أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
1958
التاريخ: 19-09-2014
2399
التاريخ: 24-04-2015
6366
التاريخ: 22-04-2015
3191
|
قال عبد القاهر : إنّ الاستعارة ـ كما علمت ـ تعتمد التشبيه أبداً ، وطرقه تختلف ، فكلّما كان التشبيه أدقّ وأعمق كانت الاستعارة أرقّ وأرقى ، وهي ترتقي من الضعف إلى القوّة ثمّ بما يزيد في ارتقائها .
فأَوّل هذه الضروب : أن يكون وجه الشبه موجوداً في كلا الطرفين ، لكن مع خصائص ومزايا ومراتب في الفضيلة أو الكمال ، فتستعير لفظ الأفضل لِما هو دونه ، ومثاله : استعارة الطيران لغير ذي جناح ، مراداً به السرعة ، كما جاء الحديث ، ( خيرُ الناس رجلٌ ممسك بعِنان فرسه في سبيل الله ، كلّما سمع هَيعة طار إليها ) والهَيعة : صوت الفزع ، فشبّه سرعة الحركة بطيران الطير ، واستُعير لها لفظه .
وكذا انقضاض الكواكب للفَرس إذا أسرع في حركته من علوّ ، والسباحة له إذا عدا عدواً شبيهاً بحالة السباحة في لين وسلاسة ، ومعلوم أنّ الطيران والانقضاض والسباحة والعدو كلها جنس واحد من حيث الحركة ، إلاّ أنّهم نظروا إلى خصائص الأشياء في حركتها ، فأفردوا كل حركة في نوعها باسم ، وإذا وجدوا في بعض الأحوال شبهاً من حركة غير جنسه استعاروا له العبارة من ذلك الجنس .
ومن هذا الضرب قوله تعالى : {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ : 19] ، أي وفرّقناهم ، والتمزيق تفريق بين قطع الثوب ، فاستُعير لمطلق التفريق ، ومثله أيضاً قوله تعالى : {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا } [الأعراف : 168] ، أي فرّقناهم فيها ، تشبيهاً بتقطيع الثوب وتفريق أجزائه (1) .
ومنه عند السكاكي قوله تعالى : {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم : 4] شُبّه الشيب بشواظ النار ، في توقّده وإنارته ، وشُبّه انتشاره وانبساطه في الشعر باشتعال النار ، فأُخرج مخرج الاستعارة ، قال الزمخشري : ومِن ثَمّ فَصُحَت هذه الجملة وشُهد لها بالبلاغة (2) .
وضربٌ ثانٍ : يشبه هذا الضرب ، غير أنّ الشبه في صفة هي موجودة في كل من المستعار منه والمستعار له على حقيقتها ، سوى أنّها في المستعار منه أكمل وأجلى ، كما في قولك : رأيت شمساً تريد إنساناً يتهلّل وجهه كرائعة الشمس .
وهكذا قولك : رأيت أسداً ، تريد رجلاً متّصفاً بالشجاعة كالأسد المعروف بها ، فرونق الوجه الحسن في حسّ البصر مجانس لتلألؤ ضوء الأجسام النيّرة ، وكذا حقيقة الشجاعة التي عمودها انتفاء المخافة عن القلب ، فلا يخامره وهنٌ على الإقدام ولا خوف من العدوّ ، الأمر الذي يشترك فيه الإنسان الشجاع والأسد اشتراكاً في الحقيقة .
وضربٌ ثالث : وهو الصميم الخالص من الاستعارة ، وحدّه أن يكون الشبه مأخوذاً من الصور العقلية ، كاستعارة النور للبيان والحجّة الكاشفة عن الحق ، المزيلة للشكّ ، النافية للريب ، كما في قوله تعالى : {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف : 157] وكاستعارة الصراط المستقيم للدين ، إذ ليس بين النور ـ وهو من صفة الجسم وهو محسوس ـ وبين الحجّة ـ وهو كلام ـ تناسب في حقيقتيهما ، إلاّ أنّ القلب إذا وردت عليه الحجّة صار في حالة شبيهة بحال البصر إذا صادف النور ، وهو شبه ليس على جنس ، ولا على طبيعة وغريزة ، ولا هيئة وصورة تدخل في الخلقة ، وإنّما هو صورة عقلية .
قال : وهذا الضرب هو المنزلة التي تبلغ الاستعارة عندها غاية شرفها ، ويتسع لها المجال كيف شاءت في تفنّنها وتصرّفها ، وهاهنا تخلص لطيفة روحانية ، فلا يبصرها إلاّ ذوو الأذهان الصافية ، والعقول النافذة ، والطباع السليمة ، والنفوس المستعدّة لأن تعي الحكمة ، وتعرف فصل الخطاب .
ولها هاهنا أساليب كثيرة ، ومسالك دقيقة مختلفة ، إلاّ أنّ لها أُصولاً كما يلي :
أحدها : أن يؤخذ الشبه من المشاهدات والمدركات بالحواس للمعاني المعقولة .
ثانيها : أن يؤخذ الشبه من المحسوس لمثله ، إلاّ أنّ الشبه عقلي .
ثالثها : أن يؤخذ الشبه من المعقول للمعقول .
مثال الأوّل ما ذكرناه من استعارة النور للحجّة والبيان (3) .
ومثال الثاني قوله تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } [يس : 37] ، السلخ من كشط الجلد لكشف الضوء عن مكان الليل ، وهما حسّيان ، والجامع ما يتصوّر مِن ترتّب أمر على آخر ، وحصول أثر عقيب عمل ، وهذا الترتّب عقلي .
وسلخ النهار من الليل ، باعتبار أنّ الظلمة هي الأصل ، والنهار عارض .
فبذهاب النهار الذي هو كغشاء على الليل يبدو الليل ( فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ) .
ومثال الثالث قوله تعالى : {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس : 52] ، فقد استُعير الرُقاد للموت والجامع عدم الحراك ، والجميع عقلي (4) .
_____________________
(1) أسرار البلاغة : ص41 ـ 44 .
(2) الكشّاف : ج3 ص4 ، ومفتاح العلوم : ص183 .
(3) أسرار البلاغة : ص50 .
(4) المطوّل : ص369 ـ 370 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|