المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

العلبة السبورية Exosporium
9-4-2018
التجسس على ابنك
5-9-2021
المثابرة
2023-03-05
الخوف من اللّه أفضل الفضائل‏
22-7-2016
Interference
2024-03-19
كان في خلقه مع أهله سوء
22-8-2017


منهج تفسير ابن عربي عرفاني  
  
10084   06:51 مساءاً   التاريخ: 16-10-2014
المؤلف : محمد علي أسدي نسب
الكتاب أو المصدر : المناهج التفسيرية عند الشيعة والسنة
الجزء والصفحة : ص 417-435.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير العرفاني /

حياة المؤلف : هو أبو بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي ـ بدون أداة التعريف ـ فرقاً بينه وبين القاضي أبي بكر ابن العربي صاحب كتاب (أحكام القرآن ) ، وهذا الفرق من اصطلاح المشارقة ، أما اهل المغرب ، فيأتون باللام في كلا الموردين (1) (2).

ولد في مدينة مُرسية في جنوب شرقي الأندلس ـ اسبانيا ـ تاريخ 17 رمضان المبارك سنة 560 هجرية / 28 يوليو 1165 ، في بيت ثروة وحسب وزهد وتقوى ، وكان له خالان سلكا طريق التبتل والزهد ، أحدهما لزم خدمة أحد الأولياء ، والآخر كان يقضي الليل في الذكر والتسبيح ، ولعل الارتباط بهما في الصغر أثر في معنوية ابن عربي .

تنتمي أسرة ابن عربي الى واحدة من اقدم القبائل العربية التي وفدت الى اسبانيا , وهي قبيلة طيء ، التي منها (حاتم الطائي) أشهر كرماء العرب ، وكان أسلافه ضمن من وفدوا من عرب (اليمن) الى اسبانيا في  وقت مبكر . وبعد أن سقطت مرسية في يد (الموحدين) ، رحلت الأسرة الى إشبيلية سنة 1172م ، وقد بلغ محمد الثامنة من عمره .

وتزوج ابن عربي بامرأة صالحة ، وفي هذه الفترة توفي أبوه ، فمكث بعد أبيه في إشبيلية حتى صار ذا نفس مطمئنة ، فرأى أن السير على فطرته وتكونه بالهجرة الى بلاد الشرق أولى ، وبينما كان يجيل هذه الفكرة ، رأى في حالة اليقظة أنه أمام العرش الإلهي المحمول على أعمدة من لهب متفجر ، ورأى طائراً جميلاً بديع الصنع يحلق حول العرش ، ويصدر إليه الأمر بأن يرتحل الى الشرق ، وينبئه بأنه سيكون هو مرشده السماوي ، وبأن رفيقاً من البشر يدعى فلاناً ينتظره في مدينة فاس ، وأن هذا الأخير قد امر ايضا بهذه الرحلة الى الشرق ، ولكنه يجب ألا يرتحل قبل أن يجيء إليه رفيق من الأندلس ، فيفعل ما أمر به ويرتحل بصحبة هذا الرفيق .

وفيما بين سنتي 597هـ - 620هـ / 1200 – 1223م بدأ رحلاته الطويلة الى بلاد الشرق ، فاتجه الى مكة ، فاستقبله شيخ إيراني ممتاز ، وتزوج ابنه ذلك الشيخ ، في هذه البيئة الطاهرة وهو في مكة المكرمة ، وفي سنة 1204م ، ثم ذهب الى الموصل والتقى علي بن عبد الله بن جامع الذي قيل حقه : إنه ليس الخرقة عن الخضر مباشرة ، وفي سنة 1206م ذهب الى القاهرة ، وفي هذا الزمان ظهر ذلك المرشد السماوي وأمره بإظهار شيء من كتابه في مذهبه ، ولكن الفقهاء هددوه ، ففر الى مكة المكرمة سنة 1207م ، وبقي هناك ثلاثة أعوام ، ويعيش بين أصدقائه القدماء الأوفياء ، ثم ترك مكة بعد هذه المدة قاصداً الى قونية من تركيا ، والتقى أميرها السلجوقي ، وتزوج بوالده صدر الدين القونوي ، وهو أحد تلاميذه المفضلين ، بغداد ، يتصل بالصوفي المعروف شهاب الدين عمر السهروردي .

وفي سنة 1214م يعود الى مكة ليجد أن عدداً من فقهائها جعلوا يشوهون سمعته ، ويرمونه بأن قصائده التي نشرها في ديوانه الرمزي منذ ثلاثة عشر عاماً كانت تصور غرامه المادي الواقعي بالفتاة (نظام) ، ولكنه قاوم مقاومة شديدة ، ورد هذه التهمة وزيفها للجميع . وبعد ذلك يرتحل الى حلب ويعيش هناك مكرماً ، وأخيراً يختار دمشق في سنة 1223م ويسكنها الى آخر عمره ، حيث كان أميرها أحد تلاميذه المؤمنين بعلمه ونقائه ، وينصرف للتأليف حتى يتوفى بها في 28 من ربيع الثاني سنة 638 الموافق 16 نوفمبر من سنة 1240م (3).

بعض أساتذته : قال الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني في كتابه (جامع كرامات الأولياء ) ضمن ترجمته للشيخ ابن عربي : وقد اطلعت له على إجازة ، أجاز بها الملك المظفر ابن الملك العادل الأيوبي ، ذكر فيها كثيراً من مشايخه ومؤلفاته ، ولتمام الفائدة أذكرها هنا بحروفها ، فأقول : قال رضي الله عنه : بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين : اقول وأنا محمد بن علي بن العربي الطائي الأندلسي الحاتمي ، وهذا لفظي : استخرت الله تعالى ، وأجزت السلطان الملك المظفر بهاء الدين غازي ، ابن الملك العادل المرحوم إن شاء الله تعالى أبي بكر بن أيوب وأولاده ، ولمن أدرك حياتي الرواية عني في جميع ما رويته عن أشياخي ، من قراءة وسماع ومناولة وكتاب وإجازة ، وجميع ما ألفته وصنفته من ضروب العلم ، وما لنا من نثر ونظم على الشرط المعتبر بين أهل هذا الشأن ، وتلفظت بالإجازة عند تعبيري هذا الخط ، وذلك في غرة محرم سنة 632 بمحروسة دمشق ، وكان قد سألني في استدعائه أن أذكر من أسماء شيوخي ما تيسر لي ذكره منهم ، وبعض مسموعاتي ، وما تيسر من اسماء مصنفاتي ، فأحبت استدعاءه نفعه الله تعالى بالعلم ، وجعلنا وإياه من أهله ، إنه ولي كريم .

فمن شيوخنا : أبو بكر بن خلف اللخمي قرأت عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع ، بكتاب الكافي لأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيني في مذاهب القراء السبعة المشهورين ، حدثني عن  ابن المؤلف . ومن شيوخنا في القراءة : ابو الحسن شريح بن محمد بن محمد بن شريح الرعيني ، عن أبيه المؤلف . ومن شيوخنا في القرآن أيضاً : أبو القاسم عبد الرحمان بن غالب الشراط ، من اهل قرطبة ، قرأت عليه أيضا القرآن الكريم بالكتاب المذكور ، وحدثني ايضا عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح عن ابيه المؤلف محمد بن شريح المقري (4).

مؤلفاته : جاء في الإجازة المذكورة في الفصل السابق ايضا ان ابن عربي يقول : وها أنا أذكر من تآليفي ما تيسر ؛ فإنها كثيرة ، وأصغرها جرماً كراسة واحدة ، وأكبرها ما يزيد على مائة مجلداً وما بينهما . فمن ذلك كتاب المصباح في الجمع بين الصحاح في الحديث ، اختصار مسلم ، اختصار البخاري ، اختصار الترمذي ، اختصار المحلى ، الاحتفال فيما كان عليه رسول الله من سني الأحوال .

وأما الحقائق في طريق الله تعالى ، التي هي نتائج الأعمال ، فمن ذلك هو السابع : كتاب من تصانيفنا (الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل ) أفرغ في أربعة وستين مجلداً ، الى قوله تعالى في سورة الكهف : {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } [الكهف: 70]

ابن عربي ونظرة الآخرين له : يعد ابن عربي من كبار العلماء ، صار معركة للآراء بين النفي والإثبات : فهناك من يكفره من دون قيد ، وهناك من يوصله الى مصاف الانبياء ، وهناك من يؤيده من دون إفراط ، أي : لا يكفره ولا يكبره ، بل سلك طريقاً وسطاً ، فقبل منه ما رآه صحيحاً ، وأنكر عليه ما فهمه سقيماً ، كما نجد طائفة متحيرة في أمره ، وفي ما يلي نذكر كلمات بعضهم :

أ ـ المنكرون عليه : من المنكرين عليه : رضي الدين بن الخياط ، الذي كتب عن عقيدة ابن عربي ، ورماه بالكفر ، والحافظ الذهبي ، وابن تيمية – عدو الصوفية على الإطلاق – ولقد بلغ من عداوة بعض الناس لابن عربي أنهم حاولوا اغتياله بمصر (5).

يقول الأستاذ معرفة : قد أتى المؤلف بالتفسير الرمزي الإشاري على طريقة الصوفية العرفانية ، وغالبه يقوم على اساس وحدة الوجود ، ذلك المذهب الذي كان له أثره السيء في تفسير كلام الله (6).

ب ـ المؤيدون له : هناك من  أهل السنة والشيعة مؤيدون لابن عربي ، فمن المؤيدين له : قاضي القضاة مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروز آبادي صاحب القاموس ، وقد كتب كتاباً يدافع فيه عنه ، رداً على رضي الدين بن الخياط ، الذي كتب عن عقيدة ابن عربي ورماه بالكفر ، وكمال الدين الزملكاني ، من أكابر مشايخ الشام ، والشيخ صلاح الدين الصفدي ، والحافظ السيوطي ، الذي ألف في الدفاع عنه كتاباً أسماه : (تنبيه الغبي على تنزيه ابن عربي) ، وسراج الدين البلقيني ، وتقي الدين بن السبكي وغيرهم (7).

ومن كبار الشيعة الإمامية ، نجد صدر المتألهين يكبره ويثني عليه ، وقلما يعظم صدر المتألهين ، او يثني على أحد كتعظيمه وثنائه على ابن عربي ، يقول : إنه قدوة المكاشفين (8)، ويقول في وصفه : عندنا من أهل المكاشفة (9).

ويعتقد صدر المتألهين أن ابن عربي كان على مذهب الإمامية ، ففي شرح الأصول من الكافي ، يقول بعد نقل كلمات ابن عربي في الإمام المنتظر : واعلم أن أكثر م ذكره فيما نقلناه من عبارته أولا موجود في كتب الحديث بعضها على طريقة أصحابنا ، وبعضها على غير طريقهم ، ونظروا ايها الإخوان الى ما في طي كلامه من المعاني الدالة على كيفية مذهبه كقوله : إن لله خليفة ، وقوله : أسعد الناس به أهل الكوفة ، وقوله : أعداؤه مقلدة  العلماء أهل الاجتهاد ، وقوله : إنه على ضلالة ... (10).

وممن يؤيد ابن عربي : الإمام الخميني ، فإنه في جميع كتبه العرفانية يمدح ابن عربي ، وينقد منكريه الجاهلين بالطريقة العرفانية ، فمثلاً في تفسير سورة الحمد يمدح تفسير ابن عربي بأنه كشف ناحية من النواحي العرفانية من القرآن (11).

وفي كتاب الطلب والإرادة ، ينقل كلاماً عنه في الفتوحات ، وهو : ظهر العالم بسم الله الرحمن الرحيم ، كما أنه يقول ايضا : وعلى طريقة الشيخ محيي الدين العربي فالأمر في رحيميته في الدارين واضح ، فإن أرحم الراحمين يشفع عند المنتقم ، وتصير الدولة دولته والمنتقم تحت سلطنته وحكمه (12).

ج – المتحيرون فيه : هناك بعض من العلماء متحيرون في ابن عربي ، وليس لهم رأي قاطع في إنكاره ولا في قبوله ، نجدهم يقبلونه أحياناً ، ينكرونه أحياناً اخرى ، لا يئنون عليه مطلقاً ، ولا يذمونه ذماً دائماً .

يقول الذهبي : إني لم أسلك مسلك القوم ، ولم أذق ذوقهم ، ولم أعرف اصطلاحاتهم التي يصطلحون عليها ، ولعلي إذا سلكت هذا الطريق وانكشف لي من أستار الغيب ما أنكشف لهم ، أو على الأقل فهمت لغة القوم ووقعت على مصطلحاتهم ، لعلي إذا حصل لي شيء من هذا تبدل رأيي وتغير حكمي ، فسلمت لهم كل ما يقولون (13).

سبب تحوله الروحي :  إن المدارس المعروفة في البلدان الإسلامية ، التي تحمل مسؤولية تعليم الدين لطلابها ، لا تربي عادة من يكون صوفياً او عارفاً ، فإذا ظهر من هذه المدارس من يميل على العلوم الباطنية ، فلابد لذلك من سبب او اسباب خاصة .

ولذلك مما قيل : إنه مرض في شبابه مرضاً شديداً ، وفي أثناء الحمى رأى في المنام انه محوط بعدد ضخم من قوى الشر مسلحين يريدون الفتك به ، وبغتة رأى شخصاً جميلاً قوياً مشرق الوجه ، حمل على هذه الأرواح الشريرة ففرقها شذر مذر ، ولم يبق منها أي اثر ، فيسأله محيي الدين : من أنت ؟ فقال له : انا سورة يس ، وعلى أثر هذا استيقظ فرأى والده جالساً الى وسادته ، يتلو عند رأسه سورة يس ، ثم لم يلبث أن برئ من مرضه ، وألفي في روعه أنه معد للحياة الروحية ، وآمن بوجوب سيره فيها الى نهايتها (14).

2- زوجته التقية ، قيل : إن ابن عربي تزوج بفتاة تعتبر مثالاً في الكمال الروحي وحسن الخلق ، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية ، بل كانت أحد دوافعه الى الإمعان فيها ، كما أثرت في حياته الروحية زوجته الإيرانية ، فإنه حينما دخل مكة المكرمة ، استقبله شيخ إيراني وقور جليل ، عريق المحتد ، ممتاز في العقل والعلم والخلق والصلاح ، وفي هذه الأسرة التقية يلتقي تدعى (نظاماً) ، وهي ابنة ذلك الشيخ ، وقد جبتها السماء بنصيب موفور من المحاسن الجسمية والميزات الروحانية الفائقة ، فاتخذ منها محيي الدين رمزاً ظاهرياً للحكمة الخالدة ، وأنشأ في تصويره هذه الرموز قصائد سجلها في ديوان ألفه في ذلك الحين ، وفي هذه البيئة النقية المختارة له من قبل ، سطعت مواهبه العقلية والروحية ، وتركزت حياته الصوفية ، وجعلت تصعد في معارج القدس شيئاً فشيئاً ، حتى بلغت شأواً عظيماً (15).

3- تردده على بعض المدارس ، كما جاء في ترجمته : أنه كان يتردد على إحدى مدارس الأندلس ، التي تعلم سراً مذهب الأمبيذوقلية المحدثة ، المفعمة بالرموز والتأويلات الموروثة عن الفيثاغورية والأورفيوسية والفطرية الهندية ، وكانت هذه المدرسة هي الوحيدة التي تدرس تلاميذها المبادئ الخفية والتعاليم الرمزية منذ عهد ابن مسرة المتوفى بقرطبة في سنة 139هـ ، والذي لم يعرف المستشرقون مؤلفاته إلا عن طريق محيي الدين (16).

4- التقاؤه بالخضر ، اختلف ابن عربي مع استاذه (أبو العباس العريني) في مسألة ما ، وفي الطريق حينما كان عائداً الى بيته ، إلتقى به شخص غريب لا يعرفه ، ونصحه ألا يخالف شيخه ، فعاد ابن عربي لبيت شيخه ليعتذر له ، وكانت المفاجأة أن الشخص الذي قابله ونصحه كان (الخضر) (17) ، فهذه القصة وأمثالها قد أثرت في روحه اللطيف ، لكي يميل الى الأسرار الإلهية ، ويترك الظواهر الدنيوية لأهلها .

5- خاله وأحد أعمامه ، يقول ابن عربي : كان خالنا أبو مسلم الحولاني رحمه الله من أكابرهم ، كان يقوم الليل ، فإذا أدركه العياء ضرب رجليه بقضبان كانت عنده ، ويقول لرجليه : أنتما أحق بالضرب من دابتي (18).

ثم يذكر أحد أعمامه ، فيقول : كان لي عم أخو والدي شقيقه ، اسمه عبد الله بن محمد بن عربي ، كان له مقام شم الأنفاس الرحمانية حساً ومعنى ، شاهدت ذلك منه قبل رجوعي لهذا الطريق في زمان جاهليتي (19).

6- ولاؤه الخاص لأهل بيت الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، كل العرفاء وجميع الصوفية لهم سلسلة من المشايخ ينسب سلسلتهم الى علي بن أبي طالب عليه السلام ، غاية الأمر بعضهم يظهرون هذه النسبة ، وقليل منهم يخفونها ، وابن عربي ، يعتقد لأهل بيت الرسول ، خصوصاً لعلي بن أبي طالب عليه السلام مقاماً عظيماً لا يراه لأحد من الصحابة ، بل لا يرى شخصاً يقترب من دائرة مقامه .

ومما يدل على هذه العناية الخاصة ،عباراته التالية :

1- يقول ابن عربي عند المتكلم على إثبات التفسير الإشاري : أين عالم الرسوم من قول علي بن ابي طالب عليه السلام حين أخبر عن نفسه أنه لو تكلم في الفاتحة من القرآن ، يحمل منها سبعين وقراً ؟ هل هذه إلا من الفهم الذي أعطاه الله من القرآن ؟ (20).

2- في مقدمة تفسيره ، يقول : وقد نقل عن الإمام المحق السابق جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : لقد تجلى الله لعباده في كلامه ، ولكن لا تبصرون ، وروي عنه عليه السلام أنه خر مغشيا عليه وهو في الصلاة ، فسئل عن ذلك ، فقال ، ما زلت أردد الآية ، حتى سمعتها من المتكلم بها (21).

تفسير ابن عربي : لا يوجد اختلاف في وجود تفسير له ، فإن له في الأقل تفسيرين ، أولهما : كتاب الجمع والتفصيل في معرفة التنزيل ، والثاني : إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ، يذكر الأول في الفتوحات المكية ، الجزء الأول ص 59 ، عند الكلام عن حروف المعجم ، في أوائل سور القرآن : ذكرناه في كتاب الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل (22).

ويقول في ص 63 : وقد أشبعنا القول في هذا الفصل عندما تكلمنا على قوله تعالى : {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12] في كتاب الجمع والتفصيل (23).

ويقول في الجزء الثالث من الفتوحات المكية ص 64 عن علم الإصرار وبم يتعلق : وقد بيناه في كتاب (إيجاز البيان ) في الترجمة عن القرآن في قوله تعالى في آل عمران : { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } [آل عمران: 135] (24).

وكذلك يشير الى الأول في الجزء الرابع من الفتوحات ص194 حيث يقول : إعلم أن كل ذكر ينتج خلاف المفهوم الأول منه ، فإنه يدل على ما ينتجه على حال الذكر ، كما شرطناه في التفسير الكبير لنا (25).

ويقول في الجزء الأول من الفتوحات ص 86 ، عندما يتكلم عن الذات والحدث والرابطة : وقد اتسع القول في هذه الأنواع في تفسير القرآن لنا (26).

ويمكن أن يكون تعبير (التفسير) ، أو (التفسير الكبير) إشارة الى التفسير المذكور باسم (الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل ) ، أو إشارة الى (إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ) ، كما يمكن أن يشير الى وجود تفسير أو تفسيرين آخرين له (27).

وأما التفسير المعروف بـ ( تفسير ابن عربي ) ، في مجلدين ، فمختلف فيه ، فبعض انكروا نسبته إليه ونسبوه الى عبد الرزاق الكاشاني ، وبعضهم يعدونه من تأليفاته .

وحجة من ينكره أمران :

الأول : الفرق بين تفسير إيجاز البيان والتفسير المعروف بـ ( تفسير ابن عربي ) من ناحية الأسلوب وكيفية المعاني والإشارات ، فإنه قيل : (تفسير ابن عربي ) ينحو الى الفكر والاتجاه الباطني الذي يرمي القارئ في متاهات الحيرة ، فلا يعرف الخروج منها .

 

والآخر : ما جاء في تفسير سورة القصص في (تفسير ابن عربي ) ، عند الآية رقم 32 {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [القصص: 32] قوله : وقد سمعت شيخنا المولى نور الدين عبد الصمد في شهود الوحدة ومقام الفناء عن أبيه ، أنه كان بعض الفقراء في خدمة الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي .

ونور الدين هذا هو نور الدين عبد الصمد بن علي النطنزي الإصفهاني المتوفى في أواخر القرن السابع ، وكان شيخاً لعبد الرزاق الكاشاني المتوفى سنة (730هـ ) وغير معقول أن يكون نور الدين هذا شيخاً لابن عربي المتوفى سنة (638هـ) (28).

ولكن يمكن الإجابة عن الحجتين : أما الأولى فإن الأسلوب الظاهري وكيفية إلقاء الكلمات ، يمكن أن يتغير ولو كان المؤلف واحداً ، فكم له من نظير ، وأما ما ذكروه من أن التفسير المسمى بتفسير ابن عربي ، يميل الى الباطنية الذين يخالفون الظواهر ، ويعتبرون البواطن فقط ، فيمكن الإجابة عنه بأمور ثلاثة :
1- في مقدمة هذا التفسير يؤكد ابن عربي على حجية الظواهر وأنها الأصل .
2- ما يوجد في التفسير ، لا يدل على ترك الظواهر ، بل أكثرها ما يوجد في هذا التفسير لا يشبه تفاسير الباطنية .

3- لو وجد بعض الآيات مفسرة على سبيل تفاسير الباطنية ، فهذا لا يعني : أنها ليست من ابن عربي ، فله نظير نجده في الفتوحات المكية ، خصوصاً عند تفسير الآية 6و7 من البقرة في الفتوحات (29).

منهجه : نذكر هنا مسائل تفسيرية من الكلمات المنسوبة الى ابن عربي ؛ لكي نعرف منهجه في التفسير كما هي عادتنا في توضيح المناهج :

1- قبول التفسير للظاهر والتأويل للباطن

يقول البطون ، وأنوار شوارق المطلعات ، دون ما يتعلق بالظواهر والحدود ، فإنه قد عين لها حد محدود ، وقيل : من فسر برأيه فقد كفر (30). فمن هذه العبارة نعرف أن ابن عربي يعترف بالظاهر ، ولكن هدفه هو بيان أسرار البطون .

2- كل من فهم من الآية شيئاً ، فهو مقصود الآية له
يقول ابن عربي : إعلم أن الآية المتلفظ بها من كلام الله بأي وجه كان ، من قرآن أو كتاب منزل أو   صحيفة أو خبر إلهي ، فهي آية على تحتمله تلك اللفظة من جميع الوجوه ، أي : علامة مقصودة لمن أنزلها بتلك اللفظة الحاوية في ذلك اللسان على تلك الوجوه ؛ منزلها عالم بتلك الوجوه كلها ، وعالم بأن عباده متفاوتون في النظر فيها ، وأنه ما كلفهم في خطابه سوى ما فهموا عنه فيه ، فكل من فهم من الآية وجهاً ، فذلك الوجه هو مقصود بهذه الآية في حق هذا الواجد له ، وليس يوجد هذا في غير كلام الله ، وإن احتمله اللفظ من الوجوه ، ولهذا كان كل مفسر فسر القرآن ولم يخرج عما يحتمله اللفظ ، فهو مفسر (31).
ليس معنى هذا الكلام هو إضافية المعرفية ، وعدم وجود حقائق ثابتة أبدية ، فإن هذا شيء ، وما ذكره ابن عربي شيء آخر ، فإن ابن عربي يقول : إن ما يفهمه المفسرون مطابق لما أراده الله من الآيات ؛ لأن الله اختار كلمات وجملاً ذات معانٍ كثيرة في الإنسان بما له مراتب في الكلمات ، يجب ان يعرف في كل مرتبة ، معرفة خاصة تليق به ، كما سوف نذكر كلاماً منه في الرقم الآتي .
3- زيادات ذوقية غير مرتبطة بظهور الآيات
كثيراً ما نجد توضيحات وزيادات كثيرة ذوقية في تفسير ابن العربي ، لا تتعلق بظهور الآيات ، ولا يمكن إخراجها من الألفاظ الموجودة ضمن الآيات القرآنية ، ولا يذكر ابن العربي كيف استفاد هذه المعاني من تلك العبائر الأجنبية عنها :
أ ـ ذيل الآية : {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ...} [البقرة: 49] يقول : وتأويله : وإذ نجيناكم من آل فرعون النفس الأمارة المحجوبة بأنانيتها المستعلية على ملك الوجود ، ومصر مدينة البدن التي استعبدت هي وقواها ، التي هي الوهم والخيال والمتخيلة والغضب والشهوة ، والقوى الروحانية التي هي أبناء صفوة الله يعقوب الروح ، والقوى الطبيعة البدنية من الحواس الظاهرة والقوى النباتية (32).
ب ـ ذيل الآية : { والتين والزيتون } يقول : والتين ، أي : المعاني الكلية المنتزعة عن الجزئيات التي هي مدركات القلب ، شبهها بالتين ؛ لكونها غير مادية معقولة صرفة ، مطابقة لجزئيات مقوية للنفس ، لذيذة كالتين الذي لا نوى له ، بل هو لب كله ، مشتمل على حبات كالجزئيات التي هي في ضمن الكليات ، مسمن للبدن ، فيه غذائية وتفكه " والزيتون " أي : المعاني الجزئية التي هي مدركات النفس ، شبهها بالزيتون ؛ لكونها مادية ، معدة للنفس لإدراك الكليات كالزيتون ، الذي له نوى وهو دابغ لآلات الغذاء مثله (33).
4- ليس للتأويل حد

يقول محيي الدين ابن عربي : وأما التأويل ، فلا يبقى ولا يذر ، فإنه يختلف بحسب أحوال المستمع وأوقاته ، في مراتب سلوكه وتفاوت درجاته ، وكلما ترقى عن مقامه ، انفتح له باب فهم جديد ، واطلع به على لطيف معنى عتيد (34).

5- جواز التفسير الإشاري لأولياء الله فقط

يقول ابن عربي : فاغطس في بحر القرآن العزيز إن كنت واسع النفس ، وإلا فاقتصر على مطالعة كتب المفسرين لظاهره ، ولا تغطس فتهلك ، فإن بحر القرآن عميق ، ولولا الغاطس ما يقصد منه المواضع القريبة من الساحل ، ما خرج لكم أبداً ، فالأنبياء والورثة الحفظة هم الذين يقصدون هذه المواضع رحمة بالعالم ، وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا ، ولم يردوا ولا انتفع بهم أحد ، ولا انتفعوا بأحد ، فقصدوا بل قصد بهم ثبج البحر ، فغطسوا الى الأبد لا يخرجون (35).

6- لا طريق لمعرفة المتشابهات إلا بإعلام الله

ابن عربي ، كيفية العارفين ، يعتقد بإمكان فهم المتشابهات ، ولكن لا يرى طريقاً لفهمها إلا بإعلام الله تعالى ، فإنه يقول : ونهاهم أن يتبعوا المتشابه بالمحكم ، أي : لا يحكموا عليه شيء ، فإن الأمر أعظم من أن تستقل العقول بإدراكه من غير إخبار إلهي (36).

7- التفسير الإشاري هو تفسير القرآن حقيقة
التأويل في رأي ابن عربي ، هو في الحقيقة تفسير للقرآن الكريم ، فإنه يقول : إنه ما خلق الله اشق ولا اشد من علماء الرسوم على أهل الله المختصين بخدمته ، العارفين به من طريق الوهب الإلهي ، الذي منحهم اسراره في خلقه ، وفهمهم معاني كتابه وإشارات خطابه ، ولما كان الأمر في الوجود الواقع على ما سبق به العلم القديم ، عدل أصحابنا الى الإشارات ، كما عدلت مريم عليه السلام من أجل أهل الإفك والإلحاد الى الإشارة ، فكلامهم رضي الله عنهم في شرح كتابه العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إشارات ، وإن كان ذلك حقيقة وتفسيراً لمعانيه النافعة (37).
8- اجتناب الإسرائيليات
تحاشى ابن العربي ذكر الإسرائيليات في تفسير ؛ لأنه يرى : ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم أمرنا أن لا تصدق اليهود ولا نكذبهم في حكاياتهم ، فإذاً ذكر هذه الحكايات في التفسير يعد رداً لما قاله الرسول ، قال ابن عربي : أما المفسرون الذين يأخذون حكايات اليهود في تفسير القرآن ، فقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن لا نصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم ، فمن فسر القرآن برواية اليهود ، فقد رد أمر رسول الله ، ومن رد أمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقد رد أمر الله ، فإنه أمر أن نطيع الرسول ، وأن نأخذ ما اتانا به ، وأن ننتهي عما نهانا عنه ؛ إذ لا يوصلنا الى اخبار الأنبياء الإسرائيليين إلا نبي فنصدقه ، أو أهل كتاب ، فنقف عند أخبارهم (38).

مصادره في التفسير : عند تتبع تفسيره المنسوب إليه نجده يفسر القرآن بمصادر متنوعة ، منها :

1- ظواهر القرآن
مع أن ابن عربي لا يقصد التفسير الظاهري في كتابه ، إلا أننا في بعض من الموارد نجده يفسر القرآن تفسيراً ظاهرياً ، وهذا النوع من التفسير يوجد بكثرة في تفسير (رحمة من الرحمان في تفسير وإشارات القرآن) ، ونجده أحياناً في تفسير مشهور بـ (تفسير ابن عربي ) ؛ ففي الأخير ، ذيل الآية الثامنة من البقرة ، يقول :

فخداعهم لله وللمؤمنين : إظهار الإيمان والمحبة ، واستبطان الكفر والعداوة ، وخداع الله والمؤمنين إياهم : مسالمتهم وأجراء أحكام الإسلام عليهم بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك ، وادخار العذاب الأليم والمآل والوخيم وسوء المغبة لهم ، وخزيهم في الدنيا ؛ لافتضاحهم بإخباره تعالى ، وبالوحي عن حالتهم ، لكن الفرق بين الخداعين : أن خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم بإهلاكها ، وتحسيرها ، وإيراثها الوبال والنكال ، بازدياد الظلمة والكفر والنفاق ، واجتماع أسباب الهلكة ، والعبد الشقاء عليها (39). فهذا التفسير لا يتجاوز ما يظهر من ظاهر الآية .

2- تفسير القرآن بالقرآن
يستفيد ابن عربي من القرآن لتفسير الآيات على طبق مذهبه العرفاني كثيراً .

فتراه في ذيل الآية : { فلا يكن في صدرك حرج منه }  : أي : ضيق من حلمه ، فلا يسعه لعظمته ، فيتلاشى بالفناء في الوحدة والاستغراق في عين الجمع والذهول عن التفصيل ؛ إذ   كان عليه السلام في مقام الفناء محجوباً بالحق عن الخلق ، كلما رد عليه الوجود ، وحجب عنه الشهود الذاتي ، وظهر عليه بالتفصيل ، ضاق عنه وعاؤه وارتكب عليه وزر وثقل ، ولهذا خوطب بقوله تعالى : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح: 1، 2] بالوجود الموهوب الحقاني ، والاستقامة في البقاء بعد الفناء بالتمكين ؛ ليسع صدرك الجمع والتفصيل والحق والخلق ، فلم يبق عليك وزر في عين الجمع ، ولا حجاب بأحدهما عن الآخر (40).

3- الروايات
الروايات المنقولة عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم وعلى أمير المؤمنين عليه السلام لها موقع مهم في تفسير ابن عربي ، فعلى سبيل المثال : بعد الآية : {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] يقول : أي : أنسى شيطان الوهم يوسف القلب ذكر الله تعالى بالفناء فيه ، لوجود البقية وطلبه مقام الروح ، وإلا ذهل عن ذكر نفسه ووجوده ، وللاحتجاب بهذا المقام وهذه البقية ، لبث في السجن بضع سنين ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه واله وسلم بقوله : " رحم الله أخي يوسف لو لم يقل : أذكرني عند ربك ، لما بقي في السجن بضع سنين " (41).

وكذلك بعد الآية : {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف : 47] يقول : أي : لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : " أعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى " .

وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم : " اللهم ثبت قلبي على دينك " . فقيل له : أما غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال صلى الله عليه واله وسلم : " أو ما يؤمنني ، إن مثل القلب كمثل ريشة في فلاة ، تقبلها الرياح كيف شاءت " (42).

4- كلمات العرفاء

النقل عن العرفاء معروف بينهم ، ولعل هذه الطريقة نشأت عن إرادة التلاميذ لأساتذتهم وشيوخهم .ففي ذيل الآية : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] ، يقول ابن عربي : أي : علمه ؛ إذ الكرسي مكان العلم الذي هو القلب ، كما قال أبو يزيد البسطامي : لو وقع العالم وما فيه ، ألف ألف مرة ، في زاوية من زوايا قلب العارف ، ما أحس به ؛ لغاية سعته . ولهذا قال الحسن : كرسيه : عرشه ، مأخوذ من قوله عليه السلام : " قلب المؤمن من عرش الله " (43).

5- تفسير القرآن على أساس القواعد العرفانية

تفسير ابن عربي مملوء بتفسير القرآن على حسب القواعد العرفانية الصوفية ، فمن تلك القواعد : قاعدة وحدة الوجود المعروفة بين أصحاب الشهود ، وإن فسرتها كل طائفة تفسيراً خاصاً يختلف عن تفسير الأخرى .

ولكن على كل حال ، قاعدة وحدة الوجود تؤثر تأثيراً مهماً في تعابير ابن عربي وكتبه ، خصوصاً في الفتوحات والفصوص وتفسيره المعروف بتفسير ابن عربي فإنه في ذيل الآية : {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 163] يقول : ومعبودكم الذي خصصتموه بالعبادة أيها الموحدون معبود واحد بالذات ، واحد مطلق ، لا شيء في الوجود غيره ، ولا موجود سواه فيعبد ، فكيف يمكنكم الشرك به وغيره العدم البحث ، فلا شرك إلا الجهل به (44).

6- المشاهدات العرفانية
يذكر ابن عربي في مقدمة تفسيره : ان التفسير نتيجة لسوانح ربانية خطرت على قلبه ، ومع هذا – قد نجده عند تفسير بعض الآيات – يستفيد من الكشف الخاص ، ويذكر ذلك الكشف الخاص الذي حصل له من طريق مشاهدة عرفانية .

ففي ذيل الآية : {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ : 7] يقول : صليت مع شيخي أبي جعفر العريبي ، في دار وليي وصفيي أبي عبد الله محمد الخياط المعروف بالعصاد وأخيه أبي العباس أحمد الحريري ، فقرأ الإمام : { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ } فلما وصل الى قوله : { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } غبث عن قراء الإمام ، ما سمعت شيئاً ، ورأيت شيخنا أبا جعفر وهو يقول : المهاد العالم ، والأوتاد المؤمنون ، والمهاد المؤمنون ، والأوتاد العارفون ، والمهاد العارفون ن والأوتاد النبيون ، والمهاد النبيون ، والأوتاد المرسلون ، وذكر من الحقائق ما شاء الله ان يذكر ، فرددت الي والإمام يقرأ {وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ} [النبأ : 38 ، 39] ، فلما فرغنا من الصلاة سألته ، فوجدته قد خطر له في تلك الآية ما شهدته (45). فهو يفسر المهاد والأوتاد بعدة مصاديق مترتبة ؛ لأجل ذلك الكشف الحاصل له حين الصلاة .
_______________________

1- التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2 : 569 .
2- ذكر ابن العربي ليس من الأخطاء الشائعة ؛ فإنه عبر عن لقبه في إجازته باللام ، فالأصح أن يفرق بينه وبين القاضي أبي بكر أبن العربي بزيادة كلمة الحاتمي أو الصوفي على أسمه ...
3- تفسير ابن عربي 1 : 3-7 ، المقدمة ، طبقات المفسرين ، للداودي 2 : 204 ، رقم 541.
4- راجع : تفسير ابن عربي 1 : 8 ، المقدمة ، نقلاً عن جامع كرامات الأولياء 1 : 163.
5- التفسير والمفسرون ، للذهبي 2 : 408.
6- التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2 : 574.
7- التفسير والمفسرون ، للذهبي 2 : 408.
8- تفسير القرآن الكريم 1 : 71 ، المقدمة .
9- المصدر السابق 3 : 49 .
10- تفسير القرآن الكريم ، 1 : 79 نقلاً عن شرح الاصول من الكافي ، الحديث الحادي والعشرون من كتاب العقل والجهل : 111.
11- تفسير سورة الحمد ، للإمام الخميني : 94 .
12- المصدر السابق : 14 .
13- التفسير والمفسرون 2 : 374.
14- تفسير ابن عربي 1 : 4 ، المقدمة ، نقلاً عن الفتوحات 4 : 252.
15- المصدر السابق : 4 و6.
16- المصدر نفسه : 4 .
17- هكذا تلكم ابن عربي ، للدكتور نصر حامد أبو زيد : 38.
18- تفسير ابن عربي 1 : 9 ، طبعة ناصر خسرو ، نقلاً عن الفتوحات المكية : 23.
19- المصدر نقلا عن الفتوحات 1 : 240.
20- معجم تفاسير القرآن الكريم 1 : 264 ، جمع العلماء نشر ايسيكو .
21- تفسير ابن عربي 1 : 6.
22- الفتوحات المكية 1 : 59 ، تحت عنوان : ذكر بعض مراتب الحروف .
23- المصدر السابق : 63 .
24- المصدر نفسه 3 : 64 .
25- المصدر نفسه 4 : 194 .
26- المصدر نفسه 1 : 86.
27- راجع : رحمة من الرحمان في تفسير وإشارات القرآن ، لابن عربي 1 : 3-4.
28- راجع : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2 : 574 ، وتفسير ابن عربي 2 : 228 ، والتفسير والمفسرون ، للذهبي 2 : 438.
29- راجع : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2 : 583 – 586.
30- تفسير ابن عربي 1 : 6.
31- رحمة من الرحمان في تفسير واشارات القرآن 1 : 11و12.
32- تفسير ابن عربي 1 : 32 ، ذيل الآية 49 من سورة البقرة .
33- تفسير ابن عربي 2 : 443 ، ذيل الآية من سورة التين .
34- المصدر السابق 1 : 6 .
35- رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن 1 : 16.
36- رحمة من الرحمن 1 : 412 ، ذيل الآية 7 من سورة آل عمران .
37- المصدر السابق : 15 .
38- رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن 1 : 13 .
39- تفسير ابن عربي 1 : 16 .
40- تفسير ابن عربي 1 : 227 ، ذيل الآية 2 من سورة الاعراف .
41- المصدر السابق 1 : 323 ، ذيل الآية من سورة يوسف .
42- تفسير ابن عربي 1 : 259 ، ذيل الآية 47 من سورة الأعراف .
43- المصدر السابق : 83 ، ذيل الآية 255 من سورة البقرة .
44- تفسير ابن عربي 1 : 63 ، ذيل الآية 163 من سورة البقرة .
45- رحمة من الرحمن 4 : 439 ، ذيل الآية 7 من سورة عم .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .