمان، وأيده بجيش مكنه من استرداد عرشه، فأعلى ذلك من شأن المناذرة والحيرة. وهيأ لها موقعها في طرق القوافل أن كانت مركزًا مهمًّا للتجارة؛ فعاش المناذرة معيشة يسودها غير قليل من الترف، بسبب التجارة التي كانوا يشاركون فيها وبسبب ما كان عندهم من حياة زراعية. ومن غير شك يسبق المناذرة الغساسنة في الرخاء، ولعل ذلك ما جعل حياتهم أكثر استقرارًا بالقياس إلى غساسنة الشام، كما جعلهم أكثر حضارة ورقيًّا.
وأزهى عصورهم عصر المنذر بن ماء السماء "حوالي 514- 554م" وقد ساءت العلاقات بينه وبين قُباذ ملك الفرس في أوائل حكمه، ولعل ذلك يرجع إلى أن قباذ اعتنق المزدكية واتخذها دينًا رسميًّا للدولة وحاول أن يفرضها على المناذرة؛ فأبى المنذر؛ فعزله وولى مكانه الحارث بن عمرو وأمير كندة؛ ولكن الأمور سرعان ما تطورت فتوفيَّ قباذ وخلفه كسرى أنو شروان وكان يكره المزدكية والمزدكيين؛ فأعاد المنذر إلى حكم الحيرة، ونشبت بينه وبين الحارث الكندي وأبنائه سلسلة حروب قضت عليهم جميعًا. وربما كان من أسباب القضاء عليهم استيلاء الجيش على اليمن وانحلال ملك الحميريين هناك منذ سنة 525. ومهما يكن؛ فقد تحولت قبائل نجد وشرقي الجزيرة إلى الحيرة؛ فدان معظمها للمنذر بالولاء، ويظهر أنه مد سلطانه إلى عمان كما تحدثنا بذلك الأخبار. وقاد منذ عاد إلى عاصمته سنة 529 حروبًا طاحنة ضد الغساسنة والبيزنطيين كتب له النصر في كثير منها، ونستطيع أن نقف على مدى انتصاراته في هذه الحروب من معاهدة عقدت بين البيزنطيين والفرس سنة 532 أدوَّا له فيها ما أدوه للفرس من أموال. واشتهر بين العرب بأن كان له يومان: يوم نعيم ويوم بؤس؛ فكان أول من يطلع عليه في اليوم الأول يعطيه مائة من الإبل. وأول من يطلع عليه في اليوم الثاني يقتله، وممن قتله في هذا اليوم المشئوم عبيد بن الأبرص. ويقولون إنه راجع نفسه، فأقلع عن هذه العادة السيئة. ويقال أيضًا: إنه قتل -وهو ثمل- نديمين له؛ فلما صحا من سكره وعرف ما قدمت يداه ندم وأمر ببناء صومعتين عليهما، وهما الغَرِيّان اللذان يذكران في أشعار العرب. وقد يكون هذا كله من باب الأسطورة، وربما كان الغريان نصبين من الأنصاب التي كان العرب الوثنيون يهرقون دماء الأضحيات والذبائح عندها. وما زال المنذر يشن الحرب على الغساسنة حتى قتل في يوم حليمة كما أسلفنا.
وخلفه ابنه عمرو بن هند "554- 569م" وينسب إلى أمه دير في الحيرة، وربما كانت نصرانية، أما هو فكان وثنيًّا على دين آبائه، وكان طاغية مستبدًّا، وفيه يقول أحد الشعراء(2):
أبَى القلبُ أن يَهْوى السَّديرَ وأهله وإن قيل عيشٌ بالسَّدِيرِ غريرُ
به البَقُّ والحُمّــــى وأُسْــدُ خَفِيَّة و عمرو بن هند يَعْتدي ويجورُ
ولقبه العرب بالمحرِّق؛ لأنه نذر أن يقتل مائة رجل من تميم حرقًا وبر بنذره في يوم أوارة باليمامة، واشتبك مع تغلب وطيء في بعض معاركه، ويظهر أن سلطانه امتد على قبائل كثيرة في شرقي نجد وشماليها وغربيها، وكان بحكم استبداده يتعرض له كثير من الشعراء بالهجاء، وقصته مع طرفة والمتلمس مشهورة. وينسب إليه شعر كان ينظمه، وقد أصبحت الحيرة في عهده مركزًا أدبيًّا مزدهرًا؛ إذ كان يجزل العطاء للشعراء؛ فوفد عليه كثيرون منهم عمرو بن قميئة والمسيَّب بن عَلَس والحارث بن حِلِّزة وعمرو بن كلثوم التغلبي الذي يقال عنه: إن ابن هند لقي مصرعه على يده ثأرًا لكرامة أمه ليلى حين أهينت في بيته.
وولى أمرَ الحيرة بعد عمرو قابوس ثم المنذر الرابع، ولم تطل مدتهما؛ وبذلك نصل إلى النعمان الثالث ابن المنذر الرابع المكنى بأبي قابوس "580-602" وقد نشأ في حجر أسرة مسيحية هي أسرة عدي بن زيد العبادي، ولعل ذلك سبب تنصره؛ فهو أول من تنصر من ملوك الحيرة الوثنيين. وكان سلطانه يمتد إلى البحرين وعُمان، وكان له قوافل تجارية أو لطائم تجوب الجزيرة. وسار سيرة عمرو بن هند في رعايته للشعراء؛ فوفد على بابه منهم كثيرون مثل أوس بن حَجر والمنخل اليشكري ولبيد والمثقب العبدي وحجر بن خالد الذي يقول فيه(3):
سمعت بفعل الفاعلين فلم أجد كمثل أبي قابوس حزمًا ونائلًا
وهو ممدوح النابغة الذبياني، وله فيه غير قصيدة، وحدثت جفوة بينهما بسبب وفود النابغة على الغساسنة، وأرسل له بمجموعة طريفة من قصائده يعتذر إليه وهي من أجود ما خلف الجاهليون، وفي إحداها يقول:
نبئت أن أبا قابوس أوعدني ولا قرارَ على زأْرٍ من الأَسدِ
وكان الشعراء يتعرضون له بالهجاء أحيانًا وينالون منه، على نحو ما نرى عند يزيد بن الحذاق الشنِّي من بني عبد القيس(4) وعبد قيس بن خفاف البُرْجُميّ التميمي(5). ويظهر أن النعمان لم يكن سهل القياد، ويقال: إنه قتل عدي بن زيد فضاق به كسرى الثاني ملك الفرس واستدرجه إلى حاضرته بالمدائن، وألقاه في غيابة السجن، ثم قتله، ويقال إنه رمى به تحت أرجل الفيلة فمزقته إربًا. ولم يول الفرس بعده أحدًا من هذا البيت؛ فقد نصبوا على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي، وثارت قبيلة بكر حمية للنعمان على إياس وهزمتهما شر هزيمة في يوم ذي قار. وبقيت الأمور مضطربة حتى استولى على الحيرة خالد بن الوليد سنة 633م.
واحتلت الحيرة وأمراؤها حيزًا كبيرًا في أقاصيص العرب وأخبارهم وأشعارهم؛ فطالما تحدثوا عن الغَرِييَّن وقصرى الخَوَرْنق والسَّدير، وطالما قصوا عن أمرائهم الحقيقيين والأسطوريين مثل جَذيمة الأبرش. ويظهر أن المناذرة عرفوا من تقاليد الملك أكثر مما عرف الغساسنة، وكانوا أوسع منهم سلطانًا؛ إذ دانت لهم بالطاعة اليمامة والبحرين وعمان وقبائل العراق وعلى رأسها بكر وتغلب وكذلك كثير من قبائل نجد وخاصة بعد انحلال مملكة كندة. وعلى نحو ما أكثر الشعراء في مديح النعمان بن المنذر وأسلافه أكثروا من استعطافهم حتى لا تغزوهم جيوشهم(6) وقد يشكون من ثقل الضرائب ومما كانوا يدفعون ويؤدون من الإتاوات في أسواق العراق وفي غير أسواق العراق(7).
وكل الدلائل تدل على أن الحياة كانت مزدهرة في الحيرة قبيل الإسلام، وكان أكثر سكانها من القبائل العربية، وكان يجاورهم العباديون من النصارى، ويظهر أنهم كانوا أخلاطًا من العرب وغير العرب، كما كان يجاورهم الأحلاف من بعض العرب من النبط، سكان العراق من بقايا الأكديين والآراميين وكانوا يحترفون الزراعة. وكانت هناك جالية فارسية، تمتهن بعض المهن والحرف، ويظن أنه كان هناك بعض اليهود. وكانت الحيرة كما قدمنا سوقًا تجاريًّا كبيرًا، وكل ذلك أعد لأن تتحضر، وأن تتأثر بالثقافة الهيلينية الفارسية التي كانت تعم في تلك الأنحاء.
________
(1) انظر في المناذرة تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 4/ 5- 117، وتاريخ العرب "مطول" لفيليب حتى "الترجمة العربية" 1/ 107 ومحاضرات في تاريخ ا لعرب لصالح أحمد العلي 1/ 15 وما بعدها.
(2) أغاني "طبعة الساسي" 21/ 126.
(3) الحيوان 3/ 58 والمرزوقي على ديوان الحماسة "طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر" ص 1640
(4) انظر المفضليات "طبع دار المعارف" رقم 78، 79.
(5) الحيوان 4/ 379.
(6) الأصمعيات "طبعة دار المعارف" رقم 58.
(7) المفضليات رقم 42 البيت 16 17 وقارن مع رقم 41 البيت 17.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|