المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17393 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
عدة الطلاق
2024-09-28
{وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم}
2024-09-28
الايمان في القلوب
2024-09-28
{نساؤكم حرث لكم}
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون اللبناني
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون العراقي
2024-09-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الخصائص العقلية في مجاز القرآن  
  
2214   02:30 صباحاً   التاريخ: 19-09-2014
المؤلف : محمد حسين الصغير
الكتاب أو المصدر : مجاز القرآن
الجزء والصفحة : ص 105-113
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز البلاغي والبياني /

 في التعبير القرآني بعامة قد يرد الظاهر ، وهو ما لا يحتاج الى كبير جهد في معرفته عادة ، فإن تطلب جهدا ، فمعالم اللغة تيسره ، ومصادر الأثر تفسره ، وقرائن الأحوال تكشفه. وقد يرد فيه من الإيحاء والتلويح ما يتخطى حدود الظاهر الى ما وراء الظاهر ضمن إشارات دقيقة ، وأبعاد جديدة ، فيد الله سبحانه ، وعينه ، ووجهه ، وعرشه ، وكرسيه ، واستواؤه ، ومجيئه ، تعبيرات ذات ألوان وخطوط متعددة تضج بالحركة ، وتشعر بالتمثيل ، ولكنها تحمل أكثر من معناها الأولي دون ريب ، وهذا الحمل مما يتطلب الكشف والإيضاح ، ولقد شغل المفسرون بهذه الألفاظ وتوجيهها وذهبوا كل مذهب فيها ، ولو أنهم اتجهوا نحو المجاز لوجدوا مهمة المجاز العقلية كفيلة بدرء الشبهات والوصول بهم الى ميناء سليم بما تسخره من طاقات كاشفة وتهيؤه من خصائص ثرة تستلهم هذا المناخ ، وتسير الى بيان هذا الاتجاه.

ولا تقف الخصائص العقلية عند هذا المنحنى فحسب ، بل تتخطاه الى شؤون الخبايا التي تكتشف بالنظر العقلي ، فتعالج أبعادها معالجة بناءة. وقد تتجاوز هذين الحدين الى كل ما من شأنه الرصد العقلي أو إثارة العقل الإنساني بلحاظ ما ، فتثير جاوفره ، وتنبه مداركه ، فيتحرك عن جموده ، ويتمرد على أغلاله ، ليكون مستقلا بالإرادة والاعتبار والنظر.

1 ـ حينما يتجه التعبير القرآني الى تنزيه الباري ، وإفادة ديمومته غير المحدودة ، فهو كائن قبل الكون ، وخالد بعد الفناء ، ومستمر في أمثولة البقاء ، فهو حي لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، الباقي بعد فناء الأشياء ، والأزلي في كل تقلبات الأحوال نشاهد توالي التعبير المجازي في مثل هذه المظاهر ، وهي معبرة عن الخلود حينا ، وعن التنزيه حينا آخر ، ووصفه بما عبر عنه حقيقة لكان تجسيما ، ولو أريد به ظاهره لكان تشبيها ، ولو ترك وحاله لتعاورته الزمانية والمكانية وهكذا ؛ وسيمر في فصل المجاز العقلي وفصل المجاز اللغوي ، وما يشير الى هذا الموضوع من وجوه أخرى ، ونشير إليه هنا بما يدفع هذه الشبهات ويصفي حسابها ، ففي كل من قوله تعالى :

أ ـ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27].

ب ـ { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [القصص: 88].

ج ـ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64].

د ـ { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [القمر: 14].

هـ ـ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29].

و ـ {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22].

في هذه الآيات إطراء بالخلود تارة، وإشارة بالقوى والقدرة تارة أخرى ، وإشعار بالعناية سواهما ، وتشبث في الحركة والنقلة لمن حمل الأمر على ظاهره.

ولكن الموضوع ينقلب الى تنزيه عن الصفات التي يتمتع بها الناس ، والابتعاد عن المتعارف من الجوارح والأحداث وذلك على طريقة العرب في الاستعمال وسنن الكلام.

في الآيتين ( أ ، ب ) أطلق الوجه باعتباره أشرف الأعضاء لمن يتصف بها وهي قابلة له ، وأريد به هنا الذات القدسية دون إرادة التجسيم أو التركيب أو الكيفية أو المواصفات في الوجه وأجزائه ، وهذا ما يفسره لنا المجاز مستندا فيه الى العرف العربي من وجه ، والى النظر العقلي من وجه آخر ، أما العرف العربي فهو يطلق الوجه ويريد به الذات اتصفت بالوجه أو لم تتصف ، باعتبار الوجه أشرف السمات الاعتبارية في حقائق الأشياء دون تصور جهة ما. وأما النظر العقلي فهو الدال على أن الباري فوق المحدثات والممكنات ولو كان له وجه حقيقة لكان محدثا أو ممكنا ، وهو خلاف ذاته الأبدية والأزلية.

وفي الآية (جـ) تتحدث الآية عن يد ويدين ، وليس لنا أن نتصور اليد ذات الأصابع ، أو اليدين في رسغ ومعصم وذراع ، وإنما هو التعبير بكلا الموضعين دون النظر الى الواحدة أو الاثنينية ـ عن القوة والسيطرة والقدرة والاستيلاء حينا ، وعن الكرم والجود والإفاضة حينا آخر ، وذلك لوجود علاقة ومناسبة بين هذه الصفات وهذه الملكات وبين اليد أو اليدين ، فإن مظاهر العدة والقدرة والمقدرة إنما تصدر عن اليد وبها يتجلى مدى الاستيلاء المطلق ، وأن الفضل والنعمة والعطاء إنما تصدر عن اليد أيضا وبها يتبين نوع الكرم والإيثار ، والعرب على عادتهم قد يعبرون بأن لفلان عليّ يدا ، ويريدون نعمة ودالة حتى وإن لم تكن له يد حقيقة كأن كان مقطوع اليد مثلا ، وكذلك الحال هنا ، فليس لنا أن نتصور لله يدا بالمعنى الحقيقي ، كما أنه تعالى ليس له عين في الآية (د) بالمعنى الحقيقي أيضا ، فهو بصير دون عين ، وسميع دون أذن ، والمراد بالآية : أي تجري بمرأى منا ، وبتسديد من رعايتنا ، وبنظرة من عنايتنا ، دون تصور العين الباصرة ، وما يقال بالنسبة للآيات المتماثلة التي تنص على ذكر الجوارح.

وفي الآية (هـ) ثم استوى الى السماء {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] تعبير مجازي يؤكد الخصائص العقلية في مجاز القرآن ، للإشارة الى الاستعلاء والسيطرة والتمكن والنفوذ والحاكمية المطلقة على العوالم كافة علوية وسفلية ، مرئية وغير مرئية ، دون تصور جلوس أو مكان أو كرسي يقبل إستواء الأجسام عليه ، وقد تناسق الحديث عن الاستواء بما يقال عن معناه عند الشريف الرضي فقال : « أي قصد خلقها كذلك ( أي السموات ) ، لأن الحقيقة في إسم الاستواء الذي هو تمام بعد نقصان ، واستقامة بعد اعوجاج ، من صفات الأجسام ، وعلامات المحدثات »(1).

وقد أورد في تعليل الاستواء السيوطي عدة وجوه لنفي التجسيم والكيفية يمكن النظر فيها (2).

وفي الآية (و) ينظر الى المعنى بهذا المدرك ، فذاته القدسية لا تدرك ولا تعين ولا ترى ، وليست جسما متنقلا ، يقبل الحركة والذهاب والمجيء ، وإنما ذلك مجيء أمره ، وتجلي عظمته ، وإنزال قضائه ، وإرصاد إرادته الكائنة ، وكأنه قادم ومتمثل في تلك اللحظات الحاسمة بذاته المتعالية على سبيل قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ...} [البقرة: 210].

والإتيان ليس شأنه ، ولا قابل عليه ، ولا منظور إليه في السير أو التحرك أو الاتجاه ، وعاينة العباد خير جارية عليه ، فلا مكان ، ولا مشادة ، ولا نقلة ، ولا مجيء ، ولا إتيان ، بل هو التحور اللغوي الذي أعطى الألفاظ معانيها الإضافية.

وهو عند الزمخشري « تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثاره قهره وسلطانه ، بحال الملك إذا حضر بنفسه ، وظهر بحضوره من آثار الهيبة السياسية ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه »(3).

ولا أميل الى هذا التمثيل إذ لا مقارنة بين رب الأرباب والعباد في وجه من الوجوه ، بل أذهب فيه للمجازية على سنن كلام العرب ، وأؤيد ما أورده أبو حيان بأن مجيء الله تعالى « ليس مجيء نقلة ، والحركة عليه محال لأنها تكون من جسم ، والجسم يستحيل أن يكون أزليا »(4).

2 ـ وحينما تكون الحقيقة القائمة أمرا حتميا ، وكيانا مرئيا مع القدرة غير المتناهية ، والخرق لعادات الأشياء ونواميس الطبيعة ، يكون التجوز في القرآن قائما على أساس إضافة المعاني الجديدة لمن ليس شأنه أن يتصف بذلك ، ولكنه ارتفع لذلك المستوى بالنظر العقلي بهذا التعبير الموحي ، أو تلك الحركة من الألوان ، تأكيدا على حقيقته ، وكأنه كذلك ، فالحياة توهب الى الأرض كما توهب الى الإنسان ، وليس للأرض حياة ، ولكن زهرتها ونضرتها ، وحيويتها ، وخضرتها ، وازدهارها واهتزازها ، كان على سبيل من الحياة ، وكأن ذلك حياة في واقعه ، وديمومة في الإيحاء بمقتضاه ، وفي هذا الملحظ نقف عند كل من قوله تعالى :

أ ـ { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9].

ب ـ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [فصلت: 39].

ج ـ {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].

ففي الآية (أ) ستجد الحياة قبال الموت بالنسبة للأرض ، والحياة والموت لها غير حقيقيين ولكنهما مجازيين ، وقد تجوز بهما النص القرآني لإعطاء صفة الحياة لمن لا حياة له ، وذلك بإيجاد معالم الحياة من الزينة والاهتزاز والإنبات وإخراج الثمرات ، فكان إضفاء صفة هذه المعالم على الأرض حياة لها ، كما أن سلب هذه المظاهر موت لها ، ذلك من أجل الاستدلال على الحقيقة الكبرى ، وهي إحياء الموتى ، وإثبات النشور عن طريق التمثيل والقياس البديهي العقلي ، فكما كانت الأرض ميتة فأحياها ، فهو يحيي الموتى بكمال القدرة ، ذلك الإحياء بإرادة الكينونة المطلقة ، وهذا الإحياء بإيجاد العوامل المسببة له ، وكلا الإحيائيين مصدره أمره الكائن.

والملحظ المدرك بهذا تنبيه العقل الإنساني وإثارة حوافزه من حناياه الخبيثة لتتيقظ عن طريق الاستدلال الفطري ، فكما تحيا الأرض بعد موتها ، يحيا الناس بعد موتهم سواء بسواء.

وفي الآية (ب) تتجلى عناية المجاز القرآني بتصوير هذه الظاهرة وتأكيدها بأمرين : إحياء الأرض وإحياء الموتى ، وذلك بإيجاد العلاقة القائمة بين إحياء الأرض وهي موات ، وإحياء الأجساد في البلى ، فالقادر على هذا قادر على ذاك ، فكل ما من شأنه أن يموت فالله قدير على إحيائه ، والتحقيق العقلي والنظر عند العقلاء يقضيان بصحة هذه المعادلة ، ولا يبعد أن ترصد الإشارة هنا الى الطبيعة الأرضية والأصل التركيبي في جسم الإنسان لدى خلقه الإعجازي من طين ، أو لدى بعثه من الأرض بعد تلاشي عناصره بعناصرها ورجوعها الى أصلها الأول ، ومن ثم فإنها تنشر وتعاد كما كانت أولا.

وفي الآية (جـ) كان الاستدلال بلحاظ النظر الجدي في إراءته للبرق بين الخوف والطمع ، وإنزاله للمطر من السماء فيحيي به الأرض ، بعد موتها ، على سبيل المثال ما بيناه فيما سبق من إضفاء صفة الحسّ والنبض والحياة على من يؤهل له ، وإطلاق ذلك عليه تجوزا من أجل التعقل والتدبر والتفكر بآيات الله وحججه الدامغة.

ومجال القرآن في حججه البالغة ، وتنزيلاته العقلية متواترة متكاثفة يقتسمها المجاز والحقيقة معا.

3ـ وفي مقام الرد على المشركين ، وتسفيه أحلامهم ، والنعي على عقولهم المتحجرة ، يقف المجاز مما يعبدون موقف المحكم للحس والوجدان لإبطال عباداتهم ، وإثبات فساد أعمالهم ، ففي قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].

لمس الزمخشري أن الكلام قد أخرج بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز فكأنه يقول : وإن أوهن ما يعتمد عليه الدين عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون (5).

وهو استخراج دقيق فيما أحسب ، إذ كما يتلاشى هذا الجهد الضائع الذي تبذله العنكبوت وهي تتخذ لها بيتا ليست له مقومات البيوت في الوقاية ، ولا أحكامها في العمارة ، فكذلك جهدهم بعبادتهم الواهنة ، ولما كان أوهن البيوت هو بيت العنكبوت ، فقد ثبت أن دينهم المخالف لعقيدة التوحيد هو أوهن الأديان وأعجزها ، فعلق حمل الآية مجازا على قضية منطقية قياسية ذات طرفين صغروي وكبروي . ومن ثم كانت النتيجة : أن أوهن الأديان هو دينهم (6).

4 ـ وحين يريد المجاز القرآني تنبيه العقول ، وتوجه المشاعر نحو الحدث بالذات ، فإنه يشير إليه وحده ليثير الانتباه حوله ، فيضفي صفة الفاعلية على غير الفاعل حينا ، وسمة الإرادة على غير المريد حينا آخر ، ويضيف ضجيج الحركة على غير المتحركة ، فتقف خاشعا أمام الأسلوب العقلي وهو يستعمل صيغة الفاعل ويريد بها المفعول ، وهو نوع من المجاز العقلي في علاقاته ووجوهه البيانية ، ويتجلى ذلك في قوله تعالى : {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ } [النازعات: 6 - 14].

فأنت أمام هذه الألفاظ : الراجفة ، الرادفة ، الحافرة ، الخاسرة ، الساهرة ، وكلها بصيغة الفاعل مع أن الأصل أن تكون الأرض مرجفة لا راجفة ، وأن التابعة مردفة لا رادفة ، وأن حفرة القبر محفورة لا حافرة ، وان الكرة خسر أصحابها ، وأن الساهرة سهر أربابها ، وعدول القرآن عن هذا الأصيل بمثل هذا الاطراد ظاهرة أسلوبية لا يهون إغفالها ، قد يكون المراد وهي تتكرر في القرآن لفت النظر نحو الحدث بما له من طواعية وتلقائية مستغنيا فيه عن ذكر المحدث وهو الله تعالى ، فالأرض راجفة وهي مرجوفة ، والرادفة التابعة وهي مردوفة ، وهكذا القول بالنسبة للحافرة والخاسرة والساهرة ، فهنا طواعية تتمثل في أن ترجف الأرض ذاتها ، وهنا تلقائية تغني عن ذكر المحدث جل شأنه ، بما أودع سبحانه في الأرض من قوة التسخير لما يريد لها ، وهنا أيضا مباغتة ، لا يدري معها الإنسان يوم القيامة ، وتركيز للانتباه في أخذ الرجفة بحركة تلقائية ، صائرة الى ما سخرت له (7).

في هذا المناخ يتيقظ العقل ، ويصحو الضمير ، وتتحرك العواطف ، مستفيدة العظة والعبرة والإقلاع عن الغي ، وكل ذلك من خصائص المجاز العقلية ، لأن فيه توجها للحدث ذاته كما في قوله تعالى : {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ } [النساء: 15] إذ اعتبر المتوفى هو الموت ، والموت لا يتوفى ، لأن المتوفى هو ملك الموت بأمر الله تعالى ، وهو المتوفي الحقيقي « فنقل الفعل الى الموت على طريق المجاز والاتساع ، لأن حقيقة التوفي هو قبض الأرواح من الأجسام ».(8) ولكنه طوى ذكر الفاعل الحقيقي في هذا المجال ، تأكيدا على حقيقة الموت وطواعية حدوثه ، فكأنه يحدث ذاتيا ، ويقع تلقائيا ، وفي ذلك كبح للنفوس ، وتهيؤ للمدارك ، وضبط للشهوات.

وما يقال هنا يقال بالنسبة لقوله تعالى :

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 9] فنسبة الخسران الى النفوس ، وإضافته إليها من المجاز العقلي ، واستعمل له التنظير الحسي لتحريك العقل الإنساني من غفلته ، فعمره بضاعة ، ومراد البضاعة الربح ، فمن تعرض لخسران هذه البضاعة حسيا ، كمن خسر عمره وأضاعه عقليا ، وقد نبه السيد الشريف الرضي على هذا الملحظ فقال :

« لأن الخسران في التعارف إنما هو النقص في أثمان المبيعات ، وذلك يخص الأموال لا النفوس ، إلا أنه سبحانه لما جاء بذكر الموازين وثقلها وخفتها جاء بذكر الخسران بعدها ، ليكون الكلام متفقا ، وقصص الحال متطابقا ، فكأنه سبحانه جعل نفوسهم لهم بمنزلة العروض المملوكة ، إذ كانوا يوصفون بأنهم يملكون نفوسهم ، كما يوصفون بأنهم يملكون أموالهم. وذكر خسرانهم لأنهم عرضوها للخسار ، وأوجبوا لها عذاب النار ، فصارت في حكم العروض المتلفات ، وتجاوزوا حدّ الخسران في الأثمان ، الى حدّ الخسران في الأعيان »(9).

ويبدو مما تقدم أن الخصائص العقلية في المجاز القرآني قد اتخذت صيغا مختلفة الأبعاد ولكنها الإرادة ، فقد استوعبت مختلفة الوجوه في الاستدلال العقلي الى المعرفة العلمية القائمة على أوليات ضرورية تنتهي الى نتائج حتمية ، لها ما لهذه الأوليات من اليقين العلمي الثابت بأعتبار أن المقدمات الضرورية تنتهي بداهة الى نتائج ضرورية.

وقد تتخذ طابع درء الشبهات بإثبات الحقائق الناصعة فيما وراء التعبير الظاهري من إيحاء يتوصل إليه بالنظر العقلي في خرق عادات الأشياء ونواميس الكون.

وقد تكون تلك الخصائص مدعاة الى التأثير الوجداني في التوجه نحو الحدث ، وتصور تلقائيته لتنبيه العواطف ، وصحوة الضمير.

كل هذه شذرات تلتقط في مخزون الخصائص العقلية لمجاز القرآن.

_______________________

(1) الشريف الرضي ، تلخيص البيان : 115.

(2) ظ : السيوطي ، الاتقان : 3/15.

(3) الزمخشري ، الكشاف : 4/253.

(4) أبو حيان ، البحر المحيط : 8 ، سورة الفجر.

(5) ظ : الزمخشري ، الكشاف : 3/455.

(6) ظ : المؤلف ، الصورة الفنية في المثل القرآني : 158.

(7) ظ : بنت الشاطئ ، التفسير البياني : 1/116.

(8) الشريف الرضي ، تلخيص البيان : 127.

(9) الشريف الرضي ، تلخيص البيان : 142.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .