ترفع كان المبتدا اسما والخبر ... تنصبه ككان سيدا عمر
ككان ظل بات أضحى أصبحا ... أمسى وصار ليس زال برحا
فتىء وانفك وهذي الأربعة ... لشبه نفي أو لنفي متبعه
ومثل كان دام مسبوقا بما ... كأعط ما دمت مصيبا درهما
ص261
لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء وهي قسمان أفعال وحروف فالأفعال كان وأخواتها وأفعال المقاربة وظن وأخواتها والحروف ما وأخواتها ولا التي لنفي الجنس وإن وأخواتها.
فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها وكلها أفعال اتفاقا إلا ليس فذهب الجمهور إلى أنها فعل وذهب الفارسي في أحد قوليه وأبو بكر بن شقير - في أحد قوليه - إلى أنها حرف.
ص262
وهي ترفع المبتدأ وتنصب خبره ويسمى المرفوع بها اسما لها والمنصوب بها خبرا لها.
وهذه الأفعال قسمان منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط: وهي كان وظل وبات وأضحى وأصبح وأمسى وصار وليس.
ومنها: ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط وهو قسمان:
أحدهما : ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظا أو تقديرا أو شبه نفي وهو أربعة زال وبرح وفتىء وانفك فمثال النفي لفظا ما زال زيد قائما ومثاله تقديرا قوله تعالى: {قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تفتؤ ولا يحذف النافي معها إلا بعد القسم كالآية الكريمة وقد شذ الحذف بدون القسم كقول الشاعر:
ص263
وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقا مجيدا
ص264
أي لا أبرح منتطقا مجيدا أي صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي وعنى بذلك أنه لا يزال مستغنيا ما بقي له قومه وهذا أحسن ما حمل عليه البيت.
ومثال شبه النفي والمراد به النهي كقولك لا تزل قائما ومنه قوله:
صاح شمر ولا تزل ذاكر المو ... ت فنسيانه ضلال مبين
والدعاء كقولك لا يزال الله محسنا إليك وقول الشاعر:
ص265
ألا يا اسلمي يا درامي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
ص266
وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وهذي الأربعة إلى آخر البيت.
القسم الثاني : ما يشترط في عمله أن يسبقه ما المصدرية الظرفية وهو دام كقولك أعط ما دمت مصيبا درهما أي أعط مدة دوامك مصيبا درهما ومنه قوله تعالى: { وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } أي مدة دوامي حيا
ص267
ومعنى ظل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا ومعنى بات اتصافه به ليلا وأضحى اتصافه به في الضحى وأصبح اتصافه به في الصباح وأمسى اتصافه به في المساء ومعنى صار التحول من صفة إلى صفة أخرى ومعنى ليس النفي وهي عند الإطلاق لنفي الحال نحو ليس زيد قائما أي الآن وعند التقييد بزمن على حسبه نحو ليس زيد قائما غدا ومعنى زال وأخواتها ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال نحو ما زال زيد ضاحكا وما زال عمرو أزرق العينين ومعنى دام بقي واستمر .
وغير ماض مثله قد عملا ... إن كان غير الماض منه استعملا
هذه الأفعال على قسمين: أحدهما: ما يتصرف، وهو ما عدا ليس ودام.
ص268
والثاني: ما لا يتصرف، وهو ليس ودام فنبه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي وذلك هو المضارع نحو يكون زيد قائما قال الله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} والأمر نحو كونوا قوامين بالقسط وقال الله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} واسم الفاعل نحو زيد كائن أخاك وقال الشاعر:
وما كل من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك إذا لم تلفه لك منجدا
ص269
والمصدر كذلك واختلف الناس في كان الناقصة هل لها مصدر أم لا؟ والصحيح أن لها مصدرا ومنه قوله:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى ... وكونك إياه عليك يسير
ص270
وما لا يتصرف منها وهو دام وليس وما كان النفي أو شبهه شرطا فيه وهو زال وأخواتها لا يستعمل منه أمر ولا مصدر .
وفي جميعها توسط الخبر ... أجز وكل سبقه دام حظر
ص271
مرده أن أخبار هذه الأفعال إن لم يجب تقديمها على الاسم ولا تأخيرها عنه يجوز توسطها بين الفعل والاسم فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك كان في الدار صاحبها فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ومثال وجوب تأخير الخبر
عن الاسم
ص272
قولك كان أخي رفيقي فلا يجوز تقديم رفيقي على أنه خبر لأنه لا يعلم ذلك لعدم ظهور الإعراب ومثال ما توسط فيه الخبر قولك كان قائما زيد قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} .
وكذلك سائر أفعال هذا الباب من المتصرف وغيره يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور ونقل صاحب الإرشاد خلافا في جواز تقديم خبر ليس على اسمها والصواب جوازه قال الشاعر:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول
ص273
وذكر ابن معط أن خبر دام لا يتقدم على اسمها فلا تقول لا أصاحبك ما دام قائما زيد والصواب جوازه قال الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت والهرم
ص274
وأشار بقوله وكل سبقه دام حظر إلى أن كل العرب أو كل النحاة منع سبق خبر دام عليها وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على ما المتصلة بها نحو لا أصحبك قائما ما دام زيد فمسلم وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على دام وحدها نحو لا أصحبك ما قائما دام زيد وعلى ذلك حمله ولده في شرحه - ففيه نظر والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر
ص275
دام على دام وحدها فتقول لا أصحبك ما قائما دام زيد كما تقول لا أصحبك ما زيدا كلمت .
كذاك سبق خبر ما النافية ... فجيء بها متلوة لا تاليه يعني أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على ما النافية ويدخل تحت هذا قسمان أحدهما ما كان النفي شرطا في عمله نحو ما زال وأخواتها فلا تقول قائما ما زال زيد وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس والثاني ما لم يكن النفي شرطا في عمله نحو ما كان زيد قائما فلا تقول قائما ما كان زيد وأجازه بعضهم .
ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفي بغير ما يجوز التقديم فتقول قائما لم يزل زيد ومنطلقا لم يكن عمرو ومنعهما بعضهم.
ص276
ومفهوم كلامه أيضا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما نحو ما قائما زال زيد وما قائما كان زيد ومنعه بعضهم .
ومنع سبق خبر ليس اصطفى ... وذو تمام ما برفع يكتفي
وما سواه ناقص والنقص في ... فتىء ليس زال دائما قفي
اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها فذهب الكوفيون
ص277
والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ومنهم المصنف إلى المنع وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز فتقول قائما ليس زيد واختلف النقل عن سيبويه فنسب قوم إليه الجواز وقوم المنع ولم يرد من لسان العرب تقدم خبرها عليها وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدم معمول خبرها عليها كقوله تعالى: { أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } وبهذا استدل من أجاز تقديم خبرها عليها وتقريره أن يوم يأتيهم معمول الخبر الذي هو مصروفا وقد تقدم على ليس قال ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل.
ص278
وقوله وذو تمام إلى آخره معناه أن هذه الأفعال انقسمت إلى قسمين أحدهما: ما يكون تاما وناقصا والثاني: ما لا يكون إلا ناقصا والمراد بالتام: ما يكتفي بمرفوعه وبالناقص: ما لا يكتفي بمرفوعه بل يحتاج معه إلى منصوب.
وكل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلا فتىء وزال التي مضارعها يزال لا التي مضارعها يزول فإنها تامة نحو زالت الشمس وليس فإنها لاتستعمل إلا ناقصة.
ومثال التام قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} أي إن وجد ذو عسرة وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } .
ولا يلي العامل معمول الخبر ... إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر
ص279
يعني أنه لا يجوز أن يلي كان وأخواتها معمول خبرها الذي ليس بظرف ولا جار ومجرور وهذا يشمل حالين: أحدهما: أن يتقدم معمول الخبر وحده على الاسم ويكون الخبر مؤخرا عن الاسم نحو كان طعامك زيد آكلا وهذه ممتنعة عند البصريين وأجازها الكوفيون.
الثاني: أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم ويتقدم المعمول على الخبر نحو كان طعامك آكلا زيد وهي ممتنعة عند سيبويه وأجازها بعض البصريين ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة لأنه لم يل كان معمول خبرها فتقول كان آكلا طعامك زيد ولا يمنعها البصريون. فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا جاز إيلاؤه كان عند البصريين والكوفيين نحو كان عندك زيد مقيما وكان فيك زيد راغبا .
ومضمر الشأن اسما انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع
ص280
يعني أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولي كان وأخواتها معمول خبرها فأوله على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وذلك نحو قوله:
قنافذ هداجون حول بيوتهم ... بما كان إياهم عطية عودا
ص281
صفحة فارغة
ص282
فهذا ظاهره أنه مثل كان طعامك زيد آكلا ويتخرج على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وهو اسم كان
ص283
ومما ظاهره أنه مثل كان طعامك آكلا زيد قوله:
فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى تلقي المساكين
ص284
صفحة فارغة
ص285
صفحة فارغة
ص286
إذا قرئ بالتاء المثناة من فوق فيخرج البيتان على إضمار الشأن والتقدير في الأول بما كان هو أي الشأن فضمير الشأن اسم كان
ص287
وعطية مبتدأ وعود خبر وإياهم مفعول عود والجملة من المبتدأ وخبره خبر كان فلم يفصل بين كان واسمها معمول الخبر لأن اسمها مضمر قبل المعمول.
والتقدير في البيت الثاني وليس هو أي الشأن فضمير الشأن اسم ليس وكل النوى منصوب بتلقي وتلقي المساكين فعل وفاعل والمجموع خبر ليس هذا بعض ما قيل في البيتين .
وقد تزاد كان في حشو كما كان ... أصح علم من تقدما
كان على ثلاثة أقسام
أحدها: الناقصة
والثاني: التامة وقد تقدم ذكرهما
والثالث: الزائدة وهي المقصودة بهذا البيت وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين كالمبتدأ وخبره نحو زيد كان قائم والفعل ومرفوعه نحو لم يوجد كان مثلك والصلة والموصول نحو جاء الذي كان أكرمته والصفة والموصوف نحو مررت برجل كان قائم وهذا يفهم أيضا من إطلاق قول المصنف وقد
تزاد كان في حشو وإنما تنقاس زيادتها بين ما
ص288
وفعل التعجب نحو ما كان أصح علم من تقدما ولا تزاد في غيره إلا سماعا.
وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه كقولهم:
ولدت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم وقد سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله:
فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام
ص289
صفحة فارغة
ص290
وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله:
سراة بني أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب
ص291
وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل ابن أبي طالب:
أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل
ص292
ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر
تحذف كان مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد إن كقوله:
ص293
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا ... فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟
ص294
التقدير: إن كان المقول صدقا وإن كان المقول كذبا.
وبعد لو كقولك ائتني بدابة ولو حمارا أي ولو كان المأتي به حمارا وقد شذ حذفها بعد لدن كقوله :
من لد شولا فإلى إتلائها
التقدير من لد أن كانت شولا.
ص295
وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب ... كمثل أما أنت برا فاقترب
ذكر في هذا البيت أن كان تحذف بعد أن المصدرية ويعوض عنها ما ويبقى اسمها وخبرها نحو أما أنت برا فاقترب والأصل أن كنت برا فاقترب فحذفت كان فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء فصار أن أنت برا ثم أتى ب ما عوضا عن كان فصار
ص296
أن ما أنت برا
ثم أدغمت النون في الميم فصار أما أنت برا ومثله قول الشاعر:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
ص297
فأن مصدرية وما زائدة عوضا عن كان وأنت اسم كان المحذوفة وذا نفر خبرها ولا يجوز الجمع بين كان وما لكون ما عوضا عنها ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض وأجاز ذلك المبرد فيقول أما كنت منطلقا انطلقت.
ولم يسمع من لسان العرب حذف كان وتعويض ما عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف ولم يسمع مع ضمير المتكلم نحو أما أنا منطلقا انطلقت والأصل أن كنت منطلقا ولا مع الظاهر نحو أما زيد ذاهبا انطلقت والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب والأصل أن كان زيد ذاهبا انطلقت وقد مثل سيبويه رحمه الله في كتابه ب أما زيد ذاهبا .
ومن مضارع لكان منجزم ... تحذف نون وهو حذف ما التزم
ص298
إذا جزم الفعل المضارع من كان قيل لم يكن والأصل يكون فحذف الجازم الضمة التي على النون فالتقى ساكنان الواو والنون فحذف الواو لالتقاء الساكنين فصار اللفظ لم يكن والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شيء آخر لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال فقالوا لم يك وهو حذف جائز لا لازم ومذهب سيبويه ومن تابعه
أن هذه النون لا تحذف عنه ملاقاة ساكن فلا تقول لم يك الرجل قائما وأجاز ذلك يونس وقد قرئ شاذا لم يك الذين
ص299
كفروا وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متصلا أولا فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتفاقا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر رضي الله عنه في ابن صياد إن يكنه فلن تسلط عليه وإلا يكنه فلا خير لك في قتله فلا يجوز حذف النون فلا تقول إن يكه والإيكه وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات نحو لم يكن زيد قائما ولم يك زيد قائما.
وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين كان الناقصة والتامة وقد قرئ وإن تك حسنة يضاعفها برفع حسنة وحذف النون وهذه هي التامة.
ص300