المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



ابن الدباغ  
  
3409   01:06 مساءاً   التاريخ: 22-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص437-439
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

هو أبو المطرف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ الوزير الكاتب، نشأ بسرقسطة، و عمل بدواوينها و قرّبه المقتدر بن هود أميرها (4٣٨-4٧5 ه‍) حتى أصبح من وزرائه، و أحسّ منه جفوة، و خشى أن يسطو به و يبطش، فخرج عنه، و نزل بالمعتمد بن عباد في إشبيلية، فأجزل قراه، و خصّه بحظ من دنياه، و جعله مكان سرّه و نجواه. و سفر بينه و بين المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس حين كان بيابرة.

و حدثت مشادة بينه و بين ابن عمار قرينه في وزارة المعتمد، و بلغه أنه قدح فيه بمجلس المعتمد، و خشى مغبّة ذلك، فلحق بالمتوكل أمير بطليوس فرحب به، و يبدو أنه لم يكن موطّأ الكنف في العشرة، إذ لم يلبث أن فسد ما بينه و بين وزير المتوكل أبي عبد اللّه بن أيمن، و اشتعلت بينهما نار ملأ الأفق شعاعها، و أخذ بأعنان السماء-كما يقول ابن بسام-ارتفاعها، فكرّ راجعا إلى سرقسطة، و بعد فترة قليلة قتل ببستان من بساتينها.

و يبدو أن ابن الدباغ كان شديد الضجر بالناس كثير الظنون بهم أو قل سيئ الظنون، فنبا به مقامه عند المقتدر بن هود ثم عند المعتمد و المتوكل بن الأفطس، و ربما دفعه إلى ذلك تشاؤم شديد جبلت عليه نفسه. و هو من كتاب عصر أمراء الطوائف النابهين، و فيه يقول ابن بسام: «فيما انتخبته من نظمه و نثره ما يشهد بفضله، و يدل على نبله» . و مضى ابن بسام يعرض طرائف من رسائله امتدت إلى نحو ستين صحيفة، جميعها غرر و درر، و أكثرها في ذم الزمان و معاصريه و تعذر آماله فيه، من ذلك قوله في بعض رسائله:

«كتابي و عندي من الدهر ما يهدّ أيسره الرّواسي، و يفتّت الحجر القاسي. . و من أقلّها قلب محاسني مساوى، و أوليائي أعادى، و قصدي بالبغضة من جهة المقة(1)،

و اعتمادي بالخيانة من حيث الثقة. . و قد غيّر عليّ حتى شرابي، و أوحشني حتى ثيابي، فها أنا أتّهم عياني، و أستريب من بياني، و أجني الإساءة من غرس إحساني. .

و ما أصنع؟ و قد أبى القضاء إلا أن أقضي عمري في بوس و لا أنفكّ من نحوس. .

لست أشكو إلا زماني و قعوده بجدّي (2)، و قبيح آثاره عندي، يخصّني بمزية حرمان، و يتوخّاني بفضلة عدوان، و يجعلني نصب سعيه، و غرض رميه، و مكان أذايته و بغيه. .

ما أجد إلا من يثلب، و لا أمرّ إلا بمن يتجهّم و يقطّب. . و سبحان من جعل الدنيا دار كرب و محنة، لكل ذي لبّ و فطنة، و مقام تنعّم و ترف، لكل ذي خسّة و نطف (3). . و ما أظن أن لدجى حالي انبلاجا، و لا لكربة نفسي انفراجا، و لا إخال غمرات الهمّ تنجلي، و لا مدد النحوس تنقضي، و من كانت له من الدنيا حظوة يصطفيها، و مكانة يستقر فيها، فليس لي منها إلا أن أرى كيف تنقسم رتبها و تتناوب، و تتنازع نعمها و تتجاذب، و تغتنم فوائدها و تتناهب، حتى كأني جئت على العدد زائدا، و لم أكن عند القسمة شاهدا، و ما أقول هذا قول ساخط، و لا أيأس من رحمة اللّه يأس قانط، و لكن ربما استراح العليل في أنّة، و استغاث المتوجع إلى رنّة (4)، و خفّف عن المصدور نفث (5)، و نفّس من وجد المكروب بثّ (6)» .

و هو يطيل في مثل ذلك صادرا عن قريحة أدبية خصبة، و كأنما سيول الكلام العذب تفد عليه من كل صوب، و هو يختار أسلس الألفاظ و أحلاها في الجريان على الألسنة و مصافحة الأسماع و القلوب، مما يصور براعة أدبية حقيقية، إذ يمتع دائما بألفاظه و معانيه الألسنة و الآذان و الأذهان. و له من تهنئة:

«قد كنت-أعزّك اللّه-متمنيا لهذه الأيام، كما يتمنّى في المحل  (7)صوب الغمام، و منتظرا لظهورك فيها، كانتظار النفس أعذب أمانيها، و لما أطلعت طلائعها السعود، و استمرّ بك الارتقاء و الصعود، قلت لنفسي بشراك، و أسعفك الدهر بمناك، و سرّك في بعض أعزّتك و أرضاك، و أذني في الإصغاء، إلى ما يطرأ من الأنباء، و كلما قيل فرع )8)من الجاه ذروة، و استجدّ من العزّ كسوة، سرت العزّة في خلدي (9)، و طالت)10)على النّوب يدى»

و بهذا البيان الخلاب لا نزال نقرأ في رسائل ابن الدباغ معجبين، و نأسى لمصيره، و كان حريا بأحد الثلاثة: المقتدر بن هود و المعتمد بن عباد و المتوكل بن الأفطس أن يرفق به و يعرف له فضله و منزلته الأدبية الرفيعة، فيقيله من أوضار تشاؤمه و عثرات بؤسه بما يسدل عليه من صفو الحياة و رخاء العيش مما يبّدل قنوطه من معاصريه رجاء و يأسه منهم أملا و خوفه ثقة و اطمئنانا، غير أن أحدا منهم لم يحاول إنقاذه من محنته، بل جميعهم تركوه يتجرع غصص الضّيم و الحرمان في غير شفقة و لا رأفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) المقة: المحبة.

2) جدى: حظى.

3) نطف: عيب.

4) رنة: صيحة.

5) نفثة المصدور: ما يخفف به عن صدره المريض.

6) البث: ما يبثه المكروب و المحزون تخفيفا عنه.

7) المحل: الجدب.

8) فرع: علا.

9)  الخلد: البال و الفكر.

10) طالت: غلبت و تفوقت.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.