العمارة الدينية:

 بالرغم من ظلمة العصر الجوتي وعدم تقديره لحرمة المعابد ، فإن السلالة السومرية التي قامت في لجش ، حفظت الكثير من مآثر الحضارة السومرية . وقد أعاد جوديا بناء المعابد ، ووضع في اساس هذه المعابد سجلا لأعماله المختلفة التي قام بها . وهذه السجلات تصف أحوال الملك اثناء اقامة هذه المعابد ، والاحلام التي كانت تجيئه عندما كان ينام في المعبد وكيفية تجهيز اقامة المعبد ، وجمع المواد اللازمة لبنائه ، وعملية تكريس المعيد النهائي وسكن الالهة بها .

وبالنسبة لتطور العمارة الدينية في عصر أسرة اور الثالثة ، فيعتبر هذا العصر احياء للثقافة السومرية وتكاملها . فقد استعاد فن العمارة في هذه المرحلة الكثير من الاتقان ، وحتلت الزقورات والمعابد مكانها الهام في المجتمع مرة أخرى . وتعتبر أسرة اور الثالثة من اعظم عهود العراق القديم في فن العمارة .

ومن الزقورات الهامة التي بناها اورنامو في اور ، زقورة اور (1) الشهيرة وقد كرسها اورنامو لاله القمر وهي تقع في فناء بيضاوي . وفي الناحية الشمالية الشرقية توجد ثلاث سلالم تصل الى الدور الاول ، بينما يستمر الاوسط منها حتى يصل الى قمة الدور الثاني (الذي يعلو بحوالي 17 قدما عن الدور الاول ) . اما المعبد الذي يعلو الزقورة ، فلا يعرف عنه شيء سوى ان نبوخذ نصر (*)على ما يبدو قد أعاد بنائه .

كما وجدت بعض العمارات الاخرى من عهد اسرة اور الثالثة ، كالقصر والمعبد اللذين شيدا في تل أسمر لتقديس الملك جيميل سن (**) . ومن مخلفات ذلك العهد كذلك ، قبور ملكية تشير الى طريقة الدفن والعقائد الدينية ، ومركز الحكام والملوك ، واقامة مزارعهم عند قبورهم ، وهي على طراز القبور الملكية من عصر بداية الاسرات .

وبالنسبة للتركة الاثرية المنقوشة التي تخلفت من العصر الجوتي ، وأسره اور الثالثة ، نشير الى خاتم اسطواني لجوديا (2) موجود حاليا بمتحف اللوفر ، وتظهر فيه المناظر الدينية التي يبدو فيها جوديا وهو يتصل بالمعبود عن طريق الهه الخاص . وفي هذا النقش يبدو جوديا وقد امسكه الهه من يده .

ومن عهد اورنامو ، يوجد خاتم اسطواني مصنوع من حجر الشست الاخضر ، حيث يظهر الملك ومعه بعض الالهات . كما يظهر في نقش الخاتم ترمز نانار Nannar اله القمر (3) . اما لوحة اورنامو الخالدة ، فيدل تعبير النقش فيها على القيم العراقية القديمة في عصر أسرة أور الثالثة ، حيث تبين قيام الملك بعدة طقوس دينية مختلفة ، وتسجيل كيفية بناء زقورة أور ، كما تسجل اهتمام الملك بالمعبد في هذه المرحلة . وفي اعلى اللوحة ، يقف الملك اورنامو متعبدا تحت رمز اله القمر نانار وامام زوجته نينجال Ningal ، كما تظهر الهة تحمل آنية تسكب الماء من السماء ، وفي نقش الثاني من اللوحة ، يبدو الملك وهو يقدم القرابين لاله القمر وزوجه نينجال. ويلاحظ ان الاله يحمل الفأس وسلسلة القياس (4) . اما المنظر الاسفل من اللوحة ، فيسجل كيفية بناء زقورة اور حيث يظهر الملك في النقش حاملا أدوات البناء على كتفه ويساعده كاهن ويتقدمه اله . كما يلاحظ تواجد بقايا سلم في النقش لتنفيذ عملية البناء . ويشاهد على الوجه الاخر من اللوحة ، تكرار لنفس المنظر العلوي وتحته احتفالات بتكريس المعبد حيث يشاهد رجال يصبون الدم من حمل مذبوح (*) كما يشاهد ثور مذبوح ، ومنظر لقنوات محفورة (5) . وتتضح من دراسة اللوحة الاهتمام بالمعبد مرة أخرى . ولو ان فرانكفورت (6) يميل الى تفسير هذا النقش على انه دليل على ورع الملك ، أكثر من كونه تمثيل لإنجازات الملك الدنيوية .

اما فن النحت ، فقد تخلف عن العصر الجوتي نماذج معبرة عن التماثيل الخالدة ، ومن بينها مجموعة تماثيل جوديا (7) المصنوعة من حجر الديوريت الاسود والتي تعبر بطريقة فنية دقيقة عن شخصية جوديا الورعة ويوجد بمتحف اللوفر ثمانية من هذه التماثيل كان قد وضعها جوديا في معابد لجش . ويلاحظ في تمثال جوديا الموجود بمتحف اللوفر ، وجود في معابد مربعة مرسوم عليها مشروع لمبنى له ست بوابات (8) . كما يحتفظ  المتحف البريطاني بتمثال رائع له. وتدل الدراسة الفنية لأعمال النحت التي عثر عليها ، ان الجوتيين كانوا يملكون نفس الحزم والدقة مثل اسلافهم من أسرة أكد .

ويتضح من دراسة التركة الاثرية التي قدمناها في مجالات العمارة والنقش والنحت ، على ان النتاج الفني يرتبط ارتباطا وثيقا للمفاهيم التي اتجه اليها الانسان العراقي القديم ، سواء في المجال الديني أو السياسي .

وقد حاول ذلك الانسان تدعيم نظرته الى التطور التدريجي لتلك المفاهيم في انتاجه المادي ، اثناء الالف الثالث ق . م .

هذا وتنبغي الاشارة الى ان دراسة النتاج الفني ، يفوق التحليل الفكري في محاولة التوصل لمعرفة الحقائق عن نظام الملكية ، على اساس ان هذا النتاج يعتبر اداه مادية يتصل اتصالا مباشراً بأحاسيس الاقدمين ، وعما كونوه من أفكار اقتنعوا بها عن حقيقة ذلك النظام .

____________

(1) Frankfort, H., The Art and Architecture of the Ancient Orient, London, 1954, P. 52.

(*) من ملوك الدولة الكلدانية .

(**) بانتهاء حكم خليفة جيميل سن ، تحطمت مملكة اور واصبح هذا المعبد جزءاً من قصر حاكم اشنونا .

(2). ل . ديلابورت ، المرجع السابق ، ص 229 .

(3). Langdon, 1-1., «The Sumerian Revival», (in) C.A.H., Volume of Plates 1, Cambridge 1927, P. 58, Pl. C.

(4) . ليونارد وولى ، المرجع السابق ، ص 42 .

(*) هذه العادة استخدمت كطقسٍ ديني في احتفالات رأس السنة عند الاحتفال بالبناء .

(5). Frankfort, H., Op. Cit, P. 51.

انظر أيضا :

Legrain, L., the Stale of the Flying Angeis, Museum Journal, Vol. 18, 1927, PP. 75-98.

(6). Frankfort, H., Op. Cit, P. 51.

(7). Moscati, S., Op. Cit, P. 23.

(8). Langdon, S., «The Dynasties of Akkad and Lagash», (in) C.A, H., Volume of Plates 1, Cambridge 1927, P. 56, P1. C.