المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7457 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


استعمال اللفظ في أكثر من معنى  
  
2523   09:34 صباحاً   التاريخ: 5-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص.104
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

قد وقع الخلاف بين الاعلام في جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد على نحو الاستقلال بنحو كان كل واحد من المعنيين أو المعاني كما إذا لم يستعمل اللفظ الا فيه على اقوال:

 ثالثها عدم الجواز بنحو الحقيقة والجواز على نحو المجاز، ورابعها التفصيل بين المفرد وبين التثنية والجمع بعدم الجواز في الاول والجواز في الثاني.

وقبل الخوض في المرام لا بأس من تمهيد مقدمة لبيان الانحاء المتصورة من الاستقلال في المقام لكي  يعلم ما هو المراد من الاستقلال المأخوذ في عنوان البحث لا يختلط عليك الامر فيما هو الحق الحقيق من هذه الاقوال، فنقول وعليه التكلان:

ان المحتملات المتصورة من الاستقلال المبحوث عنه في المقام امور:

الاول : ارادة استقلال ذات المعنى الملحوظ في الذهن في قبال عدم الاستقلال الذي هو بمعنى انضمامه مع الغير فيه سواء كان مستقلا بحسب اللحاظ ايضا كما لو تعلق بكل واحد من المعنيين لحاظ مستقل أو لم يكن مستقلا بحسب اللحاظ بان تعلق لحاظ واحد بالمجموع، وذلك من جهة انه لا تلازم بين تعدد المعنى الملحوظ وبين تعدد اللحاظ، فيمكن ان يكون المعنى الملحوظ مع كونه متعددا متعلق للحاظ واحد، كما في لحاظك نقاطا متعددة بلحاظ واحد متعلق بالمجموع، كإمكان كون كل واحد منهما متعلقا للحاظ واحد مستقل، كما انه يمكن في طرف العكس ان يكون الملحوظ مع كونه غير مستقل بذاته مورد تعلق لحاظات متعددة مستقلة كما في تصورك النقاط المتعددة خطا طويلا بإلغاء حدوداتها الخاصة وجعلك كل جزء منه مورد لحاظ مستقل، بحيث تحكم عليه بان هذا الطرف من الخط أحسن من الطرف الاخر.

 وتوهم ان لحاظ الشيء ليس الا عبارة عن تصوره وايجاده في الذهن فمع فرض وحدة المتصور وجودا في الذهن لا معنى لصيرورته متعلقا للحاظات متعددة مستقلة، كما انه في فرض تعدد المتصور لا معنى لصيرورته متعلقا للحاظ واحد، مدفوع بان تصور الشيء كما ذكرت انما هو عبارة عن ايجاد الشيء في الذهن، واما اللحاظ فهو عبارة عن توجه النفس إلى شيء ملحوظ بعد تصوره وايجاده في الذهن، ولذلك ترى في تصورك الخط الواحد بانك إذا لا حظت اوله وآخره تحكم عليه بأن اوله احسن من اخره.

الثاني : ارادة استقلال المعنى في عالم اللحاظ بمعنى ان يكون المعنيان كل واحد منهما مورد لحاظ مستقل في قبال ما لو كان المجموع مورد تعلق لحاظ واحد.

الثالث : إرادة استقلال المعنى بحسب ارادة التفهيم في قبال عدم استقلاله بحسبها، كان المعنى بحسب ذاته أو بوصف كونه ملحوظا متعددا ام لا، حيث لا تلازم ايضا بين استقلال المعنى بحسب ارادة التفهيم وبين الاستقلال بالمعنيين المتقدمين فيمكن ان يكون المعنى مع كونه مستقلا في ذاته أو بوصف كونه ملحوظا غير متعلق لإرادة التفهيم رأس فضلا عن تبعيتها في الاستقلال والضمنية لاستقلاله بحسب اللحاظ أو بحسب ذاته.

ورابعها : ارادة الاستقلال حسب مرحلة ارادة الوجود والحكم أو الاعراض الخارجية كم في العام الافرادي في قبال عدم استقلاله بحسبه كما في العام المجموعي.

فهذه محتملات أربعة متصورة فيما هو المراد من الاستقلال المبحوث عنه.

واما مقام التصديق: فينبغي القطع بعدم إرادة الاستقلال بالمعنيين الاخيرين بل وخروجهما عن حريم النزاع، بداهة ان إرادة التفهيم باللفظ وكذا ارادة الحكم، انما هي من دواعي الاستعمال، ومن هنا قد يتحقق الاستعمال ومع ذلك لا يكون في البين ارادة ولا إرادة وجود أصلا، بل وخصوص الاخير، حيث انه قد يكون إرادة الوجود متحققة بلا ذكر لفظ اصلا، وعليه فلا ينبغي توهم ارادة القائل بالامتناع مثل هذه الصورة خصوصا بعد اجتماع هذين المعنيين مع وحدة اللحاظ المتعلق بهما تفصيلا ام اجمالا عند تعلق ارادة الوجود بكل واحد منهم.

 واما ما يترائى من بعض التعابير من كون المعنيين كل واحد منهما بحيث يقع مورد للنفي والاثبات أو الحكم بهما، فالمراد منه هو الاستقلال في مرحلة النسبة الحكمية الكلامية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ باعتبار تفرعها على لحاظ المنتسبين، نظرا إلى ان استقلال المعنى بالإضافة إلى مثل هذه النسبة الكلامية فرع على لحاظ كل من المنتسبين مستقلا في مقام إرجاع المحمول إليه خصوصا مع اختلاف المنتسبين من جهة الايجاب والسلب، فان ايقاع الايجاب والسلب حينئذ لكل واحد منهما لا محالة يحتاج إلى لحاظ كل منهما بلحاظ مستقل بنحو يكون كل واحد منهما تمام الملحوظ في لحاظه، لا ان المراد هو استقلال المعنيين بحسب ارادة الوجود كما هو واضح. كيف وان لازمه هو خروج فرض استعمال اللفظ في المعنيين بنحو يكون كل واحد منهما متعلقا للحاظ مستقل إذ اعتبر تعلق حكم واحد بالمجموع كما في العام المجموعي عن حريم النزاع، مع انه كم ترى، إذ لا ينبغى الاشكال في دخول مثل هذا الفرض في مورد النزاع بينهم. وحينئذ يدور الامر في المراد من الاستقلال بين الاحتمالين الاولين، وهو استقلال ذات المعنى الملحوظ أو استقلاله بوصف الملحوظية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ.

وحينئذ نقول: بانه لو كان المراد من الاستقلال عبارة عن استقلال المعنى الملحوظ بذاته لا بوصف كونه ملحوظا كان الحق مع القائل بالجواز عقلا لضرورة عدم محذور عقلي فيه بعد امكان تعلق لحاظ واحد بأمور متعددة مبائن كل واحد مع الاخر واستعمال اللفظ فيها، كما في لحاظك النقاط المتعددة بلحاظ واحد متعلق بالمجموع، وحينئذ فلو كان فيه كلام فلابد وان يكون في جوازه لغة كما سيجئ لا في جوازه عقلا.

 واما لو كان المراد من الاستقلال هو استقلال المعنى بحسب اللحاظ وبوصف الملحوظية بنحو يقتضي تعدد النسبة في النسبة الكلامية لكان الحق مع يدعى الامتناع عقلا، بداهة استحالة ارادة المعنيين المتبائنين من اللفظ الواحد بنحو يكون كل واحد منهما متعلقا للحاظ مستقل في آن واحد فلابد حينئذ من تنقيح هذه الجهة وان المراد من الاستقلال المبحوث عنه أي واحد من المعنيين.

 

وحينئذ نقول: بان الظاهر على ما يظهر من كلماتهم إرادة الاستقلال بالمعنى الثاني وهو الاستقلال بوصف الملحوظية بنحو كان المعنيان كل واحد منهما تمام الملحوظ في مقام اللحاظ، لا ملحوظا تمامه باللحاظ ولو ضمنا، حيث ان ذلك ظاهر جماعة منهم كصاحب الكفاية (قدس سره) وصاحب البدائع وصاحب الفصول وغيرهم، قال في الكفاية في بيان المراد من الاستقلال المبحوث عنه: (هو ان يراد كل واحد كما إذا لم يستعمل اللفظ الا فيه) حيث انه ظاهر بل صريح فيما ذكرناه من الاستقلال، نظرا إلى ان حقيقة الاستعمال بعد ان كان عبارة عن ذكر اللفظ ولحاظ المعنى، فيكون قوله (قدس سره):

(كما إذا لم يستعمل اللفظ الا فيه) معناه كون كل واحد منهما تمام الملحوظ في مقام اللحاظ كما لو لم يكن الا ذاك، لأكون كل واحد منهما ملحوظا تمامه ولو بلحاظ ضمني.

ومثله عبارة البدائع حيث قال: (اعلم ان لإرادة المعنيين صورا احدها ان يطلق المشترك ويراد به المعنيان بنحو الاستقلال) ثم فسره بقوله:

(على ان يكون كل منهما مناطا للحكم ومتعلقا للنفي والاثبات كما تقول: أقرأت الهندان، تريد حاضت هذه وطهرت تلك، على سبيل التوزيع حتى كأنك ذكرت اللفظ مرتين) ومن المعلوم صراحة هذا الكلام ايضا منه فيما ذكرناه في المراد من الاستقلال المبحوث عنه باعتبار اقتضاء قوله: على ان يكون كل منها (الخ) لتعدد النسبة واختلافها الملازم ذلك مع تعدد اللحاظ ايضا، ونحوه ما عن الفصول قال فيما حكى عنه في تحرير محل النزاع:

(الرابع ان يستعمل اللفظ في كل واحد من المعنيين على ان يكون كل واحد منهما مرادا من اللفظ بانفراده كما إذا كرر اللفظ و اريد ذلك) قال: وهذا محل النزاع.

وظاهره ارادته من قوله: (على ان يكون كل واحد منهما مرادا من اللفظ بانفراده) الارادة الاستعمالية التي هي مقومة لحقيقة الاستعمال، لا ارادة التفهيم أو الوجود كما يشهد لذلك قوله بعد ذلك: (ولا فرق بين ان يكون كل واحد منهما متعلقا للحكم ومناطا للنفي والاثبات أو يكون المجموع كذلك)، وعليه فينادي كلامه بان ما هو محل النزاع انما هو صورة استقلال المعنيين في مرحلة اللحاظ لا استقلالهما بحسب ذاتهما ولو لا بوصف الملحوظية.

وربما يشهد لما ذكرن ايضا الموارد الخاصة التي استشكلوا فيها من جهة محذور استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد:

منها: في مثل قوله عليه السلام: كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر وكل شيء حلال حتى تعلم انه حرام، حيث انهم استشكلوا على من يقول بإمكان استفادة قاعدتي الاستصحاب والطهارة في الاول واستفادة قاعدتي الاستصحاب والحلية في الثاني، حيث قالوا بعدم امكان استفادة القاعدتين معا من الرواية واستحالتها، نظرا إلى احتياج القاعدة إلى ان يكون النظر فيها إلى اصل ثبوت المحمول وهو الحلية والطهارة، واحتياج الاستصحاب إلى ان يكون النظر فيها إلى حيث استمرار المحمول فارغا عن اصل ثبوته فيلزم حينئذ من ارادة القاعدتين اجتماع النظرين فيه في آن واحد وهو محال.

ومنها: في مبحث البراءة في قوله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } [الطلاق: 7]

حيث استشكلوا فيه ايضا بعدم امكان ارادة الفعل والتكليف معا من الموصول، بتقريب انه بناء على تقدير ارادة الحكم منه يكون نسبته إلى التكليف من قبيل نسبة الفعل إلى المفعول المطلق، وعلى تقدير ارادة الفعل من الموصول يكون نسبته إليه من قبيل نسبة الفعل المفعول به، فعلى فرض ارادة الحكم والفعل منه يلزم اجتماع النظرين فيه باعتبار اقتضاء تعدد النسبة التعدد في ناحية النظر واللحاظ ايضا.

ومنها: في قوله: (لا تنقض اليقين بالشك) من حيث امكان استفادة الاستصحاب وقاعدة اليقين منه فراجع.

ومنها: غير ذلك من الموارد الاخر، حيث انه يعلم من ذلك كله بان ما هو مورد البحث في الجواز والامتناع انما هو صورة استعمال اللفظ في المعنيين بنحو يكون كل واحد منهما مستقلا في مرحلة النسبة الكلامية الملازم مع استقلالهما في الملحوظية ايضا، لا صورة مطلق استعمال اللفظ في المتعدد ولو بنحو كان المجموع متعلقا للحاظ واحد.

وعليه نقول: بانه لو بنينا في وضع الالفاظ على المرآتية كما هو التحقيق ايضا فلا ينبغى الاشكال في ان الحق مع من يدعى الامتناع العقلي من جهة ما فيه من استلزامه لاجتماع اللحاظين في آن واحد في لفظ واحد للحاظ واحد وهو من المستحيل.

واما لو بنينا فيه على الا مارية التي لازمها سببية اللفظ لانتقال الذهن بدوا إلى المعنى الموضوع له كما شرحناه سابقا نظير الدخان الذي هو سبب لانتقال الذهن إلى وجود النار بدوا وبل توسيط شيء فقد يقال فيه بالجواز واختاره -الاستاذ دام ظله- في درسه الشريف ايضا، بتقريب ان مناط الاستحالة انما هو حيث اجتماع اللحاظين والنظرين في منظور واحد، وهو غير متحقق بناء على الا مارية، لانه عليها لا يكون اللفظ واسطة للانتقال ومورد لتعلق اللحاظ بدوا كما على المرآتية بحيث يكون الانتقال إلى المعنى بتوسيط اللفظ ومن باب السراية منه إليه حتى يلزمه اجتماع اللحاظين والنظرين في شيء واحد، بل وانما اللفظ على هذا المبنى يكون سببا لانتقال الذهن بدوا وبلا واسطة إلى المعنى، نظير سببية الدخان للانتقال إلى وجود النار وسببية شيء كذائي للانتقال إلى ملزومه ولوازمه.

 وحينئذ فإذا كان المعنى متعددا ذاتا وكان اللفظ سببا للانتقال إلى المعنى لا انه كان واسطة للانتقال وللسراية منه إلى المعنى، فلا باس بان يتعلق بكل واحد من المعنيين لحاظ مستقل لانه ليس من باب اجتماع اللحاظين في شيء واحد حتى يقال بامتناعه واستحالته، ومجرد كون اللحاظين مجتمعين في آن واحد حينئذ غير ضائر بعد فرض تعدد المتعلق فانه ليس بأعظم من اجتماع الضدين كالحب والبغض وغيرهما من صفات النفس مع ان اجتماعهما في الآن الواحد عند فرض تعدد المتعلق مما لا يكاد ينكر كما في محبة الانسان لولده وبغضه لعدوه.

وحينئذ فإذا امكن اجتماع الضدين في الآن الواحد عند فرض تعدد المتعلق فليكن كذلك في المثلين في مفروض المقام.

وعليه فلا ينبغي مجال الاشكال في امكان استعمال اللفظ الواحد في المعنيين على الا مارية بإرادة كلا المعنيين منه المعنى الحقيقي والمجازي كما هو واضح.

اقول: ولكن الذي يقوى في النظر هو عدم الفرق في الاستحالة بين المسلكين وانه لا يجدي في رفع الاستحالة مجرد تعدد المتعلق كم يجدي في مثل الحب والبغض والارادة والكراهة، إذ نقول بان النفس بعد ما توجهت إلى شيء ولا حظته بتمام التوجه واللحاظ يستحيل توجهها في ذاك الآن إلى شيء آخر يغايره ويباينه على نحو توجهها بما توجهت إليه اولا.

 وهذا المعنى من الوجدانيات التي لا تحتاج إلى اقامة البرهان عليه، ولذ ترى من نفسك عند توجهك إلى أمر من الامور العلمية أو غيرها الغفلة في ذلك الآن عن بقية الامور ومن المعلوم انه ليس ذلك الا من جهة ما اشرنا إليه من الاستحالة.

ومقايسته المقام بسائر صفات النفس من الحب والبغض ونحوهما ممنوعة، بان مثل الحب والبغض ونحوهما امور قهرية عارضة على النفس بلحاظ مناشئها الخاصة، فمن ذلك امكن اجتماعها عند فرض تعدد المتعلق واين ذلك واللحاظ الذي هو من الامور الاختيارية للنفس!

فعلى ذلك لا فرق في الاستحالة بين القول بمرآتية اللفظ للمعنى أو اماريته فان مناط الاستحالة انما هو حيث اجتماع اللحاظين في آن واحد للحاظ واحد، كان في العالم لفظ ام لا قلنا بمرآتية اللفظ أو امارتيه كما هو واضح، اللهم الا ان يدعى بان ذلك انما يتم فيما لو كان المعنيان كل واحد منهما متعلقا لتمام اللحاظ على معنى ان تمام اللحاظ كما تعلق بهذا المعني كذلك تعلق ايضا بذلك المعنى الآخر، إذ حينئذ يتوجه المحذور المزبور ولو على أمارية اللفظ باعتبار ان لازم تعلق تمام اللحاظ بشيء هو الغفلة عما عداه. ولكنه ليس كذلك، بل المدار في الاستقلال بحسب اللحاظ انما هو استقلال كل من المعنيين في عالم تعلق اللحاظ على نحو كان كل منهما تمام الملحوظ لا تمام الملحوظ بتمام اللحاظ، والفرق بينهما واضح. فعلى ذلك فلا بد من التفصيل بين القول بالمرآتية وبين القول باللأمارية في الجواز والامتناع، بالمصير إلى الجواز عقلا في الثاني والامتناع عقلا في الاول، ولكن حيث ان التحقيق في المسلكين هو مسلك المرآتية دون الا مارية كما تقدم بيانه في محله فلا جرم يتعين القول بالامتناع عقل من دون فرق في الاستحالة بين الحقيقة والمجاز ولا بين المفرد وبين التثنية والجمع فان مناط الاستحالة متحقق على جميع الصور والتقادير.

واما الانتقاض ببابي العام الاستغراقي والوضع من حيث كون كل فرد من افراد العام محكوما بحكم شخصي مستقل وهكذا في الوضع في عام الوضع وخاص الموضوع له، فمدفوع بما مر سابقا من خروج نحو ذلك عما هو مورد الكلام، فان مورد الكلام كما عرفت انما هو صورة استعمال اللفظ في المتعدد بم هو متعدد بحسب اللحاظ بنحو يكون المعنيان كل واحد منهما تمام الملحوظ باللحاظ لا بحسب ارادة الوجود خارجا، على ان الحكم في مثل قوله اكرم العالم لا يكون الا حكما واحدا متعلقا بأمر واحد وهو العنوان العام، غايته هو انحلاله بحسب التحليل إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد العام واين ذاك وتعدده في مرحلة الانشاء الكلامي كما هو واضح كيف ولازمه انتهاء الامر إلى انشاآت احكام غير متناهية عند عدم تناهي افراد العام وهو كما ترى.

وكيف كان فهذا كله بناء على كون المراد من الاستقلال المبحوث عنه هو الاستقلال في مرحلة النسبة الكلامية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ، وعليه قد عرفت بان التحقيق فيه هو الامتناع عقل مطلقا بناء على ما هو التحقيق في وضع الالفاظ من المرآتية لا الاماريه من دون فرق بين الحقيقة والمجاز ولا بين المفرد والتثنية والجمع.

واما بناء على ارادة استقلال ذات المعنى الملحوظ من الاستقلال المبحوث عنه فعليه قد عرفت جوازه عقلا مطلقا ولو على المرآتية في الالفاظ نظرا إلى وضوح امكان تعلق لحاظ واحد بأمور متعددة بما هي متعددة. وحينئذ فالاستعمال بهذا النحو مما لا مجال لدعوى امتناعه عقلا بل ولا يظن من القائل بالامتناع ارادة هذه الصورة فان تمام همهم في المنع عقلا انما هو صورة استقلال المعنيين بوصف الملحوظية. نعم بعد ما امكن هذا القسم من الاستعمال في نفسه ولم يقم برهان عقلي على امتناعه يبقى الكلام في جوازه لغة وانه هل يجوز ذلك مطلق أو لا يجوز كذلك أو يفصل بين المفرد وغيره؟

فنقول انهم ذكروا في المنع عن صحة الاستعمال على الوجه المزبور وجوها:

منها: ما افاده بعض المحققين في بدايعه حيث قال ما حاصله: ان الاستعمال على الوجه المزبور امر ممكن لم يقم على المنع عنه دليل عقلي، ولكنه يمنع عن صحة استعماله عدم معهودية الاستعمال بهذا النحو في كلام العرب نظما ونثرا كما يظهر عند التتبع واستقراء كلماتهم ممن يعتد بشأنه من الخطباء وغيرهم، فإذا فرض عدم مساعدة اهل اللسان على مثل هذا النحو من الاستعمال وخروجه عم هو المأنوس والمتعارف عندهم فلا جرم يكون الاستعمال غلطا غير صحيح من جهة عدم كونه من اللغة المتحاور فيها علاوة عما نرى بالوجدان من ابائه عن التعبير عن المعاني المختلفة بلفظ واحد ولو في الموارد المطلوب فيها الايجاز والاختصار.

أقول: ولا يخفى عليك انه لو تم هذا الدليل لكان مقتضاه عدم الفرق في المنع بين المفرد وغيره ول بين ان يكون الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز.

ومنها: ما افاده صاحب المعالم (قدس سره) حيث منع عن الاستعمال المزبور في المفرد بنحو الحقيقة لاعتباره قيد الوحدة في الموضع له، والتزم بالجواز في غيره حيث قال بعد اختيار الجواز: لنا على الجواز انتفاء المانع بما سنبينه من بطلان ما تمسك به المانعون، وعلى كونه مجازا في المفرد تبادر المعنى منه مفردا عند اطلاق اللفظ فيفتقر ارادة الجميع إلى الغاء قيد الوحدة فيصير اللفظ مستعملا في خلاف موضوعه لكن وجود العلاقة المصححة للتجوز أعنى علاقة الكل والجزء يجوزه فيكون مجازا.

واستدل ايضا على كونه بنحو الحقيقة في التثنية والجمع بانهما في قوة تكرار المفرد بالعطف (انتهى كلامه قدس سره) اقول: الظاهر ان مراده (قدس سره) من الوحدة التي اعتبرها في المعنى والموضوع له هي وحدة المعنى وانفراده عن الشريك في مرحلة الوضع لا الوحدة الذاتية التي يعتبرها العقل من المعنى كي يرد عليه: بانه لا شبهة في بقاء المعنى على حاله حتى في حال استعمال اللفظ في المتعدد من دون انقلابه عما هو عليه من الوحدة الذاتية بانضمام الغير معه فكان المعنى على وحدته ولو انضم إليه الف معنى في مقام الاستعمال حيث كان المستعمل فيه حينئذ عبارة عن الف واحد ولا وحدة المعنى وجودا على معنى كون المعنى منفردا دائما بحسب الوجود، كي يرد عليه: بانه لا معنى لدعوى وضع اللفظ للمعنى بشرط انفراده في عالم الوجود وعدم وجود معنى آخر، كيف وان مثل ذلك مما لا ينبغي ان يحتمل صدوره عن عاقل فضلا عن مثله قدس سره الشريف وحينئذ فيتعين ان يحمل الوحدة المذكورة في كلامه على ما ذكرناه من وحدة المعنى وانفراده عن الشريك حال الوضع. نعم على ذلك ايضا يتوجه عليه اشكال المحقق القمي (قدس سره) بعدم امكان اخذ مثل هذه الوحدة الناشئة من قبل قصر الوضع قيدا في ناحية المعنى والموضوع له لأنها باعتبار نشوها من قبل قصر الوضع تكون في رتبة متأخرة عن ذات المعنى والموضوع له، ومع فرض تأخرها عنه رتبة يستحيل اخذها قيدا له وحينئذ فلابد من تجريد المعنى عن مثل هذه الوحدة ايضا ومع التجريد لا يبقى الا ذات المعنى عارية عن حيث التقيد بالوحدة، وعليه فلا يكون استعمال اللفظ المفرد في المتعدد من الاستعمال المجازي، بل امره دائر بين كونه غلطا من رأسه وبين كونه استعمالا حقيقيا. بل قد يقال بالمنع عن صحة الاستعمال المزبور مجازا ايضا ولو مع تسليم تقيد المعنى بقيد الوحدة والانفراد، بتقريب ان المستعمل فيه اللفظ لما كان هو المعنى الملحوظ معه آخر فلا جرم يكون الاستعمال المزبور من الاستعمال في المعنى المباين نظرا إلى مباينة المعنى المقيد بالانفراد عن الشريك مع المعنى معه الشريك وحينئذ فبعد ما لم يكن علاقة في البين تجوز الاستعمال المزبور فلا جرم يصير الاستعمال غلطا محضا.

ومنها: ما افاده المحقق القمي (قدس سره) في وجه المنع عن صحة الاستعمال المزبور حيث قال ما حاصله: بان الوضع انما كان في حال وحدة المعنى وانفراده ولو لم يكن بشرط الوحدة وحينئذ يكون التعدي عن تلك الحالة إلى حالة اخرى يعنى حالة انضمام الغير مع المعنى تعديا عما هو وظائف الوضع وخارجا عن قانونه، وكل استعمال لا يلاحظ فيه وظائف الوضع كان خارجا عن قانون اللغة وكان من الاغلاط لعدم كونه من الحقيقة ولا المجاز.

 ولقد اورد عليه بان حال الوحدة بعد ما لم تكن قيدا للوضع ولا للموضوع له لا مانع عن جواز الاستعمال المزبور، ومن ذلك ترى انه لا مانع عنه في الاعلام مع ان الوضع فيها كان في حال بعض الاوصاف حيث يصح استعمالها في مسمياتها عند زوال تلك الاوصاف بل وعند طرو ما يضاده ايضا.

اقول: ولا يخفى عليك انه لا مجال لا يراد هذا الاشكال عليه (قدس سره) إذ نقول: بان الغرض من الوضع بمقتضي صرافة الطبع بعد ان كان هو مرآتية اللفظ للمعنى في حال انفراده عن الشريك لا مطلقا حتى في حال عدم انفراده وانضمام معنى آخر إليه، فلا جرم بمقتضي تضيق دائرة الغرض وعدم سعته يطرأ نحو ضيق ايضا على موضوع وضعه فيكون وضعه بهذا الاعتبار مقصورا في حال وحدة المعنى وانفراده عن الشريك ويكون الموضوع له ايضا عبارة عن نفس ذات المعنى لكن لا الذات المطلقة ولو كان معها الشريك ول المقيدة بقيد الانفراد، لما تقدم في جواب صاحب المعالم من امتناع اخذ مثل القيد الناشئ من جهة قصر الوضع في ناحية المعنى والموضوع له.

ومن المعلوم حينئذ انه بعد عدم امكانه اخذ الوحدة والانفراد في ناحية الموضوع له وعدم اطلاقه ايضا حسب قصور دائرة الوضع فلا جرم لا يبقى في البين الا ذات المعنى في حال الوحدة بنحو القضية الحينية لا الوصفية المعبر عنه في كلامه (قدس سره) بان الموضوع له هو المعنى في حال الوحدة لا بشرط الوحدة كي تكون قيدا للمعنى ولا لا بشرط الوحدة.

 وحينئذ فعلى ذلك لا يبقى مورد للأشكال المزبور، إذ نقول: بان عدم صحة الاستعمال المزبور حينئذ انما هو من جهة عدم اطلاق المعنى الموضوع له وتضيفه الناشئ من قبل قصور الوضع إذ حينئذ يصير الاستعمال المزبور خارجا عن قانون الوضع واللغة ويكون من الاغلاط. نعم لو ان احدا منع عن ذلك لابد له من المنع عن المقدمة الاولى بدعوى: ان الغرض من الوضع انما هو جعل مطلق المرآتية للفظ بالنسبة إلى معناه ولو ضمنا لا جعل المرآيتة المطلقة له كي يلزمه قصور وضعه عن الشمول الا لحال انفراد المعنى عن الشريك فيترتب عليه عدم صحته استعماله في حال انضمام الغير معه، وحينئذ فإذا لم يقتض الوضع الا مطلق مرآتية اللفظ للمعنى ولو في ضمن الغير يترتب عليه صحة الاستعمال في المعنيين فإذا كان اللفظ بحسب وضعه مشترك بين المعنيين يكون استعماله فيهما استعمالا حقيقيا وإذا لم يكن. اللفظ مشتركا يكون الاستعمال المزبور بالنسبة إلى المعنى الحقيقي استعمالا حقيقيا لتحقق المرآتية بالنسبة إلى المعنى الآخر يكون الاستعمال استعمالا مجازيا، هذا. ولكن الانصاف هو بعد دعوى كون قضية الوضع هو جعل مطلق المرآتية للفظ بالنسبة إلى معناه ولو ضمنية كيف ولازمه في مثل قوله اكرم العالم مثلا هو الحكم بالإجمال من جهة عدم امكان استفادة ان العالم هو تمام الموضوع لهذا الحكم وذلك لاحتمال ان يكون الاستعمال المزبور في قوله (العالم) استعمالا في المعنى الحقيقي والمجازي الملازم في المثال لكون عنوان العالم جزء الموضوع لحكم وجوب الاكرام وجزئه الاخر معنى آخر مجازي، ومن المعلوم انه مع هذا الاحتمال لا مجال للحكم بان تمام الموضوع للحكم المزبور هو عنوان العالم ما لم يكن هناك ما يدفع الاحتمال المزبور، وحيث انه لا يكون في البين ما يدفع به الاحتمال المزبور فلا جرم نفس احتماله موجب للتوقف وعدم الحكم بانه تمام الموضوع للحكم المزبور، مع ان ذلك كما ترى خلاف ما استقر عليه بناء اهل المحاورة، حيث لا شبهة في حكمهم في نحو المثال المزبور بان ما هو تمام الموضوع هو نفس عنوان العالم. وهذا بخلافه على المرآتية المطلقة فانه عليه يكون للفظ بمقتضي وضعه ظهور في معناه وبمقتضي اصالة الظهور يحكم في المثال بان ما هو تمام الموضوع للحكم انما هو عنوان العالم الذي كان اللفظ حاكيا عنه ويدفع به احتمال كونه جزء الموضوع. بخلافه على مطلق المرآتية فانه عليه لا يكون للفظ ظهور في ان عنوان العالم هو تمام الموضوع للحكم بوجوب الاكرام كي يقتضي اصالة الظهور فيه دفع احتمال انضمام الغير معه في عالم الموضوعية للحكم، بل اقصى ما يقتضيه الوضع حينئذ انما هو ظهور اللفظ في دخل عنوان العالم في الموضوع، واما كونه تمام الموضع فلا، وحينئذ فبعد احتمال ارادة المعنى الحقيقي والمعنى المجازي من لفظ العالم فلا جرم لابد من سد باب هذ الاحتمال، وحيث انه لا يكون في البين ما يدفع به الاحتمال المزبور فلا جرم لابد من التوقف والحكم بالإجمال. واما اصالة عدم القرينة فهى ايضا غير مثمرة، لان اقصى ما تقتضيه انما هو نفى وجود الامارة على ارادة المجاز لا نفى احتمال ارادة المجاز واقعا، نعم هي مثمرة بناء على المرآتية المطلقة لانه عليه يكون وجود الامارة على المجاز مانعا عن التمسك بأصالة الحقيقة والظهور، فبعد جريان اصالة العدم تجرى اصالة الظهور ويثبت بها ان ما هو تمام الموضوع هو نفس عنوان العالم. وحينئذ فنفس بناء اهل المحاورة وارتكازهم على عدم الاعتناء باحتمال ارادة المعنى المجازي في نحو المثال المزبور واستفادتهم ان ما هو تمام الموضوع هو نفس عنوان العالم ربما يساعد على المرآتية المطلقة وعليه يتوجه الاشكال المتقدم حيث انه في فرض الاستعمال في المتعدد يدور امر ذلك الاستعمال بين كونه غلطا رأسا باعتبار خروجه عما عليه قانون الوضع واللغة كما افاده المحقق القمي (قدس سره) حتى بالنسبة إلى معناه الحقيقي وبين كونه مجازا بناء على فرض وجود العلائق المجوزة للاستعمال فعلى كل حال يخرج الاستعمال المزبور عن كونه استعمالا حقيقيا كما هو واضح.

وكيف كان فهذا كله في المفرد.

 واما التثنية والجمع: فالمصرح به في كلام جماعة منهم صاحب المعالم جوازه بنحو الحقيقة، نظرا إلى دعوى كونهما في قوة تكرير المفرد بالعطف. ولكن التحقيق خلافه، إذ نقول: بان ما يرى من التعدد في التثنية والجمع فإنما ذلك من جهة افادة العلامة ذلك، حيث كانت موضوعة بمقتضي وضعها لتقيد مدخولها بالتعدد، لا انه كان من جهة الاستعمال في المتعدد حتى يقال بجوازه في التثنية والجمع، فالمدخول في مثل الرجلين والعينين لا يكون إلا مستعملا في معنى واحد وهو صرف الطبيعة الا ان الهيأة فيهما دلت بمقتضي وضعها على تقيد ما يراد من المدخول بالتعدد وكونه في ضمن الوجودين، وعليه فلا يرتبط ذلك بمسألة استعمال اللفظ في المعنيين، كما هو واضح. هذا إذا اريد من المدخول صرف الطبيعة التي هي معنى كلي قابل للتعدد، ومن العلامة افادة التعدد من المدخول، أو تقيده بالتعدد كما هو التحقيق في كلية اوضاع الهيئات ولقد عرفت انه خروج عن كونه من الاستعمال في المتعدد. ومثله ما لو اريد التعدد من مجموع المدخول و العلامة، ولو بدعوى وضع المجموع مادة وهيئة للمتعدد نظير اوضاع الجوامد كما توهم، إذ على ذلك المسلك ايضا يخرج الاستعمال المزبور عن كونه من الاستعمال في المتعدد، كما هو واضح.

 واما لو اريد من المدخول التعدد: فأما ان يراد من العلامة ايضا تعدد ما يراد من المدخول على ما هو قضية وضعها، واما ان يجعل العلامة قرينة على ارادة التعدد من نفس المدخول، فان كان الاول ففساده واضح، من جهة استلزامه حينئذ لان يكون مفاد التثنية في قولك (رجلان وعينان) اربعة، وهو كما ترى، فانه مع مخالفته للوجدان لا يلتزم به احد، وان كان الثاني فلازمه صحة استعمال اللفظ في المتعدد ولو في المفرد، فيبطل القول بالتفصيل بين المفرد وبين التثنية والجمع، كما هو واضح. ولكن التحقيق في التثنية والجمع هو ما عرفت من ان استفادة التعدد انما هو من مدلول الهيئة والعلامة باعتبار وضعها لتقيد مدخولها بالتعدد وفي ضمن الوجودين، وعليه قد عرفت بخروجها رأسا عن باب استعمال اللفظ في المتعدد، فانه بعد انحلال الوضع فيهم إلى وضعين بحسب المدخول والعلامة، فلا جرم يكون المدخول دالا على صرف الطبيعة القابلة للتعدد والعلامة على تقيده بالتعدد. ثم ان هذا كله في مثل اسامى الاجناس مما كان قابلا للتعدد واما ما لا يكون قابلا للتعدد كالأعلام الشخصية واسماء الاشارة فيشكل فيها امر التثنية الجمع إذ لا يجري فيها ما ذكرناه في تثنية اسامى الاجناس، فلا بد فيها اما من الالتزام بان الوضع انما كان من قبيل وضع الجوامد وان مثل زيدان وهذان مثلا وضع مادة وهيئة مجموعا لفردين على خلاف اوضاع التثنية والجمع في اسامى الاجناس، واما من الالتزام بكفاية مجرد الاتفاق في اللفظ فيها بلا حاجة إلى الاتفاق في اللفظ فيها بلا حاجة إلى الاتفاق في المعنى ايضا، أو الالتزام بالتأويل بالمسمى ليصير كليا قابلا للتعدد فيرد عليه العلامة. ولكن الجميع كما ترى، اما الاول فلبعده جدا لكونه على خلاف الارتكاز فان وضع تثنية الاعلام بحسب الارتكاز انما هو كتثنية اسامى الاجناس وحينئذ فالتفرقة بينهما بجعل وضع التثنية والجمع في غير الاعلام الشخصية وضعا انحلاليا وفيها من قبيل وضع الجوامد في غاية السخافة كم هو واضح.

واما الثاني فبمنع كفاية مجرد الاتفاق في اللفظ في التثنية والجمع بل يعتبر فيها علاوة عن الاتفاق في اللفظ الاتفاق بحسب المعنى ايضا.

واما الثالث فبان التأويل بالمسمى من المجاز المحتاج إلى رعاية عناية فيه وهو مما يأبى عنه الطبع والذوق في مثل زيدان وحسنان حيث لا يكاد انسباق الذهن منه إلى المسمى بزيد بوجه اصلا، نعم قد يفضى الحاجة إلى التأويل المزبور في بعض الموارد كما في قولك جئني بمن هو مسمى بزيد، أو اعط الدرهم من هو مسمى بمحمد لكن ذلك ايضا مع اقامة القرينة الخاصة عليه واين ذلك والمقام الذي لا يرى فيه قرينة على ذلك، على انه لو سلم ذلك في مثل الاعلام الشخصية لا يكاد يجرى الكلام المزبور في مثل اسماء الاشارة كهذين ونحوه مما له توغل محض في التعريف. ودعوى عدم كون مثل هذين من التثنية حقيقة بل هو من باب كونه موضوع للإشارة إلى فردين بعيد جدا، فان الظاهر ان مثل هذين تثنية لهذا، لا انه موضوع بمجموعة مادة وهيئة للإشارة إلى الفردين من المذكر كما هو واضح، وحينئذ فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتوجه الاشكال بانه كيف المجال لتثنية الاعلام واسماء الاشارة مع عدم قابلية المدخول فيها للتعدد. وحينئذ فالأولى في حل الاشكال هو ان يقال: بان التثنية والجمع في باب الاعلام في نحو زيدان وزيدون انما هو باعتبار لفظ زيد الذي هو كلي قابل للتعدد لا باعتبار مدلوله ومعناه، نظير باب استعمال اللفظ في نوعه، فأريد من المدخول حينئذ نفس طبيعة اللفظ ومن العلامة تقيده بالتعدد ولكنه لا بنحو يكون اللفظ بنفسه منظورا استقلاليا في قبال معناه بل بما انه مرآة إلى معناه بحيث كان النظر إليه نظرا عبوريا وكان المنظور بالاستقلال هو المعنى، كما في قولك:

رأيت زيد بن أي زيد بن عمرو وزيد بن بكر، في قبال ما لو كان المنظور بالاستقلال هو اللفظ خاصة، كقولك: اكتب زيدين أو اقرأ زيدين، حيث كان النظر الاستقلالي فيهما بتمامه إلى خصوص اللفظ بلا نظر إلى مدلوله ومعناه، وعليه فيدفع الاشكال المزبور حيث نقول: بانه يراد من العلامة في مثل زيدين فردان من طبيعة لفظ زيد على نحو يكون كل فرد حاكيا عن معنى خارجي. هذا بالنسبة إلى الاعلام الشخصية. واما اسماء الاشارة فالأمر فيها اسهل بناء على ما تقدم منا في المبهمات من دعوى كونها موضوعة للذوات المبهمة بما هي متخصصة بخصوصية الاشارة أو المعهودية ونحوهما بنحو خروج القيد ودخول التقيد، حيث انه على هذا المسلك يكون المدخول في مثل هذين والذين وهما، مفاده كليا قابل للتعدد، كما في اسامى الاجناس، فمن هذه الجهة يكون حالها حال اسامى الاجناس بل ورود اشكال فيها، نعم على المسلك الآخر فيها من وضعه لمصداق الاشارة إلى المفرد المذكر كما ادعى لا شكل امر التثنية والجمع فيها، فمن ذلك لابد من القول في مثل هذين بان الوضع فيه انما هو كوضع الجوامد بدعوى ان هذين وضع مادة وهيئة وضعا واحدا للإشارة إلى الفردين من المذكر فلا يكون تثنية حقيقة، ولكنه قد تقدم سخافة هذا المسلك، فان لازم جعلها موضوعة لنفس الاشارة انما هو صيرورة معناها معنى حرفيا ولازمه هو عدم جواز اجراء احكام الاسم عليها من الاخبار عنها تارة وبها اخرى مع انه كما ترى، وحينئذ فكان صحة اجراء احكام الاسماء عليه كاشفا عن فساد المسلك المزبور.

 وهذا بخلافه على ما اخترناه من المسلك في أوضاع المبهمات من جعل الموضوع له فيها عبارة عن الذوات المبهمة المتخصصة بخصوصية الاشارة أو المعهودية أو غيرهما، حيث انه باعتبار اسمية مداليلها كان المجال لأجراء احكام الاسم عليها كما انه باعتبار كلية مداليلها يصح ايضا تثنيتها وجمعها كما في أسامي الاجناس من دون منافاة ذلك ايضا مع كونها معرفة لما تقدم في محله بأن جهة تعرفه انما كانت بلحاظ تقيد مداليلها بالإشارة أو المعهودية الذهنية كما لا يخفى فتدبر.

 تنبيه - قد يقال : بانه كيف منعتم عن جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد مع انه واقع في الكتاب العزيز على ما نطق به غير واحد من الاخبار بان للقرآن بطونا سبعة أو سبعين، ولكنه يندفع ذلك بإمكان ان يكون المراد من البطون في الاخبار ما هو من اللوازم للمعنى المطابقى التي كان بعضها اخفى من بعض ولا يصل إليها عقولنا ول يعلمها الا من خوطب به، إذ عليه لا يكون ذلك مربوطا بمسألة استعمال اللفظ في المتعدد كي ينتج للقائل بالجواز، ومع الغض عن ذلك نقول ايضا: بانه يمكن ان يكون المراد من البطون هي المصاديق العديدة لمعنى واحد كلى التي تتفاوت في الظهور والخفاء، وعليه أيضا لا يرتبط ذلك بباب استعمال اللفظ في المتعدد إذا لمستعمل فيه حينئذ لا يكون إلا معنى واحدا كليا، غايته انه لذلك المعنى الكلي مصاديق عديدة بعضها اخفى من بعض بحيث لا يصل إليها عقولنا ولا يعلمها الا النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي والائمة من ولده (عليهم السلام) لكونهم هم المخاطبين به فباعتبار خفاء تلك المصاديق وعدم علمنا به عبر عنها في الاخبار المروية عنهم عليهم السلام بالبطون، فتدبر.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحسيني الثاني عشر في جامعة بغداد تعلن مجموعة من التوصيات
السيد الصافي يزور قسم التربية والتعليم ويؤكد على دعم العملية التربوية للارتقاء بها
لمنتسبي العتبة العباسية قسم التطوير ينظم ورشة عن مهارات الاتصال والتواصل الفعال
في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية