أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2018
![]()
التاريخ: 8-5-2020
![]()
التاريخ: 13-4-2017
![]()
التاريخ: 23-10-2014
![]() |
وأمّا ذكر الأدلّة النقليّة ليجتمع البحران ، ويطابق العقل مع النقل سيّما القرآن ، فيتوقّف على ملاحظة الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب ففيه آيات كثيرة :
منها : قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [إبراهيم: 32] الآية.
ومنها : قوله تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25].
ومنها : قوله تعالى : {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل: 4].
ومنها : قوله تعالى : {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5].
ومنها : قوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
بيان :
قال الطبرسي في جوامع الجامع : « والمعنى أنّ الموعود ـ من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم ـ سيرونه ويشاهدونه ، فيتبيّنون عند ذلك أنّ القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كلّ شيء شهيد ، أي مطّلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنّه حقّ ، وأنّه من عنده ». (1)
والظاهر أنّ المراد الاستدلال بالحقّ ـ الشاهد على كلّ شيء ـ على وجوده ، بمعنى أنّ آثار وجوده تعالى متحقّقة في الأنفس والآفاق من جهة ملاحظة أصل الوجود واختلاف الألسنة والألوان والحجم والاستحكام وأمثال ذلك من الآثار الممكنة المحتاجة إلى المدبّر القادر العالم الحكيم ، فبعد ملاحظتها يظهر أنّ الواجب الوجود بالذات موجود حقّ ، فبمشاهدة الأثر يحكم بوجود المؤثّر ، وبملاحظة أنّ وجود الأثر مستند إلى وجود المؤثّر يدرك وجود الحقّ في كلّ شيء حتّى كأنّه مشاهد ، فيكفي مشاهدته في الحكم بوجوده تعالى على وجه أجلى وأحلى وأعلى وأغلى وأولى ؛ لأنّه برهان إنّيّ كالبرهان اللمّيّ.
وتوهّم (2) أنّ المراد أنّه استدلال بالحقّ على الحقّ على وجه الحقيقة فاسد ؛ لأنّه يتمّ على مذهب من يقول بوحدة الوجود ، كما لا يخفى ، وهو كفر وزندقة.
إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على وجود الصانع من باب البرهان الإنّي ، البالغة إلى أربع وسبعين آية على ما عددتها.
وأمّا السنّة :
فمنها : ما روي عن هشام بن الحكم أنّه قال : كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام أن قال : ما الدليل على صانع العالم؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : « وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها ، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ ، علمت أنّ له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟ ».
قال : وما هو؟ قال : « شيء بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي : « شيء » إلى إثباته ، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة غير أنّه لا جسم ولا صورة ، ولا يجسّ ولا يحسّ ، ولا يدرك بالحواسّ الخمس ، ولا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا يغيّره الزمان».
قال السائل : فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا ، قال أبو عبد الله عليه السلام : « لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منّا مرتفعا ؛ فإنّا لم نكلّف أن (3) نعتقد غير موهوم ، لكنّا نقول : كلّ موهوم بالحواسّ مدرك بما تحدّه الحواسّ ممثّلا ، فهو مخلوق ، ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين ، إحداهما : النفي ؛ إذ كان النفي هو الإبطال والعدم. والجهة الثانية : التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أنّهم مصنوعون وأنّ صانعهم غيرهم وليس مثلهم ؛ إذ لو كان مثلهم لكان شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف ، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا ، وتقلّبهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوّة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها ».
قال السائل : فأنت قد حدّدته إذا أثبتّ وجوده. قال أبو عبد الله عليه السلام : « لم أحدّده ولكن أثبتّه ؛ إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة ».
قال السائل : فقوله : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : «بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أنّ العرش حاو له ، ولا أنّ العرش محلّ له ، لكنّا نقول : هو حامل للعرش وممسك للعرش ، ونقول في ذلك ما قال : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } [البقرة: 255] فثبّتنا من العرش والكرسيّ ما ثبّته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له ، وأن يكون ـ جلّ وعزّ ـ محتاجا إلى مكان أو إلى شيء ممّا خلق ، بل خلقه محتاجون إليه ».
قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟
قال أبو عبد الله عليه السلام : « ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ؛ لأنّه جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزّ وجلّ ». (4) وهذا تجمع عليه فرق الأمّة كلّها.
بيان :
المراد بالشيئيّة ما يساوق الوجود ، أو نفسه ، والمراد بيان عينيّة الوجود ، أو قطع لطمع السائل عن تعقّل كنهه ، بل لا يعقل إلاّ بأنّه شيء ، وأنّه بخلاف الأشياء.
و« الجسّ » كما قيل بالجيم : المسّ.
قوله : « فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا » أي يلزم ممّا ذكرت أنّه لا تدركه الأوهام ؛ إذ كلّ ما يحصل في الوهم فهو مخلوق ، فأجاب عليه السلام بأنّه تعالى لا تدرك كنه حقيقته العقول والأوهام ، ولا يتمثّل أيضا في الحواسّ ؛ إذ هو مستلزم للتشبيه بالمخلوقين ، ولو كان كما توهّمت ـ من أنّه لا يمكن تصوّره بوجه من الوجوه ـ لكان تكليفنا بالتصديق بوجوده وتوحيده وسائر صفاته تكليفا بالمحال ؛ إذ لا يمكن التصديق بثبوت شيء لشيء بدون تصوّر ذلك الشيء، فهذا القول مستلزم لنفي وجوده وسائر صفاته عنه تعالى ، ولا بدّ في التوحيد من إخراجه عن حدّ النفي والتعطيل ، وعن حدّ التشبيه بالمخلوقين.
ثمّ استدلّ عليه السلام بتركيبهم وحدوثهم وتغيّر أحوالهم وتبدّل أحوالهم وأوضاعهم على احتياجهم إلى صانع منزّه عن جميع ذلك غير مشابه لهم في الصفات الإمكانيّة ، وإلاّ لكان هو أيضا مفتقرا إلى صانع ؛ لاشتراك علّة الافتقار.
قوله : « فقد حدّدته إذا أثبتّ وجوده » أي إثبات الوجود له يوجب التحديد ، إمّا بناء على توهّم أنّ كلّ موجود لا بدّ أن يكون محدودا بحدود جسمانيّة أو عقلانيّة ، أو باعتبار التحديد بوصف أنّه موجود ، أو باعتبار كونه محكوما عليه ، فيكون موجودا في الذهن محاطا به ، فأجاب عليه السلام بأنّه لا يلزم أن يكون كلّ موجود جسما أو جسمانيّا حتّى يكون محدودا بحدود جسمانيّة ، ولا أن يكون مركّبا حتّى يكون محدودا بحدود عقلانيّة ، ولا يلزم كون حقيقته حاصلة في الذهن أو محدودة بصفة ؛ فإنّ الحكم لا يستدعي حصول الحقيقة في الذهن ، بل يكفيه التصوّر بوجه ما، والوجود ليس من الصفات الموجودة المغايرة التي تحدّ بها الأشياء ، بل شيء يعتبر له بملاحظة آثاره.
ومنها : ما روي عن يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد : في قول الله عزّ وجلّ : {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقال : « الله هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من دونه وتقطّع الأسباب من جميع من سواه ، تقول : بسم الله ، أي أستعين على أموري كلّها بالله الذي لا تحقّ العبادة إلاّ له ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام : يا ابن رسول الله! دلّني على الله ما هو ، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني؟ فقال له : يا عبد الله! هل ركبت سفينة قطّ؟ قال : نعم ، قال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم ، قال : فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال : نعم ، قال الصادق عليه السلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ». (5)
ومنها : ما روي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عن أبيه علبهم السلام أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : يا أمير المؤمنين! بما عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم لمّا أن هممت حال بيني وبين همّي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، فعلمت أنّ المدبّر غيري. قال : فبما ذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرف عنّي وابتلى به غيري ، فعلمت أنّه قد أنعم عليّ ، فشكرته. قال : فبما ذا أحببت لقاءه؟ قال : لمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني ، فأحببت لقاءه ». (6)
ومثله عنه ، عن أبي عبد الله عليه السلام. (7)
ومنها : ما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال للمفضّل : « يا مفضّل أوّل العبر والأدلّة على البارئ ـ جلّ قدسه ـ هيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه ؛ فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته بعقلك ، وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكلّ شيء فيها لشأنه معدّ ، والإنسان كالمملّك ذلك البيت والمحوّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة، وأنّ الخالق له واحد ، وهو الذي ألّفه ونظمه بعضا إلى بعض جلّ قدسه ، وتعالى جدّه ، وكرم وجهه ، ولا إله غيره ، تعالى عمّا يقول الجاحدون ، وجلّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون ». (8)
ومنها : ما روي عن الاحتجاج أنّه دخل أبو شاكر الديصاني ـ وهو زنديق ـ على أبي عبد الله عليه السلام ، فقال : يا جعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : «اجلس » فإذا غلام صغير في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « يا ديصاني! هذا حصن مكنون، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها ، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى ، تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّرا؟». قال : فأطرق مليّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّك إمام وحجّة من الله على خلقه ، وأنا تائب ممّا كنت فيه. (9)
بيان :
تقرير استدلاله عليه السلام : أنّ ما في البيضة ـ من الإحكام والإتقان والاشتمال على ما به صلاحها ، وعدم اختلاط ما فيها من الجسمين السيّالين والحال أنّه ليس فيها مصلح حافظ لها من الأجسام ، فيخرج مخبرا عن إصلاحها ، ولا يدخلها جسماني من خارج ، فيفسدها كما هو شأن أهل الحصن الحافظين له وحال الداخل فيه بالقهر والغلبة ـ دليل على وجود الصانع.
قوله : « وهي تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس » يدلّ على أنّ الأمر المذكور يدلّ على أنّ له مبدأ غير جسم ولا جسمانيّ.
والطواويس جمع الطاوس ، وهو طائر معروف.
ومنها : ما روي عنه ، عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء ـ بعد الاعتراض على أبي عبد الله عليه السلام من جهة طواف بيت الله على وجه التهاون وجوابه عليه السلام بأنّه بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ أنبيائه وقبلة للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ـ : ذكرت الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : «ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم؟! ».
فقال ابن أبي العوجاء : فهو في كلّ مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟! وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام : « إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان شغل به [ مكان ] (10) وخلا به مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا الله العظيم الشأن الملك الديّان ، فلا يخلو منه مكان، ولا يشغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ». (11)
بيان :
قوله : « أقرب إليه من حبل الوريد » مشعر بأنّ قربه قرب بالعلّيّة والتأثير ؛ إذ الوريد عرق في صفحة العنق بقطعه تزول الحياة. وفيما بعده إشارة إلى قربه من جهة الإحاطة العلميّة.
ومنها : ما روي عن محمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعة ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : « أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس هو كما تقولون ـ ألسنا وإيّاكم شرعا سواء ، ولا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا؟ » فسكت ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « إن يكن القول قولنا ـ وهو قولنا وكما نقول ـ ألستم قد هلكتم ونجونا؟ ».
قال : رحمك الله فأوجد لي كيف هو؟ وأين هو؟ قال : « ويلك إنّ الذي ذهبت إليه غلط ، وهو أيّن الأين ، وكان ولا أين ، هو كيّف الكيف ، وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفيّة ولا بأينونيّة، ولا يدرك بحاسّة ، ولا يقاس بشيء ».
قال الرجل : فإذا إنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسّة من الحواسّ ، فقال أبو الحسن عليه السلام : «ويلك لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه أنكرت ربوبيّته ، ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنّه ربّنا ، وأنّه شيء بخلاف الأشياء ». (12)
فساق الحديث على وجه يدلّ على أنّه لا يخلو عنه فرش ولا عرش ولا برّ ولا بحر ، فلا أرض ولا ماء ولا نار ولا هواء ولا كرسيّ ولا سماء ولا غير من الأشياء ، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء ، خارج من الأشياء لا كشيء من شيء خارج.
ووردت أخبار أخر دالّة على وجود صانع موصوف بصفات الكمال. وذكرها يوجب التطويل والكلال.
وبالجملة ، فثبت بالدليل ...النقليّ ... أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات.
وصل :
هذا الاعتقاد من أصول الدين ، فمن أنكره كان من الكافرين ، ومن عرفه وأقرّ به كان في الجملة من المؤمنين ، ومن اعترف به عند الآخرين وأنكره عند الأوّلين كان من المنافقين والمذبذبين ، ومن لا يعرفه ولا يعانده كان من المستضعفين ، ومن أنكر بعض لوازمه ... كان من المخالفين ، ويترتّب على كلّ فرقة حكمهم ممّا شطر في فروع الدين من الطهارة والنجاسة وقبول الشهادة ونحو ذلك من أحكام الدين.
________________
(1) « جوامع الجامع » : 426.
(2) هذا تعريض من الاسترآبادي ; بطريقة العرفاء ، وليس مرادهم ما فهمه هو ، بل طريقتهم معضدة بعدّة من الروايات. انظر في ذلك « التوحيد » باب التوحيد ونفي التشبيه : 57 ـ 58 / 15 وباب صفات الذات ... : 143 / 7 حول هذا المبحث راجع « الفتوحات المكّيّة » 11 : 343 ؛ 4 : 37 ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ : 388 و 505 ؛ « التأويلات » للكاشانيّ 2 : 422 ؛ « جامع الأسرار » : 105 وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 135 ؛ 3 : 396 ؛ 5 : 27 ؛ 6 : 13 ـ 26 ؛ 9 : 374 ـ 376 ؛ « شرح المشاعر » : 369 وما بعدها ؛ « شرح الأسماء الحسنى » للسبزواريّ : 436 ـ 439 ؛ « روح البيان » 8 : 484.
(3) في « د » : « لم نكلّف إلاّ أن نعتقد غير موهوم ».
(4) « التوحيد » : 243 ـ 350 ، الباب 26 في الردّ على الثنويّة والزنادقة ؛ « الاحتجاج » 2 : 197 ، احتجاجات الإمام الصادق 7 ، ح 213 ، وقد أخذ المؤلّف موضع الحاجة منه.
(5) « التوحيد » : 230 ـ 231 ، الباب 21 ، ح 5 ؛ « معاني الأخبار » : 4 باب معنى الله عزّ وجلّ ، ح 1.
(6) « الخصال » : 33 باب الاثنين معرفة التوحيد بخصلتين ، ح 1 ، ورواها عن زياد بن منذر عن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه : في « التوحيد » : 288 ، الباب 41 ، ح 6.
(7) « التوحيد » : 289 ، الباب 41 ، ح 8.
(8) « بحار الأنوار » 3 : 61 ، كتاب التوحيد ، الباب 4.
(9) « الاحتجاج » 2 : 201 ـ 202 ، احتجاجات الإمام الصادق 7 ، ح 215 ، ورواها الكلينيّ في « الكافي » 1 : 80 ، كتاب التوحيد ، باب حدوث العالم ، ح 4 وكذا الصدوق في « التوحيد » : 124 الباب 9 ، ح 1.
(10) الزيادة أضفناها من « الاحتجاج » 2 : 208.
(11) « الاحتجاج » 2 : 206 ـ 208 احتجاجات الإمام الصادق 7 ، ح 218 ، ورواها في «التوحيد » : 253 ـ 254. 4 ؛ « أمالي الصدوق » : 493 ـ 494 / 4 ؛ « علل الشرائع » 2 : 403 ـ 404 / 4 ؛ « الفقيه » 2 : 162 ـ 163 / 32 ؛ « الإرشاد » 2 : 199 ـ 201 ؛ « كنز الفوائد » 2 : 75 ـ 76.
(12) « الكافي » 1 : 78 ـ 80 باب حدوث العالم ... ح 3 ؛ « التوحيد » : 250 ـ 252 ، الباب 36 ، ح 3 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 131 ـ 132 ، الباب 11 ، ح 28 ؛ «الاحتجاج » 2 : 354 ـ 356 ، احتجاجات الإمام الرضا ، ح 281.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|