أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
4242
التاريخ: 6-9-2016
1045
التاريخ: 5-9-2016
1025
التاريخ: 5-9-2016
1600
|
لمّا لم يكن مطلق القياس المستنبط العلّة ـ وهو الذي سمّيناه مرجوح التأثير ـ حجّة عندنا ، وكان لاستنباط العلّة عند القائسين طرق ـ كما عرفت (1) ـ فلا بدّ لنا أوّلا من إبطاله بقول مطلق ، ثمّ تفصيل القول في كلّ واحد منها وتضعيفه.
فنقول : لنا على بطلانه وجوه :
منها : إجماع العترة عليهم السلام على ردّه ؛ فقد تواتر عند الفريقين إنكارهم له ، ومنع شيعتهم عن العمل به حتّى قال بعض العامّة : قد اشتهر عن أهل البيت إنكار القياس ، كما اشتهر عن أبي حنيفة والشافعي العمل به (2).
ومنها : الآيات (3) والأخبار الناهية عن اتّباع مطلق الظنّ (4) ، خرج ما خرج بدليل فيبقى الباقي.
ومنها : اشتهار إنكاره عن أكثر الصحابة ، منهم : الشيخان وابن عباس. وإنكار عليّ (عليه السلام ) وذمّه له أشهر من أن يخفى (5).
ومنها : شيوع ذمّ العمل بالرأي عن الصحابة ، سيّما عن الخلفاء الأربعة وابن عمر وابن مسعود، والعمل بالقياس منه (6).
ومنها : قوله (صلى الله عليه وآله) : « ستفترق امّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة قوم يقيسون الامور برأيهم » (7) ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : « تعمل هذه برهة بالكتاب ، وبرهة بالسنّة ، وبرهة بالقياس ،
وإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا وأضلّوا » (8).
ومنها : أنّ بناء شرعنا على الفرق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات ، فلا يحكم من تشابه المحالّ بتشابه الأحكام (9).
ومنها : أنّه لو كان حجّة ، لورد التعبّد به ؛ لأنّ الاستدلال به ممّا يعمّ ، والوقائع التي يستدرك به كثيرة ، وما يتفرّع عليه أكثر ممّا يتفرّع على سائر الأدلّة ، ويستحيل عادة أن لا يرد التعبّد بمثله من الشرع لو كان حجّة ، ولو ورد التعبّد به ، لاشتهر بين أهل الشرع ؛ لتوفّر الدواعي على ضبط مثله.
وقد اجيب عن هذه الوجوه بأجوبة (10) لا يخفى ضعفها على من له أدنى فطانة ، ولذا أعرضنا عن إيرادها والتعرّض لردّها.
ثمّ إنّها بإطلاقها كما تدلّ على بطلان مطلق قياس مرجوح التأثير تدلّ على بطلان مطلق القياس وإن كان راجح التأثير ، إلاّ أنّ ما استثنيناه يخرج بقاطع ، كما أشرنا إليه (11) فيبقى الباقي.
احتجّ الخصم بوجوه :
منها : أنّه ظهر عن كثير من الصحابة ـ شائعا ذائعا ـ ما يدلّ على حجّيّته ، ولم ينكرهم أحد ، فيكون إجماعا (12).
أمّا ثبوت الملزوم فبطرق :
الاولى (13) : أنّهم عملوا به صريحا في وقائع من غير نكير ، كما روي أنّ عمر شكّ في قتل الجماعة بالواحد ، فقال عليّ (عليه السلام) : « أرأيت لو اشترك نفر في سرقة البيت تقطعهم؟» فقال : نعم ، قال : « هكذا فيها » فرجع إلى قوله (14).
الثانية : أنّهم اختلفوا في مسائل كثيرة ، وأحدثوا فيها أقوالا مختلفة ، ثمّ أخذوا بقول واحد ، ولم يكن تمسّكهم فيها بالنصّ ، فتعيّن أن يكون تعويلهم على القياس ، كما روي أنّ عمر قضى في زوج وأمّ وإخوة لامّ وإخوة لأب وأمّ ، أنّ للامّ السدس ، وللزوج النصف ، وللإخوة من الامّ الثلث ، فقال الباقون : هب أنّ أبانا كان حمارا ، ألسنا من أمّ واحدة؟ فشرّك بينهم (15).
وما روي أنّ أبا بكر ورّث أمّ الامّ دون أمّ الأب ، فقال له بعض الأنصار : تركت التي لو كانت هي الميّتة ورث جميع ما تركت ؛ لأنّ ابن الابن عصبة ، وابن البنت لا يرث. وحاصله أنّ أمّ الأب أقرب ، فهي أحقّ بالإرث ، فرجع إلى التشريك بينهما. وأشباه ذلك كثيرة (16).
الثالثة : أنّهم صرّحوا بالأخذ به وأشاروا إلى التشبيه في المسائل ، كقول عمر لأبي موسى : اعرف الأشباه والنظائر ، وقس الامور برأيك (17).
وقول ابن عبّاس في إنكار قول زيد : « الجدّ لا يحجب الإخوة : ألا يتّقي الله زيد يجعل ابن الابن ابنا ، ولا يجعل أبا الأب أبا (18). وليس غرضه التسمية ، بل أراد أنّ الجدّ بمنزلة الأب في حجب الإخوة ، كما أنّ ابن الابن بمنزلة الابن فيه » (19).
الرابعة : أنّه قد نقل عنهم في وقائع القول بالرأي وهو القياس ، كقول أبي بكر : أقول في الكلالة برأيي (20). وقول عمر : أقضي في الجدّ برأيي (21).
وقول عثمان لعمر : إن اتّبعت رأيك فرأيك سديد (22). وقول عليّ (عليه السلام) : « اجتمع رأيي ورأي أبي بكر وعمر في أمّ الولد أن لاتباع ، وقد رأيت الآن بيعهنّ » (23).
وأمّا بيان الملازمة ، فلأنّ عدم إنكارهم في مثل هذا الأصل ـ الذي يبتني عليه أكثر الأحكام والقضايا ، ويدوم أثره إلى الأبد في البرايا ـ يدلّ على الموافقة ، ولو ظهر منهم الإنكار لنقل ؛ لتوفّر الدواعي على نقل مثله (24).
والجواب : أمّا أوّلا : فمنع ثبوت الملزوم ؛ لعدم ثبوت الطرق المذكورة ؛ لأنّ الأخبار المذكورة لم يثبت صحّتها ، بل ثبت عندنا وضعها ؛ لمعارضتها بما هو أقوى ، بل قاطع.
وأيضا دلالتها على المطلوب غير مسلّمة ؛ لاحتمال أن يكون الاستناد في الوقائع المذكورة إلى غير القياس ، فإنّ كلّ واحد منها يحتمل محامل غير القياس من وجوه الاجتهادات وإن كان معنى القياس موجودا فيها.
وأيضا نقول ـ بعد القطع بأنّ طريقة عليّ (عليه السلام) لم تكن العمل بالقياس ، فما نسب من خبر الشركة في السرقة إمّا فرية ، أو تمثيل للتنوير ـ : لو سلّم أنّ بعض الصحابة عمل بالقياس، فلا نسلّم عدم إنكار الباقين ، بل حصل منهم الإنكار في مواضع كثيرة على ما ذكر في المطوّلات وكتب السير ، مع أنّ عدم وصول إنكارهم لا يدلّ على عدمه ؛ لأنّ وجوب استمرار النقل بحيث يتّصل بنا غير ممكن.
وأمّا ثانيا : فمنع الملازمة ؛ لأنّ سكوت الباقين لا يدلّ على الرضى ؛ فإنّه يحتمل الوجوه المتقدّمة في الإجماع السكوتي.
ومنها (25) : ما استفاض من ذكر النبيّ (صلى الله عليه وآله) العلل في الأحكام (26) ؛ ليبتني عليها الحكم في غير تلك المحالّ ، لا كالعلل الإيمائيّة المذكورة في الأخبار السابقة.
والجواب : أنّا نمنع أنّ المقصود من ذكرها أن يقاس عليه ، بل يمكن أن يكون ذلك لبيان حكمة الحكم ، ولذا جاز النصّ على العلل القاصرة ، ولذا قيل : إنّ هذا الدليل بالقياس إلى من يمنع القياس المنصوص العلّة (27) مصادرة على المطلوب ، وبالنسبة إلى غيره نصب الدليل في غير محلّ النزاع. وأيضا يلزم منه جواز الاجتهاد للنبيّ ، وقد ثبت بطلانه عندنا ، كما يأتي (28).
هذا ، مع أنّه يمكن أن يجاب عن كلّ واحد من أمثال الأخبار المذكورة بوجه على حدة ،
مثل أن يقال في خبر الخثعميّة : إنّ قوله (صلى الله عليه وآله) فيه : « دين الله أحقّ بالقضاء » (29) يعطي الأولويّة ، ويمكن أن يكون تمثيلا ذكر للتنوير ، وهو الجواب عن الاحتجاج لقوله (صلى الله عليه وآله) بعد ما سأله عمر عن قبلة الصائم : هل توجب الإفطار؟ : « أرأيت لو تمضمضت بماء ، ثمّ مججته أكنت شاربه؟ » (30) ، على أنّا نطالبهم بصحّة هذه الأخبار.
ومنها : ما روي أنّه (صلى الله عليه وآله) قرّر معاذا على قوله : « أجتهد رأيي » (31).
والجواب : أنّه ضعيف سندا ؛ لإرساله ، ودلالة ؛ لإمكان إرادة استنباط الحكم من الأدلّة المعتبرة غير الكتاب والسنّة ، من الاجتهاد ، مع أنّه روي أنّه (صلى الله عليه وآله) لم يقرّره على قوله ، بل أمره بالمكاتبة (32).
فإن قيل : فيه شيء آخر أيضا ، وهو أنّ استلزام جواز القياس لمعاذ لجوازه لغيره في حيّز المنع إلاّ أن يقاس عليه ، فيدور.
قلت : بعد ثبوت الملزوم يعلم الاستلزام بمثل قوله : « حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (33).
ومنها : إلحاق كلّ زان بما عزّ في وجوب الرجم بجامع الزنى (34).
والجواب : أنّه بالإجماع ، أو بمثل قوله المذكور.
ومنها : أنّ القياس يفيد الظنّ ، والعمل بالظنّ واجب (35). أمّا الصغرى فوجدانيّة ، وأمّا الكبرى فلأنّ بديهة (36) العقل حاكمة بلزوم دفع المضارّ وجلب المنافع المظنونتين.
والجواب : أنّه لمّا كان في العمل به احتمال الضرر أيضا وجب التوقّف.
هذا ، مع أنّ القاطع دلّ على عدم جواز العمل بالظنّ في الأحكام إلاّ ما استثني ـ كما عرفت (37) ـ فلا يقاومه أمثال هذه الوجوه الضعيفة.
وقد استدلّوا ببعض الآيات (38) تركناها ؛ لعدم دلالتها على مطلوبهم بوجه.
____________
(1) راجع ص 444 وما بعدها.
(2) حكاه الرازي في المحصول 5 : 106 ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : 216.
(3) البقرة (2) : 169 ، والأعراف (7) : 33 ، ويونس (10) : 36 ، والإسراء (17) : 36 ، والحجرات (49) : 1.
(4) راجع : الكافي 1 : 54 ـ 59 ، باب البدع والرأي والمقاييس ، ووسائل الشيعة 27 : 35 ـ 62 ، أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به ، الباب 6 ، ح 1 ـ 52.
(5) راجع مبادئ الوصول : 216.
(6) حكاه الفخر الرازي عن النظّام في المحصول 5 : 80 ، وابن حزم في ملخّص إبطال القياس : 68 ـ 73 ؛ وقاله العلاّمة في مبادئ الاصول : 215 و 216.
(7) المستدرك على الصحيحين 3 : 547 ، وكنز العمّال 1 : 210 و 211 ، ح 1056 و 1058.
(8) حكاه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 : 179 ، باب في التقليد والقياس.
(9) قاله العلاّمة في مبادئ الوصول : 220.
(10) راجع المحصول 5 : 87 ـ 93.
(11) في ص 461.
(12) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 43.
(13) تأنيث « الاولى » إمّا باعتبار أنّ « الطريق » يذكّر ويؤنّث ، أو يكون « الطرقة » بمعنى الطريق والطريقة وجمعها « الطرق ».
(14) ذكره ابن الباجي في إحكام الفصول : 522 باختلاف يسير.
(15) حكاه ابن قدامة في المغني 7 : 22 ، وابن الباجي في إحكام الفصول : 519.
(16) راجع المغني لابن قدامة 7 : 22.
(17 و 18) حكاهما ابن الباجي في إحكام الفصول : 521.
(19 و 20) راجع : السنن الكبرى 6 : 248 ، وإحكام الفصول : 525 باختلاف يسير ، والمحصول 5 : 55.
(21) راجع : إحكام الفصول : 519 وفيه : « أقول برأيي » وهو كلام أبي بكر ، والمستصفى : 287.
(22) راجع إحكام الفصول : 521 وفيه : « إن تتّبع رأيك فرأيك أسدّ ».
(23) راجع : السنن الكبرى 10 : 348 ، وإحكام الفصول : 521. كلمة « الآن » لم ترد فيه.
(24) راجع إحكام الفصول : 525.
(25) أي من الوجوه التي قيلت لحجّيّة القياس المستنبط العلّة.
(26) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 37.
(27) حكاه الآمدي في المصدر : 41.
(28) يأتي في ج 2 ، ص 948.
(29) كنز العمّال 5 : 123 ، ح 12331.
(30) سنن أبي داود 2 : 311 ، ح 2385 ، وإحكام الفصول : 494.
(31) سنن أبي داود 3 : 303 ، ح 3592 ، وإحكام الفصول : 501.
(32) راجع : سنن ابن ماجة 1 : 21 ، باب اجتناب الرأي والقياس ، ح 55. باختلاف يسير ، وإحكام الفصول : 502.
(33) كشف الخفاء 1 : 436 ، ح 1161 ، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة : 219 ، كتاب القضاء ، ح 1.
(34) راجع الإحكام في أصول الأحكام 3 : 279 و 280.
(35) قاله الفخر الرازي في المحصول 5 : 98.
(36) في « ب » : « بداهة ».
(37) راجع ص 461.
(38) كالآية 2 من الحشر (59) ، و 66 من النحل (16) ، و 21 من المؤمنون (23) وغيرها.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|