أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-1-2021
4942
التاريخ: 7-1-2021
4291
التاريخ: 15-5-2017
7094
التاريخ: 31-1-2016
3785
|
السائد بين الفقهاء الذين يأخذون بفكرة المسائل العارضة في الدعوى الجزائية، إن هذه المسائل تدخل في البنيان القانوني للجريمة، وتعد من عناصر النموذج القانوني الذي تتضمنه قاعدة التجريم، ولكنهم يختلفون بعد ذلك في تحديد موضع هذه المسائل داخل هذا النموذج، فالفقه لم تتوحد كلمته حول طبيعة المسائل العارضة بهذا الشأن. فقد ذهب البعض إلى القول بتبعية المسائل العارضة للأركان العامة للجريمة، ويرتب على ذلك إنكار ذاتية المسائل العارضة التي يمكن أن تكون لها إذا قيل بتمييزها عن هذه الأركان. ويؤسس هذا الرأي قوله، على أن هذه المسائل لا يميزها عن الأركان سوى كونها سابقة من حيث الوجود على ارتكاب الفاعل لنشاطه، وهذه الأسبقية الزمنية غير ذات قيمة قانونية، وما يساق من أمثلة عليها يسهل إدخالها في أحد الأركان العامة للجريمة(1). ويتوازى مع هذا الاتجاه ما ذهب إليه البعض من عدّ المسائل العارضة بمثابة أركان خاصة، أو أركان إضافية يتطلبها المشرع كي يكتمل النموذج القانوني للجريمة(2). فالواقعة الإجرامية تتألف من عناصر لا تقف فقط عند حد السلوك والنتيجة وعلاقة السببية، بل يدخل فيها جميع العناصر اللازمة لاكتمال البنيان القانوني للجريمة وتطابق الواقعة مع نموذجها الذي تتضمنه القاعدة الجزائية(3). وينتقد البعض(4). هذا الاتجاه، بمقولة أن هناك تعارضاً بين فكرة المسائل العارضة وفكرة الركن الخاص في الجريمة، تأسيساً على أن هذا الركن يفترض وجود مصلحة إضافية يتكفل المشرع بحمايتها، تغاير المصلحة الأصلية التي وضع النص لحمايتها مجرداً من هذا الركن. ومثال ذلك، ففي السرقة بإكراه تكون هناك مصلحتان، مصلحة أولى تتمثل في حماية ملكية الغير للمال التي أهدرها فعل الاختلاس، ومصلحة قانونية إضافية هي سلامة جسم المجنى عليه والتي أهدرها فعل الإكراه، فالفارق بين الركن الخاص في الجريمة و المسائل العارضة، أن الأخيرة تسبق الجريمة ولا دخل لإرادة فاعلها في إيقاعها، فضلاً عن أنها لا تتعلق بمصلحة أخرى تختلف عن المصلحة التي يشكل الركن المادي في الجريمة عدواناً عليها. وهناك من يرى أن المسائل العارضة تتصل بالركن المادي في الجريمة، بعدّها من ملابسات السلوك الإجرامي، ولا ينظرون إليها، ومن ثم بحسبانها عناصر مستقلة عن الركن المادي في الجريمة، إذ يدخل في تكوينه كل عنصر يعد في ذاته جزءً من السلوك الإجرامي أو الملابسات المحيطة بهذا السلوك(5). فالمسائل العارضة- على وفق هذا الرأي- تعد من ملابسات السلوك بحسب وصفها القانوني، فهي ليست مستقلة عنه وإنما تندمج فيه وتصبح من عناصره(6). وبهذا فأنهم لا يرون في المسائل العارضة عناصر لها ذاتية خاصة، إذ هي تتحلل إلى عناصر قانونية أو وقائع قانونية، وهي جميعها ترد، على نحو أو آخر، إلى السلوك الإجرامي(7). ومثال المسائل العارضة المتمثلة بالعناصر القانونية والتي قد تشتمل عليها الجريمة، ملكية الغير للمال في جريمة السرقة، فهذه العناصر تتعلق بالسلوك المكون للجريمة، لأن ملكية الغير مثلاً هي التي تحدد الأشياء التي إذا أنصب عليها فعل (الاختلاس) صار مجرماً تحت وصف السرقة. أما المسائل العارضة المتمثلة بالوقائع القانونية والتي قد يضمها النموذج الإجرامي، فهي، بدورها، تتصل بسلوك الفاعل، وقد يكون وجودها لازماً لقيام الجريمة تارة، كما قد يكون تخلفها لازماً لذلك تارة أخرى، يستوي في ذلك أن يكون مصدرها هو الفاعل نفسه أو المجنى عليه أو شخص من الغير، فأن هذه الوقائع تعد جزءً من ملابسات السلوك الإجرامي، كما حددها نص التجريم، ويمكن تقسيمها إلى وقائع جزائية وأعمال قانونية، ومثال الوقائع الجزائية أن يستلزم المشرع سبق وقوع جريمة أخرى يتوقف على وجودها إضفاء الصفة الإجرامية على سلوك الفاعل في الجريمة التالية، مثل جريمة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة، أما الأعمال القانونية التي يستلزمها لقيام الجريمة فهي غالباً ما تكون محكومة بقوانين أخرى غير جزائية(8). مثال ذلك عقد الأمانة في جريمة خيانة الأمانة. يبدو أن هذا الاتجاه محل نظر، ذلك لأن المسائل العارضة لا تقتصر على السلوك الإجرامي وحده من بين عناصر الركن المادي، إذ أن هناك عناصر أوصفات في المحل المادي للجريمة يعد المساس بها عدواناً على المصلحة المحمية( أي المحل القانوني للجريمة) كما هو الحال في جريمة السرقة، فالمحل المادي لها هو وجود مال منقول مملوك للغير (محل الاختلاس)، فملكية الغير تعد أحد عناصر ركن محل الاختلاس. وقد اتجه جانب من الفقه(9). إلى رد المسائل العارضة إلى المحل القانوني للجريمة أو موضوعها التي وضعت القاعدة الجزائية أساساً من أجل حمايته. ففي كل جريمة لابد أن يسبق تحديد أركانها العامة، تعيين (المصلحة القانونية) موضوع الحماية فيها، لأنه بغير هذا التحديد يستحيل تحديد نمط السلوك المعاقب عليه في الجريمة. ولكن هذا الاتجاه لقي اعتراضاً من جانب البعض(10). تأسيساً على أنه إذا كان المحل القانوني للجريمة يتصل بالقاعدة الجزائية المجرمة لأنه المال أو المصلحة اللذان يحميهما المشرع بوساطة هذه القاعدة، فإن استبعاد القاعدة الجزائية أن تكون مسألة عارضة، يستتبع استبعاد المحل القانوني أن يشكل مسألة عارضة في الدعوى الجزائية. وفي مقابل ذلك فإن اتجاها فقهياً حديثاً يذهب إلى عدّ المسائل العارضة شروطاً مفترضة تستقل عن أركان الجريمة، إذ يعترف لها بصفة مقومات الجريمة التي لا توجد بدونها، كما يعترف لها بعد ذلك بإمكانية عزلها عن أركان الجريمة تأسيساً على كونها سابقة عليها من الناحية الزمنية والمنطقية(11). فهذا الاتجاه يقوم على أساس أن المسائل العارضة بعدّها شرطاً مفترضا في الجريمة ليست فقط سابقة على نشاط الجاني ومستقلاً بالتالي عن إرادته، بل أيضاً خارجاً عن أركان الجريمة. فالمسائل العارضة وإن كانت تدخل في مجموع الوقائع التي يجب على القاضي الجزائي أن يفحصها، باعتبارها مما يدخل في البنيان القانوني للجريمة، إلا أنها لا تظهر بين الأعمال المجرمة التي تنسب إلى المتهم(12). وبهذا فإذا كانت المصلحة القانونية التي تحميها القاعدة الجزائية (المحل القانوني للجريمة) لصيقة بمركز قانوني يعد السلوك عدواناً عليه، ترتب على ذلك أن يكون المركز القانوني الذي تتجسد المصلحة المحمية فيه شرطاً مفترضاً في الجريمة يسبق النشاط ويستقل عن إرادة الفاعل. وبذلك تكون المسائل العارضة ما هي إلا شروط مفترضة خارجة عن أركان الجريمة، ويؤكد ذلك أن المسائل العارضة في حقيقتها أمر مشروع في ذاته، بل أن المشرع قد ساق القاعدة الجزائية لحمايتها(13). ويبدو أن الرأي الأخير هو الراجح، فالمسائل العارضة – من حيث الأصل - ما هي إلا شروط مفترضة في الجريمة، وذلك لأن المحكمة الجزائية تلتزم إزاء أركان الجريمة بإقامة الدليل عليها على وفق القاعدة العامة المقررة في الإجراءات الجزائية ألا وهي حرية القاضي الجزائي في الاقتناع. ولكن الحال ليس كذلك بالنسبة للمسائل العارضة، فالمحكمة الجزائية إذ اختصت بالفصل فيها، فإنها تلتزم بإثباتها وإقامة الدليل عليها على وفق الوسائل المقررة في قانون الإثبات الذي يختص بتلك المسألة، وإن كانت تدخل في البنيان القانوني للجريمة(14). ويترتب على صفة الاستقلال هذه إن المسائل العارضة، بعدّها خارجة عن أركان الجريمة، فهي من ثم خارجة عن قانون العقوبات، إذ يكون انتماؤها في الأصل إلى فرع آخر من فروع القانون غير الجزائي.
___________________________
[1]- د. محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات اللبناني-القسم العام- بيروت- 1968-ص56، د.أمال عبد الرحيم عثمان- التموذج القانوني للجريمة- مجلة العلوم القانونية والاقتصادية – العدد الأول- السنة الرابعة عشرة-1972- ص254.
2- د. محمود محمود مصطفى- شرح قانون العقوبات- القسم العام- الطبعة العاشرة – مطبعة جامعة القاهرة –1983-ص38، 39، د. نائل عبد الرحمن صالح- محاضرات في قانون العقوبات – القسم العام-دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- عمان –1415هـ- 1995م-ص28،د. فخري عبد الرزاق الحديثي- شرح قانون العقوبات – القسم العام- مطبعة الزمان - بغداد-1992-ص19.
3- د. محمد زكي محمود- آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية- دار الفكر العربي- القاهرة- 1967-ص 105.
4-د. حسنين عبيد صالح- مفترضات الجريمة- مجلة القانون والاقتصاد- العددين 3،4- س49- 1981-ص104، 105.
5- د. رمسيس بهنام – النظرية العامة للقانون الجنائي-طبعة ثالثة منقحة- منشأة المعارف- الإسكندرية- 1997-ص483، د. علي عبد القادر القهوجي- قانون العقوبات- القسم العام- المكتبة القانونية-مطبعة الدار الجامعية- بدون سنة طبع- ص35، د.عوض محمد – قانون العقوبات – القسم العام- دار المطبوعات الجامعية –الإسكندرية – بدون سنة طبع-ص52.
6-د. رمسيس بهنام – المرجع السابق-ص484.
7- د. محمد زكي محمود- المرجع السابق-105.
8- د. رمسيس بهنام- المرجع السابق-ص494، 495.
9- د. جلال ثروت-قانون العقوبات- القسم العام- الدار الجامعية –بيروت-1989-ص113.
0[1]- د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي- القاعدة الجنائية-دراسة تحليلية في ضوء الفقه الجنائي المعاصر- الشركة الشرقية للنشر والتوزيع- بيروت-1967-ص268.
1[1]- د. أحمد فتحي سرور-الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية– الطبعة السابعة- دار النهضة العربية-القاهرة-1993-ص 687. د. نظام توفيق المجالي- شرح قانون العقوبات – القسم العام- مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع.-عمان- 1998-ص54.
2[1]- د. عادل عازر – النظرية العامة في ظروف الجريمة- القاهرة- 1966-ص 200، 221.
3[1]- د. عبد العظيم مرسي وزير- الشروط المفترضة في الجريمة- دراسة تأصيلية تحليلية- دار النهضة العربية- القاهرة-1983-ص114.
4[1]- ينظر في تفصيل ذلك ص 86 من الرسالة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|