أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2021
14296
التاريخ: 11-5-2017
3836
التاريخ: 2-2-2016
6074
التاريخ: 23-3-2022
1492
|
اليقين في اللغة هو العلم وزوال الشك، أي بمعنى العلم الذي ليس معه شك(1)، ولكن هل الاقتناع اليقيني، بعده من آثار مبدأ البراءة، والذي يلتزم به القاضي الجنائي في إصدار حكم الإدانة؛ يحمل هذا المعنى والدرجة من اليقين؟.
أن الاقتناع – في مفهومه القضائي – ليس يقيناً، في مفهومه العلمي الدقيق، لأن القاضي لا يملك وسائل ادراك اليقين كحالة ذهنية، تلتصق بالحقيقة دون أن تختلط بأي شك على المستوى الشخصي أو بجهل أو غلط على الصعيد الموضوعي. إذ أن اليقين الذي يصل اليه القاضي، ليس يقيناً مطلقاً، بل يقيناً نسبياً، ويعزى ذلك إلى أن هناك من الأسباب ما يؤثر على ضمير القاضي، عندما يحاول تحليل وتقييم الوقائع المعروضة عليه، توطئه للوصول إلى الاقتناع الذي سيبني عليه حكمه، فالقاضي الجنائي – كونه إنساناً – يتعرض للعديد من التجارب والعادات والخبرات، فضلاً عما يعتنقه من أفكار، والحالة الذهنية والمزاجية في وقت معين، مما يؤثر بلا شك في مستوى الاقتناع اليقيني للإدانة(2). لذلك صح القول أن الاقتناع والجزم واليقين أشياء بعيدة عن هيمنة القانون وسيطرته، بحيث لا يمكن تنظيمها، لأنها كالفكرة حرة ومستقلة عن أية سلطة خارجية، ولا يمكن فرضها بناء على أسباب قانونية(3). إلا أن ذلك لا يعني أن الاقتناع اليقيني يبنى على مجرد الاعتقاد القضائي. لأن القاضي الجنائي لا يجوز أن يحكم بناء على أسباب شخصية صلحت لحمله هو نفسه على التسليم بثبوت الوقائع، لكنها لا تصلح إذا نظر اليها من الناحية الموضوعية أو من جانب الآخرين. إنما يمكن القول أن اقتناع القاضي الجنائي، يقف في منطقة الوسط بين "اليقين" و "الاعتقاد"، يجاوز الاعتقاد لأنه لا يقوم على أسباب شخصية وإنما على أدلة وضعية، تدنيه من اليقين، إلا أنه يختلف عن اليقين في استقامته على التسبيب والتعليل، وقبول التسبيب والتعليل أمر شخصي لا يتسم بصراحة اليقين(4). لذلك أجمع الكثير من الفقهاء الجنائيين أن الاقتناع اليقيني المطلوب في القضاء بالإدانة، ليس اليقين الشخصي للقاضي فحسب، بل هو اليقين القضائي الذي يمكن أن يصل اليه الكافة من خلال أدلة الدعوى. واليقين الشخصي يتمثل في وجدان القاضي وما يطمئن اليه ويرتاح اليه ضميره، أما اليقين القضائي ويستمد من الأدلة التي أقنعت القاضي، والذي يصل اليه – هذا اليقين – كما يصل إلى الكافة لأنه مبني على العقل والمنطق(5). ولعل ذلك ما دفع بعض التشريعات إلى الإقرار بأن ادانة المتهم ينبغي أن تقوم على أساسين: أحدهما شخصي والآخر موضوعي. أما الأول فيقصد به اليقين الشخصي، أي وجوب اقتناع القاضي تماماً بإدانة المتهم، وأما الأساس الموضوعي فيقصد به اليقين القضائي، أي أن تكون هناك أدلة لها من القوة ما يكفي لاقناع أي شخص، له مكنة تقدير عادية بأن المتهم مدان(6). ومن ثم يمكن القول – بناء على ما تقدم – أن الاقتناع الجنائي ليس يقيناً أو جزماً بالمعنى العلمي لليقين، فالجزم كحالة موضوعية، لا تورث شكاً لدى من تيقن أو جزم ولا جهلاً ولا غلطاً لدى الآخرين، إنما الاقتناع هو اعتقاد قائم على أدلة موضوعية، أو يقين قائم على تسبيب. وقبول التسبيب هو بالضرورة أمر شخصي يختلف من قاضٍ إلى آخر(7)، مما يؤدي إلى الإقرار أن الاقتناع اليقيني، لابد وأن يتسم بالذاتية أو الشخصية لأنه نتيجة عمل الضمير الذي عند تقديره للوقائع المطروحة على بساط البحث يتأثر بمدى قابلية الفرد واستجابته للدوافع والبواعث المختلفة. وفي ذلك قيل أن الجزم واليقين والقطع إنما هي أوصاف للاقتناع وهي مترادفات تدل على معنى معين وهو – في هذا الشأن – أن علم القاضي بوقائع الدعوى وبارتكاب المتهم لها، قد بلغ أقصى درجة يمكن أن يصل اليها التفكير البشري(8). لذلك يؤكد البعض بأنه مهما كانت درجة اليقين الذي يقتضيه القانون نظرياً فإن الأمر على الصعيد العملي يتوقف أكثر على عقلية من يتولون مهمة الفصل في الدعوى وعليه يقسم البعض القضاة، إلى فئات تختلف باختلاف اتجاهاتهم المدروسة في ضوء علم النفس القضائي، من ذلك تقسيم القضاة إلى قاضٍ حاسم وقاضٍ متردد، والى قاضٍ حذر وقاضٍ غير مبال، والى قاضٍ موضوعي وقاضٍ منساق للتأثير النفسي(9). إلا أن مستوى اليقين القضائي – بعدِّه من متطلبات قرينة البراءة – لا يكون له أي أثر يذكر على الحكم الجنائي في حالة عدم صلاحية القاضي للحكم، والذي قد يتخذ إحدى صورتين هما: صورة القاضي غير الأهل، وصورة القاضي غير المنزه(10). على ضوء ما تقدم، يمكن أن ننتهي من ذلك إلى تأييد القول، بأن الاقتناع اليقيني الذي تفرضه، أعمال البراءة في الدعوى الجنائية، على القاضي الجنائي عند إصداره لأحكام الإدانة، هو عبارة عن حالة ذهنية أو عقلانية تؤكد وجود الحقيقة الواقعية، ويتم الوصول إلى ذلك عن طريق ما تستنتجه وسائل الإدراك المختلفة للقاضي، من خلال ما يعرض عليه من وقائع الدعوى، وما ينطبع في ذهنه من تصورات واحتمالات ذات درجة عالية من التوكيد والثقة، تستبعد امكانية تطرق أي شك أو ريب تجاه تلك المحصلة النهائية التي وصل اليها القاضي في حكمه. فالتيقن هو وسيلة الاقتناع، وبعبارة أخرى، اقتناع القاضي الجنائي هو ثمرة اليقين لا اليقين ذاته(11).
___________________
1- محمد زكي ابو عامر، "الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص888.
2- هلالي عبداللاه أحمد، "النظرية العامة للأثبات الجنائي"، م1، المرجع السابق، ص401.
3- احمد ادريس احمد، المرجع السابق، ص928.
4- محمد زكي ابو عامر، "الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص888.
5- انظر في هذا المعنى:
- احمد فتحي سرور، "الشرعية والإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص130.
- محمد عيد غريب، " حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني"، المرجع السابق، ص130.
- حاتم بكار، المرجع السابق، ص64.
- عبد الحكم فودة، "البراءة وعدم العقاب في الدعوى الجنائية"، المرجع السابق، ص412.
6- وهو اتجاه القانون البولندي، أشار اليه:
- محمد محي الدين عوض، "الإثبات بين الازدواج والوحدة"، المرجع السابق، ص65 في الهامش رقم (2).
7- محمد زكي ابو عامر، "الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص888.
8- السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص84 هامش رقم (1).
9- رمسيس بهنام، "علم النفس القضائي"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997، ص31.
مشار اليه لدى: السيد محمد حسن الشريف، المرجع السابق، ص86 هامش رقم (1).
10- رمسيس بهنام، "الإجراءات الجنائية – تأصيلاً وتحليلاً"، المرجع السابق، ص283.
وفي صدد تقسيم القضاة، يقول الرسول (r): (( القضاة ثلاثة، إثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق، فقضى للناس على جهل فهو في النار)). رواه ابو داود والترمذي عن بريدة.
مشار اليه لدى: أحمد حامد البدري، المرجع السابق، ص373.
11- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للأثبات الجنائي"، م1، المرجع السابق، ص398.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|