أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2016
544
التاريخ: 26-8-2016
6358
التاريخ: 3-8-2016
934
التاريخ: 3-8-2016
561
|
وقد اختلف في أن الامر بالشيء ، هل يستلزم النهي عن ضده الخاص؟ أو لا؟ بعد الاتفاق على النهي عن الضد العام ، أي : ترك الواجب.
وأدلة الاستلزام ضعيفة ، كما لا يخفى على من له أدنى تدبر ، فلا فائدة في ذكرها.
والحق : عدم الاستلزام ، للأصل ، و لأنه لو كان كذلك لتواتر ، لأنه من الامور العامة البلوى، على ما قال الشهيد الثاني [ من ] أنه لو كان كذلك لم يتحقق إباحة السفر إلا الأوحدي الناس(1)، لتضاده غالبا لتحصيل العلوم الواجبة ، بل قلما ينفك الانسان عن شغل الذمة بشيء من الواجبات الفورية ، مع أنه على ذلك التقدير موجب لبطلان الصلاة الموسعة في غير آخر وقتها ، ولبطلان النوافل اليومية وغيرها.
فلو كان الامر بالشيء مستلزما للنهي عن ضده الخاص ، لتواتر عنهم عليهمالسلام النهي عن أضداد الواجبات ، من حيث هي كذلك ، والتالي (2) باطل.
على أنه لم ينقل آحادا أيضا.
وبعض المتأخرين غير العبارة في المدعى (3) ، وقال : الامر بالشيء يستلزم عدم الامر بضده، وإلا لزم التكليف بالمحال ، فيبطل الضد إذا كان عبادة.
وفيه أيضا نظر ، ينكشف مما سنتلو عليك.
فاعلم : أن الواجب إما مؤقت أو غير مؤقت ، وكل منهما إلا مضيق أو لا ، فالأقسام أربعة :
المؤقت الموسع ، كالظهر مثلا.
والمؤقت المضيق ، كالصوم.
وغير المؤقت الموسع ، كالنذر المطلق على المشهور ، وغيره مما وقته العمر.
وغير المؤقت المضيق ، كإزالة النجاسة عن المسجد ، وأداء الدين والحج وغيرها من الواجبات الفورية.
فنقول : قوله : « الامر بالشيء يستلزم عدم الامر بضده » غير صحيح في الواجبين الموسعين مطلقا ، إذ لا يتوهم فيه أنه تكليف بالمحال ، وهو ظاهر.
وأما في المؤقتين المضيقين فالمدعى حق ، إلا أنه لم يرد في الشرع شيء من هذا القبيل ، إلا ما تضيق بسبب تأخير المكلف ، كما إذا أخر المكلف الواجبين الموسعين إلى أن يبقى من الوقت بقدر فعل أحدهما.
ولكن لا يخفى أنه حينئذ لا يمكن الاستدلال على بطلان أحدهما ، لتعلق الامر بكل منهما ، ولا يتفاوت كون أحدهما أهم من الآخر ، بل الحق حينئذ التخيير ، وتحقق الاثم إن كان التأخير بسبب تقصيره ، بل لا يبعد أن يقال بوجوب كل منهما في هذا الوقت أيضا ، ولا يلزم التكليف بالمحال ، لان حتمية فعلهما في هذا الوقت ، إنما هي بالنظر إلى ما بعد ذلك الوقت ، لا بالنظر إلى ما قبله ، لان نسبة هذا الجزء من الوقت إلى هذين الواجبين ، مثل نسبة أول الوقت ووسطه، فكما أن الفعلين الواجبين في أول الوقت ووسطه متصفان بالوجوب من غير لزوم التكليف بالمحال ـ لكون الوجوب راجعا إلى التخييري بحسب أجزاء الوقت ـ فكذا في آخر الوقت أيضا ، والحتمية ـ بمعنى : عدم (4) جواز التأخير عنه ـ لا ترفع التخيير فيه بالنظر إلى ما قبله من أجزاء الوقت.
فإن قلت : إذا قصر المكلف ، وأخر الواجبين الموسعين حتى لا يبقى من وقتهما إلا بمقدار فعل أحدهما ، فحينئذ إن وجب كل منهما معا في هذا الوقت ، يكون تكليفا بالمحال ، ولا يجدي إمكان إيقاعهما قبل هذا الوقت ، لان الفرض أنه فات.
قلت : وجوبهما في هذا الوقت بالإيجاب السابق ، الذي نسبته إلى اول الوقت ووسطه وآخره نسبة واحدة ، فكما لا يتوهم التكليف بالمحال في الاولين ، فكذا في الآخر.
وأما في المضيقين غير المؤقتين ـ كإزالة النجاسة من المسجد ، وأداء الدين مثلا إذا تضادا ـ فنقول : أول وقت وجوبهما ، قبل أن يمضي زمان يمكن فعل أحدهما فيه ، لا يجوز أن يكون كلاهما واجبا عينيا ، للزوم التكليف بالمحال ، بل يكون وجوبهما حينئذ تخييريا (5) إن لم يكن بينهما ترتيب ، ولا يمكن الاستدلال على النهي عن (6) أحدهما بسبب الامر بالآخر ، لما عرفت، تساويا في الاهمية أو لا.
وأما إذا مضى من أول وقت وجوبهما بقدر فعل أحدهما ، ففيه الاحتمالان المذكوران : كون وجوبهما في كل جزء من الزمان تخييريا (7) ، ولكن مع تحقق الاثم على ترك ما تركه منهما ، بسبب تفسيره في التأخير مع إمكان فعله سابقا.
وكون وجوبهما في كل جزء منه حتميا بالنظر إلى ما بعده ، أعني : عدم جواز تأخيرهما ، لا بالنظر (8) إلى ما قبله ، لإمكان فعلهما قبله.
وعلى أي تقدير ، فلا يمكن الاستدلال على النهي عن (9) أحدهما بسبب الامر بالآخر : أما على الاول : فلان الامر بأحدهما على التخيير ـ لا بهما معا ، حتى يتوهم التكليف بالمحال ـ لكن مع تحقق الاثم بترك ما تركه ، لتقصيره بتأخيره.
وأما على الثاني : فلما عرفت ، فتأمل.
وأما في الموسع مطلقا والمؤقت المضيق : فقد يتوهم أن هذا الوقت المضيق ، لما (10) صار متعينا لوقوع هذا الواجب المضيق فيه ، خرج عن (11) أن يكون وقتا لهذا الواجب الموسع ، فلم يتحقق الامر فيه بالواجب الموسع ، فإذا فعل فيه يكون باطلا ، وفيه بحث ، لان خروجه عن وقتية (12) الموسع ممنوع.
فإن قلت : فما الفائدة في جعل هذا الوقت المضيق ، الذي ليس إلا بقدر الواجب المضيق ، وقتا له على التعيين ، وللموسع على التخيير؟.
قلت : الفائدة فيه أنه لو عصى المكلف وترك فيه الواجب المضيق ، ولكن أتى فيه بالموسع ، يكون مؤديا للموسع غير فايت له (13) ، وكذا الكلام في الموسع مطلقا ، والمضيق غير المؤقت.
إذا عرفت هذا ، عرفت أن القول بأن الامر بالشيء يستلزم عدم الامر بضده ـ غير صحيح ، إلا في المضيقين المؤقتين ، وأما فيهما (14) فهو صحيح ، لكن لم يقع من هذا القبيل شيء في الشرع ، ولو وقع يكون محمولا على الوجوب التخييري ، فلا يمكن الاستدلال فيه أيضا على بطلان أحدهما.
ثم نقول : وهل الامر بالشيء يستلزم عدم طلب ضده على طريق الاستحباب؟ أو لا؟ الاظهر عدم الاستلزام فيه أيضا.
وتظهر الفائدة فيمن صلى نافلة الزوال في وقت الكسوف ، قبل صلاة الكسوف ، بحيث يفوته الفرض ، فإن قلنا بالاستلزام ، تكون النافلة باطلة ، ويحتاج إلى الاعادة ، وإلا فلا.
والحق الثاني ، إذ لا تناقض في إيجاب عبادة في وقت خاص ، واستحباب اخرى فيه بعينه ، ولا شك في صحة التصريح به ، من غير توهم تناقض ، بأن يقول : أوجبت عليك الفعل الفلاني في الوقت الفلاني ، وندبت عليك الفعل الفلاني في هذا الوقت بعينه ، بحيث لو عصيت وتركت الفعل الذي أوجبته عليك فيه وأتيت بما ندبت عليك فيه ، كنت مذموما لتركك الواجب ، وممدوحا لفعلك المندوب ، ولو كان وجوب الشيء في وقت منافيا لاستحباب آخر فيه ، لكان هذا الكلام مشتملا على التناقض، مع أنه ليس كذلك ضرورة.
ولا يجري هذا في الواجبين المؤقتين المضيقين ، لأنه لا يمكن للمكلف بهما الخلاص من الاثم على هذا التقدير ، بخلاف ما نحن فيه ، لأنه يمكنه ترك النافلة.
فإن قلت : إذا علم الشارع أن فعل هذا النافلة مما لا ينفك عن العصيان ، يقبح منه طلبها.
قلت : الموجب للعصيان هو إرادة ترك الواجب ، واستحباب هذه النافلة إنما هو على تقدير تحقق هذه الارادة ، فكأنه قال : إن اخترت إرادة هذا الواجب فلا أطلب منك شيئا غيره ، وإن اخترت عدم فعل هذا الواجب ، فقد عصيت ، ولكن حينئذ أطلب منك هذا المندوب.
فان قلت : هذا (15) يرفع كون التكليف بهما معا في حال واحدة.
قلت : نحن ننزل الخطاب الوجوبي والاستحبابي ـ لو وردا ـ على هذا المعنى ، فلا يمكن الاستدلال على بطلان المستحب ، بسبب الخطاب الوجوبي ، على أنه على تقدير إرادة عدم الوجوب يقع التكليف بهما معا ، فتأمل.
إذا عرفت هذا : فاستحباب شيء في وقت ، يكون بعض ذلك الوقت وقتا لواجب مضيق ، يكون جائزا بالطريق الأولى ، إذ يمكن حينئذ انفكاك الفعل المستحب عن العصيان ، بخلاف الاول ، فإنه لا ينفك عن العصيان ، وإن لم يكن هو الموجب له ، بل الموجب سوء الاختيار.
واعلم (16) : أن من قال بأن الامر بالشيء يستلزم النهي عن ضده ، إنما يقول به في الواجب المضيق ، كما صرح به جماعة، إذ لا يقول عاقل بأنه إذا زالت الشمس مثلا ، حرم الاكل والشرب والنوم وغيرها من أضداد الصلاة ، قبل فعل الصلاة.
ثم اعلم : أنه إيراد مقدمة الواجب والنهي عن الضد في هذا القسم إنما هو إذا لم يكن وجوب المقدمة وتحريم الضد ، على القول به ، من باب دلالة اللفظ ، كما قيل به ، ولكنه بعيد على هذا القول أيضا.
ولما كانت أدلة اقتضاء الامر بالشيء النهي عن الضد ضعيفة ، فالأولى عدم التعرض لأن النهي عن الشيء هل يقتضي الامر بضده؟ أو لا؟ وهل استحباب الشيء يقتضي كراهة ضده وبالعكس؟ أو لا؟
____________
1ـ روض الجنان : ٣٨٨ / باب سفر المعصية / كتاب الصلاة. وقد صرح الشهيد الثاني بعدم اقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده الخاص في : تمهيد القواعد : ١٧ ، وقد بنى على ذلك في الفقه ، انظر : روض الجنان : ١٢٠ / مسألة ما لو كان على بدن المحدّث او ثوبه نجاسة ولم يجد من الماء إلا ما يكفيه لإزالة النجاسة خاصة ، وص ٢٠٤ منه / مسألة الصلاة في الثوب المغصوب ، وص ٣٣٩ منه ، والمسالك : ١ / ٢٥ / مسألة وجوب رد السلام على المصلي.
2 ـ في ط : والثاني.
3 ـ انظر : زبدة الاصول : ٨٢ ـ ٨٣. وقد لمح الشهيد الثاني إلى ذلك حيث قال : « وإرادة أحد الضدين يستلزم عدم إرادة الآخر » المسالك : ١ / ٥٥.
4 ـ كلمة ( عدم ) : ساقطة من الاصل ، واثبتناها من سائر النسخ.
5 ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : بل يكون وجوبهما تخييرا.
6 ـ كذا في ب و ط ، وفي الاصل وأ : من.
7 ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : تخييرا.
8 ـ اسقط حرف النفي من ط.
9 ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : من.
10 ـ كلمة ( لما ) ساقطة من الاصل ، واثبتناها من سائر النسخ.
11 ـ في ط : من.
12 ـ في أ و ط : وقته.
13 ـ كذا في النسخ : والمراد : مفوت. وقد اتفق للمصنف رحمه الله امثال هذه المسامحات اللفظية في مواضع اخر من كتابنا هذا فلاحظ. ويحتمل أن يكون في المقام محذوف ، والتقدير : فالموسع
غير فائت له.
14 ـ كذا الظاهر ، وفي النسخ : وفيه.
15 ـ كذا في ط ، وفي الاصل وأ و ب : فهذا.
16 ـ كلمة ( واعلم ) : ساقطة من الاصل وقد اثبتناها من سائر النسخ.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|