المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

أمثلة عملية للمـعالجـة المـحاسبيـة لعمليـات المـرابـحة البـسيـطـة
2023-07-27
Nearest Prime
18-1-2021
اللجنة التحضيرية للسلطة الدولية
6-4-2016
اللفات Turns
26-8-2020
حل المشكلات
23-12-2016
Complex Number Paradox
14-2-2022


الأخبار الدالة على البراءة  
  
691   11:34 صباحاً   التاريخ: 1-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج3. ص.209
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / البراءة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-8-2016 885
التاريخ: 24-8-2016 621
التاريخ: 1-8-2016 790
التاريخ: 1-6-2020 836

منه : النبوي المعروف المروي في الخصال بسند صحيح كما في التوحيد عن أحمد بن محمد بن يحيي العطار عن سعد بن عبد الله بن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال :

قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله ) رفع عن امتى تسعة : الخطاء والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفه .

(فيقال) ان حرمة شرب التتن مثلا مما لا يعلم حرمته فتكون مرفوعة عن الامة

(اقول) ولما كان هذا الحديث الشريف محل اعتماد الاصحاب (رضوان الله عليهم) في ابواب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات وغيره (كان الحري) هو بسط الكلام في بيان فقه الحديث وما يستفاد من الفقرات المذكورة فيه .

(وتنقيح) ذلك يستدعي تقديم امور :

(الامر الاول) لا شبهة في انه يعتبر في صدق الرفع وروده على امر ثابت ومن ذلك لابد في صحة استعماله من فرض وجود المرفوع في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن ورود الرفع بحيث لولا الرفع لكان موجودا (بخلاف الدفع) فانه لا يعتبر في صدقه وصحة استعماله حقيقة الا كونه بعد ثبوت المقتضى لوجود الشيء (لان) شأن الدفع انما هي الممانعة عن تأثير مقتضى الشيء في تحققه وحينئذ فالرفع والدفع وان اشتركا في اعتبار ورودهما بعد فرض المقتضى للشيء (الا) انهم يفترقان من حيث الاحتياج إلى فرض وجود الاثر سابقا وعدمه (فان) العناية المصححة لصدق الرفع وصحة اطلاقه حقيقة انما هو فرض تأثير المقتضى في الشيء في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن وروده (بخلاف) الدفع، فان المعتبر في صدقه انما هي الممانعة عن تأثير المقتضى في الوجود المقارن (نعم) لا يعتبر في صدق الرفع وصحة استعماله حقيقة وجود المرفوع حقيقة (بل) يكفي في العناية المصححة لذلك وجوده عناية وادعاء ولو باعتبار وجود مقتضيه، (فان) مع وجود المقتضى للشيء يعتبر العقلاء وجود الشيء ويرونه كانه موجود فيرتبون عليه احكاما كثيرة، كما في اطلاق السقوط في اشتراط سقوط الخيار في متن عقده مع انه في الحقيقة عبارة عن عدم الثبوت، حيث كان المصحح لأطلاق السقوط عليه وجوده الادعائي بلحاظ وجود مقتضيه وهو العقد (وبذلك) يظهر انه لا مانع من ابقاء الرفع في الحديث الشريف على ظهوره في الرفع الحقيقي في جميع الامور التسعة حيث انه يكفي في صحة اطلاق الرفع فيها مجرد اعتبار وجود الشيء سابقا على الرفع عند وجود مقتضيه، بلا حاجة إلى جعل الرفع في الحديث بمعنى الدفع، بالمصير إلى التجوز في الكلمة أو الاسناد، أو المصير إلى ما افيد من ان حقيقة الرفع هي الدفع وان العناية المصححة لذلك هو كون الرفع في مرتبة وروده دفعا ايضا حقيقة باعتبار ممانعته عن تأثير مقتضى الشيء في بقاء ذلك الشيء في الآن المتأخر عن حدوثه (فان) ذلك كله كما ترى اتعاب للنفس بل موجب يقتضيه، مع وضوح فساد الاخير بما بيناه في الفرق بين الرفع والدفع، من احتياج الرفع في مرحلة صدقه إلى وروده على امر مفروغ الثبوت والتحقق الملازم لفرض تأثير المقتضى في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن وروده (قبال) الدفع المعتبر في صدقه فرض عدم تأثير المقتضى في زمان سابق عن وروده (إذ) في مثله لا يكاد يوجب مجرد احتياج الموجود السابق في بقائه إلى علة البقاء وافاضة الفيض عليه في كل آن (انقلاب) الرفع في مرحلة وروده إلى كونه دفعا حقيقة كما هو ظاهر .

(الامر الثاني) ان مقتضى ظهور الحديث الشريف في الفقرات الاربع، وهي ما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اكرهوا عليه، وما اضطروا إليه من حيث اضافة الرفع فيها إلى الموصول (هو كون) العناوين المزبورة من الجهات التعليلية للرفع والمانعة عن تأثير ما يقتضى انشاء الحكم (بخلاف) مثل الطيرة، والحسد، والوسوسة (فانها) لا تكون مانعة عن تأثير المقتضى كما في الاربع المتقدمة بل المقتضى للحرمة فيها هو نفس تلك العناوين الثلاثة والا فلا يكون ورائها مقتض آخر تمنع هذه العناوين عن تأثيره، ولذلك اضيف الرفع في الحديث إلى نفس الامور الثلاثة على خلاف الاربع المتقدمة حيث انه من جهة اقتضائها للحرمة كان الشارع رفعها لمانع خارجي من امتنان أو غيره واما المانع) عن اقتضاء مثل هذه الامور لتشريع الحكم التحريمي من جهة عدم اختباريتها (فمدفوع) بانه بمباديها تكون اختيارية حيث يمكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيها بالرياضات والمجاهدات ولذا كانت من الواجبات الاخلاقية (واما الخطأ والنسيان) فمقتضى الجمود على ظاهر الحديث هو كونهما كالثلاثة المتقدمة في تعلق الرفع بنفس الخطاء والنسيان بلحاظ اثارهما لا بما اخطاء وما نسى (ولكن) الذي يظهر منهم هو خلافه وان المرفوع فيهما هو المخطئ والمنسي كما يظهر من استدلالهم بهذا الحديث على صحة الصلاة المنسية فيها السجدة أو التشهد بتطبيق الرفع على السجدة المنسية والتشهد المنسي (وعليه) يشكل الجمع بين ما يقتضيه ظهور الحديث في تعلق الرفع بنفس الخطأ والنسيان، وبين ما تسالموا عليه من كون المرفوع هو المخطئ والمنسي (واما الالتزام) بكون المصدر حينئذ بمعنى المفعول وان المراد من الخط والنسيان هو المخطئ والمنسي (فبعيد) عن ظاهر الرواية (وابعد) منه توهم ان ذلك مقتضى السياق الظاهر في كون الرفع فيهما على حذو الرفع فيما لا يعلمون وما استكرهوا عليه (إذ نقول) انه كذلك لولا الطيرة والحسد والوسوسة في التفكر في الخلق المقتضية لاختلاف سياق الرواية في الاشياء التسعة (نعم) لا بأس بارتكاب خلاف الظاهر في الرواية بجعل الخطأ والنسيان فيها كناية عن المخطئ والمنسي كما يؤيده خبر البزنطى الوارد فيمن حلف بالطلاق والعتاق المتضمن لحكمه ( عليه السلام )بعدم تأثير الحلف بالطلاق واستشهاده بقول رسول الله (صلى الله عليه اله )رفع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطأوا، حيث انه من جهة تضمنه للتصريح بما اخطأوا.

يستفاد ان المراد من الخط والنسيان في حديث الرفع ايضا ذلك لان الاخبار يفسر بعضها بعضا (وهذا) لو لم نقل بظهوره في كون ما استشهد به هو ذاك الحديث المتضمن للأشياء التسعة، لا كونه خبر آخر عنه (صلى الله عليه وآله) ، والا فالأمر أوضح وسياتي مزيد بيان لذلك انشاء الله تعالى .

(الامر الثالث) لا شبهة في ان الرفع بالنسبة إلى جميع المذكورات لا يكون الا رفع تنزيليا لا حقيقيا فلا يحتاج حينئذ إلى تقدير امر في شيء من الاشياء التسعة (لان) الاحتياج المزبور انما هو فيما لو كان الرفع حقيقيا حيث انه صونا لكلام الحكيم عن اللغوية يحتاج إلى تقدير شيء في البين فيقال انه خصوص المؤاخذة أو غيرها والا فبناء على كونه في جميع المذكورات من باب العناية والتنزيل لا يحتاج إلى شيء فيصح اضافة الرفع إليها تشريعا كما يصح اخبارا ولا يلزم منه ايضا مجاز في الاسناد أو الكلمة (نعم) حيث ان التنزيل لابد من كونه بلحاظ الاثار المترتبة على الشيء، ففي فرض تعدد الاثر ربما يقع الكلام في ان التنزيل هل هو بلحاظ جميع الاثار أو بلحاظ بعضها، ولكن ذلك غير مرتبط بالتقدير وحينئذ فما في كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) من التعبير بالتقدير لا يخلو عن مسامحة واضحة (نعم) لابد وان يكون الاثر المرفوع من الاثار الشرعية التي كان امر رفعها ووضعها بيد الشارع فما لا يكون كذلك كان خارجا عن مصب الرفع في الحديث الشريف .

(الامر الرابع) الظاهر من حديث الرفع بملاحظة وروده في مقام الامتنان على الامة هو الاختصاص برفع الاثار التي يكون وضعها خلافه المنة، فما لا يكون كذلك كان خارجا عن مصب الرفع ولا مجال للتمسك بالحديث لرفعه وان فرض الامتنان في رفعه (ولا اقل) من الشك في شمول حديث الرفع لمثله فيؤخذ بالقدر المتيقن ولا يكون ذلك ال الاثار التي كان وضعها خلاف المنة على المكلف لا مطلق ما يكون في رفعه الامتنان والتوسعة على المكلف وان لم يكن في وضعه ضيق عليه (ومن ذلك) نقول انه لا يشمل الحديث فيما لا يعلمون الحكم الواقعي الثابت للذات في الرتبة السابقة على الشك لعدم كونه بوجوده الواقعي مما فيه الضيق على المكلف حتى يقتضى الامتنان رفعه (كما انه) لا يشمل الجهل بالحكم وكذا الخطاء والنسيان عن تقصير من المكلف وكذلك الاضطرار ونحوه إذ لا يأبى العقل حينئذ عن فعلية التكليف واستحقاق العقوبة على المخالفة (نعم) لو بلغ التحفظ عن الوقوع في الامور المزبورة إلى حد الحرج (يشمله) حديث الرفع لان وضع التكليف حينئذ خلاف الامتنان على المكلف (فكان) حديث الرفع من هذه الجهة نظير حديث نفي الضرر الوارد في مقام الارفاق بالأمة الغير الشامل للمقدم على الضرر (ولذلك) تريهم يفرقون في ابواب المعاملات، بين المقدم على الضرر كمورد الاقدام على المعاملة مع العلم بالغبن، وبين غيره، حيث يتمسكون بنفي الضرر على نفي لزوم المعاملة الغبنية في الثاني دون الاول، مع ان في نفي اللزوم كمال المنة على المقدم في الاول ايضا (ومما ذكرنا) من ورود الحديث في مقام الامتنان على الامة يظهر اختصاص المرفوع ايضا بالأثار التي لا يلزم من رفعها خلاف الارفاق على المكلف (فما) لا يكون كذلك لا يشمله حديث الرفع، كما في الشرائط الراجعة إلى اصل التكليف كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ونحوها (حيث) لا يجرى فيها حديث الرفع لاقتضاء رفع الشرطية فيها لوضع التكليف على المكلف وهو خلاف الارفاق في حقه (بخلاف) شرائط الواجب فانه يجرى فيها حديث الرفع كما سنشير إليها (كما انه) لو كان رفع التكليف عن شخص موجبا لضيق على الاخر لا يجرى فيه حديث الرفع (لان) رفعه وان كان منة على الاول ولكنه من جهة استلزامه لوضع التكليف على الاخر يكون خلاف الارفاق عليه فمن ذلك لا يشمله الحديث لكونه منافيا لما يقتضيه من الامتنان على الامة الظاهر في الارفاق على جميع الامة لا على بعض دون بعض (ونظيره) حديث نفي الضرر حيث نقول فيه بعدم جريانه في موارد استلزامه للضرر على شخص آخر

(الامر الخامس) يعتبر في الاثر الذي يراد رفعه ان يكون من الاثار المترتبة على عناوين موضوعاتها لا بشرط عن طرو العناوين المذكورة في الحديث بمعنى انه لم يعتبر في موضوع الاثر عنوان العمد أو الخطأ والنسيان ونحو ذلك (والا) لم يكن مرفوعا بالحديث (فلو فرض) انه اعتبر في موضوع الاثر عنوان العمد كالقصاص في القتل والكفارة في الافطار بالأكل ونحوه فمع الخطاء أو النسيان لا يجرى فيه حديث الرفع من جهة ارتفاعه بنفسه بانتفاء موضوعه وهو العمد (كما انه) لو اعتبر في موضوعه عنوان الخطأ والنسيان كالدية في قتل الخطأ وسجدتي السهو لا يكون مرفوعا بحديث الرفع، بل لا يمكن ذلك (لان) عنوان الموضوع يقتضى وضع تلك الاثار لا رفعها وهكذا الكلام في الاكراه والاضطرار ونحوهما.

(وإذا عرفت) هذه الامور فلنرجع إلى ذكر العناوين المذكورة في الحديث وبيان ما يصلح ان يكون مرفوعا فيها من الاثار التكليفية والوضعية (فنقول) : وعليه التكلان من العناوين المذكورة في الحديث عنوان ما لا يعلم، والظاهر انحصار المرفوع فيه بإيجاب الاحتياط (لأنه الذي) يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع وهو الذي يكون المكلف من قبل وضعه في الضيق ويقتضي الامتنان رفعه فيكون هو المرفوع حقيقة من بين الاثار، دون المؤاخذة واستحقاق العقوبة، ودون الحكم الواقعي ولو بمرتبته الفعلية (إذ) المؤاخذة والاستحقاق انما هي من المدركات العقلية التي لا تنالها يد الجعل التشريعي بلا توسيط منشئها الذي هو ايجاب الاحتياط (واما العقوبة) الفعلية فرفعها وان كان بيد الشارع حيث كان له العفو تفضلا مع ثبوت الاستحقاق (الا) ان رفعها ليس من تمام المنة على المكلف، فان تمام المنة انما هو رفع اصل الاستحقاق بحيث يرى المكلف نفسه غير مستوجب لشيء (مضافا) إلى انه لا يجدى فيما هو المهم في المقام من نفي استحقاق العقوبة على ارتكاب المشتبه (واما الحكم الواقعي) فهو وان كان مجعولا شرعيا، الا انه لا يمكن ان يتعلق به الرفع الحقيقي لوجوه (منها) ما عرفت في الامر الرابع من ان حديث الرفع ناظر إلى رفع الاثار التي وضعها خلاف الامتنان بحيث لولا الرفع كان المكلف من قبل وضعها في الضيق، فان من الواضح ان ذلك لا يتصور في التكليف الواقعي ولو بمرتبة فعليته، إذ لا يكون المكلف من جهة مجرد ثبوته في الواقع ونفس الامر في الكلفة والضيق حتى يجرى فيه دليل الرفع فيكون هو المرفوع حقيقة (وهذا) بخلاف ايجاب الاحتياط فانه لولا الرفع كان المكلف من قبله في الكلفة، فيتعين كونه هو المرفوع حقيقة (نعم) لما كان ايجاب الاحتياط منشاء لاستحقاق العقوبة على الواقع باعتبار كونه بيانا ومنجزا للواقع ورافعا لموضوع حكم العقل بقبح المؤاخذة كان رفعه رفع للاستحقاق وبهذه العناية يصدق ان المرفوع هي المؤاخذة والاستحقاق (كما ان) مرجع رفع ايجاب الاحتياط لما كان إلى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها في جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الجهل بالواقع لاقتضاء الاهتمام بالواقع حينئذ عدم القناعة في حفظ المرام الواقعي بصرف الخطاب الواقعي المتعلق بعنوان الذات ولزوم كونه بصدد حفظه في المرتبة المتأخرة عن الجهل بخطابه بأنشاء آخر متعلق بعنوان الاحتياط (كان) رفع ايجابه يعد بهذه العناية رفعا للحكم الواقعي ومصححا لإضافة الرفع إلى عنوان ما لا يعلم (ومنه) كونه خلاف مقتضى ظهور سياق الحديث في سائر الفقرات الاخر كالخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار ونحوها فانه بعد ان كان الرفع فيها رفعا بالعناية لا رفعا حقيقيا، يقتضى السياق كونه كذلك فيما لا يعلم ايضا.

(ومنها) ظهور الحديث الشريف في كون الجهل من الجهات التعليلية للرفع، حيث ان مقتضى علية الجهل وسببيته للرفع هو كونه في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع (ولازمه) بعد عدم شمول اطلاق الواقع لمرتبة الجهل بنفسه هو امتناع تعلقه بالحكم الواقعي، لاستحالة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ في الرتبة السابقة عن الجهل بنفسه (كيف) ورفع كل شيء عبارة عن نقيضه وبديله ونقيض الشيء لابد وان يكون في مرتبته، ولا يكون الحكم الواقعي بما هو ملحوظ في المرتبة السابقة على الجهل نقيضا لهذا الرفع المتأخر عن الشك حتى يمكن تعلق الرفع الحقيقي بالحكم الواقعي ولو بمرتبة فعليته وحينئذ) لا محيص من تعلق الرفع الحقيقي بإيجاب الاحتياط بلا توجيهه إلى ما لا يعلمون الا بنحو العناية (وذلك) ايضا لا من جهة كونه اثرا للحكم الواقعي كما توهم، بل من جهة كونه بنفسه هو المرفوع بدوا (كيف) وان انشاء ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع انشاء مستقل مبرز عن الارادة الواقعية في قبال الانشاء الواقعي المتعلق بعنوان الذات في الرتبة السابقة كما اوضحناه في مبحث جعل الطرق، إذ حينئذ لا يرتبط مثل ايجاب الاحتياط بالحكم الواقعي ولا كان من لوازمه واثاره (نعم) مرجع رفع ايجاب الاحتياط كما ذكرناه لما كان إلى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها في جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالخطاب الواقعي كان رفعه بهذه العناية رفعا للحكم الواقعي إذ يصدق بهذا الاعتبار ان المرفوع هو الحكم الواقعي ولو بمرتبة من الفعلية المقتضية لإيجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع (كما انه) بعناية كون ايجاب الاحتياط منشاء لصحة المؤاخذة والاستحقاق يكون رفعه رفعا لهما، والا فالرفع الحقيقي لا يكون الا متوجها بإيجاب الاحتياط (وبهذا البيان).

 يمكن الجمع بين الكلمات بإرجاعها إلى معنى واحد لبا وهو رفع الاثر المجعول الذي لولا الرفع كان المكلف من قبله في الكلفة والمشقة، لوضوح عدم كون مراد القائل برفع جميع الاثار أو الاثر المناسب الظاهر هو مطلق الاثر المترتب على الشيء ولو لم يكن في وجوده ضيق على المكلف، وعدم كون مراد القائل برفع خصوص المؤاخذة من بين الاثار رفعها بلا توسيط رفع منشئها الذي هو ايجاب الاحتياط (إذ على جميع) التقادير لا ينطبق المرفوع الا على ايجاب الاحتياط قيل بان المرفوع هو جميع الاثار أو الاثر المناسب أو المؤاخذة واستحقاق العقوبة (بقي) الكلام عموم الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية وعدم عمومه (حيث) انه قد يقال باختصاصه بالشبهات الموضوعية (تارة) من جهة اقتضاء وحدة السياق في ارادة الموضوع المشتبه من الموصول فيما لا يعلمون (بتقريب) ان المراد من الموصول فيما اكرهوا وما لا يطيقون وما اضطروا وما أخطأوا بعد ان كان هو الفعل الذي اكره عليه أو اضطر إليه أو لا يطيقونه، فوحدة السياق تقتضي ان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الفعل الذي اشتبه عنوانه كالشرب الذي لم يعلم كونه شرب خمر أو شرب خل (واخرى) من جهة عدم تصور الجامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية حتى يمكن ارادة ما يعمهما من الموصول، بدعوى ان المرفوع في الشبهات الحكمية بعد ما كان عبارة عن نفس متعلق الجهل اعني الحكم الواقعي المجهول، كان استناد الرفع فيه إلى الموصول من قبيل الاسناد الي ما هو له (بخلاف) الشبهات الموضوعية فان متعلق الجهل فيها اولا وبالذات هو الموضوع الخارجي، وبالتبع يتعلق بالحكم الشرعي والموضوع الخارجي لما كان بنفسه غير قابل للرفع (كان) اسناد الرفع إليه من قبيل الاسناد إلى غير ما هو له، وحيث انه لا يمكن الجمع بينهما في استعمال واحد واسناد واحد يدور الامر بين ان يراد من الموصول الحكم المشتبه أو الموضوع، فمع قطع النظر عن السياق وان كان الاولى هو الاول حفظا لظهور الاسناد في كونه اسناد إلى ما هو له (الا) ان وحدة السياق تقتضي تخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية لاقوائية ظهور السياق من الظهور المزبور (ولكن) لا يخفى ما فيه اما:

(الوجه الاول) فلمنع وحدة السياق (كيف) وان من الفقرات في الحديث الطيرة والحسد والوسوسة ولا يكون المراد منها الفعل، ومع هذا الاختلاف كيف يمكن دعوى ظهور السياق في ارادة الموضوع المشتبه (مع ان) ذلك يقتضي ارتكاب خلاف ظاهر السياق من جهة اخرى فان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون هو ما كان بنفسه معروض الوصف وهو عدم العلم كما في غيره من العناوين الاخر كالاضطرار والاكراه ونحوهما حيث كان الموصول فيها معروضا للأوصاف المزبورة فتخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية ينافي هذا الظهور إذ لا يكون الفعل فيها بنفسه معروضا للجهل وانما المعروض له هو عنوانه، وحينئذ يدور الامر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول فيما لا يعلم على الحكم المشتبه وبين حفظه من جهة اخرى بحمله على ارادة الفعل ولا ريب في ان العرف يرجح الاول فيتعين الحمل فيما لا يعلمون على ارادة الحكم .

(واما الوجه الثاني) ففيه ان المراد من الموصول فيما ل يعلم هو مطلق الحكم الشرعي المجهول الجامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية، حيث لا فرق بينهما الا ان منشأ الشك في الشبهات الحكمية فقد النص أو اجماله وفى الشبهات الموضوعية الامور الخارجية ولا يوجب ذلك فرقا بينهما في اضافة الرفع واسناده إلى الموصول كما هو ظاهر (وعليه) يتم الاستدلال بهذا الحديث على البرائة في قبال القائل بوجوب التوقف والاحتياط عند الشك في التحريم، لان مقتضاه كما عرفت انما هو نفي وجوب الاحتياط عند الشبهة والترخيص في الارتكاب فيعارض ما دل على وجوب التوقف والاحتياط (ثم انه) بعد ان ظهر عموم الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية، نقول انه لا فرق، بين التكاليف الاستقلالية، أو الضمنية، فنجرى في الثاني ايضا عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته أو مانعيته للمأمور به كما سنحققه في مبحث الاقل والاكثر انشاء الله تعالى (هذا) بناء على جريان البرائة العقلية في تلك المسألة واما على القول بالاشتغال العقلي فيها، ففي جريان دليل الرفع اشكال كم سيأتي بيانه انشاء الله تعالى ومن العناوين المذكورة في الحديث، عنوان الخطأ، والنسيان والمراد بهما كما قربناه سابقا هو المنسي وما اخطأ لا نفس عنوان الخط والنسيان فكل ما كان مخطيا أو منسيا فعلا كان أو تركا جزء كان أو شرطا أو مانع يكون مرفوعا بهذا الحديث (ومرجع) الرفع فيهما بعد كونه رفعا تنزيليا لا حقيقي إلى رفع ما يترتب عليهما من الاثر المجعول الذي كان المكلف من قبله في الكلفة ويناسب الامتنان رفعه ومرجعه فيهما إلى رفع ايجاب التحفظ المستتبع لرفع التكليف الفعلي عن المنسي وما اخطأ حال النسيان (فان) الناسي وكذلك المخطئ وان سقط عنه التكليف حال النسيان لانه لما كان متمكنا قبل النسيان من امتثال التكليف بالتحفظ وعدم الوقوع في مخالفة الواقع بالنسيان كان هذا المقدار كافيا في فعلية التكليف في حقه قبل النسيان بنحو يستتبع وجوب حفظ الالتفات مقدمة لعدم الوقوع في خلاف الواقع ويوجب استحقاق العقوبة على المخالفة (الا) ان الشارع من باب الامتنان رفع عن الناسي والمخطئ وجوب التحفظ يرفع منشئه الذى هو التكليف الفعلي وعلى ذلك فلو شرب خمر أو ترك واجبا مثلا خطاء أو نسيانا كان هذا الشرب وهذا الترك كالعدم في عدم ترتب حكم عليهما فلا يستحق العقوبة والمؤاخذة على مثل هذا الشرب وذاك الترك الناشئين عن الخطاء والنسيان نعم لابد من تقييد ذلك بما إذا لم يكن ترك التحفظ ناشئا عن سوء اختيار المكلف والا فلا يشمله حديث الرفع كما اشرنا إليه سابق ثم انه بما ذكرن يظهر الحال في نسيان الجزء والشرط والمانع حيث ان مقتضى رفع النسيان في هذه الامور انما هو رفع التكليف الفعلي عن الجزء والشرط المنسيين ويلزمه بمقتضى الارتباطية سقوط التكليف عن البقية ايضا ما دام النسيان الا انه بعد النسيان تقتضي المصلحة القائمة بالمركب احداث التكليف بالإتيان اعادة في الوقت وقضاء في خارجه كاقتضائها في اصل التكليف به قبل النسيان وبذلك يظهر انه لا مجال للتمسك بهذا الحديث لأثبات اجزاء المأتي به في حال النسيان، بتقريب انه بعد الزام العقل في حال النسيان بإتيان البقية يستكشف من رفع جزئية المنسي أو شرطيته عن رفع وجوب الاعادة إذ نقول انه كذلك إذا كان نظر الحديث إلى رفع جزئية المنسي مطلقا حتى بعد التذكر والالتفات الملازم لتحديد دائرة الطبيعة المأمور بها حال النسيان بما عدا الجزء المنسي والا فبناء على ما هو الظاهر منه من كونه ناظرا إلى رفع المنسي ما دام النسيان بلا نظر منه إلى تحديد دائرة المأمور به واثبات كونه في حال النسيان هو ما عدا الجزء المنسي فلا يتم ذلك لان غاية ما تقتضيه حينئذ انما هو رفع ابقاء الامر والتكليف ما دام النسيان واما بعده فالمصلحة الداعية إلى الامر بالمركب اولا لما بقيت غير مستوفاة تقتضي احداث التكليف بالإعادة بعد الالتفات نعم لو اغمض عن هذه الجهة لا يتوجه عليه الاشكال، تارة من جهة المثبتية بتوهم ان وجوب الاعادة وان كان من الاثار الشرعية، الا ان ترتبه على نسيان الجزء أو الشرط انما يكون بتوسيط امر عقلي وهي مخالفة الماتي به للمأمور به فلا يجرى فيه حديث الرفع لان دليل الرفع كغيره من التنزيلات ناظر إلى خصوص الاثار الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة واخرى بما افاده بعض الاعاظم ( قدس سره) من ان شأن حديث الرفع انما هو تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود لان تنزيل المعدوم منزلة الموجود انما يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع لان مفاده انما هو مجرد الرفع وعليه فلا يمكن تصحيح العبادة الفاقدة لبعض الاجزاء والشرائط لنسيان أو غيره بحديث الرفع وهذ بخلاف الفعل الصادر عن المكلف نسيانا أو اضطرارا فانه يشمله حديث الرفع لاقتضاء رفعه جعله بمنزلة المعدوم في عدم ترتيب اثر الوجود عليه اقول ولا يخفى ما في هذين الاشكالين اما الاول فبمنع كون ترتب وجوب الاعادة على عنوان مخالفة المأتى به للمأمور به بل هو انه مترتب على بقاء الامر الاول كترتب عدم وجوب الاعادة على عدم بقائه، غاية الامر يلازم بقاء الامر وعدم بقائه مع مخالفة الماتي به للمأمور به وموافقته معه، ومجرد هذا التلازم لا يقتضي ترتب وجوب الاعادة على هذا الامر العقلي حتى يتوجه عليه الاشكال المزبور وحينئذ فإذا كان بقاء الامر كحدوثه امرا شرعي تناله يد الجعل والرفع فلا محذور في التمسك بالحديث من هذه الجهة لنفي وجوب الاعادة فتأمل واما الثاني ففيه ان مرجع رفع الشيء بعد ان كان إلى الرفع بالعناية الراجع إلى خلو صفحة التشريع عن حكمه وعدم اخذه موضوعا لأحكامه لا يكاد يفرق بين رفع الفعل أو الترك إذ كما ان معنى رفع الوجود في عالم التشريع عبارة عن رفع الاثر المترتب عليه وخلوه عن الحكم في عالم التشريع (كذلك في رفع العدم) حيث ان مرجع رفعه إلى رفع الاثر المترتب على هذا العدم الراجع إلى عدم اخذه موضوعا للحكم بالفساد ووجوب الاعادة مثلا بملاحظة دخل نقيضه وهو الوجود في الصحة (لا ان) مرجع رفعه إلى قلب العدم بالوجود وتنزيله منزلة الموجود، أو تنزيل الموجود منزلة المعدوم كي يشكل بان رفع المعدوم لا يكون الا بالوضع وحديث الرفع لا يتكفل الوضع (إذ فرق) واضح بين قلب الوجود بعدم ذاته وتنزيله منزلته وبالعكس وبين قلب اخذه موضوعا للحكم بعدم اخذه في مرحلة تشريع الحكم وخلو خطاباته عنه (والاشكال) المزبور انما يرد على الاول دون الثاني، وما يقتضيه بحديث الرفع انما هو الثاني دون الاول وعلى ذلك نقول انه لا بأس بالتمسك بحديث الرفع لصحة العبادة الفاقدة لبعض الاجزاء والشرائط لنسيان أو غيره فان رفع ترك الجزء عن نسيان، انما هو بلحاظ الاثر المترتب عليه وهو الفساد الذى هو نقيض الصحة المترتبة على وجوده ومرجعه إلى خلو صفحة تشريع الحكم بالفساد عن مثل هذا الترك الراجع إلى رفع جزئية المنسي وعدم دخله في الصحة (لا ان) الرفع بلحاظ الاثر المترتب على الوجود كي يحتاج إلى تنزيل المعدوم منزلة الموجود فيشكل بان رفع المعدوم لا يمكن الا بالوضع (ولا) بان يجرى حديث الرفع بلحاظ رفع ذلك حتى يقال بانه خلاف الامتنان (وحينئذ) فلا قصور في شمول الرفع للجزء والشرط المنسيين واقتضائه لصحة العبارة الفاقدة لهما بإخراج مثل هذا الترك عن حيز تشريع الفساد (كما كان ذلك) هو الشأن ايضا في المانع إذا اتى به نسيانا أو اضطرارا، حيث ان الاثر المرتب على المانع لا يكون الا الفساد وعدم الصحة (والا) فليس له اثر مستقل حتى يكون هو المصحح لجريان حديث الرفع فيه، فلولا كفاية ذلك في شمول دليل الرفع يلزم عدم محل للرفع فيه ايضا، مع انه معترف بجريان حديث الرفع في المانع (ومن ذلك) يظهر عدم تمامية ما افاده من الاشكال على رفع جزئية المنسي، بان المنسي ليس هي الجزئية حتى ترتفع بهذا الحديث وانما هو وجود الجزء، ومع العلم بالجزئية والالتفات إليها ليس في البين ما يرد الرفع التشرعي عليه من حيث الموضوع والاثر حتى يمكن تصحيح العبادة الفاقدة للجزء والشرط (إذ فيه) ان هذا الاشكال بعينه جار في صورة ايجاد المانع نسيانا حيث لا يكون المنسي فيه ايضا هي المانعية (فكما انه) يجرى دليل الرفع في نسيان المانع ويكون رفعه راجعا إلى رفع مانعيته (كذلك) يجرى في نسيان الجزء والشرط (وحينئذ فالعمدة) هو الاشكال عليه بما ذكرناه من ان غاية ما يقتضيه رفع النسيان انما هو رفع التكليف الذي هو منشاء انتزاع الجزئية ما دام النسيان (لا رفع) دخل المنسي في المصلحة، لان مثل هذا الدخل امر تكويني لا يتعلق به الرفع التشريعي (إذ حينئذ) بعد النسيان تكون المصلحة الداعية إلى التكليف بالمركب مؤثرة في التكليف بالإعادة بعد زوال النسيان (نعم) لو كان مفاد رفع النسيان هو تحديد دائرة المأمور به في حال النسيان بما عدا المنسي بان كان ناظرا إلى الاطلاقات الاولية المثبتة للاجزاء والشرائط بتخصيص الجزئية والشرطية فيها بغير حال نسيان الجزء والشرط كما في دليل نفي الحرج بالنسبة إلى الاطلاقات الاولية المثبتة للجزئية والشرطية (لكان) لاستفادة الاجزاء وعدم وجوب الاعادة مجال واسع (ولكن ذلك) خارج عن عهدة حديث الرفع، حيث انه لم يكن من شأنه اثبات التكليف بالفاقد للجزء المنسي وانما شأنه مجرد رفع التكليف عن المنسي ما دام النسيان (وعليه) لابد من الالتزام بعدم الاجتزاء بالفاقد للجزء أو الشرط المنسي ولزوم الاعادة بعد زوال النسيان، لخروج البقية بمقتضى الارتباطية عن حيز الامر والتكليف وعن تحت المصلحة الضمنية (من غير) فرق في ذلك بين نسيان المستوعب للوقت وغيره، ولا بين ترك الجزء والشرط وبين فعل المانع (فلابد) للحكم بالصحة من التماس دليل آخر يقتضى الاجتزاء بالفاقد للجزء أو الشرط المنسي كم في الصلاة من قوله ( عليه السلام )لا تعاد الصلاة الا من خمس حيث دل على عدم بطلان الصلاة بالإخلال السهوي بما عدا الاركان (هذا كله) في الاحكام التكليفية (واما الاحكام الوضعية) كالعقود والايقاعات، فلا مجال لرفع الخطاء والنسيان فيهما، ووجهه ما عرفت سابقا من اختصاص الرفع بالامور التي لم يعتبر في قوام تحققها القصد والعمد، والمعاملات لما كانت متقومة بالقصد والعمد كانت خارجة عن مصب الرفع في الحديث (لان) في فرض الخطاء والنسيان لا يتحقق عنوان العقد ولا عنوان المعاملة حتى يجرى فيه الرفع (هذا) بالنسبة إلى عنوان المعاملة (واما بالنسبة) إلى الشرائط الراجعة إليه كالعربية والماضوية وتقدم الايجاب على القبول لو قلنا باعتبارها في العقد، فعدم جريان الرفع فيها انما هو من جهة اقتضائه للوضع الذي هو التكليف بالوفاء بالفاقد (ومثله) خلاف الامتنان في حق المكلف ولذا فرقنا بين شرائط الوجوب وشرائط الواجب وقلنا باختصاص الحديث بالثاني دون الاول بلحاظ اقتضاء نفي الشرطية لإثبات الوجوب على المكلف (ومن العناوين) المذكورة في الحديث قوله ( عليه السلام)ما اضطروا إليه وحكمه حكم الخطأ والنسيان في الاختصاص بالتكليفيات وعدم شموله للوضعيات من العقود والايقاعات الا ان عدم شموله لها انما هو من جهة اقتضائه للضيق على المكلف (فان) رفع الصحة عن المعاملة التي اضطر إليها المكلف لقوت نفسه وعياله موجب لتأكد اضطراره وهو خلاف ما يقتضيه الارفاق والامتنان (وهذا) بخلاف التكليفيات فان في رفعها كمال الامتنان على المكلف (نعم) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الاضطرار إلى ترك الواجب أو فعل الحرام ناشئا عن سوء اختيار المكلف، والا فلا يكون مرفوعا لما تقدم من عدم شمول الحديث للمقدم على المخالفة بسوء اختياره (ولذا) لا شبهة في استحقاق مثله للعقوبة على التفويت (ثم ان) المرفوع فيه هو نفس التكليف الوجوبي أو التحريمي لانه بنفسه قابل للثبوت في حقه عنه الاضطرار ولا يأباه العقل ايضا، فيكون رفعه منة عليه بلا احتياج إلى ارجاع الرفع فيه إلى ايجاب التحفظ (نعم) انما يحتاج إلى ذلك إذا كان الاضطرار بمرتبة لا يقدر معه على التجنب عن الوقوع في مخالفة التكليف، فانه من جهة اباء العقل حينئذ عن فعلية التكليف في مورده يحتاج إلى ارجاع الرفع فيه إلى رفع ايجاب التحفظ (كما انه) في فرض عدم تمكنه من التحفظ ايضا يخرج عن مصب الرفع رأسا لاستقلال العقل حينئذ بانتفاء التكليف وكذا المؤاخذة في مورده، فلا يكون في البين شيء يقتضي الامتنان رفعه عنه (وكيف كان) فلا فرق في رفع التكليف في الاضطرار بين كونه متعلقا بالوجود أو العدم (ولا بين) كون الاضطرار متعلقا بالوجود أو العدم (فانه) على كل تقدير يجرى فيه الرفع، ومرجعه في الجميع على ما عرفت في الخطأ والنسيان إلى خلو ما اضطر إليه فعلا أو تركا عن الحكم في عالم التشريع لا إلى جعل الموجود بمنزلة المعدوم وبالعكس كما توهم، كي يشكل في الاضطرار إلى الترك بان تنزيل المعدوم منزلة الموجود يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع (كيف) ولازم عدم شمول حديث الرفع للترك هو الالتزام بوجوب الاتيان بكلا طرفي العلم الاجمالي بالتكليف عند الاضطرار إلى ترك احدهما معينا أو غير معين مع انه كما ترى (فتأمل) ثم انه بما ذكرنا من اختصاص الرفع في الاضطرار بالتكليفيات يظهر عدم شموله لرفع الحكم الوضعي كالجزئية والشرطية بالنسبة إلى الجزء أو الشرط الذي اضطر إلى تركه (وذلك) لما يلزمه حينئذ من اقتضائه لإثبات التكليف بالبقية وهو خارج عن عهدة حديث الرفع (إذ لولا) الرفع كان المكلف من جهة ارتباطية التكليف بالمركب باضطراره إلى ترك الجزء في فسحة عن التكليف بالبقية، حيث لا يكون له ملزم عقلي أو شرعي بإتيان البقية، وبذلك يمتاز المقام عن فرض نسيان الجزء (فان) الناسي من جهة غفلته عن نسيانه يكون له ملزم عقلي بإتيان البقية (بخلاف) الاضطرار (فانه) من جهة التفاته إلى اضطراره بترك الجزء والتفاته إلى ارتباطية التكليف واقتضائه لسقوط التكليف عن المركب بتعذر بعض اجزائه (لا يكون) له ملزم بإتيان البقية وعلى ذلك يحتاج في اثبات التكليف بها إلى ملزم خارجي من قاعدة ميسور ونحوه والا فلا مجال لإثباته بحديث الرفع بتطبيقه على الجزء أو الشرط المتعذر لما عرفت من كون ذلك خارجا عن عهدة حديث الرفع فلا محيص حينئذ من تطبيقه على نفس المركب ونتيجة ذلك هو رفع التكليف الفعلي عن المركب ما دام الاضطرار بالبيان المتقدم سابق ولازمه وجوب الاعادة بعد ارتفاع الاضطرار لاقتضاء المصلحة الداعية إلى التكليف بالمركب حينئذ الامر بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه (الا) إذا قام دليل بالخصوص أو بالعموم على وجوب الاتيان بالفاقد للجزء المتعذر من قاعدة ميسور ونحوه فيستفاد منه بضميمة الاجتماع على انه لا يكون عليه الا تكليف واحد الاجزاء وعدم وجوب الاعادة (ومن العناوين) قوله (صلى الله عليه وآله) وما لا يطيقون ويجرى فيه جميع ما ذكرناه في الاضطرار (فيختص) ذلك ايض بالتكليف ولا يشمل المعاملات، ويكون المرفوع فيه هي المؤاخذة الناشئة من عدم حفظ الطاقة بمقدماته الاختيارية بناء على كون المراد به معناه الحقيقي (نعم) لو كان المراد به المشقة الشديدة التي لا يتحمل عادة (أو كان) المراد هو ما لا يطاق العرفي اي التكليف الشاق الناشئ عن اختيار المكلف البالغ إلى حد الحرج كما لعله هو الظاهر من الحديث (كان) المرفوع هو نفس التكليف الفعلي، إذ لا يحتاج في مثله إلى ارجاع الرفع فيه إلى رفع ايجاب تحفظه بعد كونه بنفسه قابلا لتعلق التكليف به فيكون رفعه حينئذ منة عليه، بل ولعل ذلك ايضا هو المراد في الآية المباركة الحاكية عما استوهبه  النبي ( صلى الله عليه واله ) من ربه جل ذكره ليلة المعراج لا ان المراد هو ما لا يتحمل عادة أو العذاب والعقوبة، فكان مفاد الآية حينئذ مساوقا لما نفاه الله عز وجل في آية اخرى بقوله عز من قائل {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] (ثم) ان في شمول الحديث الشريف لرفع الجزئية عن الجزء الذي لا يطاق فعله (الاشكال) المتقدم من حيث استلزامه لوضع التكليف بالبقية الذي هو خلاف الامتنان عليه نظرا إلى ما هو المفروض من عدم اطلاق لدليلها بنحو يشمل حال فقد جزء آخر (ومن العناوين) قوله (صلى الله عليه وآله) وما اكرهوا عليه (والظاهر) اختصاص مجرى الرفع في هذا العنوان بباب المعاملات بالمعنى الاخص بعكس الرفع في عنوان الاضطرار فلا يجري في التكليفيات من الواجبات والمحرمات (لان) الاكراه على الشيء بصدق بمجرد عدم الرضا وعدم طيب النفس بإيجاده ولذا يصدق عنوان الاكراه على المعاملة بمجرد التوعيد على تركها ولو بأخذ مال يسير لا يكون تحمله حرجيا عليه حتى مع امكان التفصى بالتورية ونحوها كما هو ظاهر النصوص والاصحاب (ومن المعلوم) بداهة عدم كفاية ذلك في تسويغ ترك الواجبات ما لم ينته إلى المشقة الشديدة الموجبة للعسر والحرج فضلا عن الاقتحام في ارتكاب المحرمات التي لا يسوغها الا الاضطرار (ومن هنا) لم يلتزم احد بجواز ترك الواجب بمطلق الاكراه عليه ولو لم يبلغ إلى حد الحرج نعم لو بلغ الاكراه إلى حد الحرج جار ذلك ولكنه حينئذ من جهة الحرج لا الاكراه (بخلاف) باب المعاملات، حيث ان بنائهم فيها على كفاية مطلق الاكراه على المعاملة ولو بإبعاد ضرر يسير على تركها في فساد المعاملة (ثم) ان الوجه في اختصاص مجرى الرفع في الاكراه بباب المعاملات بالمعنى الاخص انما هو بملاحظة ما اعتبر فيها من الرضا وطيب النفس في مترتب الاثر عليها بمقتضى قوله سبحانه {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] وقوله(عليه السلام)لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه (فان) الاكراه لما كان منافيا لطيب النفس بالمعاملة اقتضى الامتنان رفعها، وهذا المناط وان كان جاريا في الاضطرار بالمعاملة ايضا، الا ان عدم جريان الرفع فيها انما هو من جهة كونه خلاف الارفاق والامتنان في حق المضطر، لاقتضاء رفع الصحة عن المعاملة المضطر إليها لقوت نفسه وعياله تأكدا في اضطراره (بخلاف) باب الاكراه فان في رفع الصحة عن المعاملة المكره عليها كمال الارفاق في حق المكره ثم ان الاثر المرفوع في ذلك انما هي الصحة الفعلية لأنها هي التي يقتضى الامتنان رفعه (لا اصل) صحتها بنحو لا يصححها الاجازة المتأخرة (فان) ذلك خلاف الامتنان على المكره بالفتح لانه قد يتعلق غرضه بإمضاء تلك المعاملة والرضا بها لما يرى فيها من الصلاح (ولا الاحكام) التكليفية المترتبة على الصحة كوجوب القبض والتسليم فان ترتب هذه الاثار انما يكون في فرض صحة المعاملة وتأثيرها في النقل والانتقال (وفي) فرض صحة المعاملة وان كان رفعها منة على المكره بالفتح (ولكنه) خلاف الامتنان في حق المشترى لرجوعه إلى سلب سلطنة المشتري على المبيع مع فرض كونه مالكا له ومن العناوين المذكورة في الحديث، الحسد والطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق والظاهر ان المرفوع في الجميع بقرينة اضافة الرفع إلى نفس المذكورات هي المؤاخذة عليها بملاحظة ما فيها من الاقتضاء لتشريع الحكم التحريمي، فالشارع من باب الامتنان دفع المقتضى فيها عن تأثيره في تشريع الحكم التحريمي (واما الاشكال) في ذلك بان هذه الامور لكونها غير اختيارية خصوصا الحسد لكونه عبارة عن الملكة الرذيلة الخاصة أو الخطرات القلبية الناشئة منها، لا يصح تعلق الرفع بها ولو باعتبار حكمها حيث لا يمكن اقتضاء مثلها لتشريع الحكم التحريمي (فمدفوع) بانها وان كانت بنفسها غير اختيارية ولكنها بمباديها كانت اختيارية حيث امكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيه ويكفي هذا المقدار في اقتضائها للتحريم (ويمكن) ان يكون المرفوع فيها غير ذلك، بان يقال ان المرفوع (في الحسد) انما هو وجوب رفعه بالرياضات والمجاهدات التي منه التحفظ وعدم التفتيش في امور الناس والاطلاع على ما اعطوا من الاموال والاولاد ونحو ذلك مما هو منشاء حصول هذه الصفة الرذيلة، فان الانسان إذا صرف نفسه إلى احوال نفسه وامر آخرته ولم يتعرض للناس وما وهب لهم من النعيم كالرياسة والاموال والاولاد والسعة في العيش ونحو ذلك مما هو فاقد له لا يحصل له هذه الملكة الرذيلة ولو كانت حاصلة تزول عنه تلك الملكة وتنقطع عنه مادة الحسد على التدريج (فكان) الشارع امتنانا رفع هذا الوجوب مع كون رفعه مستحسنا في نفسه في مقام تحسين الاخلاق كرفع ساير الاخلاق الرذيلة والصفات الذميمة (نعم) لا يجوز ترتب الاثر الخارجي عليه لكونه حراما بلا اشكال وعليه ايضا يحمل ما دل من الاخبار على النهى عنه واثبات العقوبة عليه (واما الطيرة) فالمرفوع فيه هو الصد عن المقاصد عند التطير والتشأم لكونه امر قابلا للجعل ولو امضاء لما عليه بناء العرف من الالتزام بالصد عن المقاصد عند التطير والتشاؤم فنفاه الشرع امتنانا على الامة كما يشهد لذلك قوله(عليه السلام )إذا تطيرت فامض (واما الوسوسة) في التفكر في الخلق فالمرفوع فيه هو وجوب التحفظ وصرف الذهن إلى امور اخر غير مرتبطة بمقام امر الخلقة ولكن ارادة رفع الحرمة فيها اظهر بقرينة ظهور استناد الرفع إلى نفسها وقد استفاضت النصوص ايضا على انه لا شيء فيها وانه تقول لا اله الا الله.

الاستدلال على البرائة بحديث الحجب:

(ومنها) أي من الاخبار التي استدل بها للبرائة قوله(عليه السلام )ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (فانه) يدل على نفي الكلفة ووجوب الاحتياط فيما حجب علمه من الاحكام المجهولة كحرمة شرب التتن ونحوه فيعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك (ولعل) هذا الخبر اظهر في الدلالة على المطلوب من حديث الرفع، إذ لا يتوجه عليه اشكال الاختصاص بالشبهات الموضوعية، بل يمكن فيه دعوى العكس (فان) الموصول وان كان عاما لكن بقرينة استناد الحجب إليه سبحانه يختص بالأحكام التي كان رفع الجهل عنها من وظائفه سبحانه بإيصال البيان إلى العباد ولو بتوسيط رسوله (صلى الله عليه واله) وهي لا تكون الا الاحكام الكلية دون الجزئية لان رفع الجهل عنها لا يكون من وظائف الفقيه فضلا عن الشارع (وقد اورد) على الرواية كما عن الشيخ ( قدس سره) بانها بقرنية استناد الحجب إليه سبحانه ظاهرة في الاختصاص بالأحكام التي ما بينها الشارع للعباد رأسا فلا تشمل الاحكام التى بينها الشارع للعباد واختفيت عليهم بعد ذلك لأجل معصية من عصى الله سبحانه بكتمان الحق (فتكون) الرواية مساوقة لما ورد عن علي(عليه السلام )بان الله سبحانه حدد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوه وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة لكم (فلا)تصلح للاستدلال به في المقام (لان) محل الكلام بين الاخباريين والمجتهدين انما هو في الاحكام المبينة من قبله سبحانه التي لم يصل إلى المكلفين ولم يقم عليها طريق معتبر وان كان سبب ذلك اخفاء الظالمين ودس الداسين (وبعبارة اخرى) مورد النزاع انما هي الاحكام المجهولة التى يقطع بفعليتها على تقدير ثبوتها واقعا لا الاحكام الشأنية المحضة (والرواية) بقرنية استناد الحجب إليه سبحانه مختصة بالثاني (لان) ما لم يبينه الشارع وسكت عن اظهاره يقطع بعدم فعليته ولو مع القطع بثبوته في نفس الامر كما في الضد المبتلى بالاهم (ولكن) فيه ان ما افيد من عدم فعلية الاحكام مع السكوت عنها انما يتم في فرض السكوت عنها بقول مطلق حتى من جهة الوحي إلى  النبي ( صلى الله عليه واله ) (واما) في فرض اظهاره للنبي ( صلى الله عليه واله )  بتوسيط خطابه ووحيه (فيمكن) دعوى كونها من الاحكام الفعلية (إذ) لا نعنى من الحكم  الفعلي الا ما تعلقت الارادة الازلية بحفظه من قبل خطابه (حيث) انه يستكشف من تعلق الارادة بإيجاد الخطاب عن فعلية الارادة بالنسبة إلى مضمون الخطاب ولو مع القطع بعدم ابلاغ  النبي ( صلى الله عليه واله ) اياه إلى العباد، اما لعدم كونه مامورا بإبلاغه، أو من جهة اقتضاء بعض المصالح لإخفائه (وتوهم)منافات ذلك مع فعلية الارادة المضمونية (ممنوع) جدا حيث ان المنافي له انما هي الفعلية المطلقة لا الفعلية ولو من جهة الخطاب (والا) ينافيها الترخيصات الشرعية الظاهرية في جعل الامارات والاصول المخالفة للواقع، فلابد من الالتزام فيه ايضا بعدم فعلية التكليف الواقعي، مع انه كما ترى (وحينئذ) بعد كفاية هذا المقدار في فعلية التكليف (نقول) ان رواية الحجب وان لم تشمل التكاليف المجهولة التي كان السبب في خفائها معصية من عصى الله (ولكن) بعد شمول اطلاقها للأحكام الواصلة إلى  النبي ( صلى الله عليه واله ) بتوسيط خطابه إليه التي لم يؤمر من قبله سبحانه بإبلاغها إلى العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فيها إليه سبحانه يمكن التعدي إلى غيرها من الاحكام المجهولة التي كان سبب خفائها الامور الخارجية بمقتضى عدم الفصل بينهما بعد صدق التكليف  الفعلي على مضامين الخطابات المنزلة إلى النبي ولو مع عدم الامر بإبلاغه إلى العباد وبذلك تصلح الرواية لمعارضة ما دل على وجوب الاحتياط هذا كله (مع امكان) دعوى شمول الموصول فيما حجب للأحكام المبينة عن  النبي ( صلى الله عليه واله ) أو الوصي(عليه السلام)المجهولة بسبب الامور الخارجية وان نسبة حجب علمها إليه سبحانه كنسبة سائر الاشياء إليه تعالى نظير قوله(عليه السلام )ما غلب الله على العباد فهو اولى بالعذر فكان المراد من حجب الله سبحانه هو الحجب في مقام التكوين الراجع إلى عدم توفيقه سبحانه لمعرفتها مع فعليته في الواقع كما يؤيده لفظة موضوع عنهم الظاهرة في وضع الاحكام الفعلية عند الجهل به عن العباد بعدم ايجابه للاحتياط في ظرف الجهل خصوصا بعد ملاحظة ظهور الحجب في كون العلة للوضع هو الجهل بالواقع الملازم لكون الرفع في المرتبة المتأخرة عنه إذ حينئذ يكون المرفوع منحصرا بإيجاب الاحتياط فتصلح للرد على الاخباري القائل بوجوب الاحتياط (منها) قوله (عليه السلام ) الناس في سعة ما لا يعلمون (ودلالتها) على المطلوب ظاهرة كانت كلمة ما مصدرية ظرفية، أو موصولة اضيف إليه السعة (إذ)المعنى على الاول انهم في سعة ما داموا غير عالمين بالواقع (وعلى الثاني) انهم في سعة ما لا يعلمونه من الاحكام الراجع إلى عدم كونهم في كلفة ايجاب الاحتياط فيعارض ما دل على وجوب التوقف والاحتياط (واورد) على الاستدلال المزبور بان الخصم غير منكر للسعة على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التأمل والتدبر وانما يدعى الضيق والكلفة من جهة العلم بوجوب الاحتياط بزعم قيام الدليل العقلي والنقلي على وجوبه فتكون ادلة الاحتياط على تقدير تماميتها واردة على هذه الرواية (ولكن فيه) ان ذلك يتم إذا كان دعوى الاخباري اثبات العقوبة على مخالفة نفس ايجاب الاحتياط في قبال الواقع وليس كذلك (بل مقصودهم) انما هو اثبات العقوبة على مخالفة التكليف المجهول بمقتضى ما دل على وجوب التوقف والاحتياط في قبال الاصولي (فان) هذا هو الذي يساعد ادلتهم من نحو رواية التثليث من نحو قوله(عليه السلام )وهلك من حيث لا يعلم (وعليه) فلا وجه لتوهم ورود ادلة الاحتياط على الرواية ولا حكومتها عليها (نعم) لو كان ادلة الاحتياط متكفلة لأثبات العلم بالواقع كالإمارات كان لدعوى الحكومة كمال مجال (ولكنه) ليس كذلك، بداهة ان مفاد تلك الادلة لا يكون الا مجرد اثبات وجوب التوقف والاحتياط عند الجهل بالواقع (ومجرد) صلاحيتها لتنجيز الواقع عند الموافقة لا يقتضي الطريقية والكاشفية ايضا كما هو ظاهر (نعم) لو كان العلم في الرواية كناية عن مطلق قيام الحجة على الواقع، أو كان المراد من عدم العلم الذي عليه مدار السعة هو عدم العلم بمطلق الوظيفة الفعلية لامكن دعوى ورود ادلة ايجاب الاحتياط عليها (ولكن) ذلك خلاف ما يقتضيه ظهور الرواية في كون العلم الذي عليه مدار الضيق هو العلم بالواقع كما هو ظاهر.

(ومنها) رواية عبد الاعلى عن الصادق(عليه السلام)قال سألته عمن لا يعرف شيئا هل عليه شيء قال(عليه السلام )لا (بتقريب) ان الظاهر من الشيء الاول في كلام السائل هو مطلق ما لا يعرفه من الاحكام، ومن الشيء الثاني الكلفة والعقوبة من قبل الحكم الذي لا يعرفه، فيستفاد من نفي العقوبة عليه في جواب الامام(عليه السلام )بقوله لا عدم وجوب الاحتياط عليه، فتعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالحكم الواقعي (ويمكن المناقشة) فيه بظهور الشيء الاول في ارادة عموم الاحكام فيختص بالجاهل القاصر الغافل عن الاحكام كما في اهل البوادي والسودان ويخرج عن مفروض البحث (اللهم) الا ان يمنع اختصاصه بالغافل بدعوى شموله ايضا للجاهل بمجموع الاحكام الملتفت إليها مع كونه غير قادر على الفحص عنها لكونه ممن يصدق عليه انه لا يعرف شيئا فإذا استفيد من قوله(عليه السلام )في الجواب لا نفي العقوبة بنفي منشئها الذي هو وجوب الاحتياط يتعدى إلى الجاهل ببعض الاحكام بعد الفحص لعدم الفصل بينهما.

(ومنها) قوله (عليه السلام) ايما امرء ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه (حيث) ان فيه الدلالة على نفي الباس وعدم العقوبة على ارتكاب ما لا يعلم حرمتة (واورد) عليه الشيخ ( قدس سره) بان الباء في قوله ( عليه السلام )بجهالة ظاهر في السببية للارتكاب فيختص بالغافل والجاهل المركب ولا يشمل الجاهل البسيط المحتمل لكون فعله صوابا أو خطأ، ثم ايده باحتياجه إلى التخصيص بالنسبة إلى الجاهل المقصر بناء على التعميم بخلافه على التخصيص بالغافل محض والجاهل المركب المعتقد لكون فعله صوابا لا غيره (وفيه) ان الالتزام بالتخصيص مما لابد منه على اي حال للزوم خراج الجاهل المقصر وان كان معتقدا بالخلاف ولعل امره بالتأمل اشارة إلى ذلك (واما ما افاده) في وجه التخصيص بالجاهل المركب والغافل بكونه مقتضى ظهور الباء في السببية (ففيه) انه كذلك في الجهل البسيط ايضا لكونه هو السبب في الارتكاب بمقتضى حكم عقله بقبح العقاب بلا بيان (ودعوى) ان الباء ظاهر في السببية بلا واسطة فلا يشمل الجهل البسيط (لان) سببيته للارتكاب انما هو بتوسيط حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان كما ترى (نعم) لو كان المراد بالجهالة هو الجهل بمطلق الوظيفة الفعلية، يشكل التمسك به على المطلوب لورود ادلة الاحتياط حينئذ عليه.

(ومنها) قوله ( عليه السلام )ان الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم اي آتاهم من الاحكام واوصلها إليهم (حيث) يدل على نفي العقوبة على مخالفة الاحكام المجهولة غير الواصلة إلى المكلف ولو من جهة اخفاء الظالمين وفيه انه لا يقاوم ادلة الاحتياط لانها على تقدير تماميتها تكون واردة عليه حيث يكون الاحتجاج والمؤاخذة على الواقع من قبل ما - اتاه -  جعل ايجاب الاحتياط (الا) ان يدعى ظهوره في ايتاء الاحكام الواقعية بعناوينها الاولية ومعرفتها كذلك فيعارض حينئذ ما دل على وجوب الاحتياط (ومنه) قوله ( عليه السلام )كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى (وقد) جعل الشيخ ( قدس سره) هذه الرواية اظهر ما في الباب في الدلالة على المطلوب (وهو) كما افاده بناء على كون المراد من النهى الواقعي المتعلق بالشيء بعنوانه الاولى كما هو ظاهر، ومن الورود وصوله إلى المكلف لا مجرد صدوره واقعا فانه على ذلك يدل على المطلوب بلحاظ ظهور اطلاق الشيء في الترخيص وعدم وجوب الاحتياط عند الجهل بالحرمة (واما) بناء على كون المراد من النهى الذي جعل غاية للإطلاق هو مطلق النهى المتعلق بالشيء ولو من حيث كونه مجهول الحكم فلا يتم الاستدلال به للمطلوب من جهة كونه حينئذ مورودا بأدلة الاحتياط (كما) لا يتم الاستدلال به ايضا لو كان المراد من الورود هو مجرد صدور النهي واقعا ولو لم يعلم به المكلف (إذ) عليه يصير مفاد الرواية خارجا عن مفروض البحث بين الفريقين لان ما لا نهى فيه واقعا لا كلام في انه لا عقوبة على ارتكابه ولا يجب فيه الاحتياط عند الاخباري (ولعل) إلى مثل هذا البيان نظر من استدل بهذه الرواية على كون الاصل في الاشياء الاباحة لا الحظر (ولكن) احتمال كون المراد من النهى هو مطلق النهى المتعلق بالشيء ولو بعنوان كونه مجهول الحرمة بعيد جدا عن ظاهر الرواية (واما احتمال) كون المراد من الورود هو مجرد ورود النهى واقعا لا وصوله إلى المكلف فغير بعيد عن ظاهر الرواية (وعليه) لابد في صحة الاستدلال بها للمطلوب من سد هذا الاحتمال (والا) فبدونه لا يستقيم الاستدلال بها في قبال الاخباريين (واما) توهم بعد الاحتمال المزبور في نفسه لا وله إلى توضيح الواضح لكون مفاده حينئذ ان ما لم يرد فيه نهى لا نهى فيه ومثله مما يبعد جدا عن مساق الرواية الظاهرة في مقام التوسعة على العباد (فيتعين) الاحتمال الاول ويتم معه الاستدلال بها على المطلوب (فمدفوع) بمنع اوله إلى توضيح الواضح فان مفادها حينئذ انما هو نفي الحرمة الفعلية في الشيء قبل ورود النهى عنه ولو مع وجدانه لمقتضيات الحرمة من المفاسد، ومن المعلوم ان بيان هذه الجهة لا يكون من قبيل بيان البديهيات (والثمرة) المترتبة عليه انما هو نفي ما يدعيه القائل بالملازمة، ويترتب عليه عدم جواز الاتيان بالشيء الذي ادرك العقل حسنه بداعي الامر به شرعا وعدم جواز ترك ما ادرك العقل قبحه عن داعي النهى الشرعي لكونه من التشريع المحرم فتدبر .

(ومنها) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم(عليه السلام )قال سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له ابدا ؟ فقال(عليه السلام )اما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها فقد يعذر الناس بما هو اعظم من ذلك قلت باي الجهالتين اعذر بجهالة ان ذلك تحرم عليه ام بجهالة انها في العدة قال (عليه السلام )احدى الجهالتين اهون من الاخرى الجهالة بان الله تعالى حرم عليه ذلك وذلك لانه لا يقدر معه على الاحتياط قلت فهو في الاخرى معذور قال(عليه السلام )نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يزوجها (وتقريب) الدلالة انما هو من جهة قوله(عليه السلام )فقد يعذر الناس بما هو اعظم حيث دل على معذورية الجاهل من جهة العقوبة عند الجهل وعدم العلم بالواقع الشامل بأطلاقه للمعذورية عن العقوبة والنكال الاخروي ولكن فيه ان الظاهر من الجهالة في هذه الفقرة بقرينة التعليل بعدم القدرة على الاحتياط انما هي الغفلة عن ان الله تعالى حرم عليه ذلك دون الشاك الملتفت (فأنه) مضافا إلى بعد ذلك في نفسه مع اشتهار الحكم بين المسلمين وعدم خفائه على احد ممن كان نشوه في الإسلام (لا يستقيم) تعليله بعدم القدرة على الاحتياط، لوضوح قدرة الجاهل الملتفت بالحرمة على الاحتياط (وهذا بخلاف) الغافل عن الحكم الشرعي فانه في ظرف غفلته لا يقدر على الاحتياط، فيصح فيه التعليل المزبور (بل لو فرض) ظهور لفظ الجهالة في الشك والترديد لابد من صرفه عن ظهوره وحمله بقرينة التعليل المزبور على الغفلة وعليه يخرج مفروض الرواية عن مورد البحث في المقام فلا يستقيم الاستدلال بها للمطوب لافي الشبهات الحكمية ولا في الشبهات الموضوعية من غير فرق بين صور الشك وانحائه وتوضيحه ان الشك في الحرمة في مفروض المسألة يكون من جهات تارة من جهة الشك في اصل تشريع العدة على المرئة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها في الشريعة، واخرى من جهة الشك في مقدارها مع العلم بتشريع العدة عليه في الجملة، وثالثة من جهة الشك في انقضائها بعد العلم بتشريع العدة ومقدارها، ورابعة من جهة الشك في كونه عدة وفاة أو طلاق، وخامسة من جهة الشك في اصل تكليفه بضرب العدة من جهة جهله بكونها معقوده للغير (وعلى جميع المقادير) لا ينتهى الامر فيها إلى البرائة أو الاشتغال، لأصالة عدم حل النكاح وعدم تأثير العقد كما في الصورة الاولى والاستصحاب المثبت لبقاء العدة في الصورة الثانية والثالثة والرابعة (أو الاستصحاب) النافي لوجوب العدة عليها بنفي كونها معقودة للغير كما في الصورة الاخيرة ثم انه على ما ذكرنا يبقى اشكال في الرواية من حيث التفكيك فيها بين الجهالتين من جهة القدرة على الاحتياط وعدمها ان يقال ان المراد من الجهالة في قوله(عليه السلام )فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو اعظم من ذلك ان كان هي الغفلة فلا وجه لتخصيص التعليل بعدم القدرة على الاحتياط بالجاهل بالحكم لان الجاهل بالعدة ايضا إذا كان غافلا لا يقدر على الاحتياط (وان كان) المراد الجهل البسيط (فلا) يستقيم التعليل المزبور (لان) الجاهل بالحكم كالجاهل بالعدة يكون قادرا على الاحتياط (وبالجملة) لا فرق بين الجهل بالحرمة وبين الجهل بالعدة (فانه) بمعنى الشك والترديد كان قادرا على الاحتياط في الصورتين، وبمعنى الغفلة لا يكون قادرا على الاحتياط في الصورتين (ويمكن) دفع ذلك بان المراد بالجهالة في الموضعين انما هو مطلق الجهل الشامل للغافل والشاك في قبال العالم (ولكن) تخصيص الاولى بالغفلة انما هو لبعد تصور الجهل بالحرمة مع الالتفات إليها ممن كان نشوه في الإسلام بعد اشتهار حرمة تزويج المعتدة بين المسلمين وصيرورتها من الضروريات غير الخفية على الملتفت إليها والى موضوعها (إذ حينئذ) لا يتصور الجهل بالحرمة الا من جهة الغفلة عنها (بخلاف) الجهل بكونها في العدة (فانه) بعكس ذلك لان الغالب هو التفات المكلف إليها عند ارادة التزويج بحيث قلما ينفك ارادة التزويج عن الالتفات إلى كونها في العدة (وبذلك) يستقيم تخصيص الاولى بعدم القدرة على الاحتياط دون الثانية حيث كان النظر إلى ما هو الغالب في الجهل المتصور في الموردين (من غير) ان يلزم منه تفكيكا بين الجهالتين بإرادة الغافل من احديهما والملتفت من الاخرى فان الاختلاف المزبور انما نشاء من جهة اقتضاء خصوصية الموردين والا فما اريد من الجهالة في الموردين الا المعنى العام الشامل للغفلة والشك.

(ومنها) قوله ( عليه السلام )في صحيحة عبد الله بن سنان، كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (بتقريب) دلالتها على ان كل فعل قابل لان يتصف بالحلية والحرمة فهو حلال حتى تعرف حرمته (وفيه) ان ظاهر قوله ( عليه السلام )كل شيء فيه انما هو كون الشيء منقسم اليهما فعلا بمعنى وجود القسمين فيه بالفعل لا تردده بين كونه حلالا أو حرام (وهذا) لا يتصور في الشبهات الحكمية فان القسمة فيها ليست فعلية وانما هي فرضية محضة حيث انه ليس فيها الا احتمال الحل والحرمة كما في شرب التتن المشكوك حليته وحرمته وكذا لحم الحمير ونحوه (فيختص) بالشبهات الموضوعية التي كان الشك فيها في الحل والحرمة من جهة الشك في انطباق ما هو الحرام على المشتبه كما يؤيده ظاهر كلمة منه وبعينه ايضا (إذ) فيها يصح الانقسام الفعلي كما في اللحم المطروح المشكوك كونه من المذكى أو الميتة، فان اللحم قسم منه حرام بالفعل وهو الميتة وقسم منه حلال وهو المذكي فإذا اشتبه الحال ولا يعلم ان المشكوك من اي القسمين يحكم عليه بالحلية إلى ان يعلم كونه من القسم الحرام (فتكون) هذه الرواية مساوقة لرواية عبد الله بن سنان عن ابي جعفر ( عليه السلام )الواردة في السؤال عن حكم الجبن قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام )عن الجبن فقال ( عليه السلام ) سألتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبن ثم دعى بالغذاء فتغذينا واتى الجبن فأكلنا فلما فرغنا قلت ما تقول في الجبن قال أو لم ترنى آكله قلت احب ان اسمعه منك فقال ( عليه السلام)سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (فان) المنساق منها ايض بقرينة المورد هو الاختصاص بالشبهات الموضوعية هذا (ولكن يمكن) ان يقال بشمول الرواية للشبهات الحكمية نظرا إلى امكان فرض الانقسام الفعلي فيها ايضا كما في كلي اللحم(فان) فيه قسمان معلومان حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الارنب وقسم ثالث مشتبه وهو لحم الحمير لا يدرى بانه محكوم بالحلية أو الحرمة ومنشأ الاشتباه فيه هو وجود القسمين المعلومين فيقال بمقتضى عموم الرواية انه حلال حتى تعلم حرمته (بل يمكن) فرضه في لحم الغنم ايضا بالإضافة إلى اجزائه، فانه مما يوجد فيه قسمان معلومان (وقسم ثالث) مشتبه كالقلب مثلا فلا يدري انه داخل في الحلال منه أو الحرام فيقال انه حلال حتى يعلم كونه من القسم الحرام ويخرج بذلك عن دائرة المشتبهات المحكوم فيها بالحلية، وبعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذي يوجد في نوعه القسمان المعلومان، يتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل.

(ومنها) قوله ( عليه السلام )كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام (ودلالتها) على المطلوب ظاهرة لو كانت هي غير رواية مسعدة بن صدقه لخلوها عن الاشكالات المتقدمة في الرواية السابقة (والا) فعلى تقدير كونها هي تلك الرواية، فيشكل الاستدلال بها للمطلوب في الشبهات الحكمية (حيث) انه بملاحظة تطبيقها على ما في ذيلها من الامثلة بقوله ( عليه السلام ): وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة أو العبد يكون عندك ولعله قد باع نفسه ...الخ ،تكون (ظاهرة) في الاختصاص بالشبهات الموضوعية ولا اقل من كون مثلها هو المتيقن في مقام التخاطب المانع عن ظهور الصدر في العموم للشبهات الحكمية (وعليه) تكون هذه الرواية نظير الرواية المتقدمة بل اسوء حالا منها في الدلالة على المطلوب (ولكن) الذي يقتضيه ظاهر كلام شيخنا العلامة الأنصاري ( قدس سره) في المقام بل وصراحته في الشبهة الموضوعية التحريمة هو ان هذه الرواية غير رواية مسعدة المذيلة بالأمثلة المذكورة (نعم) نحن لم نظفر به فيما تفحصنا عنه في كتب الاخبار الموجودة عندنا، وظني والله العالم انها مضمون ما رواه في الكافي بسنده عن ابان بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سليمان عن ابي عبد الله ( عليه السلام)في الجبن قال(عليه السلام )كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة (وكيف كان) قد يورد على رواية المسعدة اشكال آخر من جهة تطيق كبرى الحلية على الامثلة المذكورة في الذيل الجارية فيها الاصول الموضوعية واليد والسوق الحاكمة كلها على الكبرى المزبورة (ولكن) يمكن دفعه بانه يتجه ذلك إذا كان الصدر انشاء للحلية في الامثلة المزبورة بعنوان كونها مشكوك الحرمة (والا فبناء) على كونه حاكي عن انشاءات الحلية في الموارد المزبورة بعنوانات مختلفة من نحو اليد والسوق والاستصحاب ونحوها من العناوين التي منها عنوان مشكوك الحل والحرمة (فلا) يرد اشكال، إذ المقصود حينئذ بيان عدم الاعتناء بالشك في الحرمة في هذه الموارد لمكان جعل الحلية الظاهرية فيها بعنوانات مختلفة غير انه جمع الكل ببيان واحد (لا ان)، المقصود هو انشاء الحلية في الموارد المزبورة بعنوان قاعدة الحلية فتدبر هذه جملة ما استدل به من الاخبار على البرائة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه في الشبهات ولقد عرفت ظهور بعضها في الدلالة على ذلك بحيث لو فرض تمامية الاخبار الاتية للقول بالاحتياط وقعت المعارضة بينهما.

 

 

 

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.