المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

مظاهر القرن الحادي والعشرين واثرها على المحاسبة الادارية
8-3-2018
انك مليك مقتدر
28-7-2020
مصطلح الإشارات
20-7-2016
مصير الحضارات السابقة والواقع الحضاري الآن
9-10-2014
Kamalakara
24-1-2016
أهم رواد مدرسة التفسير الأدبي الاجتماعي
16-10-2014


أصالة الإشتغال(خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء)  
  
524   11:18 صباحاً   التاريخ: 4-9-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 3 ص 125.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

المعروف بين المتأخّرين والمعاصرين أنّ العلم الإجمالي إنّما يؤثّر فيما إذا كانت جميع الأطراف محلا للابتلاء وإلاّ، فلا أثر له كما إذا علم المكلّف بإصابة قطرة دم أمّا بثوبه أو بثوب بعض المارّة الذي لا صلة بينه وبين المكلّف أبداً ولا يبتلى بثوبه عادة.

وهنا بحث صغروي وبحث كبروي:

أمّا الكبروي: فهو إنّ خروج طرف عن محلّ الابتلاء هل يوجب عدم وجوب الاجتناب عن سائر الأطراف أو لا؟

وأمّا البحث الصغروي: فهو في معيار الخروج عن محلّ الابتلاء وبيان الوظيفة عند الشكّ في الخروج وعدمه.

وحاصل كلمات الأعلام في الكبرى مع اختلافها وتلوّنها أنّ التكليف إنّما يجب امتثاله فيما إذا تحقّق شرائط أربعة:

1 ـ العلم بحدوث تكليف جديد فيعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجّز أن لا يكون أحد أطرافه على فرض إنطباق المعلوم بالإجمال عليه ممّا لا يترتّب عليه أثر شرعي ولا يحدث بسببه تكليف إلهي، كما إذا علم إجمالا بوقوع قطرة من البول في أحد إنائين أحدهما بول أو متنجّس بالبول أو كثير لا ينفعل بالنجاسة أو أحد ثوبين أحدهما نجس بتمامه، لعدم العلم حينئذ بحدوث تكليف جديد بالاجتناب عن ملاقي هذه القطرة، إذ لو كان ملاقيها هو الإناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب أصلا، فالشكّ في التكليف بالاجتناب عن الآخر شكّ بدوي.

2 ـ كون التكليف فعليّاً من جميع الجهات.

3 ـ كون المكلّف به ممّا يكون العبد قادراً بإتيانه أو غير عاجز عن الإتيان به، فلا يكون من قبيل الطيران في الهواء.

4 ـ احتمال إنقداح الإرادة في العبد، فلو كان متعلّق التكليف ممّا لا يريده العبد أبداً ويكون متروكاً له بحيث لا ينقدح في نفسه داع إليه كان النهي عنه مستهجناً عرفاً وتحصيلا للحاصل.

وفي ما نحن فيه وإن كانت الشرائط الثلاثة الاُولى حاصلة إلاّ أنّ الشرط الأخير غير موجود لأنّه بعد فرض خروج أحد الأطراف عن ابتلاء المكلّف لا ينقدح في نفسه داع إليه فلا حاجة إلى نهيه وزجره ولا يكون التكليف بالنسبة إليه فعليّاً فيكون الشكّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بدويّاً.

وإن شئت قلت: يجري الأصل المؤمن في الطرف المبتلى به من دون معارض نظير الشبهات البدوية بعينها، ولا يخفى الفرق بين ما إذا خرج المورد عن الابتلاء قبل حصول العلم الإجمالي وما إذا خرج بعده، حيث إنّه في القسم الثاني قد جرى الأصل في كلّ من الطرفين قبل حصول العلم الإجمالي وتساقط الأصلان أو لم تجر الاُصول فيها للتناقض في مدلولها (على اختلاف القولين في المسألة) ولا معنى لجريانه ثانياً بعد الخروج عن الابتلاء فيجب حينئذ الإجتناب عن الطرف المبتلى به.

ثمّ إنّه قد يتمسّك لعدم وجوب الاحتياط في المقام برواية علي بن جعفر الواردة في دم الرعاف وسيأتي عدم تماميتها.

وينبغي هنا ذكر ما ورد في تهذيب الاُصول من مخالفته لجميع المتأخّرين في هذه المسألة والقول بعدم تأثير الخروج عن محلّ الابتلاء في عدم تنجّز العلم الإجمالي، وإن سبق ذكره في بعض الأبحاث السابقة بمناسبة اُخرى.

وحاصل بيانه: إنّ الخطابات على قسمين: خطاب قانوني عام، وخطاب شخصي خاص، وقد وقع الخلط بين الخطابات الكلّية المتوجّهة إلى عامّة المكلّفين والخطابات الشخصيّة إلى آحادهم فإنّ الخطاب الشخصي إلى خصوص العاجز وغير المتمكّن وغير المبتلى مثلا مستهجن ولكن الخطاب الكلّي إلى المكلّفين المختلفين حسب الحالات والعوارض ممّا لا استهجان فيه لكفاية، انبعاث عدد معتدّ به من المكلّفين فيه.

إن قلت: أليست الخطابات منحلّة ومتعدّدة بتعدّد الشخاص؟

قلنا: ليس هنا الإرادة واحدة تشريعيّة متعلّقة بخطاب واحد وليس الموضوع إلاّ أحد العناوين العامّة من دون أن يقيّد بقيد أصلا، فلو اُريد من الانحلال رجوع كلّ خطاب عام إلى خطابات بعدد المكلّفين حتّى يكون كلّ مكلّف مخصوصاً بخطاب خاصّ به وتكليف مستقلّ متوجّه إليه فهو ضروري البطلان فإنّ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] خطاب واحد لعموم المؤمنين، أي الخطاب واحد والمخاطب كثير، كما أنّ الإخبار «بأنّ كلّ نار حارة» إخبار واحد والمخبر عنه كثير، فلو قال أحد: «كلّ نار بارد» فلم يكذب إلاّ كذبة واحدة لا أكاذيب متعدّدة حسب أفراد النار، فلو قال: «ولا تقربوا الزنا» فهو خطاب واحد متوجّه إلى كلّ مكلّف، ويكون الزنا تمام الموضوع للحرمة، والمكلّف تمام الموضوع لتوجّه الخطاب إليه، وهذا الخطاب الوحداني يكون حجّة على كلّ مكلّف من غير إنشاء تكاليف مستقلّة أو توجّه خطابات عديدة، لست أقول: إنّ المنشأ تكليف واحد لمجموع المكلّفين فإنّه ضروري الفساد، بل أقول: إنّ الخطاب واحد والإنشاء واحد والمنشأ هو حرمة الزنا على كلّ مكلّف من غير توجّه خطاب خاصّ أو تكليف خاصّ مستقلّ إلى كلّ واحد، ولا إشكال في عدم استهجان الخطاب العمومي.

ثمّ رتّب على القول بالانحلال توالي فاسدة:

منها: عدم صحّة خطاب العصاة من المسلمين لأنّ خطاب من لا ينبعث به قبيح أو غير ممكن.

ومنها: عدم صحّة تكليف الكفّار بالأصول والفروع بنفس الملاك.

ومنها: قبح تكليف صاحب المروّة بستر العورة مثلا فإنّ الدواعي مصروفة عن كشف العورة فلا يصحّ الخطاب.

ومنها: أنّه يلزم على الانحلال وكون الخطاب شخصياً عدم وجوب الاحتياط عند الشكّ في القدرة لكونه شكّاً في تحقّق ما هو جزء للموضوع، وهو خلاف السيرة الموجودة بين الفقهاء من لزوم الاحتياط عند الشّك في القدرة.

ومنها: لزوم الالتزام بأنّ الخطابات والأحكام الوضعيّة مختصّة بما هو محلّ الابتلاء لأنّ جعل الحكم الوضعي إن كان تبعاً للتكليف فواضح، ومع عدم التبعية والاستقلال بالجعل فالجعل إنّما هو بلحاظ الآثار، ومع الخروج عن محلّ الابتلاء لا يترتّب عليها آثار فلابدّ من الالتزام بأنّ النجاسة والحلّية وغيرهما من الوضعيّات من الاُمور النسبيّة بلحاظ المكلّفين، فيكون الخمر والبول نجسان بالنسبة إلى من كان مبتلى بهما دون غيرهما، ولا أظن التزامهم بذلك للزوم الإختلال في الفقه والدليل العقلي غير قابل للتخصيص فيكشف ذلك عن بطلان المبنى(1) (انتهى).

أقول: يرد عليه:

أوّلا: إنّه إن اُريد من قوله إنّ المخاطب هو عنوان «يا أيّها الذين آمنوا» أو عنوان «يا أيّها الناس» العنوان الذهني بما هو موجود في الذهن فهو واضح البطلان، وإن اُريد منه العنوان الذهني بما هو مشير إلى أفراده الخارجيّة فليس المخاطب هو العنوان بما هو عنوان بل المخاطب حقيقه هو الأفراد الخارجيّة من زيد وعمرو وبكر وغيرهم.

وهذا عين القول بالانحلال لتعدّد التكاليف بتعدّد المكلّفين، أي الإنشاء واحد والتكليف المنشأ متعدّد، ولا مانع من إنشاء اُمور عديدة بلفظ واحد كما إذا قال: «أنكحت هذه المرأة لهذا الرجل وتلك المرأة لذلك الرجل» أو قال: «بعت هذا بهذا وذاك بذاك» فإنّ النكاح أو البيع متعدّد وإن كان الإنشاء واحداً، ولذلك يقال في باب البيع، إنّ البيع صحيح في ما يملك وباطل في ما لا يملك، وليس هذا إلاّ لأجل الإنحلال، وإنّ الإنشاء الواحد فيه يكون في قوّة إنشاءات متعدّدة.

وثانياً: لازم كلامه عدم وجود فرق بين العام المجموعي والعام الإفرادي مع أنّه لا إشكال في أنّ التكليف في الأوّل واحد وفي الثاني متعدّد بتعدّد أفراد العام، ولذلك يكون العصيان في المجموعي واحداً يتحقّق بعدم إتيان فرد واحد، وأمّا في الإفرادي فتتعدّد الإطاعة أو العصيان بتعداد الأفراد، وليس هذا إلاّ لأجل الانحلال في الإفرادي دون المجموعي، وكأنّه وقع الخلط في المقام بين الإنشاء والمنشأ، بينما الواحد هو الإنشاء ولا تلازم وحدة الإنشاء وحدة المنشأ.

وثالثاً: في ما ذكره من التوالي الفاسدة:

فبالنسبة إلى عدم تعدّد الكذب في قوله «كلّ نار بارد» نقول: إنّ الصدق والكذب من مقولة اللفظ لا المعنى، أي إنّهما يعرضان للإخبار لا المخبر به، وحيث إنّ الإخبار واحد فليكن الكذب أيضاً واحداً.

وبالنسبة إلى العصاة والكفّار نقول: إنّ التكليف تارةً يكون بداعي البعث، واُخرى بداعي إتمام الحجّة كما يدلّ عليه مثل قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] ، وتكليف العصاة والكفّار من قبيل الثاني لا الأوّل.

وأمّا النقض بوجوب الاحتياط في الشكّ في القدرة، فيردّ بأنّ وجوب الاحتياط في هذه الموارد ليس من باب فعلية التكليف الكلّي غير المنحلّ وعدم انحلاله بعدد المكلّفين، بل من باب وجود خصوصيّة في المقام، حيث إنّ القدرة على الامتثال وإن كان حالها حال سائر القيود المأخوذة في فعلية التكاليف ولكن مع ذلك لا تجري البراءة في موارد الشكّ فيها لوجود قاعدة عقلائيّة هنا لأنّ بناء العقلاء في دائرة الموالي والعبيد العرفيّة على لزوم الفحص عن وجود القدرة ولزوم التصدّي للامتثال وعدم صحّة الإعتذار بمجرّد احتمال عدم القدرة، وهذا الأمر الإرتكازي العقلائي بعد عدم الردع عنه من قبل الشارع بمنزلة قرينة متّصلة تمنع عن انعقاد الاطلاق في أدلّة البراءة لموارد الشكّ في التكليف الناشيء من الشكّ في القدرة، بل يمكن أن يقال: إنّه وارد عليها لانتفاء موضوع البراءة بعد ورود هذا البيان.

وعلى سبيل الفرض إذا قال المولى لعبده وخاطبه بخطاب شخصي بقوله: «اشتر الخبز من السوق» فشكّ العبد في وجود الخبز في السوق لكون اليوم يوم العطلة فلم يتفحّص عنه واعتذر عند المولى بهذا الشكّ، أترى العقلاء يقبلون هذا العذر من هذا العبد، أو يوجبون عليه الفحص بالمقدار المتعارف؟

وأمّا نقضه بالأحكام الوضعيّة فيمكن الجواب عنه بأنّ الأحكام الوضعيّة تنحلّ بعدد موضوعاتها لا بعدد المكلّفين، فينحلّ حكم الشارع بطهارة الماء مثلا في قوله(عليه السلام): «الماء كلّه طاهر» بعدد المياه الموجودة في سطح الأرض، ولا يخفى أنّه يكفي في عدم لزوم اللغويّة ابتلاء بعض المكلّفين بكلّ واحد منها، نعم لو فرض وجود بعض المياه في بعض الكرات من المنظومة الشمسيّة بحيث لا يبتلى بها أيّ مكلّف فعدم شمول الحكم الوضعي لها غير بعيد فلا تشملها أدلّة الطهارة ولا النجاسة.

نعم هذا بناءً على كون الأحكام الوضعيّة مجعولة بالأصالة كما هو المختار في محلّه، وأمّا لو قلنا بأنّها اُمور انتزاعيّة من الأحكام التكليفيّة وتكون مجعولة بتبع جعلها فيكون النقض وارداً لأنّه من المستغرب جدّاً أن يكون الخمر مثلا نجساً بالنسبة إلى مكلّف وغير نجس بالنسبة إلى مكلّف آخر، بل لا معنى له مع فعليّة الحكم التكليفي بالنسبة إلى جميع المكلّفين وانحلاله بعددهم.

بقي هنا أمران:

الأمر الأوّل: إنّ شيخنا الأعظم الأنصاري(رحمه الله) استدلّ في المقام برواية دم الرعاف المعروفة وهى ما رواه علي بن جعفر(عليه السلام) عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه، هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه».

وحيث إنّ مقتضى ظاهر هذه الرواية عدم تنجّس الماء بالدم القليل والمشهور بين الفقهاء عدم الفرق بين القليل والكثير وقعوا في مقام توجيه هذه الرواية في حيص وبيص (بعد أن التزم شيخ الطائفة (رحمه الله) بظاهرها فقال بعدم تنجيس ما لا يدركه الطرف لاستهلاكه في الماء) وذكروا لها وجوهاً:

منها: المناقشة في سندها لوجود بعض المجاهيل فيه.

واُجيب عنه بالمنع في طريق الكافي، ويمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ صاحب الوسائل رواها عن كتاب علي بن جعفر، والظاهر أنّ كتابه كان عنده.

منها: أنّ التفرقة بين الاستبانة وعدم الإستبانة فيها إشارة إلى صورة العلم وصورة الشكّ فلم تأت هذه الرواية بشيء جديد.

وفيه: إنّه خلاف ظاهرها وخلاف التعبير بـ «أصاب إناءه» حيث إنّ صريحه أنّ أصل الإصابة معلوم في كلتا الصورتين.

ومنها: إنّ المراد في صورة عدم الاستبانة هو الأجزاء الصغيرة من الدم التي لا ترى بغير المنظار كالأجزاء البولية الصغار الموجودة في البخار الحاصل منه.

ولكنّه أيضاً خلاف الظاهر من الرواية وخلاف التعبير بـ «أصاب إناءه».

ومنها: ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(رحمه الله) نفسه وهو أنّ إصابة الإناء في هذه الرواية لا يستلزم إصابة الماء فالمراد أنّه مع عدم تبيّن شيء في الماء يحكم بطهارته، ومعلوم إن ظهر الإناء وباطنه الحاوي للماء من الشبهة المحصورة».

وأورد عليه في التهذيب بقوله: «وهو بمكان من الغرابة إذ كيف يكون ظهر الإناء الذي بين يدي المكلّف خارجاً عن الابتلاء».

أقول: لا غرابة لتوجيه الشيخ(رحمه الله) لأنّه لابدّ في كون شيء ممّا يبتلى به المكلّف دخوله أمّا في مأكوله أو في ملبوسه أو في أحد تقلّباته الاُخرى الواجبة عليه كالتوضّي والاغتسال والتطهير ونحوها، ومن الواضح أنّ خارج الإناء ليس داخلا في واحد من هذه الاُمور، نعم قد يبتلى الإنسان بملاقيه، ولكن سيأتي أنّ ملاقي الشبهة المحصورة في أطراف العلم الإجمالي ليس من الأطراف، ومقصود الشيخ(رحمه الله) من خروج خارج الإناء عن محلّ الابتلاء إنّما هو خروج الإناء بنفسه لا بملاقيه.

لكن يرد عليه: إنّ هذا الوجه أيضاً خلاف ظاهر قوله(عليه السلام): «أصاب إناءه» حيث إنّ إصابة الإناء في لسان الروايات كناية عن إصابة ماء الإناء كما أنّ إهراق الإناء في قوله «يهريقهما» في حديث آخر كناية عن إهراق الماء بلا ريب، والشاهد على ذلك التعبير بقوله: «إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء» ـ فكأنّ أصل الإصابة بالماء أمر مفروغ عنه والكلام في الإستبانة وعدمها.

فالإنصاف دوران الأمر بين شيئين: إمّا الالتزام بظاهر الرواية والقول بعدم تنجيس النجاسة القليلة كما فعله شيخ الطائفة(رحمه الله) أو الإكتفاء في رفع اليد عنها بإعراض الأصحاب حيث إنّ عدم وجود فرق بين الأجزاء الصغار وغير الصغار مشهور بشهرة عظيمة تشبه الإجماع، ولولاها لأمكن الفتوى بمثل فتوى شيخ الطائفة(رحمه الله).

الأمر الثاني: في الشكّ في الخروج عن محلّ الابتلاء وعدمه.

ولابدّ قبل البحث عنه من تعيين ما هو المعيار في كون الشيء محلا للابتلاء فإنّه يختلف باختلاف الأدلّة وقد عرفت أنّ المختار هو أن يكون الخطاب الفعلي مستهجناً وتحصيلا للحاصل، ثمّ نقول: قد وقع الخلاف بين الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني(رحمه الله) في الأصل العملي الجاري عند الشكّ في الخروج عن محلّ الإبتلاء فاختار الشيخ أصالة الاحتياط وذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى البراءة.

واستدلّ الشيخ(رحمه الله) بأنّ الخطاب بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة غير معلّقة، والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها، وما إذا شكّ في قبح التنجيز فيرجع فيه إلى الإطلاقات لأنّ مرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقيّد بقيد مشكوك التحقّق في بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه هل يجوز التمسّك به أو لا؟ والأقوى الجواز.

وذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى أنّ المرجع في صورة الشكّ في الابتلاء إنّما هو البراءة (لا اطلاق الخطاب) لعدم إحراز أصل الاشتغال في هذه الموارد، توضيح ما أفاده في توجيه ذلك: إنّ التمسّك بالإطلاق منوط بإحراز صحّة اطلاق الخطاب ثبوتاً في مشكوك القيدية وكون الشكّ متمحّضاً في مطابقة الاطلاق للواقع، وأمّا إذا كان القيد ممّا لا يصحّ الخطاب بدونه كالقدرة العقليّة أو العاديّة التي منها الابتلاء، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق في مرحلة الإثبات لعدم إمكان الاطلاق في مقام الثبوت بعد دخل القدرة في التكليف حتّى يستكشف بالإطلاق في مقام الإثبات.

وقد اختار المحقّق النائيني(رحمه الله) مذهب الشيخ(رحمه الله) ببيان آخر وذهب في تهذيب الاُصول إلى المختار المحقّق الخراساني(رحمه الله) ولكن الحقّ مع الشيخ الأعظم(رحمه الله) لأنّ كثيراً من موارد الشكّ في الابتلاء ترجع إلى الشكّ في القدرة (كما اُشير إليه في بيان المحقّق الخراساني(رحمه الله)) وقد مرّ سابقاً أنّ بناء العقلاء في موارد الشكّ في القدرة على الاحتياط.

هذا مضافاً إلى أنّه يمكن لنا كشف فعليّة الخطاب وشموله لمورد الشكّ في الابتلاء من نفس الاطلاق الظاهري للخطاب بضميمة حكمة المولى الحكيم فإنّ توجيه الخطاب إلى شخص (إمّا بخصوصه أو بعموم أو اطلاق لفظي) دليل على عدم كونه تحصيلا للحاصل لما علم من كون المتكلّم حكيماً، وليس هذا من التمسّك بعموم العام في الشبهات المصداقيّة للمخصّص الممنوع في محلّه.

واستدلّ المحقّق النائيني(رحمه الله) بأنّ القدر المسلّم من التقييد ما هو إذا كان الخمر خارجاً عن محلّ الابتلاء بحيث يلزم استهجان الخطاب في نظر العرف، فإذا شكّ في استهجانه وعدمه للشكّ في إمكان الابتلاء بموضوعه أو عدمه فالمرجع هو اطلاق الدليل، لأنّ المخصّص المجمل

بين الأقل والأكثر مفهوماً لا يمنع عن التمسّك بالعام فيما عدا القدر المتيقّن من التخصيص، وهو الأقلّ خصوصاً في المقيّدات اللبّية، فإنّه يجوز التمسّك بالعام فيها في الشبهات المصداقيّة فضلا عن الشبهات المفهوميّة(2).

وأورد عليه في التهذيب: بأنّ المخصّص اللبّي يسري إجماله إلى العام لأنّه بحكم المتّصل اللفظي يمنع عن انعقاد الظهور(3).

أقول: إنّ إجمال المخصّص يسري إلى العام إذا كانت الشبهة مفهوميّة ولكنّها في المقام مصداقيّة، ولذلك ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى عدم جواز التمسّك بالعام أو المطلق في المقام لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة للمخصّص. ولكنّا أثبتنا الجواز من طريق آخر وهو كشف الاطلاق من ظاهر كلام المولى بضميمة حكمته كما مرّ.

______________

1. راجع تهذيب الاُصول: ج 2، ص8 33 ـ 341.

2. راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 57 ـ 58، طبع جماعة المدرّسين.

3. التهذيب: ج 2، ص 286، طبع جماعة المدرّسين.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.