المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



الساميون واصل التسمية  
  
5339   11:00 صباحاً   التاريخ: 15-9-2016
المؤلف : جواد علي
الكتاب أو المصدر : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام
الجزء والصفحة : ج1,ص76-84
القسم : التاريخ / اقوام وادي الرافدين / الساميون /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1137
التاريخ: 12-9-2016 1091
التاريخ: 27-8-2018 1731
التاريخ: 15-9-2016 3836

لاحظ المعنيون بلغات "الشرق الأدنى" وجود اوجه شبه ظاهرة بين البابلية والكنعانية والعبرانية والفينيقية والأرمية والعربية واللهجات العربية الجنوبية والحبشية والنبطية وامثالها، فهي تشترك أو تتقارب في أمور أصلية وأساسية من جوهر اللغة، وذلك في مثل جذور الأفعال، وأصول التصريف، تصريف الأفعال، وفي زمني الفعل الرئيسيين، وهما: التام والناقص، أو الماضي والمستقبل، وفي أصول المفردات والضمائر والأسماء الدالة على القرابة الدموية والأعداد، وبعض أسماء أعضاء الجسم الرئيسية، وفي تغير الحركات في وسط الكلمات الذي يحدث تغيراً في المعنى، وفي التعابير التي تدل على منظمات للدولة، والمجتمع والدين، وفي أمور مشابهة أخرى، فقالوا بوجوب وجود وحدة مشتركة كانت تجمع شمل هذه الشعوب، وأطلقوا على ذلك الأصل، أو الوحدة "الرس السامي" أو "الجنس السامي"، أو "الأصل السامي"، أو "السامية، "Aemites" "Ahemites" "Semitic Race" وعلى اللغات التي تكلمت وتتكلم بها هذه الشعوب "اللغات السامية"، "Semitic Languaues".

وقد أخذ من أطلق هذه التسمية، تسميته هذه من التوراة. أخذها من اسم "سام بن نوح"، جدّ هذه الشعوب الأكبر، كما هو وارد فيها. وأول من أطلقها وأذاعها بين العلماء علماً على هذه الشعوب، عالم نمساوي اسمه "أوغست لودويك شلوتسر" August Ludeig Schlostzer أطلقها عام "1781 م" فشاعت منذ ذلك الحين، وأصبحت عند العلماء والباحثين في موضوع لغات الشرق الأدنى علماً للمجموعة المذكورة من الشعوب وقد أخذ "آيشهورن" "Joh. Cotte. Eichhorn" هذه التسمية، وسعى لتعميمها بين العلماء علماً على الشعوب المذكورة.

وفي عام "1869 م" قسم العلماء اللغات السامية إلى مجموعتين: المجموعة السامية الشمالية، والمجموعة السامية الجنوبية وتتألف المجموعة الشمالية من العبرانية والفينيقية والأرمية والآشورية والبابلية والكنعانية. و أما المجموعة الجنوبية، فتتألف من العربية بلهجاتها والحبشية. وعمم استعمال هذا الاصطلاح بينهم وأصبح موضوع "الساميات" من الدراسات الخاصة عند المستشرقين، تقوم على مقارنات وفحوص "أنتولوجية" و "بيولوجية" وفحوص علمية أخرى، فضلا عن الدراسات التاريخية واللغوية والدينية، وهذه القرابة الواردة في التوراة، وذلك التقسيم المذكور فيها للبشر، لا يستندان إلى أسس علمية أو عنصرية صحيحة، بل بنُيت تلك القرابة، ووضع ذلك التقسيم على اعتبارات سياسية عاطفية وعلى الآراء التي كانت شائعة عند شعوب العالم في ذلك الزمان عن النسب والأنساب وتوزع البشر. فحشرت التوراة في السامية شعوباً لا يمكن عدها من الشعوب السامية، مثل "العيلامين" "Elam" و "اللودبين" "Ludim" "Lud"، وأقصت منها جماعة من الواجب عدّها من الساميين، مثل "الفينيقيين" و "الكنعانيين".

ويرى "بروكلمان" إن العبرانيين كانوا قد تعمدوا إقصاء الكنعانيين من جدول أنساب سام، لأسباب سياسية ودينية، مع أنهم كانوا يعلمون حق العلم ما بينهم وبين الكنعانيين من صلات عنصرية ولغوية.

وقد رَجَع الإصحاح العاشر من التكوين نسب الفينيقيين و السبئيين إلى حام جد الكوشيين، ذوي البشرة السوداء، مع أنهم لم يكونوا من الحاميين، وقد يكون ذلك بسبب وجود جاليات فينيقية وسبئية في افريقية، فعدّ كتبة التوراة هؤلاء من الحاميين.

وقد عرف المسلمون اسم "سام بن نوح"، وقد كان لا بد لهم من البحث عن أولاد "نوح" لما لذلك من علاقة بما جاء عن "نوح" وعن الطوفان في القرآن الكريم. و قد روي أن رسول الله قال: "سام أبو العرب، و يأفث أبو الروم، و حام أبو الحبش"، وقد روى "الطبري" جملة أحاديث عنه في هذا المعنى. و قد لاحظت كلها وردت من طريق "سعيد بن أبي عروبة" عن "قتادة" عن "الحسن" عن "سمرة بن جندب"، و هي في الواقع حديث واحد، و لا يختلف إلا اختلافا يسيرا في ترتيب الأسماء أو في لفظ أو لفظين. ومن هنا يجب إن يدرس هذا الحديث و كل الأحاديث المنسوبة إلى الرسول في هذا الباب دراسة وافية، لنرى مدى صحة نسبتها إلى الرسول، كما يجب دراسة ما نسب إلى عبد الله بن عباس أو غيره في هذا الشأن، فإن مثل هذه الدراسات تحيطنا علما برأي المسلمين أيام الرسول و بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى في نسبتهم إلى سام بن نوح.

وقد قسم بعض علماء الساميات المحدثين اللغات السامية إلى أربع مجموعات هي:

 المجموعة السامية الشرقية ومنها البابلية والآشورية.

 والمجموعة الشمالية ومنها الأمورية والأرمية.

 والمجموعة الغربية ومنها الكنعانية والعبرانية والموابية والفينيقية.

 والمجموعة الجنوبية ومنها المعينية والسبئية والاثيوبية والعربية والأمهرية.

 ويلاحظ إن واضعي هذا التقسيم لم يراعوا في وضعه التطورات التاريخية التي مرت بها هذه اللغات بل وضحوا تقسيمهم هذا على أسس المواقع الجغرافية لتلك الشعوب.

والسامية بعد، ليست رساً "Race" بالمعنى المفهوم من الرس عند علماء الأحياء، أي جنس له خصائص جسمية وملامح خاصة يميزه عن الأجناس البشرية الأخرى. فبين السامين تمايز وتباين في الملامح وفي العلامات الفارقة يجعل اطلاق "الرس" عليهم بالمعنى العلمي الحديث المفهوم من "علم الأجناس"، أو الفروع للعلمية الأخرى نوعاً من الإسراف واللغو، كما أننا نرى تبايناً في داخل الشعب للواحد من هذه الشعوب السامية في الملامح والمظاهر الجسمية، وفي هذا التمايز والتباين دلالة على وجود اختلاط وامتزاج في الدماء.

ولقد وجد بعض علماء "الانثروبولوجي" مثلاَ إن بين اليهود تبايناً في الصفات وفي الخصائص التي وضعها هذا العلم للجنس، مع ما عرف عن اليهود من التقيد بالزواج وبالابتعاد عن الزواج من غير اليهود. وكذلك وجد العلماء الذين درسوا العرب دراسة "أنثروبولوجي" إن بين العرب تبايناً في الملامح الجسمية. وقد اتضح. وجود هذا التباين عند الجاهليين أيضاً، كما دلت على ذلك الفحوص التي أجريت على بقايا العظام التي عثر عليها في مقابر جاهلية. كذلك وجد علماء "الأنثروبولوجي" من فحص العظام التي عثر عليها في الآثار الآشورية والبابلية إن أصحابها يختلفون أيضاً فيما بينهم في الملامح التي تعد أساساً في تكوين جنس من الأجناس ولهذا، فإني حين أتحدث عن السامية لا أتحدث عنها على أنها جنس، أي رسّ صاف بالمعنى "الأنثروبولوجي"، بل أتحدث عنها على أنها مجموعة ثقافية وعلى أنها مصطلح أطلقه العلماء على هذه المجموعة لتمييزها عن بقية الأجناس البشرية، فأنا أجاريهم لذلك في هذه التسمية، ليس غير.

إن بحوث العلماء في موضوع السلالات البشرية وفي الأجناس البشرية وفي توزع الشعوب وخصائص ومميزات الأجناس لا تزال بحوثاً قلقة غير مستقرة. ولهذا تجد نتائج بحوثهم في تعريف الجنس وفي صفات الأجناس وفي المسائل الأخرى المتعلقة بهذا الموضوع مختلفة، ولا سيما إن هنالك عدة أمور تؤثر في حياة الإنسان وفي خصائصه الروحية والجسمية. وللنواحي اللغوية وبعض الخصائص الروحية الأخرى، وان كانت مهمة وضرورية لدراسة الناحية العقلية للإنسان، إلا إنها ليست الأسس للوحيدة لتكوين رأي في الأجناس البشرية.

فالسامية إذن، بهذا المعنى هي مجرد اصطلاح، قصد به للتعبير عن هذه للروابط أو الظواهر التي نراها بين الشعوب المذكورة، أما البحث على إن الساميين جنس من الأجناس بالتعبير الذي بعنيه أهل العلوم من لفظة جنس، فإن ذلك في نظري موضوع لا يسع علماء للساميات أو علماء التاريخ إن يبتوا فيه ويصدروا حكماً في شأنه، لأنه بحث يجب إن يستند إلى تجارب وبحوث مختبرية، والى دراسات للشعوب الباقية من السامية، بان ندرس جماجم قدماء للساميين وعظامهم في جزيرة العرب وفي المواطن الأخرى التي انتشر فيها للساميين، وعند اكمال مثل هذه الدراسات ووصولها إلى درجات كافية ناضجة يمكن للعلماء حينئذ إن يتحدثوا عن السامية من حيث إنها جنس بالمعنى العلمي، أو جنس بالمعنى الاصطلاحي.

هذا وقد عني بعض الباحثين المحدثين بدراسة ما عثر عليه في بعض القبور العادية من عظام، لتعيين أوصافها وخصائصها والجنس الذي تعود لليه، كما قام بعضهم بدراسة أجسام الأحياء وإجراء فحوص عليها وتسجيل قياسات الرؤوس وملامح الأجسام وما إلى ذلك مما يتعلق بموضوع "الأجناس البشرية"، وإذا ما استمر العلماء على هذه الدراسة وتوسعوا فيها، فسيكون لها شاًن خطير في وضع نظريات علمية عن تاريخ أجناس الشرق الأدنى وفي جملتهم الساميين.

وممن بحث في "أنثروبولوجي" الشرق الأدنى "كبرس Ariens Kapperes"، وقد وضع مؤلفا قيَماً في دراسة شعوب الشرق الأدنى. و "الدكتور سلكمن" "Dr. Seligman"، و "شنكلن W. Shanklin" الذي عني بدراسة "أنثروبولوجي" سكان شرقي الأردن وتقسيماتهم وحالات أعصابهم، و "A. Mochi"، و "برترام توماس" الذي قام بدراسات علمية عديدة من هذه الناحية لنماذج من أفراد القبائل العربية الجنوبية، والبعثة الأمريكية التي أرسلها متحف "فيلد" بشيكاغو لدراسة "أنثروبولوجي" القبائل العراقية النازلة على مقربة من "كيش"، عدا دراسات أخرى عديدة قام بها علماء آخرون.

وقد أجريت أكثر هذه البحوث في مناطق عرفت باتصالها منذ القديم بالعالم الخارجي، وفي أرضين استضافت الغرباء، فهي لذلك لا يمكن إن تعطينا فكرة علمية عن "أنثروبولوجي" ساحل جزيرة العرب، فلا بد من القيام بدراسات دقيقة في قلب الجزيرة لتكوين رأي علمي عن عرب هذه الأماكن.

وقد لاحظ الفاحصون للعظام التي عثر عليها في الأقسام الجنوبية الشرقية من جزيرة العرب وجود تشابه كبير بين جماجم أهل عمان وجماجم سكان السواحل الهندية المقابلة هذه البقاع، كما لاحظوا تشابهاً كبيراً في الملامح الجسمية بين العرب الجنوبيين أهل عدن وبقبة العربية الجنوبية الغربية وتهامة وسكان إفريقية الشرقية.

وقد اتخذ القائلون إن أصل العرب الجنوبيين من إفريقية هذا التشابه حجة، تذرعوا بها في إثبات نظرياتهم هذه.

غير إن هذه الفحوص أشارت من جهة أخرى إلى حقيقة تخالف النظرية الإفريقية، إذ بينت إن أشكال جماجم العرب الجنوبيين ورؤوسهم هي من النوع الذي يقال له: "Brachycephaly". أما أشكال جماجم سكان إفريقية الشرقية ورؤوسهم، فمن النوع الذي يعرف باسم "Dolichocephaly" في الغالب. وهذا التباين لا يشير إلى وحدة الأصل. وقد تبين من هذه الفحوص إن أشكال جماجم العرب الشماليين ورؤوسهم، هي من نوع "Dolichocephaly" كذلك، أي أنها نوع مشابه لأشكال جماجم الإفريقيين الشرقيين ورؤوسهم.

وقد حملت هذه النتائج بعض الباحثين على التفتي في إن العرب الجنوبيين كانوا في الأصل في المواطن التي تكثر فيها الرؤوس المستديرة، وأن هذه المواطن هي من آسية الصغرى إلى الأفغان، فزعموا أنهم كانوا هناك ثم هاجروا منها إلى مواطنهم الجديدة في العربية الجنوبية، كما زعموا إن سكان "عمان" قد تاثروا تأثرا كبيراً بالدماء "الدراويدينية" "Dravidian" الهندية، لهذا تجد أنهم يختلفون بعض الاختلاف عن بقية العرب الجنوبيين.

وإذا قامت بعثات علمية بالبحوث "الأنثروبولوجي في مواضع أخرى من جزيرة العرب ولا سيما في باطن الجزيرة، و إذا ما استمر العلماء والسياح في البحث عن العظام والأحداث، وفي دراستها دراسة مختبرية، واستمروا في إجراء فحوصهم على الأحياء، وقورنت نتائج فحوصها بنتائج فحوص العلماء في بقية أنحاء الشرق الأدنى، فإن البحث في الساميات وفي علاقات الشعوب القديمة بعضها ببعض، سيتقدم كثيراً، وسيأتي ولا شك بنتائج علمية مقبولة في موضوع السامية والجنس السامي.

وطن الساميين:

تساءل العلماء الباحثون في الأجناس البشرية: من أين جاء الساميون الأول، آباء الشعوب السامية? وأين كان موطنهم الأول وبيتهم القديم، الذي ضاق بهم في الدهر الأول، فغادروه إلى بيوت أخرى?

أما أجوبتهم، فجاءت متباينة غير متفقة لعدم اهتدائهم حتى الآن إلى دليل مادي يشير إلى ذلك الوطن، أو يؤيد نظرية وجود مثل هذا الوطن، فقامت آراؤهم على نظريات وفرضيات، وبحوث لغوية وعلى آراء مستمدة من الروايات الواردة في التوراة عن أصل البشر، وعن أبناء نوح، والأماكن التي حلّ بها هؤلاء الأبناء وأحفادهم ثم أحفاد أحفادهم، وهكذا على نحو ما تصورته مخيلة العبرانيين. فرأى نفر منهم إن أرض بابل، كانت المهد الأول للساميين، ورأى آخرون إن جزيرة العرب هي المهد الأول لأبناء سام، وخصص فريق آخر موطناً معيناً من جزيرة العرب، ليكون وطن سام وأبنائه الأول، وذهب قسم إلى إفريقية فاختارها لتكون ذلك للوطن، لما لاحظه من وجود صلة بين اللغات السامية والحامية، ورأى قوم في أرض "الأموريين" الوطن الصالح لآن يكون أرض أبي الساميين، على حين ذهب قوم آخرون إلى تفضيل أرض "أرمينية" على تلك الأوطان المذكورة. وهكذا انقسموا وتشعبوا في موضوع اختيار الوطن السامي، ولكل حجج وبراهين.

وحتى القائلون بنظرية من هذه النظريات فرأي من هذه الآراء، هم قلقون غير مستقرين في نظرياتهم هذه، فتراهم يغُيرون فيها ويبدلون. يفترضون وطنا أصلياً لجد الساميين، ثم يفترضون وطناً ثانياً يزعمون إن قدماء الساميين كانوا قد تحولوا من الوطن الأول إليه، فصار الموطن الأقدم لهم. فقد ذهب "فون كريمر" مثلاً، وهو عالم ألماني إلى إن إقليم "بابل" هو موطن الساميين الأول، وذلك لوجود ألفاظ عديدة لمسميات زراعية وحيوية "حياتية" أخرى تشترك فيها أكثر اللغات السامية المعروفة، وهي مسميات لأمور هي من صميم حياة هذا الإقليم، إلا أنه عاد فذكر أنه وجد إن لفظة "الجمل" لهذا الحيوان المعروف هي لفظة واردة في جميع اللغات السامية وفي ورود هذه التسمية في جميع هذه اللغات دالة على أنها من بقايا اللغة "السامية" الأولى. ولكن الجمل حيوان أصله و موطنه الأول الهضبة المركزية التي في آسية على مقربة من نهر سيحون ونهر جيحون، ولما كان قد لازم الساميين من فجر تاريخهم واقترن اسمه باسمهم، وجب إن يكون موطن الساميين الأقدم اذن هو تلك الهضبة، إلا إن أجداد الساميين غادروها في الدهر الأول، وارتحلوا عنها فانحازوا إلى الغرب مجتازين إيران والأرضين المأهولة بالشعوب "الهند أوروبية" حتى وصلوا إلى إقليم "بابل"، فنزلوا فيه، فصار هذا الإقليم الوطن الأقدم أو الأول للساميين.

وطريقة "فون كريمر" في هذه النظرية، دراسة أسماء النبات والحيوان في اللغات السامية وتصنيفها وتبويبها الممكن بذلك من معرفة المسميات المشتركة والمسميات التي ترد بكثرة في اغلب تلك اللغات والتوصل بهذه الطريقة إلى الوقوف على أقدم الحيوان والنبات عند تلك الشعوب، فإذا اهتدينا إليها صار من السهل على رأيه التوصل إلى معرفة الوطن الأصل الذي جمع في يوم ما شمل أجداد الساميين.

أمما "كويدي"، وهو من القائلين أيضا إن إقليم بابل هو الموطن الأول للسامين، فقد سار على نفس أسلوب "فون كريمر" نفسه وطريقته، ولكن بصورة مستقلة عنه. درس الكلمات المألوفة في جميع اللغات السامية عن العمران والحيوان والنبات ونواحي الحياة الأخرى، وقارن بينها وتتبع أصولها قال قوله المذكور، إلا انه اختلف عن "فون كريمر" في الوطن الأول، حيث رأى إن مواطن الساميين الأول كانت الأرضين في جنوب بحر قزوين وفي جنوب شرقيه إلا انهم غادروها بعد ذلك وارتحلوا عنها إلى إقليم بابل.

وأما "هومل"، وهو من العلماء الألمان الحاذقين في الدراسات اللغوية، فقد ذهب أولاً إلى إن موطن الساميين هو شمال العراق، ثم عاد فقرر إن إقليم بابل هو الوطن الأصل، وذهب أيضاً إلى إن قدماء المصريين هم فرع من فروع الشجرة التي أثمرت الثمرة السامية، وهم الذين نقلوا على رأيه الحضارة إلى مصر نقلوها من البابليين.

وقد ناقش "نولدكه" آراء هؤلاء العلماء المذكورين القائمة على المقابلات والموازنات اللغوية، وعارضها معارضة شديدة، مبيناً إن من الخطأ الاعتماد في وضع نظريات مهمة كهذه على مجرد دراسة كلمات و إجراء موازنات بين ألفاظ لم يثبت ثبوتاً قطعياً إن جميع الساميين أخذوها من العراق، وأورد جملة أمثلة اختلف فيها الساميون، مع انها أجدر المعاني بأن يكون لها لفظ مشترك في جميع اللغات السامية.

ومن أوجه النقد التي وجهت إلى نظرية القائلين إن العراق، أو إقليم بابل منه بصورة خاصة، هو موطن الساميين، هو إن القول بذلك يستدعي تصور انتقال للساميين من أرض زراعية خصبة ذات مياه إلى بواد قفرة جرد، و إبدال حياة زراعية بحياة خشنة بدوية، ومثل هذا التصور يخالف المنطق والمعقول والنطم الاجتماعية.

و أما القائلون إن الموطن الأصلي لجميع الساميين هو جزيرة العرب، فكان من أولهم "شبرنكر". فقد رأى إن أواسط جزيرة للعرب، ولا سيما نجد، هو المكان للذي بجب إن يكون الوطن الأول للساميين، وذلك لأسباب وعوامل شرحها وذكرها. ومن هذا الوطن خرج الساميون في رأيه إلى الهلال الخصيب فطبعوه بالطابع السامي، ومن هذا الهلال انتشروا إلى أماكن أخرى.

وقد أيد هذه النظرية جماعة من المستشرقين الباحثين في هذا الموضوع من أمثال "سايس" و "أبرهرد شرادر"، و "دي كويه" و "هوبرت كرمه" و "كارل بروكلمن" و "كينغ" و "جول ماير" و "كوك" ،وآخرين.

وقد مال إلى تأييدها وترجيحها "دتف نلسن"، وهو من الباحثين في التاريخ العربي قبل الإسلام. وكذلك "هوكو ونكلر". و "هومل" الذي يرى إن موطن جميع الساميين الغربيين هو جزيرة العرب.

وقد ذهب نفر من القائلين بهذه النظرية إلى إن العروض ولا سيما البحرين والسواحل المقابلة لها، هي الوطن السامي القديم. ويستشهد هذا النفر على صحة نظريته ببعض الروايات والدراسات التي قام بها العلماء فكشفت عن هجرة بعض الأقوام كالفينيقين و غيرهم من هذه الأماكن.

أما "فلبي"، فذهب في دراساته المسهبة لأحوال جزيرة العرب إلى إن الأقسام الجنوبية من جزيرة العرب هي الموطن الأصلي للساميين. وفي هذه الأرضين نبتت السامية، ومنها هاجرت بعد اضطرارها إلى ترك مواطنها القديمة لحلول الجفاف بها التي ظهرت بوادره منذ عصر "البالئوليتيك" "Palaeolithic" هاجرت في رأيه، في موجات متعاقبة سلكت الطرق البرية والبحرية حتى وصلت إلى المناطق التي استقرت فيها. هاجرت وقد حملت معها كل ما نملكه من أشياء ثمينة، حملت معها آلهتها، وأولها الإله "القمر"، وحملت معها ثقافتها وخطها الذي اشتقت منه سائر الأقلام، ومنه القلم الفينيقي، وطبعت تلك الأرضين الواسعة التي حلت فيها بهذا الطابع السامي الشي ما زال باقياً حتى اليوم. وقد أخذ "فلبي" رأيه هذا من دراسات العلماء لأحوال جزيرة العرب ومن الحوادث التاريخية التي تشير إلى هجرة القبائل من اليمن نحو الشمال.

فاليمن في رأي "فلبي" وجماعة آخرين من المستشرقين، هي "مهد العرب" ومهد الساميين، منها انطلقت الموجات البشرية إلى سائر الأنحاء. وهي في نظر بعض المستشرقين أيضاً "مصنع العرب"، وذلك لأن بقعتها أمدّت الجزيرة بعد كبير من القبائل، قبل الإسلام بأمد طويل وفي الإسلام. ومن اليمن كان "نمرود" وكذلك جميع الساميين.

والذين يقولون إن نجداً هي موطن الساميين الأول، يفرضون إن موجات هجرة الساميين اتجهت نحو الشمال كما اتجهت نحو الجنوب والشرق والغرب، فكأن نجدا معين ماء يفيض فيسيل ماؤه إلى أطرافه.

غير إن هنالك جماعة من الباحثين ترى إن نجداً لا يمكن إن تكون الموطن الأول للسامين، وذلك لأن شروط الحياة اللازمة لم تكن تتوفر بها، اللهم إلا في المواضع التي توجد بها أبار أو واحات، وهي قليلة متناثرة، وذلك حتى في العصور "الباليوثية" "Palaeolithic" 0 أما المراعي التي كانت بها في تلك الأوقات فلم تكن دائمة الخضرة، بل كانت مع المواسم ولهذا فان السكن فيها لا يمكن إن يكون سكناً دائمياً مستمراً، ثم إن السكن في نجد يقتضي وجود الجمل فيها ولم يكن الجمل موجوداً عند الساميين في العهود القديمة بل كان الحمار هو واسطة الركوب والنقل عندهم. ولما كان الحمار لا يتحمل العيش في البوادي الواسعة الفسيحة، لذلك لم يتمكن الساميون إذ ذاك من التوغل في الصحراء والسكن بعيداً عن مواضع الماء، فانحصر سكنهم في أسياف البوادي أي في مناطق قريبة من الحضر، ولهذا السبب رفض العلماء رأي من يقول إن نجداً هي الموطن الأول للساميين.

ويمكن تلخيص الحجج والبينات التي استند إليها هؤلاء العلماء لإثبات نظريتهم في الأمور الآتية:

1 - لا يعقل إن ينتقل سكان الجبال والمزارعون من حياة الحضارة والاستقرار إلى البداوة، بل يحدث العكس. ولما كانت الشعوب السامية قد قضت في أطوارها الأولى حياة بدوية، فلا بد إن يكون وطنها الأول وطناً صحراوياً، وجزيرة العرب تصلح إن تكون ذلك الوطن أكثر من أي مكان آخر.

2 - ثبت إن معظم المدن والقرى التي تكونت في العراق أو الشام إنما كونتها عناصر بدوية استقرت فيَ مواضعها، واشتغلت بإصلاح أراضيها و عمرانها، واشتغلت بالتجارة، فنشأت من ذلك تلك المدن والقرى. ولما كانت أكر هذه العناصر البدوية قد جاءت من جزيرة العرب، فتكون الجزيرة قياسا على ذلك الموطن الذي غذّى العراق وبادية الشام وبلاد الشام بالساميين، وأرسل عليها موجات متوالية منها.

3 - هناك أدلة دينية ولغوية، وتاريخية وجغرافية، تشير بوضوح إلى إن جزيرة العرب هي مهد السامية ووطن الساميين.

4 - إننا نرى إن جزيرة العرب قد أمدّ ت العراق وبلاد الشام بالسكان، وأن القبائل الضاربة في الهلال الخصيب قد جاءت من جزيرة العرب، فليس يستبعد إذن إن يكون الساميون قد هاجروا منها إلى الهلال الخصيب.

وقد عارض هذه النظرية طائفة من علماء الساميات، وحجتهم: إن كل ما قيل وذكر من حجج وبينات، لا يدل يقيناً على إن جزيرة العرب كانت هي المهد الأصلي للأمم السامية، ونظرت إلى إفريقية على إنها المكان المناسب لأن يكون الوطن الأول للساميين. ومن هذه الطائفة من علماء الساميات "بلكريف"، وقد كون رأيه من وجود تشابه في الملامح، وفي الخصائص الجنسية، وصلات وقد كون رأيه من وجود تشابه في الملامح، وفي الخصائص الجنسية، وصلات لغوية بين الأحباش والبربر والعرب دفعته إلى القول بأن الوطن الأول للساميين هو إفريقية.

وذهب إلى هذا الرأي "جيرلند Gerland"، مستنداً إلى الدراسات "الفيزيولوجية" مثل تكوين الجماجم، والبحوث اللغوية. وقد زعم ان شمال إفريقية هو الموطن الأصلي للساميين، وادعى ان الساميين والحاميين من سلالة واحدة ودوحة تفرعت منها جملة فروع، منها هذا الفرع السامي الذي اختار الشرق الأدنى موطناً له.

وهناك نفر من العلماء أيدوا هذه النظرية ودافعوا عنها أو استحسنوها، مثل "برتن Brtin" و "نولدكه" و "موريس جسترو" و "كين" و "ربلي" وغيرهم. ولكنهم اختلفوا أيضا في تعيين المكان الذي نبت فيه الساميون أول مرة في القارة الإفريقية، واختلفوا كذلك في الطريق الذي أوصل السامين إلى جزيرة العرب ، فاختار "برنتن" Brintonشمال غربي إفريقية، ولا سيما منطقة جبال "الأطلس" فجعلها الموطن الأصلي للساميين.

واختار نفر آخر إفريقية الشرقية موطناً أول للساميين، للعلاقات "الأثنولوجية" الظاهرة التي تلاحظ على سكان هذه المنطقة والساميين. وزعم أن الساميين سلكوا في عبورهم إلى آسية أحد طريقين: إما طريق سيناء حيث هبطوا في العربية الحجرية وأناخوا فيها مدة ثم انتشروا منها، وإما طريق المندب حيث دخلوا العربية السعيدة من مواضع مختلفة من الحبشة ومن أرض "فنط Punt". وهي الصومال الحديثة. وقد أكسبتهم أقامتهم في بلاد العرب خصائص جديدة، ووسمتهم بسمات اقتضتها طبيعة الوطن الثاني، ولكنها لم تتمكن من القضاء على الخصائص الأولى التي تشير إلى الوطن الأول قضاء تاماً، ولا على الصلة بين اللغات الحامية والسامية التي تسير إلى الأصل المشترك كذلك.

وهذه النظرية، بالرغم من دفاع بعض كبار علماء اللغات والأجناس عنها لا تخلو من ضعف، ومن مواطن ضعفها أنها غضت الطرف عن الاعتبارات التاريخية، واستسلمت لدراسات لم تنضج بعد، فمن الممكن مثلاً إرجاع ما لاحظه علماء اللغات السامية واللغة المصرية القديمة إلى عوامل الهجرات السامية من جزيرة للعرب وعن طريق سيناء إلى إفريقية، مثل هجرة "الهكسوس" وهم من أصل سامي جاؤوا مصر من بلاد العرب. وقد ثبت أيضا من تحقيقات العلماء أن كثيراً من الأسماء المصرية القديمة التي كانت تطلق على الأقسام الشرقية من الديار المصرية هي أسماء سامية. وإذا سوغّ علماء النظرية الإفريقية لأنفسهم الاستدلال على إفريقية الساميين من وجود القرابة اللغوية بين اللغة المصرية واللغات السامية مثلاً، فإن من الممكن إرجاع هذه القرابة إلى أثر الهجرات السامية في اللغة المصرية.

وأما تقارب الحبشية من اللهجات العربية الجنوبية وكتابة الأحباش حتى اليوم بقلم شبيه بالمسند، فلا يكون دليلاَ قاطعاً على هجرة السامين من إفريقية عن طريق الحبشة إلى جزيرة العرب، إذ يجوز العكس، وقديمة هاجر الساميون من العربية الجنوبية إلى الحبشة. والساميون هم الذين كوّنوا دولة "أكسوم" التي كانت تتكلم باللغة "الجعزية"، وهي لغة سامية، كما أن قلمها الذي يشبه قلم المسند هو وليد القلم العربي الجنوبي. وكتابات "يها" "محا" المكتوبة بالمسند، في حد ذاتها دليل على أثر العرب الجنوبيين في الإفريقيين "الكوشيين"، وهذه الكتابات حديثة عهد بالنسبة إلى كتابات السبئيين، كما يمتهن اعتبار تشابه أسماء بعض الأماكن القديمة في الحبشة مع نظائر لم في اليمن ووجود معبد في الحبشة خص بالإله "المقة" إله سبا العظيم، وأمور أخرى دينية ولغوية وأثرية، واعتراف الأحباش بأنهم من نسل ملكة سبأ "بلقيس" "ماقدة" من "سليمان الحكيم"، وأن "حبشت" التي لم أخذ الأحباش منها اسمهم في اللغة العربية هي مقاطعة تقع في العربية الجنوبية في رأي أكثر العلماء، وأن "الأجاعز" أصحاب اللغة الجعزية هم اقدم ممن هاجر من اليمن إلى الحبشة، ووجود صلات قديمة ببن الساحلين الإفريقي والعربي، إذا نظرنا إلى كل هذه الأمور نظرة علمية. دقيقة، تجد أنها تجعل أمام القائلين إن أصل الساميين من إفريقية صعوبات ليس من السهل التغلب عليها، ولا سيما إذا أضفنا اليها الأثر الذي تركته اليهودية والنصرانية في الأحباش وفي الشعوب الكوشية الأخرى، فقرب ثقافتها من الثقافة السامية وأثر في لغتها، وهو أثر يجب أن يقام له وزن عند بحث هذا الموضوع.

ثم ان كثيراً من علماء "الأنثروبولوجي" يرون أن إفريقية تأثرت بالسماء الأسيوية. أما تأثيرها في دماء أهل الشرق الأدنى وفي سماء سكان جزيرة العرب، فقد كان قليلاّ لقد دخلت اليها دماء شعوب الشرق الأدنى من البحر المتوسط ومن طور سيناء ومن مضيق باب المندب. ويظهر أثر هذا الاختلاط واضحاً في إفريقية الشرقية وإفريقية الشمالية، وما زال هذا التأثر واضحاً حتى اليوم. ولهذا فإن من الصعب تصور هجرة السامين من أفريقية إلى جزيرة العرب وبلاد الشام والعراق على وفق نظرية هؤلاء العلماء.

ومن القائلين إن المهد الأصلي للساميين هو أرض إرمينية "جون بيترس"، وحجته في ذلك أن هذا المحل هو أنسب مكان يتفق مع رواية التوراة في الطوفان، وهو المحل الأصلي للأمم السامية والآرية. ثم إن الأنف الحثي يشبه كل الشبه الأنف العبراني، وفي هذه التسمية دلالة على المكان، وقد نسي أن العرب وهم من الساميين لم يرزقوا هذا الأنف.

وقد ذهب "أنكناد" "Ungnad" إلى أن أصل الساميين من أوروبة، وقد تركوها وهاجروا منها إلى آسية الصغرى، ثم هاجروا منها إلى أرض "أمورو" "Amurru"، وذهب قسم منهم في الألف الرابعة قبل الميلاد إلى بابل وبقية أنحاء العراق.

وذهب "كلي" إلى ان الوطن الأصلي للسامين هو أرض "أمورو" "Amurru" "الأمريين" وتشمل هذه الأرض، في رأيه، بلاد الشام ومنطقة الفرات. من هذه المنطقة هاجر الساميون، وهو قد توصل إلى نظريته هذه من الدراسات اللغوية، ولكنها لا تستند في الواقع إلى أدلة قوية. والأمويون من الشعوب السامية القديمة التي سكنت في فلسطين والشام وإقليم بابل.

وذهب آخرون إلى أن الوطن الأول الأصل للساميين هو أرض "قفقاسية"، إذ كان البشر من ثلاثة أجناس أساسية، هي: الجنس القفقاسي "Caucassids" والجنس المنغولي "Mongoloids" "الآسيويين"، والجنس الزنجي "Negroids". وقد قصدوا بالجنس القفقاسي أصحاب البشرتين البيضاء والسمراء، أي الآريين والساميين. فوطن هذين الجنسين الأول هو "قفقاسية" على هذا الرأي. منه انتقل الساميون إلى أوطانهم الجديدة، بهجرتهم إلى الجنوب واستقرارهم فيما يقال له "الهلال الخصيب"، ثم فيما وراءه إلى السواحل الجنوبية لجزيرة العرب، ومنه انتقل الآريون إلى الجنوب الشرقي لقفقاسية وإلى الغرب والشمال، أي إلى آسية وأوروبة ثم إلى أماكن أخرى فيما بعد.

وهجرات على هذا النحو، لا بد أن تكون لها أسباب ومسببات، اذ لا يعقل ترك إنسان لوطنه من غير سبب. وقد بحث القائلون بهذا الرأي عن الأسباب التي أدت إلى وقوع تلك الهجرات، فوضعوا لهم جملة فرضيات.

ظهر الساميون على مسرح الوجود في الألف الثالثة قبل الميلاد، واستقروا في هذه الأرضين التي اصطبغت بالصبغة السامية، وهي الهلال الخصيب وشبه جزيرة سيناء وجزيرة العرب، حيث تعد اليوم المواطن الرئيسية للساميين.

وقد توسط بعض الباحثين بين الآراء المتباينة، عن الوطن الأول للجنس السامي، فذهب إلى أن الهلال الخصيب وأطراف جزيرة العرب هي الموطن الأول للساميين والميدان الذي وجسوا فيه منذ أقسم أيامهم، وقد كان هذا الميدان موضع صراع بين البداوة والحضارة، فقد كان البدو يهاجمون الحضر سكان القرى والمدن، والبدو هم من الساميين، وكثير من الحضر كانوا من الساميين أيضا، ومن هذا التنازع على الحياة تكوّن تاريخ الساميين في هذه المنطقة الواسعة من الهلال الخصيب التي تهدها من الشرق والشمال والغرب الجبال والتي تمتد فتشمل كل جزيرة العرب.

الهجرات السامية:

تقول كل النظريات التي رأيناها عن أصل الوطن السامي، بهجرات الساميين من ذلك الوطن الأم إلى أوطان أخرى في أزمان مختلفة متباينة، وذلك لأسباب عديدة منها: ضيق أرض الوطن من تحمل عدد كبير من الناس، وتزاحم الناس كل الرزق، مما دعاهم إلى التحاسد والتباغض والتفتيش عن وطن جديد، وظهور تغيرات في طبيعة ذلك الإقليم، إلى عوامل أخرى.

وقد تصور القائلون ان جزيرة العرب هي مهد الجنس السامي، بلاد العرب كخزان هائل يفيض في حقب متعاقبة، تبلغ الحقبة منها زهاء ألف عام، بما يزيد على طاقته من البشر إلى الخارج، يقذف بهم موجات أطلقوا عليها "الموجات السامية".

وقد علل القائلون بنظرية أن جزيرة العرب هي مهد الجنس السامي، سبب هذه الهجرات بعدم استطاعة جزيرة العرب تبول عدد كبير من السكان يزيد على طاقتها، فلا يبقى أمامهم غير سلوك طريق الهجرات إلى الأماكن الخصبة في الشمال. وقد كانت الطرق الساحلية من أهم المسالك التي أوصلت المهاجرين إلى أهدافهم.

وفي جملة أسباب ضيق جزيرة العرب عن استيعاب العدد الكبير من السكان تغير مستمر طرأ عليها، أدى إلى انحباس الأمطار عنها وشيوع الجفاف فيها مما أثر على قشرنها وعلى أحيائها، فهلك من هلك وهاجر من هاجر من جزيرة العرب، وقد استمر هذا التغير آلافاً من السنين حتى حوّل بلاد العرب أرضين غلبت عليها الطبيعة الصحراوية، وقلّت فيها الرطوبة، وغلب على أكر بقاعها الجفاف.

وقد رأى بعض العلماء أن جزيرة العرب كانت في عصر "البلايستوسين" "Pleistocene" حصبة جداً كثيرة المياه، تتساقط عليها الأمطار بغزارة في جميع فصول السنة، وذات غابات كبيرة وأشجار ضخمة، كالأشجار التي نجدها في الزمان الحاضر في الهند وإفريقية، وأن جوها كان خيراً من جو أوروبة في العصور الجليدية التي كانت تغطي الثلوج معظم تلك القارة، ثم أخذ الجو يتغير في العالم، فذابت الثلوج بالتدريج، وتغير جو بلاد العرب بالطبع، حدث هذا التغير في عصر ال "نيوليتتك Neolithic" أو في عصر ال "كالكوليتك" "Chalcolithic"، ولم يكن هذا التغير في مصلحة جزيرة العرب، لأنه صار يقلل من الرطوبة ويزيد في الجفاف، ويحول رطوبة التربة إلى يبوسة فيميت الزرع بالتدريج، ويهيج سطح القشرة فيحولها رمالاّ وتراباً ثم صحارى لا تصلح للإنبات ولا لحياة ا لأحياء.

فاضطر سكان الجزيرة الذين كانوا من الصيادين إلى أن يكيفوا أنفسهم بحسب الوضع الجديد، فأخذ ناس منهم يهاجرون إلى مناطق أخرى ملائمة توائم حياتهم ومزاجهم، وأخذ ناس آخرون يعتمدون على الزرع وتدجين الحيوانات، وعلى الاكتفاء بصيد ما يرونه من حيوانات تحملت الجو الجديد متنقلين من مكان إلى مكان حيث الكلأ والماء. وهكذا تعرضت حياة الأجسام الحية من نبات وحيوان لتغيرات تدريجية مستمرة، فرضها عليها تغير الجو.

وقد أسى انحباس المطر وازدياد الجفاف ويبوسة الجو إلى انخفاض الرطوبة من سطح الأرض، وهبوط مستوى الماء بالتدريج عن قشرة الأرض، وظهور الأملاح في الآبار، وجفاف بعض الآبار، فأدى ذلك إلى ترك الناس هذه الأماكن، إذ صعب عليهم استغلالها بالزراعة، وإصلاحها بحفر آبار لا تساعد مياهها الملحة على نمو النبات، ومعيشة الحيوان. حدث ذلك حتى في العصور الإسلامية حيث نسمع شكاوى مريرة من هذه العوارض الطبيعية.

وقد تحدث "فلي" عن هبوط مستوى مياه بعض الآبار التي زارها عام 1917 م في الخرج، كما تحدث غيره من السياح عن حوادث مشابهة حدثت في تهامة والحجاز وأماكن أخرى.

ويعزو علماء طبقات الأرض انخفاض مستوى سطح الماء في جزيرة العرب إلى عوامل أخرى، إضافة إلى الجفاف مثل هبوط درجات الضغط على قشرة الأرض. وقد رأى الخبر الأمريكي "تويجل" "Twitchell"، أن الماء قد انخفض زهاء سبع وعشرين قدماً عن مستواه الذي كان عليه قبل ألفي عام. ومن العلماء من يرى أن مستوى سطح الماء في البحر الأحمر وفي الخليج العربي قد انخفض كذلك، فذهب بعض علماء دراسة التوراة إلى أن مستوى سطح الماء في خليج السويس قد انخفض "25" قدماَ عما كان عليه في "أيام الخروج - Exodus". وذهبت جماعة منهم إلى أن هذا الهبوط لم يكن كبراَ، وإنما بلغ زهاء ست أقدام أو أقل من ذلك في خلال ثلاثة آلاف سنة. اما مستوى سطح الخليج العربي، فقد هبط على راي بعضهم زهاء عشر أقدام أو خمس أقدام خلال ألفي عام، وان ماء البحر قد تراجع في هذه المدة، ويستدلون على ذلك بوجود السباخ في الأحساء والقطيف، وهي، في رأيهم، من بقايا تأثر البحر في الأرض وبما ذهب اليه بعضهم من أن الربع الخالي، وقد عثر فيه على بقايا بحر واسع في السهل المنخفض الذي يقال له أبو بحر، كان متصلاً بالبحر العربي. ومهما يكن من شيء، فإن هبوط. مستوى سطح الماء مهما كان مقداره قد أثر في سطع الأرض.

وقد وجد السياح محاراً من النوع الذي يكون في المياه العذبة، وأدوات من للصوان ترجع إلى ما قبل التاًريخ والعصور الحجرية، وبقايا عظام ترجع إلى هذه العصور في مناطق صحراوية، ويدل وجودها فيها على أنها كانت مأهولة، وأنها لم نهمل إلا لعوارض طبيعية قاهرة لم يكن من الممكن التغلب عليها، حولت تلك المناطق الخصبة في ألوف من السنين إلى مناطق لا تتوفر فيها شروط الحياة، فهجرت.

كما أننا نجد في الكتب العربية ذكر أشجار ضخمة كانت تنمو في مناطق لا تنبت شيئا ما في الزمان الحاضر، وذكر مناطق كانت تحمي، يقال لها "الحمى" وقد جفّ معظمها، وعاد أرضين قفرة جردء، فهلاك هذه النباتات وجفاف هذه الأرضين، لا يمكن أن يعزى إلى سوء الأوضاع السياسية وهجرة القبائل والمزارعين إلى أماكن أخرى لفساد الإدارة في الأماكن البعيدة حسب، بل لا بد ان يكون للطبيعة يد في هذا التحول ونصيب. إن هذا التغير الذي حدث في جو جزيرة العرب، فساعد على ازدياد الجفاف وانحباس الأمطار، قد أباد النباتات، وقاوم نمو المزروعات، وعفى على الأشجار الضخمة التي كانت تعيش من امتصاص جذورها العميقة للرطوبة من أعماق الأرض، كما أثر في حياة الحيوان كالأسد الذي قلّ وجوده، وقد كان كثير الوجود، ويدل على كثرة وجوده هذه الأسماع الكثيرة التي وضعت له وحفظت في كتب اللغة.

اللغات السامية:

لقد بحث المستشرقون في هذا الموضوع ولا يزالون يبحثون فيه، فمنهم من وجد أن العبرانية أقدم اللغات السامية، وأقربها عهدا بالأم، ومنهم من رأى إن العربية على حداثة عهدها جديرة بالدراسة والعناية، لأنها نحمل جرثومة السامية، ومنهم من رأى القدم للآشورية أو البابلية، وهناك من رأى غير ذلك. وبالجملة، بر يدع أحد من العلماء أنه توصل إلى تشخيص لغة "سام"، وتمكن من معرفة اللغة التي تحدث بها مع أبيه "نوح" أو مع أبنائه الذين نسلوا هذه السلالات السامية.

وكان من جملة العوامل التي ألهبت نار الحماسة في نفوس علماء التوراة والساميات للبحث عن اللغة السامية الأولى أو أقرب لغة سامية أليها، القصص الوارد في التوراة عن سام وعن لغات البشر، وبابل ولغاتها والطوفان وما شاكل ذلك، ثم وجد المستشرقون المعاصرون أن البحث في هذا الموضوع ضرب من العبث، لأن هذه اللغات السامية الباقية حتى الآن هي محصول سلسلة من التطورات وللتقلبات لا تحصى، مرت بها حتى وصلت إلى مرحلتها الحاضرة، كما أنها حاصل لغات ولهجات منقرضة. واللغة السامية القديمة لم تكن إلا لغة محكية زالت من الوجود، دون أن تترك أثراً. ومن الجائز أن يهتدي العلماء في المستقبل إلى لغات أخرى، كانت عقداً بين اللغات السامية القديمة التي لا نعرف من أمرها شيئاً وبين اللغات السامية المعروفة. والأفضل أن ننصرف ألان إلى دراسة اللغات السامية والموازنة بينها، لنستخلص المشتركات والأصول. ومتى تتكون هذه الثروة اللغوية، يسهل ابحث في اللغة السامية الأم، كما تستحسن الموازنة بين هذه اللغات واللغات التي ظهرت في القارة الإفريقية، مثل المصرية القديمة والبربرية والهررية وبقية اللهجات الحبشية، لتكوين فكرة علمية عن الصلات التي تربط بن الحاميين والساميين وكانت من جملة العوامل التي دفعت بعض العلماء إلى القول بأن أصل الجنسين واحد، كان يقيم في قارة إفريقية.

وبالجملة إن هناك جماعة من المستشرقين ترى ان اللغة العربية على حداثة عهدها بالنسبة إلى اللغات السامية الأخرى، هي أنسب اللغات السامية الباقية للدراسة وأكثرها ملاءمة للبحث، لأنها لغة لم تختلط كثيراً باللغات الأخرى، ولم تتصل باللغات الأعجمية قبل الإسلام، فبقيت في مواطنها المعزولة صافية، أو أصفى من غيرها في أقل الأحوال، ثم أنها حافظت على خواص السامية القديمة مثل المحافظة على الإعراب على حين فقدت هذه الخاصة المهمة أكثر تلك اللغات، ولهذه الأسباب وغيرها رأوا أن دراستها تفيد كثيراً في الوقوف على خصائص السامية القديمة ومزاياها.

وقد شغل علماء العرب أنفسهم بموضوع اللغة السامية أو لغة سام بن نوح بتعبير أصح، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ذهبوا إلى البحث في لغة آدم أبي البشر وفي لغة أهل الجنة. وقد سبق لليهود والنصارى أن بحثوا في هذا الموضوع أيضا، في موضوع لغة آدم أي لغة البشر الأولى، التي تفرعت منها كل لغات البشر حتى اليوم. وقد ذهب بعض علماء العربية إلى أن العربية هي اللسان الأول، هي لسان آدم، إلا أنها حرفت ومسخت بتطاول الزمن عليها، فظهرت منها السريانية، و سائر اللغات. قالوا: "كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربياً، إلى أن بعد العهد. وطال، فحرِّف وصار سريانياً. وهو يشاكل اللسان العربي إلا أنه محرف". وقد أدركوا ما أدركه غيرهم من وجود قرابة وصلة بين العربية وبين السريانية، فقال المسعودي: "وإنما تختلف لغات هذه الشعوب "أي شعوب جزيرة العرب" من السريانيين اختلافاً يسيراً". وقد أخذ علماء العربية نظريتهم هذه من أهل الكتاب. ولما كانت السريانية هي لغة الثقافة والمثقفين، ولغة يهود العراق وأكثر أهل الكتاب في جزيرة العرب في ذلك العهد، فلا يستغرب إذن قول من قال إن السريانية هي أصل اللغات وإنها لسان أدم ولسان سام بن نوح.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).