أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-4-2017
4509
التاريخ: 2024-04-15
2153
التاريخ: 5-4-2017
3481
التاريخ: 5-4-2017
5539
|
لقد كان مبدأ الفصل بين السلطات، الأساس الذي وضع القيود التي ترد على سلطة قاضي الإلغاء، ومقتضى هذا المبدأ هو استقلال كل من السلطتين الإدارية والقضائية إحداهما تجاه الأخرى مع ضرورة التوازن بين كلتي السلطتين، الا إن مماطلة الإدارة في تنفيذ الأحكام الصادرة عن القاضي الإداري تؤدي إلى إضعاف دوره، وبالتالي اختلال التوازن بين السلطتين لذا كان لزاما عليه التخفيف من تلك القيود من اجل تأكيد سلطته(1). بمعنى ليس لقاضي الإلغاء سلطان مطلق عند ممارسته لوظيفته القضائية وانما ترد على وظيفته حدود أو قيود، بعضها يجد مصدره في طبيعة المنازعات والثاني يجد مصدره في طبيعة الأشخاص الممثلة في المنازعة، والثالث يجد مصدره في الوظيفة القضائية ذاتها(2). لذلك فقد عمل مجلس الدولة الفرنسي على التخفيف من القيود التي ترد على سلطته باتباع أساليب عديدة ،منها تبنيه فكرة إحلال السبب الصحيح محل السبب الباطل في حالة إن تكون الإدارة ملزمة باتخاذ القرار على نحو معين (3). أو إعطاء التوجيهات والنصائح للإدارة بتحديد الإطار الذي تعمل فيه لترتيب آثار حكم الإلغاء ،ورد ذلك في قضية(Daraux)في(6 يونيو 1908)، أو إحالة المحكوم له للإدارة باستخدام عبارات متشابهة فمثلا تقول(...للآمر بإجراءات التنفيذ التي يقتضيها القرار الحالي...)كما في قضية(Boatard) في30مايس1945، وذهب مجلس الدولة الفرنسي ابعد من ذلك بتأكيده على ضرورة حصول الطاعن على حقه كاملا، وقد ورد ذلك في قضية (Viaud)في(30 نوفمبر 1900)(4). كما إن مجلس الدولة الفرنسي قد وسع رقابته إذ امتدت لتشمل على نطاق الملاءمة في مجال الضبط الإداري، وقد أرسى حكم(Benjamin)القواعد الأولى لرقابة التناسب في هذا المجال(5). كذلك الحال في مجال التأديب بعد صدور حكم (Lebon) عام1978(6). كما إن مجلس الدولة الفرنسي يمد رقابته إلى نطاق الملاءمة في حالة وجود غلط بين في التقدير، وذلك منذ العام 1961عندما أشار إلى ذلك في قضية(Lagrange)في الحكم الصادر بتاريخ15/2/1961(7). علاوة على انه ابتكر (نظرية الموازنة)،إذ اخذ يوازن بموجبها بين المنافع العامة المرجوة من القرار الإداري والأضرار المحتملة، فلا يعد القرار مشروعا الا إذا رجحت كفة المنافع(8). وقد سار مجلس الدولة المصري على المسلك نفسه، فأتبع أساليب عديدة للتخفيف من القيود التي ترد على سلطته في دعوى الإلغاء، إذ تبنى فكرة تحول القرار الإداري وفكرة إحلال السبب الصحيح محل السبب الباطل، كذلك فأنه قد عمل على تحديد آثار حكم الإلغاء من خلال بيان الإطار الذي يمكن إن تعمل فيه الإدارة . واجتهد مجلس الدولة المصري، فوسع نطاق رقابته لتشتمل على عنصر التناسب في مجال التأديب والضبط الإداري(9).أما القضاء الإداري العراقي فأنه وعلى الرغم من حداثة نشوئه الا انه حرص على تبني مسلك مجلس الدولة المصري والفرنسي في هذا الصدد، بل انه سبقهما في إطار رقابة التناسب في مجال التأديب .إذ عمل المشرع العراقي منذ صدور القانون الأول لانضباط موظفي الدولة عام1929 ولحد ألان على منح مجلس الانضباط اختصاصات واسعة منها إصدار الأوامر وتعديل العقوبة الانضباطية. كما خص محكمة القضاء الإداري في الفقرة(ط)من المادة(7) من البند(ثانيا)من قانون مجلس شورى الدولة رقم(106)لعام1989،اختصاصاتها في الإلغاء والقضاء الكامل، الا إن محكمة القضاء الإداري وسعت سلطتها إزاء القرار الإداري المطعون فيه إلى حد أنها عملت على توجيه أوامر للإدارة، فقد جاء في الحكم الصادر في القضية 6/إداري-تمييز/1997 في 16/3/1997 الذي جاء فيه[....ولما كانت محكمة القضاء الإداري في قرارها المميز لم تخالف هذا الاتجاه وقضت برفع التعسف والزام المميز-المتعرض عليه (مدير عام الهيئة العامة للضرائب) بتجديد ختم الإعفاء...يكون قرارها موافق للقانون...قرر تصديقه](10). وحكم محكمة القضاء الإداري في القضية 16/قضاء داري/1997في29/12/1997 (...تقرر الحكم بإلزام المدعى عليه إضافة لوظيفته بالسماح للمدعي باستغلال المحل المرقم ...وإلغاء تأجيره عن طريق المزايدة العلنية ) وكذلك القرار الصادر عن محكمة القضاء الإداري في13/11/1991 (...لذا يكون القرار المطعون فيه والمتضمن الامتناع عن إعادة قطعة الأرض والمنحة المالية إلى المدعي مخالفا ومشوبا بعيب تعسف في استعمال السلطة بمقتضى الفقرة (ه)من البند(ثانيا)من المادة سابعا من قانون مجلس شورى الدولة رقم(65)لعام(1979)المعدل، عليه قرر بالطلب إلغاء قرار المدعى عليه إضافة إلى وظيفته وإلزامه بتخصيص قطعة ارض للمدعي للمساحة والموقع لقطعة الأرض المسحوبة منه...وتسجيلها باسمه في دائرة التسجيل العقاري وكذلك إعادة المنحة المالية له وقدرها ثلاثة آلاف دينار.....(11). من خلال ماتقدم يتبن إن القضاء الإداري قد حرص في مسلكه العام على الالتزام بالحدود التقليدية التي ترد على سلطته إزاء القرار الإداري المطعون فيه، الا انه من ناحية أخرى حاول التحديد من تلك القيود بأتباع أساليب عديدة ،والسؤال المطروح هو عن ماهية تلك الأساليب . للإجابة عن هذا السؤال أقول لايمكن تفسير مبدأ الفصل بين الوظيفة القضائية والوظيفة الإدارية تفسيرا مطلقا، الامر الذي أدى إلى حدوث تداخل بين الوظائف مع أيجاد نوع من التوازن، إذ تقوم الإدارة ببعض الأعمال القضائية اللجان ذات الاختصاص القضائي(12). وكان لزاما تدخل القضاء بصورة غير مباشرة في عمل الإدارة وذلك لتحقيق التوازن بينهما، لتحقيق نوع من التلطيف والتخفيف من حدة هذا المبدأ، هذا التخفيف الذي كفل للقاضي الإداري اتخاذ وسائل غير مباشرة في مواجهة الإدارة من اجل تنفيذ قراراته دون إكراه أو جبر بشكل صريح(13). ولكي نعطي امثلة على محاولات التخفيف لابد إن نطلع على جانب من رأي المشرع ثم المحاولات القضائية للتخفيف.
أولا: إرادة المشرع:
1.لقد اسهم المشرع في التخفيف بأن منح القاضي الإداري سلطة وقف تنفيذ قرارات الإدارة في حالات الاستعجال وأحوال الضرورة (14). وبذلك يكون المشرع قد خول القاضي الإداري بنــص الاختصاصات التي لها كل صفات إصدار الأوامر والتقرير. فالحكم الصادر بوقف تنفيذ قرار الإدارة ماهو الا أمر للإدارة بوقف تنفيذ عملها. 2.خول المشرع الوزراء بموجب المادة(38) من المرسوم30/7/1963 في فرنسا حق مراجعة مجلس الدولة الفرنسي بشأن أساليب التنفيذ لقرار صادر بالإلغاء، وهو الحق الذي خول مجلس الدولة الفرنسي سلطة إصدار أمر إلى الإدارة لضمان الأساليب اللازمة للتنفيذ (15).
3.تنص المادة(54)من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لعام1972 على تذييل الصورة التنفيذية للأحكام بالصيغة آلاتية: (على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم ..)وذلك فيما يخص الأحكام الإلغاء، آما بالنسبة لغيرها من الأحكام التي يصدرها مجلس الدولة المصري على النحو آلاتي: (على الجهة التي يناط بها التنفيذ ان تبادر أليه متى ماطلب منها، وعلى السلطات المختصة إن تعينه على أجرائه ولو باستعمال القوة متى ماطلب أليها ذلك)(16).
ثانيا:دور القضاء
لم يكن موقف القاضي الإداري موقفا سلبيا إزاء الحظر المفروض بشان بسط سلطته، بل كان كما عهدنا به شديد الفطنة والحذر في بسط رقابته من التخفيف من هذا الخطر تدريجيا مؤكدا سلطاته كحامي للمشروعية في صور عديدة نذكر منها:
1.إن أحكام الإلغاء التي يصدرها القاضي الإداري، تحمل في طياتها أمر للإدارة للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل. فالحكم الصادر بإلغاء القرار الصادر بالترخيص، ماهو الا أمر للإدارة بعدم الترخيص لشخص معين وكذلك الحكم الصادر بإلغاء قرار تعيين مترشح لوظيفة معينة من جانب الإدارة، هو أمر للإدارة بتعيين صاحب الأحقية في الوظيفة الشاغرة كأن يكون أول الناجحين في امتحان المسابقة(17). وهكذا فأن حكم الإلغاء وان كان لا يتضمن أمرا صريحا للإدارة ولكن يمكن القول انه عمل ضمن هذا المعنى .
2.الحكم الصادر بالتعويض يعد في الحقيقة أمرا للإدارة بدفع مبلغ من المال للشخص المضرور، والتعويض يعد وسيلة لحمل الإدارة على جبر الضرر، إذ ينطوي على أمر يوجه إلى الإدارة بطريقة غير مباشرة لحملها على إصلاح الضرر واعادة الأمور إلى نصابها(18).
3.ذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى ابعد من ذلك إذ اعترف صراحة في حكم(Villde Charleville)بسلطته في إلزام البلدية المذكورة، كي تمتنع عن تلوث مياه النهر بواسطة بالوعات البلدية، ويعد هذا الحكم بمثابة أمر صريح للإدارة للإقلاع عن تلويث مياه النهر(19).
4.كما تتسم الإجراءات القضائية بأنها ذات طبيعة تحقيقية تخول القاضي الإداري إن يوجه أوامره لأطراف الخصومة الإدارية ومن بينهم الإدارة، للقيام بعمل معين يقتضيه طبيعة التحقيق، مثل تقديم مستندات أو ملفات أو مذكرات كما تخوله إكراه أطراف الخصومة، ومن بينهم الإدارة وكذلك فرص عقوبة على من لم يمتثل إلى تلك الأوامر، آما بصورة غرامة مالية أو آمال طلبات المتخلف بعد فوات الأوان (20). وهذا ما نصت عليه المادة(27)من القانون (47) لعام 1972قانون مجلس الدولة المصري من انه(لا يجوز في سبيل تهيئة الدعوى تكرار التأجيل بغرامة مالية...) 5.اتبع مجلس الدولة الفرنسي أخيرا وسيلة استطاع بها إن يمتص غضب ونفور الإدارة من تدخله بشؤونها وتتمثل هذه الوسيلة بالرد والإحالة، وذلك بأن يحيل القاضي المتقاضين من اجل عمل ما يتطلبه الإدارة، مثل منح رخصة مثلا وذلك خلال مدة معينة يحددها القاضي الإداري، فأن لم تستجب الإدارة لطلب المتقاضين، فأن القاضي الإداري يعود لانزال حكم القانون على مسلك الإدارة ، وطريقة الإحالة هذه هي من الوسائل الفنية التي اتبعها مجلس الدولة الفرنسي والتي يؤكد بها وجوده وتطوره. وهذه الطريقة وان كانت لا تمارس بشكل أمر مباشر وصريح للإدارة، إلا أنها في نهاية المطاف تحقق نتائجه ذاتها(21). من خلال ماتقدم نرى أن الاتجاهات الحديثة التي تحكم سلطة قاضي الإلغاء تقر بوجود نوع من التخفيف أو التوازن لتوسيع سلطته إزاء القرار الإداري المطعون فيه ، وهذا الاتجاه اخذ به العراق وعدد من الدول من بينها مصر والجزائر وغيرهما.
_______________________________
1- د.حسن السيد بسيوني:مرجعسابق-ص314-
2- د.عبد المنعم عبد العظيم الجيزة :آثار حكم الإلغاء في القانونين المصري والفرنسي-رسالة دكتوراه- الطبعة الأولى1971ص315.
3- د.حسن السيد بسيوني: آثار حكم الإلغاء – دراسة مقارنة-1971.ص315.
4- ضرغام مكي نوري: مدى سلطة قاضي الإلغاء في تعديل القرار الإداري-أطروحة ماجستير-كلية القانون-جامعة بابل-1997.ص26.
5- د.محمد حسنين عبد العال: فكرة السبب في القرار الإداري-مرجع سابق 77ص.
6- د. علي جمعة محارب: التأديب الإداري في الوظيفة العامة-رسالة دكتوراه-جامعة عين شمس-1986. ص330.
7- د.ماهر صالح علاوي :غلط الإدارة البين في تقدير الوقائع-مجلة العلوم القانونية-المجلد9العدد1/2/1990 –ص192.
8- د.ماهر صالح علاوي: المرجع نفسه -ص189.
9- د.عبد المنعم عبد العظيم الجيزة- اثار حكم الالغاء – المرجع السابق- ص316.
10- د.ماهر صالح علاوي-الحولية العراقية للقانون106السنة1989-الوقائع العراقية،العدد3285في 11/12/1989.
11- حكم محكمة القضاء الإداري :العدد7/قضاء إداري/1991.
12- د. القطب محمد طبلية: العمل القضائي في القانون المقارن والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي-الطبعة الأولى-عام1965.
13- د.حسن السيد بسيوني: مرجع سابق-ص332.
14- د.حسن السيد بسيوني: مرجع سابق-ص332.
15- د.حسن السيد بسيوني: مرجع سابق-ص333.
16- انظر المادة (54)من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة1972 وكذلك انظر المادة (320)من قانون الإجراءات المدنية الجزائرية. وانظر المادة(70)من الأمر رقم45-1708الصادرفي 31/7/1945بشأن مجلس الدولة الفرنسي.
17- د.محمد كامل ليله: الرقابة على أعمال الإدارة-دراسة مقارنة- طبعة1970هامش رقم (3) ص852.
18- د.محمد كامل ليله : المرجع نفسه ، ص853.
19- د.عبد المنعم عبد العظيم الجيزة- آثار حكم الإلغاء – دراسة مقارنة- 1971-ص578.
20- د.عبد المنعم عبد العظيم الجيزة: المرجع السابق - ص318.
21- د.حسن السيد بسيوني: مرجع سابق-ص337.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|