أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-7-2021
2845
التاريخ: 17-4-2017
3885
التاريخ: 29-3-2016
2719
التاريخ: 24-3-2016
10245
|
الجريمة المستحيلة : هي الجريمة التي لا يمكن ان تتحقق مهما بذل الفاعل من جهد في سبيلها. كما لو اطلق شخص الرصاص على اخر بقصد قتله فظهر ان المجني عليه كان قد فارق الحياة قبل اطلاق الرصاص عليه او ضغط على الزناد غير ان المسدس لم ينطلق؛ لانه كان خاليا من الرصاص، او سرقة شخص حاجة وظهر انها مملوكة له. والجريمة المستحيلة صورة من صور الشروع (الجريمة الخائبة) في الجريمة، حيث يأتي الجاني فيها كل نشاطه ومع ذلك لم تتحقق الجريمة غير انها تتميز عنه بان خيبة الجريمة فيها مقررة وقائمة من قبل حيث من المستحيل نجاحها. مما يعني ان الفشل يكون محتملا في حالة الجريمة الخائبة بينما هو اكيد في حالة الجريمة المستحيلة، وذلك لان سبب عدم تحقق الجريمة في حالة الجريمة الخائبة هو ظرف عرضي طرأ بعد ان بدأ الفاعل في سلوكه فأدى الى خيبة اثره، بينما هو في الجريمة المستحيلة سبب معاصر لسلوك الفاعل منذ بدايته. كما لو حاول شخص تسميم آخر بمادة غير سامة عالما خطأ بانها سامة. او بمادة سامة ولكن بكمية لا تكفي لاحداث الوفاة.
عقاب الجريمة المستحيلة :
اختلف الكتاب في العقاب على الجريمة المستحيلة مما أدى الى ظهور مذاهب متعددة في ذلك.
المذهب الأول :
وقال به أصحاب المذهب المادي (الموضوعي) في تحديد البدء في التنفيذ في الشروع. وهو أقدم الآراء في الموضوع، حيث كان سائدا في القرن التاسع عشر وخلاصته ان لا عقاب على الجريمة المستحيلة ألبتة (1). وهم في ذلك يستندون الى تعليلهم للشروع بانه لا يتحقق ما لم يبدأ الجاني بتنفيذ السلوك المكون للجريمة، أي الركن المادي لها، وهذا غير متحقق في الجريمة المستحيلة وبالتالي فلا عقاب عليها.
ويؤخذ على هذا المذهب تطرفه الذي يؤدي الى افلات حالات كثيرة لها خطورتها من العقاب. فليس من المصلحة عدم عقاب اللص الذي لم يستطع تحقيق سرقته؛ لان الجيب الذي وضع يده فيه كان صدفة خاليا من النقود او القاتل الذي لم يستطع قتل عدوه؛ لانه كان على مسافة بحيث لا تصيب الرصاصة منها. بل اكثر من ذلك ان قبول منطق أصحاب هذا المذهب يؤدي الى القول بعدم العقاب على الجريمة الخائبة وهذا لا يقبله منطق. لهذه الأسباب هجر هذا المذهب ولم يبق في الفقه الحديث من يؤيده (2).
المذهب الثاني :-
حاول انصار المذهب المادي، المتقدم، التوسيع من نطاق العقاب على الجريمة المستحيلة. تلافيا لما اصاب مذهبهم من نقد، فقالوا بوجوب التمييز في ذلك بين نوعين من الاستحالة هما : الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية في الجريمة المستحيلة. اما الأولى فلا عقاب عليها واما الثانية فان صاحبها يعاقب بعقوبة الشروع في الجريمة؛ لأنها صورة منه. ويعللون ذلك بأن المجني عليه في الأول لا خطر عليه اطلاقا لان الجريمة فيها لا يمكن ان تتحقق بأية حال بيني هو في الثانية يكون معرض لخطر جدي لا يقيه منه الا مجرد المصادفة. الاستحالة سواء كانت مطلقة او نسبية، قد ترجع الى موضوع الجريمة او الى وسيلة ارتكابها : - فالاستحالة المطلقة من حيث الموضوع تكون اذا انعدم موضوع الجريمة كأطلاق عيار ناري على شخص بقصد قتله فاذا به ميت من قبل اطلاق الرصاص عليه، او اذا استولى شخص على مال بقصد سرقته فاذا بالمال مملوكاً له. والاستحالة المطلقة من حيث الوسيلة تكون اذا كانت الوسيلة لا تؤدي مطلقا الى الغرض الذي قصده الفاعل. كمن يهم بإطلاق بندقية على آخر ويتبين انها أفرغت من الرصاص على غير علم منه، او يضع في طعام خصمه مادة يعتقد انها سامة في حقيقتها غير سامة. والاستحالة النسبية من حيث الموضوع تكون اذا كان موضوع الجريمة موجودا ولكن في غير المكان الذي ظن الجاني انه فيه. كمن يطلق الرصاص على سرير شخص بقصد معتقدا انه فيه فيكون الشخص غير موجود فيه في ذلك الحين او يكسر خزنة لسرقة ما فيها من اموال فاذا هي خاوية. وتكون الاستحالة نسبية من حيث الوسيلة اذا كانت الوسيلة بصفة عامة صالحة لاحداث النتيجة ولكنها لم توصل اليها بسبب جهل الجاني كيفية استعمالها او لظرف طارئ. كمن يضع لآخر في طعامه قدرا من السم أقل مما يلزم لقتل إنسان او من يطلق بندقية على آخر بقصد القتل فلا يخرج المقذوف لعدم اشتعال البارود. ان هذا الراي، وان كان يؤدي الى نتائج عملية مقبولة، الا انه غير منطقية في نظر بعض الكتاب فمن غير المقبول القول بان الاستحالة لها درجات وأنواع فالجريمة اما ان تكون مستحيلة او ممكنة ولا وسط بين الامرين (3).
المذهب الثالث : -
قال بهذا المذهب مجموعة من الفقهاء المحدثين وعلى رأسهم العلامة (جارو) ومضمونه التمييز بين نوعين من الاستحالة هما الاستحالة القانونية والاستحالة المادية. الأولى لا عقاب عليها والثانية يعاقب عليها بعقوبة الشروع. وتتحقق حالة الجريمة المستحيلة استحالة قانونية فيما اذا انتفى ركن من اركان الجريمة الى جانب النتيجة، كحالة من يطلق الرصاص على ميت بقصد قتله وهو لا يعلم بوفاته او من يسرق مالا يظهر انه مملوكا له وكذلك من يحاول قتل خصمه بمادة غير سامة معتقدا انها سامة. اما الجريمة المستحيلة استحالة مادية فتتحقق عندما تتوافر كافة اركان الجريمة وعناصرها المكونة عدا النتيجة التي يحول دون تتحققها ظرف مادي عرضي، كعدم وجود المجني عليه في المكان الذي توقع الجاني وجوده فيه او كعدم صلاحية الوسيلة لاحداث النتيجة. ان هذا المذهب يؤدي الى التوسيع في نطاق العقاب على الجريمة المستحيلة اكثر من سابقه. ذلك لان الاستحالة المادية تتضمن بالإضافة الى الاستحالة النسبية بعض حالات الاستحالة المطلقة.
المذهب الرابع :-
وقال به أنصار المذهب الشخصي الذين يرون ان الحكمة من العقاب على الشروع هي مواجهة الخطورة الاجرامية التي يكشف عنها سلوك الجاني. فما دام سلوك الجاني يكشف بوضوح عن اجتاه ارادته لارتكاب الجريمة، فهو يستحق العقاب سواء كانت النتيجة ممكنة او مستحيلة وأيا كانت درجة استحالتها. ولذلك قالوا بالعقاب مطلقا على الجريمة المستحيلة الا اذا دلت الحالات على سذاجة الفاعل، مما ينفي خطورته كمحاولة قتل شخص عن طريق السحر او الشعوذة.
موقف القضاء :-
استقر قضاء محكمة التمييز الفرنسية على التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية والقول بالعقاب على الثانية دون الأولى. ولذلك قضت بان محاولة اجهاض امرأة على اعتبار انها حامل ويظهر انها ليس كذلك لا تعد شروعا في حين ان القضاء الألماني يأخذ بالمذهب الشخصي، فقد قضت المحكمة العليا الالمانية بمعاقبة من حاول قتل شخص كان ميتا بعقوبة الشروع وكذلك من حاول إجهاض امرأة غير حامل. اما في مصر فقد استقر قضاء محكمة النقض على التفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية والعقاب في الثانية دون الأولى (4).
في العراق :-
نص قانون العقوبات العراقي على عقاب الجريمة المستحيلة في المادة (30) منه قائلا (.... ويعتبر شروعا في ارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد ارتكاب جناية او جنحة مستحيلة التنفيذ اما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة او بالوسيلة التي استعملت في ارتكابها ما لم يكن اعتقاد الفاعل صلاحية عمله لاحداث النتيجة مبنيا على وهم او جهل مطبق...).
من دراسة نص هذه المادة يظهر لنا ان قانون العقوبات العراقي قد تبنى في العقاب على الجريمة المستحيلة المذهب القائل بالعقاب على الجريمة المستحيلة بصورة مطلقة، عدا بعض الحالات، بعقاب الشروع. وهذا هو الراي الذي تبناه أصحاب المذهب الشخصي.
والحق ان هذا الاتجاه يضمن حماية مصالح المجتمع العليا في الأمن والسكينة والحرية والنظام بعقابه على جميع صور الجريمة المستحيلة بعقوبة الشروع عدا الجريمة الوهمية.
ويراد بالجريمة الوهمية : الجريمة التي لا وجود لها الا في ذهن الجاني وتصوره ومخيلته خطأ كحالة الاعمى الذي يغتصب امرأة ظانا انها أجنبية فاذا هي زوجته وحالة من يحاول قتل آخر بالسحر والقراءة الغيبية وحالة من يسرق مالا ويظهر انه مملوكا له.
_________________
1-انظر جارو، المرجع السابق، ج1 ن239 ص511 وكذلك :-
BLANCHE , ETUDE PRATIQUE SUR LE CODE PENAL, T.1,N.8.
CHAUCEAU ET HELIE, THEORIE DUCIDE PANAL, T.1,N.253
2-انظر علي بدوي، المرجع السابق ص242 – علي حسين الخلف، المرجع السابق، ص530.
3-انظر الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق ص371 – الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص408.
4-انظر الدكتور علي حسين الخلف، المرجع السابق ص535 والمرجع المشار اليها فيه.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|