المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17393 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
عدة الطلاق
2024-09-28
{وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم}
2024-09-28
الايمان في القلوب
2024-09-28
{نساؤكم حرث لكم}
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون اللبناني
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون العراقي
2024-09-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


التخلّص والاقتضاب وفصلُ الخطاب  
  
2956   05:03 مساءاً   التاريخ: 5-11-2014
المؤلف : محمّد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : تلخيص التمهيد
الجزء والصفحة : ج2 ، ص418-425.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز البلاغي والبياني /

من بديع البيان وظريفه حسن التخلّص ، وهو قدرة كلامية قلّ مَن توفّق لها في ظرافةٍ وبراعةٍ كظرافة القرآن وبراعته (1) .

وهو : أن يأخذ المتكلّم في معنى من المعاني : فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره ، بلطفٍ ورِفق ، وكأنّما الأوّل مدرج إليه أو سبب من الأسباب المؤاتية له ، وبذلك يكون الكلام كلّه آخذاً بعضه برقاب بعض ، وكأنّما أُفرغ إفراغةً واحدة ، الأمر الذي يدلّ على حذق المتكلّم وقوّة تصرّفه في مجاري الألفاظ والمعاني ، فتراه ينتقل من موضوع إلى موضوع آخر من غير أن يقطع كلامه أو يستأنف كلاماً جديداً ، على عكس ( الاقتضاب ) الذي هو القطع والاستئناف ، وقد كان مذهب العرب الأوائل ومَن يليهم مِن المخضرمين ، فخالفهم القرآن وأتى بطريقة جديدة في الانتقال من غير قطع ولا استئناف .

وهي طريقة بديعة تأخذ بمشاعر السامع في شتّى المذاهب من غير أن يشعر بالتصرّف والانتقال ، في رفق ولين وسحر بيان .

قال ابن معصوم : وهو الركن الثاني من الأركان الأربعة للبلاغة الفائقة ، والتي نبّه مشايخ البديع على وجوب التأنق فيها .

وهو عبارة عن أن ينتقل المتكلّم ممّا ابتدأ به من فنون الكلام إلى ذات المقصود على وجه سهل ، براطبة ملائمة ، وجهة جامعة مقبولة ، يختلس به نحو المطلوب اختلاساً رشيقاً ، بحيث لا يتفطّن السامع السامع من المعنى الأَوّل إلاّ وقد رسخت ألفاظ المعنى الثاني في سمعه ، وقرّ معناه في قلبه ؛ لشدّة الالتئام والوئام بينهما (2) .

وقال ابن أبي الإصبع : وهي في الكتاب العزيز معرفة الوصل من الفصل ، وقد ذهب بعض المتكلّمين إلى أنّها أحد وجوه الإعجاز ، وهو دقيق يكاد يخفى في غير الشعر إلاّ على الحاذق من ذوي النقد وهو مبثوث في الكتاب العزيز إذا تُتبّع وُجد ، كابتداء آيات قد يجدها البادي في النظر غير متناسبة لِما قبلها من فواصل وآيات ، لكن لا يكاد يَعرف التناسب بينها إلا مَن كانت له دربة بهذه الصناعة ، وبُعد إمعان نظر وتدقيق فكر (3) .

ومن عجيب الرأي ما زعمه أبو العلاء محمّد بن غانم (4) ، قال : إنّ كتاب الله خالٍ من التخلّص ؛ لِما فيه من التكلّف (5) .

قال ابن الأثير : وهذا القول فاسد ؛ لأنّ حقيقة التخلّص إنّما هي الخروج من كلام إلى كلام آخر غيره بلطيفة تُلائم بين الكلام الذي خرج منه والكلام الذي خرج إليه ، وفي القرآن مواضع كثيرة ، كالخروج من الوعظ والتذكير والإنذار والتبشير إلى أمر ونهي ووعد ووعيد ، ومِن محكم إلى متشابه ، ومِن صفة لنبيّ مرسل ومَلك منزل إلى ذمّ شيطان مريد وجبّار عنيد ، بلطائف دقيقة ومعانٍ آخذ بعضها برقاب بعض .

فممّا جاء من التخلّص في القرآن الكريم قوله تعالى :

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آباءَنَا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنّهُمْ عَدُوّ لِي إِلاّ رَبّ الْعَالَمِينَ * الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ * وَالّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ * رَبّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ * وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنّةِ النّعِيمِ * وَاغْفِرْ لأَبِي إِنّهُ كَانَ مِنَ الضّالّينَ * وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ * وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللّهِ إِن كُنّا لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * إِذْ نُسَوّيكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلّنَا إِلاّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنّ لَنَا كَرّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }[ الشعراء : 69 ـ 102] .

قال ابن الأثير : هذا كلام يُسكر العقول ، ويسحر الألباب ، وفيه كفاية لطالب البلاغة ، فإنّه متى أنعم فيه نظره ، وتدبّر أثناءه ومطاوي حكمته ، عَلم أنّ في ذلك غنىً عن تصفح الكتب المؤلّفة في هذا الفن ، أَلا ترى ما أحسن ما رتّب إبراهيم ( عليه السلام ) كلامه مع المشركين ، حين سألهم أَوّلاً عمّا يعبدون ، سؤال مقرّر لا سؤال مستفهم ، ثمّ أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنّها لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تُبصر ولا تسمع ، وعلى تقاليد آبائهم الأقدمين فكسّره ، وأخرجه من أن يكون شبهة ، فضلاً عن أن يكون حجّة ، ثمّ أراد الخروج من ذلك إلى ذِكر الإله الذي لا تجب العبادة إلاّ له ، ولا ينبغي الرجوع والإنابة إلاّ إليه ، فصَوّر المسألة في نفسه دونهم بقوله : ( فإنّهم عدوٌّ لي ) على أنّي فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة لعدوّ وهو الشيطان فاجتنبتها ، وآثرت عبادة مَن الخير كلّه في يده ، وأراهم بذلك أنّها نصيحة ينصح بها نفسه ، لينظروا فيقولوا : ما نصحنا إبراهيم إلاّ بما نصح به نفسه ، فيكون ذلك أدعى لهم إلى القبول لقوله ، وأبعث على الاستماع منه ، ولو قال : فإنّهم عدوٌّ لكم ، لم يكن بتلك المثابة ، فتخلّص عند تصويره المسألة في نفسه إلى ذكر الله تعالى ، فأجرى عليه تلك الصفات العظام ، من تفخيم شأنه وتعديد نِعمه ، مِن لدن خلقه وأنشأه ، إلى حين وفاته ، مع ما يُرجّى في الآخرة من رحمته ؛ ليُعلم مِن ذلك أنّ مَن هذه صفاته حقيق بالعبادة ، واجب على الخلق الخضوع له والاستكانة لعظمته .

ثمّ خرج من ذلك إلى ما يلائمه ويناسبه ، فدعا الله بدعوات المخلصين ، وابتهل إليه ابتهال الأوّابين ؛ لأنّ الطالب من مولاه إذا قَدّم ـ قبل سؤاله وتضرّعه ـ الاعتراف بالنعمة كان ذلك أسرع للإجابة ، وأنجح لحصول الطلبة .

ثمّ أدرج في ضمن دعائه ذِكر البعث ويوم القيامة ، ومجازاة الله تعالى مَن آمن به واتّقاه بالجنة ، ومَن ضلّ من عبادة النار ، فجمع بين الترغيب في طاعته والترهيب من معصيته .

ثمّ سأل المشركين عمّا كانوا يعبدون سؤالاً ثانياً عند معاينة الجزاء ، وهو  سؤال موبّخ لهم مستهزئ بهم ، وذكر ما يدفعون إليه عند ذلك من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال ، وتمنّي العودة ليؤمنوا .

فانظر أيّها المتأمّل إلى هذا الكلام الشريف الآخذ بعضه برقاب بعض ، مع احتوائه على ضروب المعاني ، فيخلص من كل واحد منها إلى الآخر بلطيفة ملائمة ، حتى كأنّه أُفرغ في قالب واحد ، فخرج من ذكر الأصنام وتنفير أبيه وقومه من عبادتهم إيّاها ـ مع ما هي فيه من التعرّي عن صفات الألوهية ، حيث لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ـ إلى ذكر الله تعالى ، فوصفه بصفات الإلوهية ، فعظّم شأنه ، وعدّد نعمه ؛ ليعلم بذلك أنّ العبادة لا تصحّ إلاّ له .

ثمّ خرج من هذا إلى دعائه إيّاه وخضوعه له ، ثمّ خرج منه إلى ذِكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه ، فتدبّر هذه التخلّصات اللطيفة المودعة في أثناء هذا الكلام .

وفي القرآن مواضع الكثيرة من التخلّصات ، كالذي ورد في سورة الأعراف ، فإنّه ذكر فيها قصص الأنبياء والأُمم الخالية ، من آدم إلى نوح ( عليهما  السلام ) وكذلك إلى قصّة موسى ( عليه السلام ) حتّى انتهى إلى آخرها الذي هو : { وَاخْتَارَ مُوسَى‏ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِن قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السّفَهَاءُ مِنّا إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُوْلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ الأعراف : 155 ـ 157 .] .

هذا تخلّص من التخلّصات الحِسان ، فإنّ الله تعالى ذكر الأنبياء والقرون الماضية إلى عهد موسى ( عليه السلام ) ، فلمّا أراد ذكر نبيّنا ( صلّى الله عليه وآله ) ذكره بتخلّص انتظم به بعض الكلام ببعض .

أَلا ترى أنّه قال : قال موسى : واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ، فأُجيب بقوله تعالى : قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء فسأكتبها للّذين حالهم كذا وكذا ، وصفتهم كيت وكيت ، وهم الذين يتبعون الرسول النبيّ الأُمّي . ثمّ وصفه ( صلّى الله عليه وآله ) بصفاته ... إلى آخر الكلام .

قال ابن الأثير : ويا لله العجب كيف يزعم الغانمي أنّ القرآن خالٍ من التخلّص ؟! أَلم يكفِه سورة يوسف ( عليه السلام ) فإنّها قصّة برأسها ، وهي مضمّنة شرح حاله مع إخوته من أوّل أمره إلى آخره ، وفيها عدّة تخلّصات في الخروج من معنىً إلى معنى ، وكذلك إلى آخرها .

ولو أخذت في ذكر ما في القرآن الكريم من هذا النوع لأطلت ، ومَن أَنعم نظره فيه وَجد من ذلك أشياء كثيرة (6) .

قال بدري الدين الزركشي ـ ردّاً على مزعومة الغانمي ـ :

ومَن أحسن أمثلته قوله تعالى : {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ....} [النور: 35] فإنّ فيها خمس تخلّصات ، وذلك أنّه جاء بصفة النور وتمثيله ، ثمّ تخلّص منه الزجاجة وصفائها ، ثمّ رجع إلى ذِكر النور والزيت يستمدّ منه ، ثمّ تخلّص منه إلى ذِكر الشجرة ، ثمّ تخلّص مِن ذكرها إلى صفة الزيت ، ثمّ تخلّص من صفة الزيت إلى صفة النور وتضاعفه ، ثمّ تخلّص منه إلى نِعم الله بالهدى على مَن يشاء .

ومنه قوله : {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ..} [المعارج: 1] فإنّه سبحانه ذكر أَوّلاً عذاب الكفّار وأن لا دافع له من الله ، ثمّ تخلّص إلى قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ... ) بوصف ( ذي المعارج ) !

ومنه قوله : {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل : 23 - 26] .

وقوله : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ } [الصافات: 62] ، وهذا من بديع التخلّص ، فإنّه سبحانه خلص مِن وصف المخلصين وما أعدّ لهم إلى وصف الظالمين وما أعدّ لهم .

قال : وأعلم أنّه حيث قُصد التخلّص فلا بدّ من التوطئة له .

ومن بديعه قوله تعالى : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] يُشير إلى قصّة يوسف ( عليه السلام ) فوطّأ بهذه الجملة إلى ذكر القصّة ، يُشير إليها بهذه النكتة من باب الوحي والرمز .

وكقوله سبحانه مُوطّئاً للتخلّص إلى ذِكر مبتدأ خلق المسيح ( عليه السلام ) : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا} [آل عمران: 33] (7) .

قال ابن أبي الإصبع : ومِن براعة التخلّص في الكتاب العزيز قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] فإنّه سبحانه وطّأ بها إلى سياقة خبر ميلاد المسيح ( عليه السلام ) ، فذكر اصطفاء آدم ( عليه السلام ) توطئةً ؛ ليتخلّص بها إلى ذكر وَلَده نوح ( عليه السلام ) ، وذكر اصطفاء نوح يتخلّص إلى ذكر وَلَده إبراهيم ( عليه السلام ) ، وذكر اصطفاء آل إبراهيم بعد ذكر آل نوح توطئةً ؛ ليتخلّص بذكرهم إلى آل عمران مِن وُلد إبراهيم ، وتخلّص بذكر آل عمران إلى ذِكر امرأة عمران ؛ ليسوق قصّة حملها بمريم ( عليهما السلام ) وكفالة زكريا ( عليه السلام ) لها ، وذكر ولده يحيى ( عليه السلام ) وقصّة حمل مريم بالمسيح ( عليهما السلام ) وما كان في ذلك من الآيات الباهرات ، وما آتاه الله تعالى من المعجزات .

قال : فوقع في هذه الآية من التخلّصات البارعة التي أتت على أحسن ترتيب ، وأَبين تهذيب ، مالا يقع في شيء من الكلام ؛ حيث ذكر سبحانه الآباء من الأعلى إلى الأدنى ، فابتدأ بذكر آدم الأب الأعلى ، وتلاه بذكر نوح الأب الثاني ، الذي انتشرت الأُمم مِن عقبه ، وأتت كافّة البشر من ذرّيته ، ثمّ ذكر بعده إبراهيم أبا  الأنبياء والمرسلين ، وخصّ مِن وُلده بالذِكر آل عمران ، ليتخلّص إلى ذكر المسيح ... فسبحان المتكلّم بهذا الكلام !! (8) .
__________________________

(1) هذا البحتري ، فإنّ مكانه من الشعر لا يُجهل ، وشعره هو السهل الممتنع الذي تراه كالشمس قريباً ضوؤها بعيداً مكانها ، وهو على الحقيقة قَينة الشعراء في الإطراب ، وعنقاؤهم في الإغراب ، ومع هذا فإنّه لم يُوفّق في التخلّص من الغزل إلى المديح ، بل اقتضبه اقتضاباً ، قال ابن الأثير : ولقد حفظتُ شعره فلم أجد له من ذلك شيئاً مرضياً إلاّ اليسير . ( المثل السائر : ج3 ص126 ) .

(2) أنوار الربيع : ج3 ص240 .

(3) بديع القرآن : ص167 ـ 168 .

(4) المعروف بالغانمي ، كان من الشعراء الفضلاء ، وهو مِن شعراء نظام المُلك .

(5) حسبما نقله عنه الزركشي في البرهان : ج1 ص43 .

(6) المَثل السائر : ج3 ص128 ـ 132 .

(7) البرهان : ج1 ص45 .

(8) بديع القرآن : ص170 ـ 171 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .