المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05



موضوع العلم  
  
895   08:03 صباحاً   التاريخ: 5-9-2016
المؤلف : محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني بقلم السيد منير السيد عدنان القطيفي
الكتاب أو المصدر : الـرافـــد فـي عــلـم الاصـول
الجزء والصفحة : ص 95 – 109.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016 820
التاريخ: 2-9-2016 1735
التاريخ: 2-9-2016 605
التاريخ: 4-9-2016 547

قبل الدخول في البحث الصغروي وهو تحديد موضوع علم الاصول لابد من طرح البحث الكبروي وهو الحديث عن موضوع العلم بصفة عامة، وقد طرح الفلاسفة تعريفاً لموضوع العلم، وهو: « موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية » ، واصبحت هذه العبارة مثاراً للمناقشات الفلسفية والاصولية وذكرت فيها مختلف التفسيرات ولكن الدخول في صميم تلك المناقشات يخرجنا عن اطار البحث الاصولي ، لذلك نكتفي بعرض تفسيرنا لهذه العبارة وبيان مقدماته ودفع الايرادات عنه فالكلام في ثلاث نقاط :

أ - مقدمات التفسير.

ب - بيان المعنى .

ج - دفع المناقشات .

النقطة الأولى :

وتشتمل على عدة مقدمات :

المقدمة الأولى :

في بيان المراد بالعلم . من الواضح أنه ليس المراد بالعلم هنا الإدراك الذهني المنقسم للتصور والتصديق ، بل المراد به نفس المسائل المجموعة بوحدة تركيبية معينة في وعائها المناسب لها سواءاً أدركها الانسان أم لم يدركها ، ودليل ذلك التبادر العرفي من إطلاق كلمة العلم المضافة لعنوان إعتباري خاص ، فعندما يقال درست علم الأصول وكتبت في علم النحو هذا كتاب في علم الفقه لا ينسبق للذهن العرفي ان المقصود بذلك هو الادراك فإن الادراك لا يدرس ولا يدون، بل المقصود هو نفس المسائل في وعائها المناسب لها لأن الدرس والتدوين معقول في ذلك .

المقدمة الثانية :

في بيان معنى الموضوع : ان الموضوع يطلق على أربعة معاني :

الأول : الموضوع مقابل المحمول : فإن المناطقة ذكروا أن القضية - لفظية كانت أم ذهنية - إن كانت شرطية فهي مركبة من مقدم وتالي ، له ان كانت حملية فهي مركبة من موضوع ومحمول ، سواءاً كانت ثبوتية أو سلبية . والثبوتية كما تحتاج لموضوع مقرر في الوعاء اللفظي أو الذهني تحتاج أيضاً لوجود الموضوع في ظرفه المحكي عنه ، فإن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له لا الثابت ، ولكن إذا كانت سلبية كما في قولنا زيد ليس بقائم فقد ذهب المعظم إلى كفاية تقرر الموضوع في الوجود اللفظي والذهني من أجل تأليف القضية بلا حاجة لوجود المسلوب عنه في الواقع ، بينما قد يستفاد من كلام المحقق النائيني (قدس سره ) في بحث استصحاب العدم الأزلي احتياج السالبة المحصلة لوجود الموضوع في وعائه المناسب مما يترتب عليه إنكار جريان استصحاب العدم الأزلي (1).

وبيان ذلك : أن هناك مسلكين في باب القضايا .

1 ـ القول بالوجود الرابط .

2 ـ القول بعدمه .

فالقول الأول يعني تركب القضية من ثلاثة اطراف موضوع ومحمول ورابط ، باعتبار أن هناك وجودين محموليين وجود الجوهر ووجود العرض فإذا لم يكن بينهما وجود رابط لا يتم ارتباطهما واقعاً ولا يصح حمل أحدهما على الآخر، فإذا كانت القضية موجبة نحو زيد قائم فلابد فيها من وجود الموضوع واقعاً ، لأن الايجاب يعني الربط بين الموضوع والمحمول والربط يحتاج لطرفين يتقوم بهما  فلابد من وجود الموضوع حينئذٍ ليتقوم به الوجود الربطي ، بينما إذا كانت القضية سالبة والسلب يعني عدم الربط فلا يوجد حينئذٍ وجود رابط حتى يحتاج لموضوع موجود يتقوم به ، فلا تحتاج السالبة المحصلة لوجود الموضوع .

والقول الثاني - وهو مختار المحقق النائيني (قدس سره )(2) - هو القول بعدم الوجود الرابط ، وذلك لأن الارتباط الواقعي بين الموضوع والمحمول حاصل بنفس عرضية المحمول فإن معنى عرضية المحمول هو كون وجوده في نفسه عين وجوده لغيره بلا حاجة لوجود رابط بينه وبين الموضوع ، وحينئذٍ إن كانت القضية موجبة فتارة يلاحظ وجود المحمول العرضي في نفسه وهذا هو الوجود المحمولي ، وتارة يلاحظ وجوده للموضوع وهو معنى عرضيته ، وبهذا اللحاظ يحتاج لوجود الموضوع لأن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له .

وإن كانت القضية سالبة فالمسلوب أمر عرضي يلاحظ تارة عدمه في نفسه ويعبر عنه بالسلب التام ، وتارة يلاحظ سلبه عن الموضوع وحينئذٍ يكون مفاده مفاد ليس الناقصة وهو العدم النعتي، وهو بهذا يحتاج للموضوع أيضاً لأن ثبوت شيء - ولوكان سلباً - لشيء فرع ثبوت المثبت له .

إذن فالتفريق بين القضية الموجبة والسالبة في الحاجة لوجود الموضوع وعدمه راجع للاعتراف بالوجود الرابط المتحقق في الموجبات فيحتاج لوجود الموضوع وعدم تحققه في السوالب فلا حاجة لوجود الموضوع لعدم تقوم شيء به ، وأما مع انكاره فلا فرق بين الموجبة والسالبة في كون المحمول عرضياً والعرض متقوم بموضوع جوهري بمقتضى عرضيته فيحتاج لوجود الموضوع على كل حال ، وبناء على هذا فالقضايا السالبة ترجع كلها لحمل العدم النعتي على الموضوع ، فلا يمكن الاستصحاب العدمي حينئذٍ ، لأن استصحاب العدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي والعدم النعتي ليست له حالة سابقة حتى يستصحب ، ونقاش المبنى  والبناء يأتي في باب الاستصحاب .

الثاني : الموضوع في مقابل العرض : ذكر الحكماء في بيان العرض والجوهر أن العرض ماهية لو وجدت كان وجودها في نفسها عين وجودها لموضوعها، والجوهر ماهية لو وجدت وجدت لا في موضوع ، فالجوهر في غنىً عن أعراضه وإن لم يكن في غنىً عن جوهر آخر، فالمادة مع كونها جوهراً لا تستغني في وجودها عن الصورة النوعية المحصلة لها.

الثالث : الموضوع بمعنى الأصل : ذكر ارباب العلوم أن لكل علم أصولاً موضوعة يعبر عنها بالمبادىء التصديقية، وهذه المباديء لابد من ثبوتها بالبداهة أو في علم آخر، وعلم الأصول له مباديء تصديقية أيضاً كالإذعان بموضوعه وغايته ونحو ذلك .

الرابع : الموضوع بالمعنى اللغوي . وهو محور البحث والحديث في كل كلام وعلم فلا يخلو عنه علم ، وهذا هو المقصود في كلماتهم بلفظ الموضوع .

فالمعنى الأول غير مقصود لوجهين :

أ - عدم انحصار القضايا المستعملة في العلوم بالقضايا الحملية حتى يفسر الموضوع بموضوع القضية بل قد تكون شرطية مؤلفة من مقدم وتالي .

ب - إن موضوع العلم لا يجب أن يقع موضوعاً للمسائل المدونة بل قد يكون محمولاً فيها وقد لا يكون ، فالمهم وجود المحور للبحوث فقط . فمثلاً موضوع الحكمة المتعالية هو الموجود بما هو موجود مع انه قد يقع محمولا للقضية كقولنا النفس موجود أم لا ؟ وقد يقع موضوعاً نحو الموجود واجب وممكن .

والمعنى الثاني غير مقصود أيضاً لوجهين .

1 - عدم اطراده لسائر العلوم ، فإن موضوع بعض العلوم خارج عن الجوهرية والعرضية كموضوع الإلهيات بالمعنى الأعم ، فإن موضوعه الوجود بما هو وجود والوجود خارج عن الجوهرية والعرضية بل هو منشأ انتزاعهما بناءاً على اصالته .

2 - لو كان المقصود بالموضوع الجوهر المستغني في وجوده عن الاعراض لكان المراد بالعوارض الذاتية هو الاعراض التسعة، إذ لا يوجد للجوهر عوارض ذاتية تعرض له بلا واسطة الا المقولات التسع والمفاهيم الانتزاعية الشاملة لذاتي باب البرهان والخارج المحمول والمفهوم التحليلي ، مع أن كثيراً من العوارض المبحوث عنها في العلوم عوارض اعتبارية كالاحكام الخمسة في علم الفقه والحجية في علم الأصول وهي عوارض غريبة بالنسبة لمعروضاتها من الصفات والافعال والجواهر والادلة ، وغرابة عروضها عليها باعتبار وجود الواسطة الخفية لأنها تعرض في وعاء الاعتبار لموضوعها في ذلك الوعاء، فعروضها على الموضوع الخارجي إنما هو بواسطة انطباق ما في الاعتبار عليه وهي واسطة خفية في العروض ، فالعارض حينئذٍ غريب لا ذاتي .

فلو فسرنا الموضوع هنا بالجوهر المعروض للأعراض التسعة وللمفاهيم الانتزاعية لخرج البحث عن العوارض الاعتبارية عن موضوع العلم ، لأنها عوارض غريبة بالنسبة للجوهر لا عوارض ذاتية، مع أن العلوم الاعتبارية كالفقه والأصول قائمة على البحث عن هذه العوارض الاعتبارية .

 

وأما المعنى الثالث للموضوع فعدم إرادته واضح لأن مقدمة العلم تنقسم لثلاثة أقسام :

1 ـ موضوع العلم .

2 ـ تعريفه .

3 - مبادئه التصورية والتصديقية .

ولو كان الموضوع للعلم هو عبارة عن مبادئه التصديقية لم يكن قسماً ثالثاً في مقابلها وهو خلف، وبعد بطلان إرادة المعاني الثلاثة تعين المعنى الرابع ، وهو أن معنى الموضوع هو محور بحوث العلم سواءا كان جوهراً أم عرضاً أم غير ذلك .

المقدمة الثالثة :

في بيان العوارض الذاتية :

المقصود بكلمة العوارض جمع عارضة كفواطم جمع فاطمة اخذاً من العروض بمعنى الاضافة، سواءاً كان العارض من المقولات التسع في إضافتها للجوهر، أم من المحمولات الانتزاعية كالإمكان والوجوب المضافين للوجود ، أم من المحمولات الإعتبارية كالوجوب والحرمة المضافين للأفعال ، أم من سنخ الوجود لإضافته للماهية كما قالوا : « إن الوجود عارض الماهية تصوراً » ، أم من سنخ الجوهر كإضافة الصورة النوعية الجوهرية للمادة، فالعروض مطلق الإضافة بنحو الحمل أو التركيب الاتحادي أو الانضمامي .

وهذا هو المقصود في كلماتهم بالعوارض حتى في نظر من عبر بلفظ الأعراض كالشيخ الرئيس في الاشارات (3) والنجاة(4) ، إذ لو كان نظره لخصوص المقولات التسع لم يكن موضوع العلم شاملاً لسائر الموضوعات في سائر العلوم كالعلوم الاعتبارية مثل علم النحو والفقه والأصول ، والعلوم الحقيقية كعلم الفلسفة .

وأما الذاتي فله أربعة معاني :

1 - ذاتي باب الايساغوجي : وهو النوع والجنس والفصل ، وهو خارج عن المقصود هنا، لأن المراد في المقام بالذاتي هو المحمول المضاف بلا واسطة جلية سواء أكان هذا المحمول من ذاتيات الموضوع أم من عرضياته ، بينما ذاتي باب الكليات الخمسة هو المحمول المقوم للذات مقابل العرضي اللاحق للذات بعد تقومها بذاتها وذاتياتها، فبينهما عموم وخصوص مطلق .

 

2 - الخارج المحمول : وهو ما كان خارجاً عن ذاتيات الموضوع لكنه محمول عليه بلا واسطة نحو الإنسان ممكن مقابل المحمول بالضميمة أي بضميمة واسطة معينة ، وهو شامل للواقعيات والاعتباريات .

3 - ذاتي باب البرهان : والمقصود به ما كان مأخوداً في حد موضوعه او كان موضوعه أو أحد مقوماته مأخوداً في حده ، وبعبارة أخرى ما كانت الذات كافية لانتزاعه بلا واسطة ، فهو أعم مطلقاً من ذاتي باب الايساغوجي ، ومثاله الأنف أفطس .

لكنه غير مراد في المقام لاختصاصه بالأمور الواقعية كما يظهر من تعريفه ، فإن المأخوذ في الحدود لابد من كونه من الأمور الواقعية بينما تعريف موضوع العلم شامل لسائر العلوم حتى الاعتبارية منها .

4 - المفهوم التحليلي : وهو المستبطن في ذات الموضوع كقولنا الولد يحتاج لوالد والمعلول يحتاج للعلة، بخلاف قولنا الولد يحتاج لمكان فإن المحمول هنا غير مستبطن في الموضوع لذلك يسمى مفهوماً تركيبياً لا تحليلياً ، لكنه غير مراد هنا، فإن الذاتي هنا شامل للمفاهيم التركيبية .

5 - باب الحمل والاضافة : وهو المعبر عنه في كلماتهم بالأولي ، وتعريفه أنه ما كان اسناده للموضوع إسناداً حقيقياً بنظر العرف ، لأن عروضه عليه بلا واسطة جلية، وهو أعم مطلقاً من ذاتي باب الايساغوجي وذاتي باب البرهان والخارج المحمول والمفهوم التحليلي ، وهو المقصود في محل كلامنا .

وبعد اتضاح المقدمات السابقة واتضاح أقسام الواسطة في العروض فيما سبق نقول : بان الميزان في الفرق بين العارض الذاتي والعارض الغريب هو الواسطة الجلية في العروض لا غيرها، فمتى كان الاسناد بواسطة جلية في العروض بحيث يعد تجوزاً بنظر علماء البيان فالعارض غريب حينذاك ومتى كان الاسناد بلا واسطة أو واسطة خفية أو أخفى فهو عارض ذاتي ، ويقع البحث عنه في العلوم ، كما ذكر السبزواري في منظومته (5) وحاشيته على الأسفار(6) .

المقدمة الرابعة :

بحث الأصوليون بحثاً مفصلاً حول الدليل على وجود موضوع لكل علم وعدمه ، وطرحت ثلاثة أدلة على اعتبار الموضوع :

الأول : إن لكل علم غرضاً واحداً يتحقق بمعرفة مسائله ، والمسائل بما هي كثيرة لا تؤثر في الواحد بما هو واحد، لأن الواحد لا يصدر الا من واحد، فلا محالة تكون وحدة الغرض كاشفة عن وحدة المؤثر فيه وهو موضوع العلم الجامع بين مسائله ، ويبتني على ذلك اعتبار وجود الموضوع في كل علم . وهذا الاستدلال طرح في المحاضرات (7) وبعض حواشي الكفاية ونوقش مناقشات عديدة لا يهمنا التعرض لها.

وانما تعليقنا على ذلك أننا لم نجد أحداً من الفلاسفة والأصوليين استدل على وجود الموضوع بكبرى لا يصدر الواحد من الكثير حتى نتجشم مناقشته والاشكال عليه كما عرفت .

الثاني : الكبرى المطروحة في كلمات الفلاسفة «موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية » حيث استفاد منها بعض الأصوليين أنها تدل على لزوم وجود موضوع لكل علم ، وتعليقنا على ذلك أن هنا كبريين إحداهما لزوم الموضوع لكل علم والأخرى تفسير ذلك الموضوع بانه ما يبحث في العلم عن عوارضه الذاتية، والثانية لا تثبت الأولى كما هو واضح والحديث إنما هو عن الثانية بعد فرض تسليم الأولى .

الثالث : الملازمة العقلية بين فائدة العلم ووجود الموضوع ، فإن العقل النظري يدرك أنه لا يمكن حصول فائدة لأي كلام أو بحث أو علم في أي مجال بدون محور ومركز يدور عليه الكلام والبحث والعلم ، ولو كان هذا المحور عبارة عما يؤدي لغاية العلم وهدفه فوجود الموضوع بمعنى محور البحوث والمسائل ضروري لكل علم سواء أكان الموضوع واحداً أم متعدداً ، وهو الصحيح ، فلابد من وجود الموضوع والمحور لكل علم .

النقطة الثانية :

في تفسير العبارة السابقة « موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية »، وهنا تفسيران :

1 - أخص .

2 - أعم .

التفسير الأخص : ما قد يستفاد من عبارة الشيخ الرئيس في الاشارات (8) والمحقق الطوسي في شرحه على الاشارات (9) والتفتازاني في أوائل شرح المقاصد(10) ويعض المتأخرين في حاشيته على الاسفار(11)، من نظر هذا التعريف للعلوم البرهانية التي تكون محمولاتها من الامور الواقعية، إما لواقعية ما بحذائها خارجاً او لواقعية منشأ انتزاعها، فلا ينطبق على العلوم الاعتبارية كالعلوم الأدبية ولا على العلوم القانونية كعلم الفقه وإن كان لها موضوع محقق .

والنكتة في اختصاص التعريف بالعلوم البرهانية كالحكمة بأقسامها الثلاثة المتعالية والطبيعية والرياضية : كون المراد بالعارض الذاتي هو ذاتي باب البرهان الذي هو من الامور الواقعية البرهانية فمن الطبيعي حينئذٍ اختصاص التعريف بالعلوم البرهانية .

التفسير الأعم : وهو ما قد يستفاد من كلام القطب الرازي في شرح المطالع (12) والملا اسماعيل في حاشيته على الشوارق نقلاً عن بعض مشايخه والسبزواري (13) في حاشيته على الاسفار، من كون التعريف المذكور شاملاً لكل علم حقيقي أو اعتباري ، فإن الموضوع إذا اريد به ما كان محور البحث والكلام فلا موجب لتخصيص العارض الذاتي حينئذٍ بذاتي باب البرهان بل يكون منطبقاً على كل عارض على ذلك المحور، سواء أكان العارض واقعياً أم اعتبارياً بشرط كونه عارضاً بلا واسطة جلية فى العروض، سواء أكان الموضوع واحداً أم متعدداً .

وبذلك يتبين لنا وجه تقديم التفسير الثاني على الأول ، وهو شموليته لسائر العلوم والفنون مع عدم الموجب لتخصيص العارض الذاتي بذاتي باب البرهان بعد كون المراد بالموضوع مطلق محور الكلام والبحث سواءاً كان واحداً أم متعدداً .

النقطة الثالثة :

في دفع المناقشات الواردة على الكبرى المذكورة « موضوع كل علم . . . » بالتفسير المختار لها.

المناقشة الأولى : ما ذكره الاستاذ السيد الخوئي (قدس سره ) في تعليقة اجود التقريرات ، وحاصله : أن مقتضى الكبرى المذكورة وحدة موضوع العلم (14)، وهو أمر لا واقعية له ، فإن موضوع بعض العلوم متعدد لا واحد، فعلم النحو مثلاً موضوعه الكلمة والكلام حيث أن هناك أحوالاً للكلمة كإعراب المضارع وأحوالاً للكلام ككون الجملة حالية أو وصفية، ولكن الملاحظ على هذا المناقشة أمران :

الأول : إن العبارة المذكورة بصدد تعريف موضوع العلم بعد الفراغ عن كبرى وجود الموضوع سواءا كان واحدا ام متعددا، فلا تكون هذه الكبرى متعرضة للكبرى الأخرى أصلا حتى تفيد وحدة موضوع العلم ، بل بيان لمعنى الموضوع سواء أكان واحدا أم كثيرا.

الثاني : إن الفلاسفة الذين طرحوا هذا التفسير لموضوع العلم لم يعتبروا الوحدة فيه ، بل لا مانع عندهم من كونه متعددا إذا كانت هناك جهة تناسب بين الموضوعات المتعددة حتى يصح اعتبار العلم علما واحداً، والا كان تعدد الموضوع بلا جهة جامعة موجباً لتعدد العلم كما ذكر الشيخ الرئيس في الاشارات (15) ، وذكره الطوسي ايضاً في حاشيته عليه (16) ، ومثل له بعلم الطب فإن موضوعه متعدد وهو بدن الانسان وأجزاؤه وأحواله والادوية والاغذية ولولا جهة التناسب بينها لكان العلم بتعددها متعدداً . كما أن وحدة جهة التناسب لا تستلزم وحدة الموضوع بمعنى المحور، لأن الموضوع هو نفس الكثرات بدون مدخلية تناسبها في الموضوعية .

المناقشة الثانية : ما في تعليقة أجود التقريرات أيضاً، وحاصلها : أن العارض الذاتي وهو الخالي عن واسطة في العروض لا يطرد لسائر العلوم ، فإن عوارض بعض العلوم مع واسطة في العروض لا بدونها فمثلاً في علم النحو لو قيل الكلمة - على نحو القضية المهملة - مرفوعة فإن الرفع من عوارض الكلمة بواسطة كونها مبتدأ او فاعلاً، ومع وجود الواسطة في العروض فقد عد الرفع والنصب من الحالات الإعرابية المبحوث عنها في علم النحو مما يدل على عدم  اشتراط كون العوارض ذاتية بل يصح جعلها من مسائل العلم ولو كانت غريبة.

والذي نلاحظه على هذه المناقشة هو : أن العارض الذاتي المقصود في التعريف ما كان بلا واسطة جلية في العروض لا ما كان بلا واسطة اصلاً، فلا يرد عليه النقض بعروض الرفع للكلمة بواسطة الابتداء أو الفاعلية لأنها واسطة خفية لعدم التمايز الحسي بين نفس الكلمة وفاعليتها، ومع خفاء الواسطة فالإسناد حقيقي بنظر العرف والعرض ذاتي لا غريب .

المناقشة الثالثة : ما طرحه بعض الأعاظم (قدس سره )(17) ومحصله : إن كثيراً من العلوم تتعلق بحوثها بأمور انتزاعية كالبحث في الحكمة عن الامكان والوجوب والامتناع أو بامور اعتبارية كالبحث عن الأحكام الخمسة في علم الفقه ، فلا وجه لتخصيص تعريف موضوع العلم بالبحث عن الأعراض التسعة.

ولكن الحق عدم ورود هذه المناقشة على كلا تفسيري عنوان العوارض الذاتية، فإننا إذا اخترنا تفسير العوارض الذاتية بذاتي باب البرهان شمل التعريف حينئذٍ البحث عن الأعراض المقولية المتأصلة والمحمولات الانتزاعية أيضاً، وإذا اخترنا تفسير الذاتي هنا بالعارض بلا واسطة جلية في العروض فشموله للمقولات التسع والانتزاعيات والاعتباريات أوضح ، وتفسير العوارض الذاتية بالأعراض التسعة بلا وجه ولا قرينة على التفسير المذكور بعد وصفها بالذاتية .

المناقشة الرابعة : ما في تهذيب الأصول (18) أيضاً ، ومحصلها : إن نسبة موضوعات المسائل في بعض العلوم لموضوع العلم نفسه نسبة الجزء للكل ، وعوارض الجزء عوارض الكل مع الواسطة الجلية في العروض بحيث يكون الاسناد مجازياً لا حقيقياً بنظر العرف ، فمثلاً موضوع علم الجغرافيا هو الأرض بينما يتم البحث في بعض مسائله عن أحوال أرض معينة ، وكذلك موضوع علم الهيئة مثلاً الجرم السماوي في العالم العلوي مع أنه قد يبحث في أحوال جرم خاص فيها، وذلك كاشف عن عدم اختصاص العوارض المبحوث عنها في العلوم بالعوارض بلا واسطة جلية في العروض بل المبحوث عنه مطلق العوارض(19) .

ويرد على المناقشة المذكورة : أن الظاهر من المنقول عن أرباب هذه العلوم كون موضوعها متعدداً لا واحداً، ففي دائرة المعارف لفريد وجدي : « الجغرافيا علم الغرض منه وصف الأرض ودرس الحوادث التي تحدث على سطحها وتقسيماتها المتفق عليها » (20).

وذكر في كشف الظنون : « الجغرافيا كلمة يونانية بمعنى صورة الأرض (21) ، قال الشيخ داود: « إنه علم بأحوال الأرض من حيث تقسيمها إلى الأقاليم والجبال والأنهار وما يختلف حال السكان باختلافه » (22) . وظاهر هذه الكلمات أن موضوع الجغرافيا متعدد لا واحد يكون بمثابة الكل وباقي موضوعات المسائل أجزاؤه .

وقال في دائرة المعارف : « علم الهيئة يعرف به أحوال الأجرام البسيطة والعلوية ، وموضوعه الأجسام المذكورة » (23) وظاهره أن موضوعه الأجسام على  نحو العام الاستغراقي لا العام المجموعي ، فالموضوع حينئذٍ متعدد لا واحد، وعلى فرض وحدته فنسبة موضوعات المسائل له نسبة الجزئي للكلي لا نسبة الجز للكل .

المناقشة الخامسة : ما في التهذيب (24) أيضاً ، وحاصلها : أن ظاهر العبارة المشهورة : «موضوع كل علم ما يبحث فيه . . . » وجود الموضوع لكل علم مع أن كثيراً من البحوث في مختلف العلوم تكون مسائلها من قبيل السالبة المحصلة التي لا تحتاج للموضوع أصلاً ، كالبحث في علم الأصول عن عدم حجية القياس والشهرة الفتوائية والاجماع المنقول ونحو ذلك ، فلا وجه حينئذٍ لاشتراط وجود الموضوع لكل علم(25) .

ولكن هذه المناقشة غير واردة لوجهين :

أولاً : قد سبق أن العبارة المذكورة بصدد تفسير موضوع العلم بعد الفراغ عن أصل وجوده فلا ظهور فيها لاشتراط وجود الموضوع وعدمه .

ثانياً : إن أريد بكلمة الموضوع موضوع المسألة في مقابل محمولها فلابد منه حتى في القضايا السالبة المحصلة، وإنما المنفي حاجة السالبة المحصلة لوجود المحكي عنه في وعائه الخاص لا حاجتها للموضوع في مقام التقرر اللفظي والذهني فإنه من المستحيل عدمه ، والا لما صارت القضية قضية ، وإن أريد به الموضوع بمعنى محور الكلام ومركزه فلابد منه عقلاً في كل بحث ومسائله سواءاً كان محمولها إيجاباً ام سلباً.

المناقشة السادسة : ما في تعليقة أجود التقريرات ، وحاصلها : إنه لا وجه لتخصيص العوارض المبحوث عنها في العلوم بالعوارض الذاتية ولا مانع من شمول البحث للعوارض الغريبة أصلاً ، فإن المدار في تعيين العارض المبحوث عنه على الغرض من العلم ، فإذا كان حصول الغرض يتوقف على البحث عن العارض الذاتي فيصح البحث عنه وإذا كان يتوقف على البحث عن العارض الغريب صح البحث عنه ايضاً ، ولا موجب عقلاً للتخصيص بالعارض الذاتي(26) .

ويمكن الملاحظة على هذه المناقشة بوجهين :

1 - إن عدم توسعة العوارض المبحوث عنها للعوارض الغريبة لعدم وجود الداعي والحاجة للبحث عنها، فإن البحث عنها مع عدم الحاجة لغو لا يليق بصناعة التصنيف والتدوين ، وذلك لأن العارض الذي يتوقف حصول الغرض على البحث عنه إذا كان غريباً بالنسبة لموضوع العلم أو موضوع المسألة فهو ليس غريباً عن الواسطة في العروض بل يكون ذاتياً لها والا لم تكن واسطة في عروضه ، وإذا كان ذاتياً للواسطة فالمناسب لفن التدوين جعل الواسطة نفسها موضوعاً للمسألة لا جعل ذي الواسطة هو الموضوع فإنه لا حاجة له أصلاً، وحينئذٍ فلا تعم العوارض المبحوث عنها للعوارض الغريبة .

2 - إن جعل الواسطة في العروض موضوعاً للمسألة أو العلم دون جعل ذي الواسطة قد يستلزم تعدد الموضوع ، لاختلاف وسائط العروض في كل مسألة أحياناً ، أو كون العارض ذاتياً لموضوع المسألة غريباً بالنسبة لموضوع العلم ، أو يكون عارض غريباً لموضوع مسألة ذاتياً لموضوع مسألته ، وتعدد موضوع العلم لا مانع منه في نظر السيد (قدس سره ) بل في نظر الفلاسفة إذا كانت هناك جهة تناسب بين الموضوعات كما سبق بيانه .

____________

(1) فوائد الاصول 4 : 442 - 445.

(2) اجود التقريرات 1 : 15 - 22 .

(3) الاشارات1 : 91 - 93.

(4) النجاة : 17 و 494 .

(5) شرح المنظومة 1: 154 .

(6) حاشية السبزواري على الاسفار: 1 | 32.

(7) محاضرات في اصول الفقه 1: 16.

(9) الاشارات 1 : 301.

(10) شرح الاشارات 1: 302 - 304 .

(11) شرح المقاصد 1: 171.

(12) حاشية الطباطبائي على الاسفار: 1 |32 .

(12) شرت المطالع : 18 - 20 .

(13) حاشية السبزواري على الاسفار 1 | 32 ـ 33.

(14) اجود التقريرات ا : 3

(15)الاشارات 1 : 298

(16) شرح الاشارات 1 : 298 .

(17) اجود التقريرات 1 : 6.

(18) تهذيب الاصول 1 : 7. .

(19) تهذيب الاصول 1 : 7.

(20) دائرة المعارف 3 : 119. .

(21 و22) كشف الظنون ا : 590 .

(23 ) دائرة المعارف 6 : 628 .

(24) تهذيب الاصول للإمام  الخميني 1 : 8 - 9 .

(25) تهذيب الاصول للإمام  الخميني 1 : 8 - 9

(26) اجود التقريرات 1 : 6 .

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.