أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2016
3030
التاريخ: 20-6-2016
9537
التاريخ: 28-9-2020
1210
التاريخ: 6-2-2021
2028
|
شرودنجر ومعادلته
ولد إيروين شرودنجر في منزل بوسط فيينا عام ١٨٨٧ لأبوين ثريين. ولأنه الطفل الوحيد، فقد كان موضع شغف عدد من الخالات (العمات)، إحداهن علمته النطق والقراءة بالإنجليزية، حتي قبل أن يتبين أصوله الألمانية ويتعلم لغتها . وتمرس، وهو بعد طفل صغير علي تسجيل يومياته، وهي عادة لازمته طيلة حياته. ومنذ سن مبكرة، بدت عليه نوازع الشك في إطار صحي، والميل إلي طرح تساؤلات فيما اعتاد الناس أن يعتبروه حقائق. وكانت هاتان العادتان بالفتي الفائدة في حياة عالم، سوف يقدم واحدا من أعظم الإسهامات أهمية لنظرية الكم الجديدة. إذ إن طرح الأسئلة حول ما نتعامل معه في حياتنا اليومية كحقائق أمر أساسي في مقاربة عالم الجسيمات الدقيقة. وربما سنجد أن الدفاتر التي كان شرودنجر يدون فيها ملاحظاته ستكون حاسمة في تطويره للمعادلة الموجية.
ما أن بلغ إيروين الحادية عشرة من عمره، التحق بالمدرسة الثانوية التي تقع علي مسافة عدة دقائق سيراً علي الأقدام من منزله. علاوة علي مادتي الرياضيات والعلوم، كانت المدرسة تزود تلاميذها باللغة اليونانية والثقافة اليونانية واللاتينية ودراسة الأعمال الكلاسيكية، بما فيها أعمال أوفيد ovid، وليفي Livy، وشيشرون cicero، وهوميروسHomer. وأحب إيرفن الرياضيات والفيزياء، ونال فيها أهلي الدرجات، وكان يحل المسائل بسهولة ويسر بالغين علي نحو كان يذهل زملاءه. أيضا كان يستمتع بالشعر الألماني والمنطق الذي ينطوي عليه النحو، سواء القديم أو الحديث. وهذا المنطق، في الرياضيات وفي الدراسات الإنسانية، هو ما شكل تفكيره وأعده لمواجهة صرامة التحديات بالجامعة.
وأحب إيروين النزهات الخلوية وتسلق الجبال، وارتياد المسارح، ومرافقة الفتيات الجميلات وهي أنواع من التسلية تميز بها سلوكه طوال حياته. وفي فترة الطفولة، كان حادا في دراسته وفي لهوه علي حد سواء. وقضي أياما عديدة، يتجول بين الجبال ويدرس الرياضيات، ويغازل شقيقة أقرب أصدقائه إليه، وهي فتاة جميلة داكنة الشعر تسمي لوتي ريلاLotte Rella .
وفي عام 1906، التحق شرودنجر بجامعة فيينا - وهي إحدى أقدم الجامعات في أوروبا، تأسست عام 1365- لدراسة الفيزياء، وكان للجامعة تراث عريق في الفيزياء. ومن بين ذوي العقول الكبيرة الذين التحقوا بهذه الجامعة أو تخرجوا منها في فترة انضمام شرودنجر إليها - لودفيج بولتزمان أحد أصحاب الاقتراحات في النظرية الذرية، ويرنست ماخErnst mach العالم النظري الذي ألهمت أعماله أينشتين. وهناك تتلمذ شرودنجر علي يد فرانز إكسنرfranz Exner، ومارس أبحاثا في الفيزياء التجريبية، بعضها ذو صلة بالنشاط الإشعاعي. وكانت جامعة فيينا من المراكز المهمة لدراسة النشاط الإشعاعي. وقد تلقت ماري كوري marie curie بعض عينات المادة المشعة التي أجرت بها اكتشافاتها من قسم الفيزياء بهذه الجامعة.
وحاز شرودنجر إعجاب زملائه الطلاب لتميزه في الفيزياء والرياضيات، ودائما ما كان أصدقاؤه يسعون إليه لمعاونتهم في فهم الرياضيات. ومن بين فروع الرياضيات التي درسها بجامعة فيينا كانت المعادلات التفاضلية، التي أبادها بامتياز. ومن تصاريف القدر، أن هذه المهارة الخاصة، برهنت علي أنها لا تقدر بثمن في حياته العلمية: فقد ساعدته في حل أعظم مسألة في حياته وسجلت اسمه كأحد رواد ميكانيكا الكم.
غير أن شرودنجر عاش حياة متعددة الجوانب وهو طالب بجامعة فيينا في قمة مجدها الإمبراطوري، فقد احتفظ بإمكانياته كبطل رياضي، وكان منغمسا في الحياة الاجتماعية شأن أي وقت مضي في حياته: إذ وجد عددا من الأصدقاء الجيدين يمضي معهم أوقات الفراغ في تسلق الجبال والتجوال بينها . وذات مرة، في جبال الألب، قضي ليلة كاملة في تمريض صديق له كسرت ساقه أثناء التسلق، وبمجرد نقل صديقه إلي المستشفى، أمضي يومه في التزحلق علي الجليد.
وفي عام 1910 ، كتب شرودنجر رسالته للدكتوراه في الفيزياء، تحت عنوان "مول توصيل الكهرباء علي سطح العوازل في الهواء الرطب". وكانت هذه مسألة تنطوي علي بعض المضامين في دراسة النشاط الإشعاعي، إلا أن البحث لم يكن علي مستوي يليق بباحث؟ فقد أهمل شرودنجر عددا من العوامل التي كان يجب أن يضعها في اعتباره، ولم يكن تحليله وافيا أو بارعا . ومع ذلك كان بحثه كافيا لمنحه الدكتوراه، وعقب تخرجه أمضي عاما بالجبال كمتطوع في موقع للمدفعية. وعاد بعدها إلي الجامعة ليعمل كمساعد في معمل للفيزياء، وفي الوقت نفسه عمل في الورقة البحثية المطلوبة (المسماة Ahabilitation schrift) ، ليتاح له الحصول علي دخل من عمله كمدرس خصوصي بالجامعة. وكانت ورقته (حول النظرية الحركية - الكينيتيكية - للمغناطيسية) محاولة نظرية لتفسير الخواص المغناطيسية للمركبات المختلفة، وأيضا لم تكن ذات نوعية استثنائي، لكنها كانت تفي بالمتطلبات، وأتاحت له العمل بالجامعة. وهكذا بدأ خطواته الأولي في حياته الأكاديمية.
وبعد فترة قصيرة، وكان حينئذ في أوائل العشرينات، التقي بفتاة أخري دون العشرين خلبت لبه. كان اسمها فيليشيا كراوس felicie krauss، وتنتمي أسرتها إلي طبقة النبلاء الأدنين في النمسا. وطور الاثنان علاقتهما واعتبرا نفسيهما متزوجين رغم الاعتراضات القوية من والدي الفتاة. وأصرت أمها - علي وجه الخصوص - ألا تسمر لابنتها بالزواج من شخص من الطبقة العاملة، وهو، حسب اعتقادها ، لن يتمكن من توفير حياة بمستوي يليق بابنتها اعتمادا علي دخله من الجامعة. وفي لحظة يأس، عزم إيروين علي ترك الجامعة والعمل لدي أبيه، الذي كان يمتلك مصنعا ، لكن الأب لم يكن ليقبل أي شيء من ذلك، ومع ازدياد ضغوط الأم، أعلن العاشقان إلغاء خطبتهما غير الرسمية. ورغم زواج فيليشيا بعد ذلك، فقد ظلت دائما قريبة من إيروين، وكان ذلك، أيضا ، نموذجا استمر طوال حياة شرودنجر، أينما يذهب - حتي بعد زواجه - دائما تكون هناك عشيقات صغيرات السن لسن بعيدات جدا عنه.
واصل شرودنجر دراسته للنشاط الإشعاعي في معمل جامعة فيينا . وفي عام ١٩١٢ ، حلق زميله فيكتور هيس في بالون علي ارتفاع ١٢ ألف قدم مصحوبا بأجهزة لقياس الإشعاع. وأراد من ذلك معرفة السبب في قياس الإشعاع فحسب قريبا من سطح الأرض، حيث توجد رواسب للراديوم واليورانيوم كمصدر لهذا الإشعاع، بل يتم اكتشافه في الهواء أيضا . واكتشف هيس، وهو بالبالون المرتفع، أمرا بمثابة المفاجأة له وهو أن الإشعاع يبلغ فعليا ثلاثة أمثال قيمته عند مستوي سطح الأرض. وهكذا جاء اكتشاف هيس للأشعة الكونية، وهو الاكتشاف الذي نال عنه جائزة نوبل. أما شرودنجر، الذي شارك في تجارب ذات صلة علي خلفية الإشعاع عند مستوي سطح الأرض، فقد سافر في أرجاء النمسا ومعه أجهزة رصد الإشعاع. وأتاحت له هذه الرحلة فرصة التمتع بالمناطق الخلوية المحببة إلي نفسه ، واتخاذ أصدقاء جدد. وفي عام ١٩١٣، كان قد أخذ أجهزة قياس الإشعاع إلي الهواء الطلق بالمنطقة التي تقضي بها إحدى العائلات إجازتها وكان قد سبق له التعرف عليهم في فيينا، وكانت مع الأسرة فتاة جميلة في طور المراهقة تسمي انيماري بارتل (آني) وافتتن الباحث ذو الأعوام الستة والعشرين والفتاة ذات الستة عشر ربيعا ببعضهما البعض، وخلال أعوام تالية التقيا مرارا ، وطورا علاقة رومانسية أسفرت عن زواجهما . ولبثت أني علي وفائها لشرودنجر طيلة حياته، حتي إنها كانت تغفر له علاقاته المتكررة مع غيرها من النساء.
وفي عام ١٩١٤، عاد شرودنجر وانضم إلي مدفعية القلاع ليحارب ضمن الجبهة الإيطالية في الحرب العالمية الأولي. حتي وهو في ميدان القتال، واصل اشتغاله بمسائل الفيزياء، وكتب بحوثا في المجلات المتخصصة، ولم تكن بحوثه تلك جيدة المستوي- بصورة استثنائية، لكن الموضوعات كانت مثيرة للاهتمام، وأنفق شرودنجر وقتا طويلا في بحوثه حول نظرية الألوان، وقدم إسهامات أفادت في فهمنا للضوء المتكون من أطوال موجية مختلفة، وخلال إحدى تجاربه علي اللون بينما كان في جامعة فيينا ، اكتشف أن لديه عيبا في رؤية الألوان.
وفي عام ١٩١٧، كتب شرودنجر ورقته البحثية الأولي في نظرية الكم، حول الحرارة الذرية والجزيئية، وكان البحث المتضمن في هذه الورقة قد شد اهتمامه إلي اعمال بوهر وبلانك وأينشتين. وبمرور الوقت وضعت الحرب أوزارها ، ولم يقتصر تناول شرودنجر فحسب علي نظرية الكم، بل امتد ليشمل نظرية أينشتين عن النسبية. في ذلك الحين كان قد وضع نفسه علي حافة الريادة في الفيزياء النظرية.
وفي السنوات التي أعقبت الحرب، زاول شرودنجر التدريس في جامعات فيينا ، بيينا ، وبرسلاو، وشتوتجارت، وزيوريخ. وتزوج في فيينا عام 1920من أني برتل، وكان دخلها أعلي من مرتبه الجامعي، الأمر الذي جعله مضطربا وحفزه للبحث عن عمل في جامعات الأخرى بأنحاء أوروبا. وعن طريق أني، التقي إيروين مع هانسي بوير، التي أصبحت فيما بعد إحدى رفيقاته وظلت علاقته بها طيلة حياته.
وشرع شرودنجر في شتوتجارت عام ١٩٢١ ، يبذل جهدا كبيرا في فهم نظرية الكم واجراء تطويرات عليها . وكان بوهر وأينشتين اللذان لم يكونا أكبر سنا بكثير من شرودنجر، قد قدما إسهاماتهما لهذه النظرية، وهما ما زالا في العشرينات. كان العمر يمضي بشرودنجر ولما يحقق بعد إنجازا علميا كبيرا . وركز جهوده علي إيجاد نموذج الخطوط طيف الفلزات القلوية.
وفي أواخر عام ١٩٢١، تم تعيين شرودنجر في المنصب الذي كان يشتهيه، وهو أستاذ كامل للفيزياء النظرية بجامعة زيوريخ. وفي تلك السنة، أصدر أول بحث مهم له في مجال الكم، حول المدارات الكمية لإلكترون منفرد، اعتمادا علي عمل بوهر المبكر. وبمجرد وصوله إلي زيوريخ،، أصيب بمرض في الرئة وأمره الأطباء بالتزام الراحة في مكان مرتفع. وقررت أسرته الإقامة في قرية تسمي ؟؟؟ بجبال الألب، لا تبعد كثيرا عن دافوس، علي ارتفاع6000قدم عن سطح البحر. وبعد شفائه، عادوا إلي زيوريخ، وهناك، في عام ١٩٢٢ ، ألقي شرودنجر محاضرته الافتتاحية بالجامعة. وفي عامي ١٩٢٣ ، و ١٩24 ، تركزت أبحاث شرودنجر علي نظرية الطيف، والضوء، والنظرية الذرية والطبيعة الدورية للعناصر. وفي عام ١٩٢٤ وقد بلغ ٣٧ عاما ، تم دعوته لحضور مؤتمر سولفاي في بروكسل، حيث تلتقي أعظم العقول في الفيزياء، بما فيهم أينشتين وبوهر. لكن وجود شرودنجر هناك كان غالبا بصفة مراقب من الخارج، نظرا لأنه لم يكن قد أصدر بحوثا بالغة الأهمية.
ولم تكن نظرية الكم بأية حال قد اكتملت أركانها بعد، وكان إيرفن شرودنجر يسعي بكل طاقته ليجد موضوعا في مجال الكم يستطيع من خلاله أن يصنع علامة بارزة. وكان الوقت يمر عليه سريعا، وإذا لم يحدث شيء علي الفور، سيتهم بالخمول، وبأنه متوسط القيمة، ويبقي دائما أسير الصفوف الجانبية، بينما الآخرون يصنعون التاريخ العلمي. وفي عام ١٩٢٤، طلب بيتر ديبي peter debye من جامعة زيوريخ من شرودنجر تقديم تقرير عن نظرية دي برولي خاص بالنظرية الموجية للجسيمات في حلقة بحث تعقد بالجامعة. وقرأ شرودنجر البحث وشرع يتأمل في الأفكار التي تضمنها، وقرر أن يواصل بحثها لمدي أبعد، وبدأ يعمل في فكرة الجسيم - الموجة لـ دي برولي عاما كاملا، لكنه لم يحقق أي اختراق.
وقبل الكريسماس بعدة أيام، وفي عام ١٩٢٧، ارتحل إيروين إلي جبال الألب، ليقيم في فيلا هيرفج في Arosa، حيث كان قد أمضي مع أني عدة شهور خلال فترة استشفائه منذ أربع سنوات. وفي هذه المرة ذهب بدون زوجته. ومن مراسلاته، نعلم أنه كانت معه. إحدى رفيقاته السابقات من فيينا التي لحقت به هناك، ومكثت بالفيلا معه حتي أوائل عام ١٩٢٦ . وقد أثار كاتب سيرته الذاتية وولتر مورwalter moor الكثير من اللغط حول من هي رفيقته تلك. هل كانت لوتي، أو فيليشيا، أو هانسي، أو علاقة غرامية أخري؟ علي أية حال، حسبما يقول الفيزيائي هيرمن فاي Hermann weyi، فقد تصادف الغرام المشبوب لشرودنجر لتلك السيدة المجهولة مع تفجر الطاقة التي احتاج إليها ليصنع اختراقه العظيم لنظرية الكم. وخلال عطلة الكريسماس في جبال الألب مع محبوبته السرية، استطاع أن يأتي بمعادلته الشهيرة والمسماة باسمه: معادلة شرودنجر. وهذه المعادلة هي القاعدة الرياضية التي تصف السلوك الإحصائي للجسيمات في العالم دقيق الحجم لميكانيكيا الكم. وهذه المعادلة تتخذ إحدى صور المعادلات التفاضلية.
والمعروف أن المعادلات التفاضلية نوع من المعادلات الرياضية تحدد العلاقة بين أي كمية ومشتقاتها ، بمعني: العلاقة بين هذه الكمية ومعدل تغيرها ، علي سبيل المثال، فإن السرعة هي مشتقة (أو معدل تغير) الموضع، فإذا تحرك شخص بمعدل 60 ميلا في الساعة، فإن هذا يعني أن موقعه علي الطريق يتغير بمعدل 60 ميلا كل ساعة. كما أن العجلة هي معدل تغير السرعة (فمن يتحرك بعجلة، يكون معني ذلك أن السرعة تزداد)، ولذلك فإن العجلة هي المشتقة الثانية للموضع. وكل معادلة تصف الموضع، كمتغير، إضافة إلي السرعة، هي معادلة تفاضلية، كما أن كل معادلة تربط بين الموضع والسرعة، وكذلك العجلة هي معادلة تفاضلية من الدرجة الثانية.
في الوقت الذي بدأ فيه شرودنجر يتناول مسألة اشتقاق المعادلة التي تحكم السلوك الكمي لجسيم دقيق مثل الإلكترون، كان عدد من المعادلات التفاضلية للفيزياء الكلاسيكية معروفا . مثلا، كانت المعادلة التي تحكم تزايد الحرارة في أي فلز معروفة، فضلا عن المعادلات التي تحكم الموجات الكلاسيكية، مثل الموجات الصادرة عن وتر مهتز، والموجات الصوتية، جميعها كانت فعليا معروفة. وبعد دراسته لمقررات دراسية في المعادلات التفاضلية غدا شرودنجر علي وعي تام بهذه التطورات. وباتت مهمته تنحصر في إيجاد معادلة تستطيع وصف تنامي الموجات الجسيمية، وهي الموجات التي قال دي برولي إنها تصاحب الجسيمات الدقيقة. وأجري شرودنجر عدة تخمينات بارعة حول الشكل الذي يتعين أن تأخذه معادلته، اعتمادا علي المعادلة الموجية
الكلاسيكية المعروفة. وكان مما يجب عليه أن يقرره، مع هذا ، ما إذا كان سيستخدم المشتقة الأولي أو الثانية للمعادلة الموجية بالنسبة إلي الموضع، وما إذا كان سيستخدم المشتقة الأولي أو الثانية بالنسبة إلي الزمن. وحدث اختراقه حينما اكتشف أن المعادلة المناسبة هي من الدرجة الاولى بالنسبة إلي الزمن ومن الدرجة الثانية بالنسبة إلي الموضع.
HΨ = EΨ
والمعادلة المذكورة أعلاه هي معادلة شرودنجر المستقلة عن الزمن، وهي موضوعة في أبسط صيفها الرمزية. حيث الرمز Hيمثل الدالة الموجية لجسيم وهي موجة دي برولي الاسترشادية لأي جسيم. لكن هنا لم تعد ثمة كينونات افتراضية، بل دالة نستطيع دراستها وتحليلها فعليا باستخدام معادلة شرودنجر. والرمز H هنا يشير إلي معاملOperator، وهو يمثل معادلة خاصة به، يمكنها التعامل مع الدالة الموجية بإجراء اشتقاق وكذلك ضرب المعادلة الموجية في بعض الأعداد، بما فيها ثابت بلانك .h والمعامل H يؤثر علي المعادلة الموجية، والنتيجة في الطرف الآخر للمعادلة، هو أحد مستويات الطاقة ؟، مضروبا في الدالة الموجية.
وحققت معادلة شرودنجر نجاحا كبيرا عند تطبيقها علي عدد من الحالات في فيزياء الكم. وكان علي أي فيزيائي أن يكتب المعادلة أعلاه، لتطبيقها علي حالة معينة، لنقل، علي جسيم موضوع في صندوق ميكروسكوبي، أو إلكترون ضمن مجال للجهد، أو علي ذرة الهيدروجين. وفي كل حالة، يتعين علي الفيزيائي استخدام ومعالجة معادلة شرودنجر للحصول علي الحل. وتأتي حلول معادلة شرودنجر علي شكل موجات.
وعادة يتم تمثيل الموجات في الفيزياء في صورة دوال مثلثية: في الأغلب الأعم علي صورة دالة الجيب أو دالة جيب التمام، وفي التمثيل البياني لها تظهر علي الصورة الموجية. (ويستخدم الفيزيائيون أيضا دوالا أخرى، مثل دوال القوي، الأسية). الشكل التالي يوضح الموجة الجيبية.
وبحل معادلة شرودنجر، يحصل الفيزيائي علي حل للدالة الموجية في صورة علي النحو التالي: = A sin (nπx/L)Ψ ، وهذا الحل لجسيم موضوع في صندوق جاسئ Rigid (التعبيرsin يمثل دالة الجيب المناظر للحركة الموجية، بينما كل الرموز المستخدمة في المعادلة تدل علي قيم ثابتة، أو متغير واحد مثل؟ لكن العنصر الأساسي هنا هو دالة الجيب).
ومع هذه المعادلة الموجية، استطاع شرودنجر أن يرتفع بميكانيكا الكم إلي مستوى بالغ السمو. فقد أمكن للعلماء في ذلك الحين التعامل مع دالة موجية محددة الملامح، حيث يمكنهم أحيانا كتابتها بمصطلحات معينة، كما في المثال السابق، لوصف الجسيمات أو الفوتونات. وقد أفضي هذا بنظرية الكم إلي حد أمكن من خلاله جلاء الكثير من أهم أوجهها . ومن بين هذه الأفكار كان نظرية الاحتمال، والتراكب.
حين نتعامل مع النظم الكمية - التي تصاحب أيا منها دالة موجية ؟؟ فإننا علي الفور نتعامل مع عناصر معلومة بدقة. فأي جسيم كمي يمكن وصفه فحسب من خلال احتمالاته - ولا يمكن قط من خلال مصطلحات مضبوطة. وهذه الاحتمالات تتحدد تماما من خلال الدالة الموجبة؟؟. وكان التفسير الاحتمالي لميكانيكا الكم قد اقترحه ماكس بورن max Born، رغم أن أينشتين كان علي علم به قبل ذلك. ويمكن حساب احتمالية وجود جسيم في مكان معين بأنه يساوي مربع سعة Amplitude الدالة الموجية في ذلك الموضع:
الاحتمال 2|Ψ| =
وهذه صيغة تحظي بأهمية لا حد لها في نظرية الكم. وبأشكال مختلفة، فهن تمثل جوهر (لب) ما يمكن أن تقدمه لنا نظرية الكم. ففي الفيزياء الكلاسيكية، نستطيع - من حيث المبدأ- قياس، وتحديد، والتنبؤ بموضع وسرعة جسم متحرك بنسبة 100% علي وجه اليقين. وهذا الملمح للفيزياء الكلاسيكية (للأجسام المرئية) هو الذي يتيح لنا علي سبيل المثال، إجراء إنزال لسفينة فضاء علي سطح القمر، ناهيك عن قيادة سيارة، أو الرد علي من بالباب. أما في دنيا الجسيمات الدقيقة، فليس لدينا قدرات التنبؤ بحركات هذه الأجسام المعينة، أما تنبؤاتنا فنتكون إحصائية فحسب في طبيعتها . ويمكننا أن نحدد أين سيوجد الجسيم (إذا كان الموضع الملاحظ يتحدد من الناحية الواقعية) وذلك باستخدام احتمالات لنواتج مختلفة (أو يساوي قدرا كبيرا من الجسيمات التي تكون في موضع معين)، وتتيح لنا معادلة شرودنجر إجراء هذه التنبؤات الاحتمالية. وكما أمكن البرهنة رياضيا علي مدي عدة عقود، فإن الاحتمالات هي كل ما يمكننا الحصول عليه من ميكانيكا الكم. ولا توجد هنا كميات غير معلومة إذا عرفناها يمكن تقليل عدم التأكد (التحدد). إذ إن نظرية الكم، في جوهرها، عملية إحصائية.
علي أن الاحتمالات تنجم عن أي توزيع احتمالي، وهي في حالة نظرية الكم تتعين من خلال مربع سعة الدالة الموجية. كما أن نتائج تنبؤات أحداث كمية تختلف عن التنبؤ بحركة سيارة. مثلا، لو. أننا علمنا سرعة السيارة وموضعها الابتدائي، فسنتمكن من معرفة موضعها بعد فترة زمنية معينة إذا سارت بسرعة معينة، حيث يمكن قياس الزمن والسرعة بدقة كبيرة. فإذا سارت لمدة ساعتين بسرعة 60 ميلا في الساعة، فإنها ستقطع 120 ميلا من نقطة البداية، أما في عالم الكم فالأمر لا يكون علي ذلك النحو. فأفضل ما يمكن عمله هو التنبؤ بالنتائج في ضوء الاحتمالات. ويكون الموقف، لذلك، مشابها لإلقاء زوج من النرد، فكل واحد منهما لديه احتمال أن يتوقف عند ١/٢ من الأرقام التي يحملها ، وذا كان النردان مستقلين، فإن إلقاء الزوج معا لينتج الرقم ٦ علي الأول يكون احتماله ١/6، وكذلك ٦ للثاني يكون احتماله ١ / ٦ أيضا ، واحتمال أن ينتج الرقم ٦ للاثنين معا= ١ / ٣٦ ؛ أي احتمال أن يكون مجموع الرقمين ١٢ للنردين = ١/ ٣٦ . أما أقصي احتمال للنردين معا حينما يكون مجموع الرقمين= ٧ ، وهذه الاحتمالية تساوي١/ ٦ . والشكل التالي يوضح توزيع مجموع رقمي نردين:
علي أن مربع سعة دالة موجية Ψ، تتخذ في توزيعها غالبا شكل الجرس والشكل التالي يوضح هذا التوزيع
والتوزيع السابق يبين لنا أن احتمال وجود الجسيم، في أي مدي معطي من القيم للمحور الأفقي تعادل المساحة المحصورة أسفل المنحني أعلي تلك المنطقة.
كما أن العنصر الأساسي الثاني لنظرية الكم الذي سلطت معادلة شرودنجر الضوء عليه هو مبدأ التراكبsuperposition. إذ يمكن للموجات دائما أن تتراكب واحدة فوق الأخرى. ويرجع السبب في ذلك إلي أن منحني الجيب ومنحي جيب التمام عند مؤشرات (parameters) مختلفة يمكن إضافتها بعضها لبعض. وهذا هو مبدأ تحليل فوريرfourier analysis، الذي اكتشفه الرياضي الفرنسي الكبير جوزيف فورير (١٧٦٨- 1830 (، وضمنه كتابه (النظرية التحليلية للحرارة) في عام 1822. وطبق فورير نظريته علي انتشار الحرارة، كما هو واضح من عنوان كتابه. وأثبت أن كثيرا من الدوال الرياضية يمكن وضعها في صورة حاصل جمع دوال جيب أو دوال جيب تمام.
وفي ميكانيكا الكم، نظرا لأن حلول معادلة شرودنجر تؤدي إلي موجات، فإن حاصل جمع هذه الموجات تمثل أيضأ حلولا للمعادلة. (حاصل جمع عدة حلول لمعادلة شرودنجر هو أحد. الحلول بسبب الخاصية الخطية). ويفضي هذا، علي سبيل المثال، إلي أن الإلكترون يمكن وجوده أيضا في حالة هي تراكب لحالات أخري. وينجم هذا لأن حل معادلة شرودنجر بالنسبة إلي الإلكترون يتخذ صورة موجة جيبية؟ وبالتالي يكون ناتج جمع هذه الموجات الجيبية هي حل أيضا.
ويفسر تراكب الموجات ظاهرة التداخل. ففي تجربة يانج للشق المزدوج، تتداخل الموجات مع بعضها البعض، بمعني، تكون الخطوط المضيئة علي الحائل مي مناطق إضافة الموجات التي تقوي بعضها بعضا، أما الخطوط الداكنة فتكون لمناطق طرح الموجات، مما يجعل الضوء ضعيفا أو منعدما تماماً .
ويؤلف التراكب واحدا من أهم مبادئ ميكانيكا الكم. ففي واقع الأمر سنجد أن أوجه الغرابة في ميكانيكا الكم تتجلي حينما يتراكب جسيم مع نفسه. وفي تجربة يانج، حتي إذا كان الضوء بالغ الضعف، أي لا ينبعث إلا فوتون واحد في كل مرة، إلا أننا نظل نجد نموذج التداخل علي الحائل. (ينتج النموذج من خلال عدد من الفوتونات، وليس فوتونا واحدا ، حتي وإن كان لا يصل إلا فوتون واحد كل فترة زمنية).
ويمكن تفسير هذه الظاهرة بأن الفوتون الوحيد لا يختار فتحة واحدة. أو الأخرى للمرور خلالها، لكنه يختار الفتحتين، وبالتالي يتداخل الفوتون مع نفسه. كما تتداخل موجتان عن طريق التراكب.
وعندما يحتوي النظام الكمي علي أكثر من جسيم واحد، يتسبب مبدأ التراكب في ظاهرة التعالق. والأمر الآن ليس مجرد جسيم يتداخل مع نفسه. إنه نظام يتداخل مع نفسه: نظام متعالق. والمذهل حقا، أن إيروين شرودنجر كان علي يقين من أن الجسيمات أو الفوتونات الناتجة عن عملية تربطهم معا سوف تتعالق، وأنه بالفعل صاغ مصطلح التعالق entanglement، سواء في لغته الأصلية الألمانية أو الإنجليزية. وقد اكتشف شرودنجر احتمال التعالق عام ١٩٢٦، عندما أجري بحثه الرائد عن ميكانيكا الكم الجديدة، لكن المرة الأولي التي استخدم فيها تعبير التعالق كان في عام 1935، في مناقشته لبحث أينشتين وبودولسكي وروسين.
واستنادا إلي ما ذكره هورن، وشيموني وزايلنجر، فإن شرودنجر أقر في عدد من الأوراق عام ١٩٢٦ أن الحالة الكمية لنظام يتكون من عدد (n) من الجسيمات يمكنه أن يتعالق. وكتب شرودنجر:
لقد لفتنا الانتباه مرارا إلي حقيقة أن الدالة ؟ لا يمكن ومن غير المحتمل تفسيرها مباشرة بالنسبة إلي الفراغ ثلاثي الأبعاد، مع أن المشكلة هنا غالبا تكمن في أن الإلكترون المفرد ينزع إلي تضليلنا في هذه النقطة؛ وذلك بسبب أنها عموما دالة في الفضاء النسبي، وليس الفضاء الحقيقي.
وطبقا لما ذكره هورن وشيموني وزايلنجر، فإن شرودنجر بالتالي فهم أن الدالة الموجية في الفضاء النسبي لا يمكن تحليلها إلي عوامل، وهذا الأمر سمة مميزة للتعالق. وبعد ذلك بتسع سنوات، أي في عام 1935، أطلق شرودنجر فعليا علي هذه ظاهرة اسم التعالق. وجاء تعريفه لها علي النحو التالي:
عندما يدخل نظامان، نعرف حالتيهما ممثلتين علي الترتيب، في تفاعل فيزيائي - مؤقت نتيجة قوي معلومة بينهما، وبعد فترة من التأثير المتبادل بينهما ينفصل النظامان مرة أخري، فإنه بعد ذلك لا يمكن وصفهما كما في السابق ، بمعني أن نضفي علي كل منهما تمثيلا خاصا به. وأنا لن أؤكد أن ذلك هو السمة الوحيدة لميكانيكا الكم، بل إنه السمة المميزة لها.
وفي عام ١٩٢٧، تم اختيار شرودنجر ليخلف ماكس بلانك كأستاذ في جامعة برلين، وفي عام ١٩٢٩ تم انتخابه أيضا عضوا في أكاديمية العلوم ببروسيا . وبعدها في مايو ١٩٣٣، استقال من منصبه تعبيرا عن اشمئزازه من انتخاب هتلر مستشارا لألمانيا، ونفي نفسه إلي أوكسفورد. ونال شرودنجر جائزة نوبل عام ١٩٣٣ عن إنجازاته العظيمة في الفيزياء. واقتسم الجائزة مع الفيزيائي الإنجليزي بول دايراك paul Dirac ، الذي قدم إسهامات مهمة لميكانيكا الكم، وتنبأ بوجود المادة المضادة اعتمادا علي اعتبارات نظرية بحتة.
وعاد شرودنجر إلي النمسا ومنحته جامعة جراز Graz منصب الأستاذية، لكن مع هزيمة النازي للنمسا عام ١٩٣٨، هرب مرة أخري إلي أوكسفورد . وعاد إلي القارة الأوروبية لعام واحد وقام بالتدريس في Ghent، لكن مع اشتداد الحرب غادر إلي دبلن حيث أصبح هناك أستاذا للفيزياء النظرية وظل في هذا المنصب حتي عام 1956. وأثناء إقامته بالمنفي في ايرلندا ، وفي ربيع 1944، بات شرودنجر متورطا في علاقة غرامية أخري خارج إطار الزواج. وكان قد بلغ من العمر 57 عاما ، وتعلق بامرأة متزوجة صغيرة السن تدعي شيلا ماي جرين، وكتب فيها شعرا ، وكان يذهب لمشاهدتها وهي تمثل بالمسرح، وأنجب منها طفلة صغيرة. ومرضت عليه أني أن يطلقها ليتمكن من الزواج من شيلا، لكنه رفض. وانتهت العلاقة الغرامية، وقام دافيد - زوج شيلا - بتربية الطفلة رغم أنه انفصل عن شيلا فيما بعد . وفي عام 1956، عاد إيروين أخيرا إلي فيينا ، وتوفي بها في عام ١٩٢١ ، وكانت بجواره زوجته أني.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|