المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

تهنئة وتعزية!
25-3-2018
Bacterial Cell
11-10-2015
تعريف المدينة - موقــعيـا
26-9-2019
الكذب أقبح الأمراض النفسية
27-7-2019
أبو زيد الفازازي
23-7-2016
أنزيم GPT
2024-04-16


تمايز العلوم بتمايز الموضوعات  
  
961   12:56 مساءاً   التاريخ: 10-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.5
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-9-2016 1583
التاريخ: 4-9-2016 462
التاريخ: 2-9-2016 483
التاريخ: 4-9-2016 613

ما هو موضوع العلم، وأي شيء هو الموضوع في علم الاصول؟

اعلم ان القدماء قد تسالموا على امرين:

(الاول) ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات.

(الثاني) ان موضوع كل علم ما يبحث في هذا العلم عن عوارضه الذاتية، ولما كان علم الاصول ايضا علما برأسه تصدى القوم لبيان موضوعه، فقال بعضهم: أن موضوعه الادلة الاربعة واستشكل عليه بعض المحققين بان مقتضى ذلك كون حجية الادلة الاربعة ووصف دليليتها من مقومات الموضوع لا من عوارضه.

ولازم ذلك ان تصير امهات المسائل (اعني ما يبحث فيها عن حجية الادلة) خارجة من علم الاصول، وتدخل في سلك المبادي. واختار هذا المستشكل كون الادلة الاربعة بذواتها، لا بما انها متصفة بوصف الدليلية موضوعا لعلم الاصول، حتى يكون البحث عن حجيتها ودليليتها أيضا بحثا عن عوارضها الذاتية.

ويرد عليه (مضاف إلى ما في الكفاية) ان موضوعية امور متشتتة لعلم واحد، انما هي باعتبار وجود جامع بينها يكون هو الموضوع حقيقة، ولا جامع بين ذوات الادلة الاربعة (1) الا وصف الدليلية، والمفروض جعلها من العوارض الذاتية للموضوع.

وعلى هذا فلا يبقى بينها جامع وحداني يكون هو الموضوع حقيقة وبه يتحقق وحدة العلم إذ الملاك في عد المسائل المتشتتة علما واحدا هو وحدة الموضوع كما سيأتي (هذا).

واما شيخنا الاستاذ صاحب الكفاية (قدس سره) فقد خالف القدماء وقال ما حاصله: ان تمايز العلوم بتمايز الاغراض الباعثة على جمع المتشتتات وتسميتها علما واحدا لا الموضوعات والا لكان كل باب بل كل مسألة علما برأسه.

وبالجملة فالحيثية المشتركة بين المسائل المتشتتة التي بلحاظها سميت علما واحدا، وبسببها يمتاز هذا العلم من غيره من العلوم، هو الغرض الداعي إلى التدوين، لا الموضوع. نعم جميع المحمولات المختلفة في مسائل العلم، من عوارض موضوع وحداني وهو عبارة عن حيثية جامعة لموضوعات المسائل، متحدة معها خارجا، وان كان يغايرها مفهوما، تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وافراده، وربما لا يكون له عنوان خاص واسم مخصوص، ولا يلزم لنا تشخيصه. (انتهى)

هذه خلاصة ما ذكروه في هذا المقام. والحق الحقيق بالتصديق هو ما اختاره القدماء: من ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ويتضح ذلك بتمهيد مقدمات.

(المقدمة الاولى):

لا يخفى ان إذا راجعنا كل واحد من العلوم المدونة، وقصرنا النظر على نفس مسائله، من غير التفات إلى ما يكون خارجا من ذات المسائل من المدون والاغراض ونحوهما، علمنا علما وجداني باشتراك جميع تلك المسائل المتشتتة في جهة وحيثية لا توجد هذه الجهة في مسائل ساير العلوم، وتكون هذه الجهة جامعة بين تلك المسائل، وبسببها يحصل الميز بين مسائل هذا العلم وبين مسائل ساير العلوم. وكذلك وجدنا في كل مسألة من مسائل هذا العلم جهة وخصوصية، تميز هذه المسألة من غيرها من مسائل هذا العلم. مثلا إذا راجعنا مسائل علم النحو وقطعنا النظر عن مدونه والاغراض الباعثة على تدوينه، رأينا ان جهة البحث في جميعها كيفية آخر الكلمة من المرفوعية والمنصوبية والمجرورية ، فهي خصوصية ذاتية ثابتة في جميع مسائله، مع قطع النظر عن المدون والاغراض ونحوهما، وهى الجهة الجامعة بين هذه المسائل المتشتتة، وبسببها تمتاز هذه المسائل من مسائل ساير العلوم. ومع ذلك رأينا ان في نفس كل مسألة منها خصوصية ذاتية بها تمتاز من غيرها من مسائله. وحيث لم تكن هاتان الجهتان خارجتين من ذوات المسائل بحكم الوجدان فلا محالة ليستا خارجتين من الموضوع والمحمول، إذ النسبة معنى إلى توجد في جميع القضايا بنحو واحد، ولا تختلف باختلاف المسائل.

(المقدمة الثانية):

انك إذا تتبعت العلوم المدونة، ودققت النظر في مسائل كل واحد منها، رأيت ان بعض العلوم الموجودة يكون ما هو المحمول في جميع مسائله امرا واحدا كعلم الإلهي بالمعنى الاعم، فان المحمول في جميع مسائله مفهوم واحد وهو قولنا: (موجود) فيقال: الله موجود، العقل موجود، الجسم موجود، الجوهر موجود، الكم موجود، وهكذا، وان بعضها مما يختلف المحمول في مسائله ولكنه يوجد بين محمولاته المختلفة جهة جامعة، بل ربما يكون المحمول في مسائل فصل منه امرا وحدانيا كعلم النحو، فان المرفوعية (مثلا) تارة تحمل على الفاعل، واخرى على المبتدأ، ويتحصل بذلك مسئلتان، ومع ذلك فالمرفوعية وان كانت تغاير المنصوبية، ولكن بينهما جهة جامعة ذاتية، حيث ان كلا منهما من تعينات الاعراب الحاصل لأخر الكلمة.

 وبالجملة فليس المحمول يختلف دائما في جميع مسائل العلم. واما موضوعات المسائل فهى مما تختلف دائما في جميع المسائل من أي علم كانت. وحيث عرفت في المقدمة الاولى ان في كل مسألة من مسائل العلم يوجد جهتان: جهة ذاتية جامعة بين جميع مسائل هذا العلم، وبها تمتاز من مسائل ساير العلوم، وجهة ذاتية بها يمتاز هذه المسألة من غيرها من مسائل هذا العلم، وعرفت (ايضا) ان الجهتين ليستا خارجتين من الموضوع والمحمول فلا محالة تنحصر الجهة الاولى في المحمول، والجهة الثانية في موضوع المسائل لانه الذى يختلف في جميع المسائل بخلاف المحمول. وبعبارة اخرى تمايز مسائل العلم بتمايز موضوعاتها، وتمايز العلوم بتمايز ما هو الجامع لمحمولات مسائله.

المقدمة الثالثة:

ان المراد بالعرض في قولهم (موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية) هو العرض باصطلاح المنطقي لا الفلسفي، فان العرض الفلسفي عبارة عن مهية شأن وجودها في الخارج ان يكون في الموضوع، ويقابله الجوهر. والعرض المنطقي عبارة عما يكون خارجا من ذات الشيء متحدا معه في الخارج، ويقابله الذاتي. وبين الاصطلاحين بون بعيد فان العرض المنطقي قد يكون جوهرا من الجواهر (كالناطق) بالنسبة إلى (الحيوان) وبالعكس، حيث ان كلا منهما خارج من ذات الاخر ومحمول عليه فيصدق عليه تعريف العرض المنطقي، وان كان كل منهما ذاتيا بالنسبة إلى الانسان، فالعرض باصطلاح الفلسفي مطلق، وباصطلاح المنطقي امر نسبي، فان (الفصل) مثلا بالنسبة إلى (الجنس) عرض خاص، وبالنسبة إلى (النوع) المؤلف منه ذاتي له. واما المقولات التسع العرضية باصطلاح الفلسفي فلا تتغير عن وصف العرضية باختلاف الاعتبارات والنسب.

 

المقدمة الرابعة:

لا يخفى ان كل واحد من الموضوع والمحمول في مسائل العلم عرض بالنسبة إلى الاخر، ولا يقصر وصف العروض على المحمول، إذ المراد بالعرض هنا (كما عرفت) هو العرض باصطلاح المنطقي، وهو عبارة عما يكون خارجا من ذات الشيء ومتحدا معه في الخارج، ففي قولنا في علم الإلهي: (الجسم موجود) كل واحد من وصفى الجسمية والوجود خارج من ذات الاخر مفهوما، ومتحد معه خارجا، فكل واحد منهما عرض ذاتي بالنسبة إلى الاخر، بمعنى انه لا يكون عينا بالنسبة إلى الاخر، ولا جزءا له. وكذلك كل واحد من وصفى الفاعلية والمرفوعية في قولنا: (الفاعل مرفوع) يكون عرضا منطقيا بالنسبة إلى الاخر، وهكذا في جميع مسائل العلوم، فالموضوعات في مسائل كل علم اعراض ذاتية لما هو الجامع بين محمولات مسائله، وليست الموضوعات ذاتية له، إذ الذاتي منحصر في النوع والجنس والفصل بالنسبة إلى النوع المؤلف منهما، ولا تجد مسألة من مسائل العلوم يكون الموضوع فيه نوعا أو جنسا أو فصلا لجامع محمولات مسائل العلم، إذ كل واحد من نوع الشيء وجنسه وفصله البعيد اعم منه، والفصل القريب مساو لما هو فصل له، مع انك ترى ان موضوع كل مسألة اخص من جامع محمولات المسائل والحاصل ان الموضوع في كل مسألة عرض بالنسبة إلى جامع محمولات المسائل وبالعكس غاية الامر ان المتداول في عقد القضية جعل الاخص موضوع والاعم محمولا.

المقدمة الخامسة:

ان المتداول وان كان جعل الاخص موضوعا والاعم محمولا ولكن النظم الطبيعي يقتضى جعل المعلوم من الامرين موضوعا، والمجهول منهم محمولا، فالموضوع بحسب الحقيقة هو المعلوم من الامرين، والمحمول هو تعينه المجهول الذى اريد في القضية اثباته، سواء كان الامر المجهول اعم بالنسبة إلى الموضوع أو مساويا له .

(إذا عرفت هذه المقدمات) تبين لك ان الحق مع القدماء، حيث قالوا: ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، إذ المراد بموضوع العلم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وليس هو الا عبارة عن جامع محمولات المسائل الذى عرفت في المقدمة الثانية ان تمايز العلوم بتمايزه. ووجه كونه موضوعا ان جامع محمولات المسائل في كل علم هو الذى ينسبق اولا إلى الذهن، ويكون معلوما عنده، فيوضع في وعاء الذهن ويطلب في العلم تعيناته وتشخصاته  التي تعرض له. مثلا في علم الإلهي بالمعنى الاعم يكون نفس الوجود معلوما لنا وحاضرا في ذهننا، فنطلب في العلم تعيناته وانقساماته اللاحقة له: من الوجوب والامكان والجوهرية والعرضية والجسمية ونحوها، فصورة القضية وان كان هو قولنا: (الجسم موجود) مثلا، ولكن الموضوع حقيقة هو عنوان الموجودية، فمحصل مسائله هو ان الوجود المعلوم لك، من خصوصياته وتعيناته وصف الجوهرية، ومن تعيناته وصف الجسمية وهكذا، ولذلك تريهم يقولون: ان موضوع الإلهي بالمعنى الاعم هو الوجود، مع ان الوجود يصير محمولا في القضايا المعقودة. وكذلك في علم النحو، فان اول ما ينسبق إلى ذهن المتتبع لاستعمالات العرب، انما هو اعراب آخر الكلمة والاختلافات الواقعة فيه : من المرفوعية والمنصوبية والمجرورية، فيطلب في علم النحو الخصوصيات التي بسببها يتحقق الاعراب واختلافاته من الفاعلية والمفعولية ونحوهما، فالمسألة المعقودة وان كانت بصورة قولنا: الفاعل مرفوع، ولكن الموضوع حقيقة هو وصف المرفوعية، فمحصل مسائل علم النحو هو ان ما يختلف آخره بالمرفوعية والمنصوبية والمجرورية انما يتعين بتعينات مختلفة: من الفاعلية والمفعولية ونحوهما، وان المعرب بالإعراب الرفعي فاعل، والمعرب بالإعراب النصبي مفعول وهكذا.

 (والحاصل) ان جامع المحمولات اعني الحيثية المشتركة بين مسائل العلم هو الذى ينسبق إلى الذهن اولا، ويطلب في العلم جهاته وتعيناته، فهو الموضوع للعلم، والتعينات المختلفة التي يجعل كل واحد منها موضوعا لمسألة، عوارض ذاتية لموضوع العلم، لما عرفت في المقدمة الرابعة ان كل واحد من الموضوع والمحمول في المسألة عرض بالسنبة إلى الاخر، وفي المقدمة الخامسة ان ما هو الموضوع حقيقة هو المعلوم من الامرين فتلخص مما ذكرنا ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات اعني به جامع محمولات المسائل، وتمايز المسائل بتمايز الموضوعات فيها. وقد تبين لك بما ذكرناه فساد ما ربما يتوهم في المقام من انه لم لا يجوز ان يكون الجهة المشتركة بين مسائل العلم المايزة اياها من ساير العلوم، عبارة عن الكلي الجامع لموضوعات المسائل، والجهة التي بها يمتاز كل مسألة من غيرها، عبارة عن خصوصيات موضوعات المسائل وعلي هذا فتوجد كلتا الجهتين في عقد الوضع، ويكون موضوع العلم عبارة عن الكلى الجامع لموضوعات المسائل. توضيح الفساد انك قد عرفت ان موضوع العلم هو الحيثية المعلومة  التي يطلب في العلم تعيناته، ويبحث فيه عن عوارضه  التي تحمل عليه، وليس هذا الا ما هو الجامع للمحمولات، فانه الحيثية المنسبقة إلى الذهن  التي يبحث في العلم عن عوارضها. والظاهر ان ما ذكرناه هو مراد القوم ايضا، حيث اضافوا قيد الحيثية في بيان موضوع العلوم الادبية، فقولهم: ان موضوع علم النحو هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء، وموضوع علم الصرف هو الكلمة من حيث الصحة والاعتلال، وهكذا، انما يريدون بذلك كون حيثية الاعراب والبناء موضوعا لعلم النحو، وحيثية الصحة والاعتلال موضوعا لعلم الصرف. وعلى هذا فيكون تمايز جميع العلوم بتمايز الموضوعات. فما في الفصول: من ان تمايز العلوم قد يكون بتمايز الموضوعات وقد يكون بتمايز الحيثيات، قد نشأ من الغفلة والذهول عما هو لب مراد القوم حيث اضافوا قيد الحيثية. وقد اتضح بما ذكرنا ايضا فساد ما ذكره شيخنا الاستاذ (قدس سره) في الكفاية حيث قال: ان موضوع العلم هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا، وان كان يغايره مفهوما تغاير الكلى ومصاديقه والطبيعي وافراده. (انتهى)

 ووجه الفساد ما عرفت من ان موضوع العلم هو محمولات المسائل والجامع بينها، وهو وان كان متحدا مع موضوعات المسائل خارجا، الا انه ليس التغاير بينه وبين موضوعات المسائل من سنخ تغاير الطبيعي وافراده، بل من سنخ تغاير العرض المنطقي ومعروضه، فان الطبيعي ذاتي لأفراده، وهذا بخلاف جامع المحمولات بالنسبة إلى خصوصيات الموضوعات، حيث ان كل منهما خارج من ذات الاخر، كما عرفت توضيحه. واتضح ايضا فساد ما قال (قدس سره): من ان تمايز العلوم بتمايز الاغراض، حيث عرفت ان الجهة  التي بها يمتاز مسائل كل علم من مسائل ساير العلوم، هي جهة ذاتية موجودة في نفس المسائل، وما لم يتمايز العلوم بذواتها لم يتمايز الاغراض المطلوبة منها، فانها امور متفرعة عليها، والاختلاف فيه يكشف عن نوع اختلاف في نفس الذوات، فالغرض من علم النحو مثلا هو العلم والاحاطة بالاختلافات الواقعة في اواخر الكلمات وجهة الاختلاف فيها، والغرض من علم الصرف هو العلم بالاختلافات الواقعة في نفس الابنية، فلا محالة تكون مسائل علم النحو بذواته مربوطة بالاختلافات الواقعة في آخر الكلمة، وتكون هي الجهة المبحوث عنها فيه، ومسائل الصرف بذواتها مربوطة بالاختلافات الواقعة في نفس الابنية، وباعتبار هذ الميز الذاتي بينهما يختلف الغرض منهما. (فان قلت) كما يمكن ان يتصور بين محمولات مسائل النحو جامع يساويها يمكن ايضا ان يتصور جامع اعم بحيث يعم مسائل النحو والصرف مثلا، أو جامع اخص بحيث يعم بعض مسائل النحو كمباحث المعربات مثلا في قبال المبنيات، وعلى هذا لا يصح جعل جامع المحمولات ميزانا لتمايز العلوم، بعد ما لم يكن لاعتبار الجامع ميزان ثابت لا يتغير. فان جعلت الملاك في اعتبار الجامع ان يعتبر بين المسائل الدخيلة في غرض واحد رجع الكلام إلى جعل الميزان في تمايز العلوم تمايز الاغراض.

قلت (2) فرق بين ما هو الملاك في تمايز العلوم، وبين ما هو الملاك لتكثيرها فنحن ايضا لا نأبى كون العلوم في الوحدة والكثرة تابعة للجهات الخارجية، مثل انه كان علم النحو والصرف معا يعدان علما واحدا، فلما تكثرت مسائله وتشعبت فروعه انحل إلى علمين. وكذلك ترى العصريين يقسمون علم الطب مثلا إلى شعب مختلفة، ويسمون كل قسمة منها بعلم خاص، له موضوع خاص، وطلاب مخصوصون، فالعلوم في الوحدة والكثرة تابعة للجهات الخارجية، ولكنه بعد ما لاحظت علمين من العلوم المدونة، ووازنت أحدهما مع الآخر، تريهما بحسب الذات متمايزين، من جهة ان حيثية البحث في احدهما تغاير حيثية البحث في الاخر، وهذا التغاير والاختلاف يرجع إلى جامع المحمولات فتدبر.

 (هذا كله) خلاصة ما يقتضيه التحقيق في بيان مهية الموضوع للعلوم بنحو العموم (ومما ذكرنا يظهر لك) ما هو الموضوع في علم الاصول، فانه على التحقيق عبارة عن عنوان (الحجة في الفقه) إذ بعدما علمنا بأن لنا أحكاما شرعية، يحصل لنا العلم أجمالا بوجود حجج في البين بها يحتج المولى علينا، ونحتج عليه، في أثبات الاحكام الشرعية وامتثالها، فوجود أصل الحجة والدليل معلوم لنا، والمطلوب في علم الاصول تعينات الحجة وتشخصاتها، كخبر الواحد والشهرة والظواهر ونحوها، ففي قولنا (خبر الواحد حجة) وان جعل وصف الحجية محمولا، ولكنه بحسب الحقيقة هو الموضوع، فأنه الامر المعلوم، والمجهول تعيناته وأفراده، فمحصل مسائل الاصول هو أن الحجة التي نعلم بوجوده أجمالا، لها تعينات وأفراد، منها خبر الواحد ومنها الشهرة وهكذا، فكل مسألة يرجع البحث فيها إلى تعيين مصداق للحجة مسألة اصولية، كمسألة حجية الخبر والشهرة والاجماع وحجية أحد الخبرين في باب التعارض، ومسألة حجية القطع بقسميه من التفصيلي والاجمالي، فان حجية القطع التفصيلي وان كانت امرا واضحا، ولذا لم يتعرض له القدماء، الا أن توهم عدم الحجية في بعض اقسامه اوجب البحث عنها، فهى ايضا من مسائل علم الاصول ولا ربط لها بالمسائل الكلامية كما في الكفاية، وليس الحجة في اصطلاح الاصولي عبارة عن حد الوسط بل هي بمعناها اللغوي، اعني ما يحتج به المولى على العبد وبالعكس في مقام الامتثال، فيكون القطع بقسميه ايضا من مصاديقها حقيقة. وعلي هذا فمبحث الاشتغال من مباحث الاصول حيث يرجع البحث فيه إلى البحث عن حجية العلم الاجمالي، وكذلك مبحث حجية الاستصحاب، بل ومبحث البراءة أيضا، إذ محصل البحث فيه هو أن صرف احتمال التكليف يكفى لتنجيز الواقع ويصح احتجاج المولى ومؤاخذته ام لا. وكذلك مسألة التخيير. حيث ان المبحوث عنه فيها انه في مقام دوران الامر بين المحذورين هل يكون الاخذ بأحد الطرفين كافيا في احتجاج العبد على المولى؟ وهكذا البحث عن حجية المفاهيم، فان البحث فيها ليس في اصل ثبوت المفهوم، بل في حجيتها، حيث ان لذكر القيد الزائد مثل الشرط والوصف وأمثالهما ظهورا ما في الدخالة بلا اشكال، وانما يقع البحث عن حجيتها، وسيأتي تحقيقه في محله .

(وبالجملة) فكل مسألة يكون حيثية البحث فيها حجية امر من الامور التي تصلح للحجية أو يتوهم حجيتها فهي مسألة اصولية. نعم لما كان حجية بعض الحجج امرا واضحا لم يتصدى القدماء للبحث عنها كمسألة حجية القطع مثلا، وكحجية الظواهر، حيث ان اصل حجية الظواهر كانت أمرا مفروغا عنها، وانما كان يقع الاشكال في بعض الموارد التي حصل فيها للكلام نحو اضطراب واختلال كالعام المخصص أو اللفظ المستعمل كثيرا في المعنى المجازي ونحو ذلك. (وكيف كان) فهذه المسائل كلها مسائل أصولية. نعم بعض المباحث التي لم يكن المبحوث عنه فيها حيثية الحجية تكون خارجة من الاصول، وتدخل في سلك المبادئ كمسألة مقدمة الواجب ومبحث الضد وامثالهما، فتدبر.

 (وقد تلخص) من جميع ما ذكرنا ان موضوع علم الاصول هو عنوان (الحجة في الفقه)، ومحصل مسائله تشخيص مصاديق الحجة وتعيناته. ولذلك ترى الشافعي يبحث في رسالته التي الفها في هذا الفن عن حجية الحجج الشرعية من الكتاب والسنة وأمثالهما، فتأمل في المقام، فانه بالتأمل حقيق.

____________
(1) اقول: يمكن ان يقال: ان الجامع بينها صلاحيتها للدليلية، فيكون الموضوع عبارة عما يصلح للدليلية، ويكون فعليتها من العوارض. ح ع

(2) ويمكن ايضا ان يقال: ان الجامع المعتبر بين مسائل النحو والصرف جامع جنسي، وبين بعض مسائل النحو جامع صنفي، ومرادنا بجامع المحمولات هنا هو الجامع النوعى، فيندفع الاشكال فتأمل ح - ع

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.