المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05



مقتل كليب والأيام بين بكر وتغلب (حرب البسوس)  
  
4274   01:33 مساءاً   التاريخ: 9-11-2016
المؤلف : ابن الاثير
الكتاب أو المصدر : الكامل في التاريخ
الجزء والصفحة : المجلد الاول،ج1، ص 437-448
القسم : التاريخ / احوال العرب قبل الاسلام / ايام العرب قبل الاسلام /

وكان من حديث الحرب التي وقعت بين بكر وتغلب ابني وائل بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بسبب قتل كليب واسمه وائل بن ربيعة بن الحرث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب وإنما لقب كليبا لأنه كان إذا سار أخذ معه جرو كلب فإذا مر بروضة أو موضع يعجبه ضربه ثم ألقاه في ذلك المكان وهو يصيح ويعوي فلا يسمع عواءه أحد إلا تجنبه ولم يقربه وكان يقال له كليب وائل ثم اختصروا فقالوا كليب فغلب عليه. وكان لواء ربيعة بن نزار للأكبر فالأكبر من ولده فكان اللواء في عنزة بن أسد بن ربيعة وكانت سنتهم أنهم يوفرون لحاهم ويقصون شواربهم فلا يفعل ذلك من ربيعة إلا من يخالفهم ويريد حربهم ، ثم تحول اللواء في عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار وكانت سنتهم إذا شتموا لطموا من شتمهم وإذا لطموا قتلوا من لطمهم ثم تحول اللواء في النمر بن قاسط بن هنب وكان لهم غير سنة من تقدمهم ثم تحول اللواء إلى بكر بن وائل فتساؤوا غيرهم في فرخ طائر كانوا يوثقون الفرخ بقارعة الطريقة فإذا علم بمكانه لم يسلك أحد ذلك الطريق ويسلك من يريد الذهاب والمجيء عن يمينه ويساره ثم تحول اللواء إلى تغلب فوليه وائل بن ربيعة وكانت سنته ما ذكرناه من جرو الكلب ولم تجتمع معد إلا على ثلاثة نفر وهم عامر بن الظرب بن عمرو بن بكر بن يشكر بن الحرث وهو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان وهو الناس بن مضر بالنون وهو أخو الياس بن مضر وكان قائد معد حين تمذحجت مذحج وسارت إلى تهامة وهي أول وقعة كانت بين تهامة واليمن، والثاني ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن كلب وكان قائد معد يوم السلان بين أهل اليمامة واليمن، والثالث وائل بن ربيعة وكان قائد معد يوم خزاز ففض جموع اليمن وهزمهم وجعلت له معد قسم الملك وتاجه وطاعته وبقي زمانا من الدهر ثم دخله زهو شديد وبغى على قومه حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه وكان يقول وحش أرض كذا في جواري فلا يصاد ولا يورد أحد مع إبله ولا يوقد نارا مع ناره ولا يمر أحد بين بيوته ولا يحتبى في مجلسه ، وكانت بنو جشم وبنو شيبان اخلاطا في دار واحدة إرادة الجماعة ومخافة الفرقة وتزوج كليب جليلة بنت مرة بن شيبان بن ثعلبة وهي أخت جساس بن مرة وحمى كليب أرضا من العالية في أول الربيع وكان لا يقربها إلا محارب ثم إن رجلا يقال له سعد بن شميس بن طوق الجرمي نزل بالبسوس بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرة وكان للجرمي ناقة اسمها سراب ترعى مع نوق جساس وهي التي ضربت العرب بها المثل فقالت أشأم من سراب وأشأم من البسوس فخرج كليب يوما يتعهد الإبل ومراعيها فأتاها وتردد فيها وكانت إبله وإبل جساس مختلطة فنظر كليب إلى سراب فأنكرها فقال له جساس وهو معه هذه ناقة جارنا الجرمي فقال لا تعد هذه الناقة إلى هذا الحمى فقال جساس لا ترعى إبلي مرعى إلا وهذه معها، فقال كليب لئن عادت لأضعن سهمي في ضرعها فقال الجساس لئن وضعت سهمك في ضرعها لأضعن سنان رمحي في لبتك ، ثم تفرقا وقال كليب لامرأته أترين أن في العرب رجلا مانعا مني جاره قالت لا أعلمه إلا جساسا فحدثها الحديث وكان بعد ذلك إذا أراد الخروج إلى الحمى منعته وناشدته الله أن لا يقطع رحمه وكانت تنهى أخاها جساسا أن يسرح إبله ، ثم إن كليبا خرج إلى الحمى وجعل يتصفح الإبل فرأى ناقة الجرمي فرمى ضرعها فأنفذه فولت ولها عجيج حتى بكرت بفناء صاحبها فلما رأى ما بها صرخ بالذل وسمعت البسوس صراخ جارها فخرجت إليه فلما رأت ما بناقته وضعت يدها على رأسها ثم صاحت واذلاه وجساس يراها ويسمع فخرج إليها فقال لها اسكتي ولا تراعي وسكن الجرمي وقال لهما إني سأقتل جملا أعظم من هذه الناقة سأقتل غلالا وكان غلال فحل إبل كليب لم ير في زمانه مثله وإنما أراد جساس بمقالته كليبا وكان لكليب عين يسمع ما يقولون فأعاد الكلام على كليب فقال لقد اقتصر من يمينه على غلال ولم يزل جساس يطلب غرة كليب فخرج كليب يوما آمنا فلما بعد عن البيوت ركب جساس فرسه وأخذ رمحه وأدرك كليبا فوقف كليب فقال له جساس يا كليب الرمح وراءك, فقال إن كنت صادقا فأقبل إلي من أمامي ولم يلتفت إليه فطعنه فأرداه عن فرسه فقال يا جساس أغثني بشربة من ماء فلم يأتيه بشيء وقضى كليب نحبه ,فأمر جساس رجلا كان معه اسمه عمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان فجعل عليه أحجارا لئلا تأكله السباع وفي ذلك يقول مهلهل بن ربيعة أخو كليب:

قتيل ما قتيـــــل المـــرء عمرو     وجساس بن مرة ذي صريم

أصـــــاب فــــــؤاده بأصم لدن      فلم يعطف هناك على حميم

فــــــــإن غــدا وبعد غد لرهن      لأمـــــــــر ما يقام له عظيم

جسيمــــا ما بكيت به كليبـــــا      إذا ذكــــر الفعال من الجسيم

سأشرب كأسها صرفا وأسقى      بكــــــــأس غير منطقة مليم

ولما قتل جساس كليبا انصرف على فرسه يركضه وقد بدت ركبتاه فلما نظر أبوه مرة إلى ذلك قال لقد أتاكم جساس بداهية ما رأيته قط بادي الركبتين إلى اليوم, فلما وقف على أبيه قال مالك يا جساس قال طعنت طعنة يجتمع بنو وائل غدا لها رقصا قال ومن طعنت لأمك الثكل قال قتلت كليبا قال أفعلت قال نعم قال بئس والله ما جئت به قومك فقال جساس:

تأهب عنك أهبة ذي امتناع    فإن الأمر جل عن التلاحي

فإني قد جنيت عليك حربا    تغص الشيخ بالمـــاء القراح

 فلما سمع أبوه قوله خاف خذلان قومه لما كان من لائمته إياه فقال يجيبه :

فإن تك قد جنيت علي حربا   تغص الشيخ بالماء القراح

جمعت بها يديك على كليب   فلا وكل ولا رث السلاح

سألبس ثوبها واذود عنــــي   بها عار المذلة والفضاح

 ثم إن مرة دعا قومه إلى نصرته فأجابوه وجلوا الأسنة وشحذوا السيوف وقوموا الرماح وتهيأوا للرحلة إلى جماعة قومهم، وكان همام بن مرة أخو جساس ومهلهل أخو كليب في ذلك الوقت يشربان فبعث جساس إلى همام جارية لهم تخبره الخبر فانتهت إليهما وأشارت إلى همام فقام إليه فأخبرته فقال له المهلهل ما قالت لك الجارية وكان بينهما عهد أن لا يكتم أحدهما صاحبه شيئا فذكر له ما قالت الجارية وأحب أن يعلمه ذلك في مداعبة وهزل فقال له المهلهل أست أخيك أضيق من ذلك فأقبلا على شربهما , فقال له المهلهل اشرب فاليوم خمر وغدا أمر فشرب همام وهو حذر خائف, فلما سكر مهلهل عاد همام أهله فساروا من ساعتهم إلى جماعة قومهم وظهر أمر كليب فذهبوا إليه فدفنوه فلما دفن شقت الجيوب وخمشت الوجوه وخرجت الأبكار وذات الخدور العواتق إليه وقمن للمأتم فقال النساء لأخت كليب أخرجي جليلة أخت جساس عنا فان قيامها فيه شماته وعار علينا وكانت امرأة كليب كما ذكرنا, فقالت لها أخت كليب اخرجي عن مأتمنا فأنت أخت قاتلنا وشقيقة واترنا فخرجت تجر عطافها فلقيها أبوها مرة فقال لها ما وراءك يا جليلة فقالت ثكل العدد وحزن الأبد وفقد الخليل وقتل أخ عن قليل وبين هذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد فقال لها أويكف ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات فقالت أمنية مخدوع ورب الكعبة ألبدن تدع لك تغلب دم ربها .

ولما رحلت جليلة قالت أخت كليب رحلة المعتدي وفراق الشامت ويل غدا لآل مرة من الكرة بعد الكرة, فبلغ قولها جليلة فقالت وكيف تشمت الحرة بهتك سترها وترقب وترها أسعد الله أختى ألا قالت نفرة الحياء وخوف الأعداء ثم أنشأت تقول:

يا ابنــة الأقـــوام إن شـئت فـلا       تعجلي باللوم حتى تســـالي

فــــإذا مــــا أنـت تبينـت الـــذي      يوجب اللوم فلومي واعذلي

 إن تكن أخت امرئ ليمت على       شفق منهـــا عليــــه فافعـلي

جل عندي فعل جســـــاس فيــا        حسرتا فيما انجلت أو تنجلي

فعل جســــاس على وجدي به         قـــاطع ظهري ومدن أجلي

لو بعيــــن فقئت عيـــــن سوى        أختها فانفقـــــأت لـــم أحفل

تحمـــــل العين قذى العين كما         تحمـــل الأم أذى ما تفتـــلي

يا قتيــــــــــلا قوض الدهر به         سقف بيتي جميعا من عــل

هدم البيـــــــت الذي استحدثته        وانثنى في هدم بيتــي الأول

ورمـــــــاني قتلــــه من كثــب       رمية المصمى به المستأصل

يا نســـــائي دونكن اليــــوم قد       خصني الدهر برزء معضل

خصنـــي قتل كليب بلــــظـــى       من ورائي ولظـى مستقـــبل

ليس من يبــــكي ليوميه كمـن        إنمــــا يبكــــي ليـــــوم مقبل

يشتفــــــي المدرك بالثأر وفي        دركي ثـــأري ثكـــل المثكل

ليتــــــه كــــان دما فاحتلـــبوا         دررا منه دمي من أكحــــل

إننــــــــي قابلـــــة مقـــــــتولة         ولعــــل الله أن يرتــــاح لي

وأما مهلهل واسمه عدي و قيل امرؤ القيس و هو خال امرئ القيس بن حجر الكندي و إنما لقب مهلهلا لأنه أول من هلهل الشعر وقصدت القصائد و أول من كذب في شعره فإنه لما صحا لم يرعه إلا النساء يصرخن ألا إن كليبا قتل فقال وهو أول شعر قيل في هذه الحادثة :

كنا نغار على العواتق أن تــرى     بالأمس خارجة عن الأوطان

فخرجن حين توى كليب حسرا      مستيقــــنات بعــده بهــــــوان

فترى الكواعب كالظباء عواطلا    إذ حان مصرعه من الأكفان

يخمشن من أدم الوجوه حواسرا     من بعده ويعــدن بالأزمـــان

متسلبـــات نكــــــدهن وقد ورى    أجوافهن بحــــــرقة وروانـي

ويقلن من للمستضـــيف إذا دعا     أم من لخضب عوالـي المران

أم لا تساربا لجـــــزور إذا غـدا     ريح يقطع معقد الأشـــــطان

أم من لا سباق الديات وجمعها       ولفادحــــات نوائب الحدثان

كان الذخيرة للزمان فقـــد أتــى      فقدانه وأخل ركن مكــــاني

يا لهف نفسي من زمـــان فاجع      ألقى علي بكلكـــــل وجران

بمصيبــــة لا تستقـــال جليــلـــــة    غلبت عزاء القوم والنسوان

هدت حصونا كن قبـــلا مـــلاوذا    لذوي الكهول معا وللشـــبان

أضحت وأضحى سورها من بعده    متهدم الأركان والبنيـــــــان

فابكيـــن سيد قومـــــه واندبنــــــه    شدت عليه قباطي الأكـــفان

وابكـــــين للأيتــــــام لمــا أقحطوا    وابكين عند تخاذل الجيران

وابكــــــــين مصترع جيده متزملا    بدمائـــه فلذاك ما أبــــكاني

فلأتـــركن بـــــه قبـــــائـــل تغلـــب   قتلـــى بكــل قرارة ومكـان

قتلــــى تعــــاورها النســــور أكفها    ينهشنهـــا وحواجـل الغربان

 ثم انطلق إلى المكان الذي قتل فيه كليب فرأى دمه و أتى قبره فوقف عليه ثم قال:

إن تحت التراب حزما وعزما    وخصيما ألد ذا معـلاق

حيـة في الوجار أربــد لا ينفع    منـــه السليم نفث الراقي

ثم جز شعره وقصر ثوبه وهجر النساء وترك الغزل وحرم القمار و الشراب وجمع إليه قومه و أرسل رجالا منهم إلى بني شيبان، فأتوا مرة بن ذهل بن شيبان وهو في نادي قومه فقالوا له إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناقة وقطعتم الرحم و انتهكتم الحرمة و إنا نعرض عليك خلالا أربعا لكم فيها مخرج ولنا فيها مقنع: إما أن تحيي لنا كليبا أو تدفع إلينا قاتله جساسا فنقتله به أو هماما فإنه كفء له أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء لدمه, فقال لهم أما إحيائي كليبا فلست قادرا عليه و أما دفعي جساسا إليكم فإنه غلام طعن طعنة على عجل وركب فرسه فلا أدري أي بلاد قصد و أما همام فإنه أبو عشرة و أخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم فلن يسلموه بجريرة غيره و أما أنا فما هو إلا أن تجول الخيل جولة فأكون أول قتيل فما أتعجل الموت ولكن لكم عندي خصلتان أما إحداهما فهؤلاء أبنائي الباقون فخذوا أيهم شئتم فاقتلوه بصاحبكم و أما الأخرى فإني أدفع أليكم ألف ناقة سود الحدق حمر الوبر, فغضب القوم وقالوا قد أسأت ببذل هؤلاء وتسومنا اللبن من دم كليب، ونشبت الحرب بينهم ولحقت جليلة زوجة كليب بأبيها وقومها و اعتزلت قبائل بكر الحرب وكرهوا مساعدة بني شيبان على القتال و أعظموا قتل كليب فتحولت لجيم ويشكر وكف الحارث بن عباد عن نصرهم ومعه أهل بيته وقال مهلهل عدة قصائد يرثي كليبا منها:

كليب لا خير في الدنيا ومن فيها    إذ أنت خليتـــها فيمـــن يخليـــــــها

كليــب أي فتـــى عز ومكــــرمة    تحت السقائــف إذ يعلـــــوك سافيها

نعـــى النعاة كليبـــا لي فقلت لهم    مالت بنا الأرض أو زالت رواسيها

الحزم و العزم كانا من صنيعتـه    ما كــــل آلائه يا قــــوم أحصيـــــها

القائد الخيــــــل تردى في أعنتها    رهوا إذا الخــــيل لجت في تعاديـها

من خيــــــل تغلب ما تلقى أسنتها    إلا وقد خضـــبوها من أعــــــاديها

يهــــزهزون من الخطــي مدمجة    صمـــا أنابيبــــها زرقـــا عواليهــا

ليت السماء على من تحتها وقعت   وانشقت الأرض فانجابت بمن فيها

لا أصلح الله منا من يصالحكم      ما لاحت الشمس في أعلى مجاريها.

 يوم عنيزة :

فالتقوا أول قتال كان بينهم في قول يوم عنيزة وهي عند فلج وكانا على السواء فقال مهلهل :

كـــأنا غــدوة وبنــي أبيـــنا    بجنب عنيزة رحيــا مديــر

ولولا الريح أسمع أهل حجر    صليل البيض تقرع بالذكور

فتفرقوا ثم بقوا زمانا ، ثم إنهم التقوا بماء يقال له النهي كانت بنو شيبان نازلة عليه ويروى إنها أول وقعة كانت بينهم و كان رئيس تغلب مهلهل ورئيس شيبان الحارث بن مرة وكانت الدائرة لبني تغلب وكانت الشوكة في بني شيبان واستحر القتال فيهم إلا إنه لم يقتل ذلك اليوم أحد من مرة.

 يوم الذنائب :

ثم التقوا بالذنائب وهي أعظم وقعة كانت لهم فظفرت بنو تغلب وقتلت بكرا مقتلة عظيمة وقال فيها شراحيل بن مرة بن همام بن ذهل بن شيبان وهو جد الحوفزان وجد معن بن زائدة وقتل الحارث بن مرة بن ذهل بن شيبان وقتل من بني ذهل بن ثعلبة عمرو بن سدوس بن شيبان بن ذهل وغيرهم من رؤساء بكر.

 يوم واردات:

ثم التقوا يوم واردات فاقتتلوا قتالا شديدا فظفرت تغلب أيضا وكثر القتل في بكر فقتل همام بن مرة بن شيبان اخو جساس لأبيه و أمه فمر مهلهل فلما رآه قتيلا قال و الله ما قتل بعد كليب أعز علي منك و تالله لا تجتمع بكر بعدكما على خير أبدا، وقيل أنما قتل يوم القصيبات وقيل يوم قضة قتله ناشرة وكان همام قد التقطه ورباه وسماه ناشرة وكان عنده فلما شب علم أنه تغلبي فلما كان هذا اليوم جعل همام يقاتل فإذا عطش جاء إلى قرية له يشرب منها فتغفله ناشرة فقتله ولحق بقومه تغلب وكاد جساس يؤخذ فسلم فقال مهلهل:

لو أن خيلي أدركتك وجدتهم   مثل الليوث بستر غب عرين

 ويقول فيها:

ولأوردن الخيل بطن أراكة    و لأقضين بفعل ذاك ديوني

ولأقتلن جحاجحا من بكركم    و لأبكيـــن بهــــا جفـــــون

حتى تظل الحاملات مخافة    من وقعنا يقــــذفن كل جنين

 وقيل في ترتيب الأيام غير ما ذكرنا .

 وكان أبو نويرة التغلبي وغيره طلائع قومه وكان جساس وغيره طلائع قومهم , والتقى بعض الليالي جساس و أبو نويرة فقال له أبو نويرة اختر إما الصراع أو الطعان أو المسايفة فاختار جساس الصراع فاصطرعا و أبطأ كل واحد منهما على أصحاب حيه وطلبهما فأصابوهما وهما يصطرعان وقد كاد جساس يصرعه ففرقوا بينهما وجعلت تغلب تطلب جساسا أشد الطلب فقال له أبوه مرة الحق بأخوالك بالشام فامتنع فألح عليه أبوه فسيره سرا في خمسة نفر وبلغ الخبر إلى مهلهل فندب أبا نويرة ومعه ثلاثون رجلا من شجعان أصحابه فساروا مجدين فأدركوا جساسا فقاتلهم فقتل أبو نويرة و أصحابه ولم يبق منهم غير رجلين وجرح جساس جرحا شديدا مات منه وقتل أصحابه فلم يسلم غير رجلين أيضا فعادت كل واحد من السالمين إلى أصحابه فلما سمع مرة قتل ابنه جساس قال إنما يحزنني إن كان لم يقتل منهم أحدا, فقيل له إنه قتل بيده أبا نويرة رئيس القوم وقتل معه خمسة عشر رجلا ما شركه منا أحد في قتلهم وقتلنا نحن الباقين فقال : ذلك مما يسكن قلبي عن جساس، وقيل إن جساسا آخر من قتل في حرب بكر وتغلب وكان سبب قتله أن أخته جليلة كانت تحت كليب وائل فلما قتل كليب عادت إلى أبيها وهي حامل وقعت الحرب وكان من الفريقين ما كان ثم عادوا إلى الموادعة بعد ما كادت الفئتان تتفانى فولدت أخت جساس غلاما فسمته هجرسا ورباه جساس وكان لا يعرف أبا غيره فزوجه ابنته فوقع بين هجرس وبين رجل من بكر كلام فقال له البكري ما أنت بمنته حتى نلحقك بأبيك فأمسك عنه ودخل إلى أمه كئيبا حزينا فأخبرها الخبر فلما نام إلى جنب امرأته رأت من همه وفكره ما أنكرته فقصت على أبيها جساس قصته فقال تأثر ورب الكعبة وبات على مثل الرضف حتى أصبح فاحضر الهجرس فقال له إنما أنت ولدي و أنت مني بالمكان الذي تعلم وزوجتك ابنتي وقد كانت الحرب في ابيك زمانا طويلا وقد اصطلحنا وتحاجزنا وقد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح و أن تنطلق معي حتى نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا، فقال الهجرس أنا فاعل فحمله جساس على فرس فركبه ولبس لأمته وقال مثلي لا يأتي أهله بغير سلاحه، فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما فقص عليهم جساس القصة وأعلمهم أن الهجرس يدخل في الذي فية جماعتهم وقد حضر ليعقد ما عقدتم فلما قربوا الدم وقاموا الى العقد أخذ الهجرس بواسط رمحه ثم قال وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إلية ثم طعن جساسا فقتلة ولحق بقومة وكان آخر قتيل في بكر والأول أكثر.

ونرجع إلى سياقة الحديث: فلما قتل جساس أرسل أبوه مرة إلى مهلهل إنك قد أدركت ثارك وقتلت جساسا فاكفف عن الحرب ودع اللجاج والإسراف وأصلح ذات البين فهو أصلح لحيين وأنكأ لعدوهم فلم يجب إلى ذلك ، وكان الحارث بن عباد قد اعتزل الحرب فلم يشهدها فلما قتل جساس وهمام ابنا مرة حمل ابنه بجيرا وهو ابن عمرو بن عباد أخي الحرث بن عباد فلما حمله على الناقة كتب معه إلى مهلهل إنك قد أسرفت في القتل وأدركت ثارك سوى ما قتلت من بكر وقد أرسلت ابني إليك فإما قتلته بأخيك واصلحت بين الحيين وإما أطلقته وأصلحت ذات البين فقد مضى من الحيين في هذه الحروب من كان بقاؤه خيرا لنا ولكم فلما وقف على كتابه أخذ بعيرا فقتله وقال بؤ بشسع نعل كليب، فلما سمع أبوه بقتله ظن أنه قد قتله بأخيه ليصلح بين الحيين فقال: نعم القتيل قتيلا أصلح من بني وائل ! فقيل إنه قال بؤ بشسع نعل كليب فغضب عند ذلك الحارث بن عباد وقال:

قربا مربط النعامة منـــي      لقحت حرب وائل عن حيال

قربـــا مربط النعامة مني      شاب رأسي وأنكرتني رجالي

لم أكن من جناتها علم الله      وإني بحـــــرها اليوم صـــالي

 فأتوه بفرسه النعامة ولم يكن في زمانها مثلها فركبها وولى أمر بكر وشهد حربهم وكان أول يوم شهده يوم قضة وهو يوم تحلاق اللمم وإنما قيل له تحلاق اللمم لأن بكرا حلقوا رؤوسهم ليعرف بعضهم بعضا إلا جحدر بن ضبيعة بن قيس أبو المسامعة فقال لهم أنا قصير فلا تشينوني وأنا أشتري لمتي منكم بأول فارس يطلع عليكم فطلع ابن عناق فشد عليه وكان يرتجز ذلك اليوم ويقول:

ردوا علي الخيل أن ألمت    ان لم أقاتلهم فجزوا لمتي

 وقاتل يومئذ الحارث بن عباد قتالا شديدا فقتل في تغلب مقتله عظيمة وفيه يقول طرفة:

سائـــلوا عنـــا الذي يعرفنــــا    بقوانا يوم تحـــلاق اللمم

يوم تبدي البيض عن أسواقها    وتلف الخيل أفواج النعم

 وفي هذا اليوم أسر الحارث بن عباد مهلهلا واسمه عدي وهو لا يعرفه فقال له دلني على عدي وأنا أخلي عنك ,فقال: المهلهل عليك عهد الله بذلك إن دللتك عليه, قال: نعم قال فأنا عدي فجز ناصيته وتركه وقال في ذلك:

لهف نفسي على عدي ولم أعرف      عــديا إذ أمكنتنـــي اليدان

وكانت الأيام التي اشتدت فيها الحرب بين الطائفتين خمسة أيام يوم عنيزة تكافؤا فيه وتناصفوا ثم اليوم الثاني يوم واردات كان لتغلب على بكر ثم اليوم الثالث الحنو كان لبكر على تغلب ثم اليوم الرابع يوم القصيبات أصيب بكر حتى ظنوا أنهم لن يستقيلوا ثم اليوم الخامس يوم قضة وهو يوم التحالق وشهده الحارث بن عباد, ثم كان بعد ذلك أيام دون هذه منها يوم النقية ويوم الفصيل لبكر على تغلب ثم لم يكن بينهما مزاحفة إنما كان مغاورات ودامت الحرب بينهما أربعين سنة ، ثم إن مهلهلا قال لقومه قد رأيت أن تبقوا على قومكم فإنهم يحبون صلاحكم وقد أتت على حربكم أربعون سنة وما لمتكم على ما كان من طلبكم بوتركم فلو مرت هذه السنون في رفاهية عيش لكانت تمل من طولها فكيف وقد فنى الحيان وثكلت الأمهات ويتم الأولاد ونائحة لا تزال تصرخ في النواحي ودموع لا ترقأ وأجساد لا تدفن وسيوف مشهورة ورماح مشرعة وإن القوم سيرجعون إليكم غدا بمودتهم ومواصلتهم وتتعطف الأرحام حتى تتواسوا في قتال القتل فكان كما قال, ثم قال مهلهل أما أنا فما تطيب نفسي أن أقيم فيكم ولا أستطيع أن أنظر إلى قاتل كليب وأخاف أن أحملكم على الاستئصال وأنا سائر إلى اليمن وفارقهم وسار إلى اليمن ونزل في جنب وهي حي من مذحج فخطبوا إليه ابنته فمنعهم فأجبروه على تزويجها وساقوا إليه صداقها جلودا من أدم فقال في ذلك:

أعزز على تغلب بما لقيت      أخت بني الأكرمين من جشم

انكحها فقدها الأراقــــم في      جنب وكان الحبــــاء من أدم

لو بأبا نين جـــــاء يخطبها      ضــــرج ما انف خاطب بدم

الأراقم: بطن من جشم بن تغلب يعني: حيث فقدت الأراقم، وهم عشيرتها تزوجها رجل من جنب بأدم، ثم إن مهلهلا عاد إلى ديار قومه فأخذه عمرو بن مالك بن ضبيعة البكري أسيرا بنواحي هجر فأحسن إساره فمر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر وكان صديقا لمهلهل فأهدى إليه وهو أسير زقا من خمر فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكرا وشربوا عند مهلهل في بيته الذي أفرد له عمرو فلما أخذ فيهم الشراب تغني مهلهل بما كان يقوله من الشعر ينوح على أخيه كليب فسمع منه عمرو ذلك فقال إنه يريد لريان والله لا يشرب عندي ماء حتى يرد زبيب وهو فحل كان له لا يراد إلا خمسا في حمارة القيظ فطلب بنو مالك زبيبا وهم حراص على أن لا يهلك مهلهل فلم يقدروا عليه حتى مات مهلهل عطشا، وقيل إن ابنة خال المهلهل وهي ابنة المجلل التغلبي كانت امرأة عمرو وأرادت أن تأتي مهلهلا وهو أسير فقال يذكرها :

طفلة ما ابنة المجـــــلل بيضـــاء    لعوب لذيـــــذة فــــي العنـــاق

فاذهبــــي ما إليــــك غير بعيـــد    لا يؤاتي العناق من في الوثاق

ضربت على صدرها إلي وقالت     يا عــــدي لقد وقتك الأواقــي

 وهي أبيات ذوات عدد فنقل شعره إلى عمرو بن مالك فحلف عمرو أن لا يسقيه الماء حتى يرد زبيب فسأله الناس أن يورد زبيبا قبل وروده ففعل وأورده وسقاه حتى يتحلل من يمينه ثم إنه سقى مهلهلا من ماء هناك هو أوخم المياه فمات مهلهل.

 ( عباد ): بضم العين وفتح الباء الموحدة وتخفيفها.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).