أقرأ أيضاً
التاريخ: 4/9/2022
1621
التاريخ: 7-06-2015
7624
التاريخ: 10-12-2015
16833
التاريخ: 24-11-2015
8088
|
الضياء إذا لوحظ في نفسه ومن حيث هو ، وهو أعمّ من أن يكون محسوسا أو معنويّا أو روحانيّا ، وسواء كان متقوّما بنفسه أو بغيره ، ويلازمه الحرارة المناسبة.
فالنور المحسوس المادّيّ : كما في :
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: 19 - 21]. {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا } [يونس : 5]. {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} [البقرة : 17] فهذا النور في مقابل الظلمة المادّيّة : وهو المتحصّل في أثر التموّج والاهتزاز والتحرّك في أجزاء الجسم وذرّاته (مولكول).
وهذا النور إمّا ذاتيّ في الجسم المتنوّر ، كما في الشمس والنجوم الثوابت. أو اكتسابيّ ، كما في القمر والسيّارات السماويّة.
والنور على ما حقّق يلازم الحرارة ، وكلّما اشتدت الاهتزازات الداخليّة في ذرّات الجسم تزداد الحرارة والنور. فبين الحركة والحرارة والنور ارتباط.
ويقال إنّ النور والحرارة يسير كلّ واحد منهما في الثانية قريبا من/ 300000 كيلومتر ، وهما يوجدان في الخارج وليس لهما ثقل ووزن ، كما في سائر القوى (إنرژى).
وأقوى النور والحرارة في عوالم المادّة : ما يتحصّل من الشمس وسائر النجوم الثوابت ، فيقال إنّ الشمس أكبر من الأرض بمقدار/ 1300000 ، ونورها يصل الى الأرض في مدّة 8 دقائق و13 ثواني.
وأمّا النور الاكتسابيّ في الجسم المستنير : فكما في الأرض والقمر وسائر الكواكب السيّارة ، فانّها تستنير من الشمس.
وأمّا النور المعنوي : فكما في :
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة : 257]. {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة : 44]. {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء : 174]. {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة : 32] فالآية الاولى : تتعلّق بالمحيط المعنويّ الحاصل من الأعمال والصفات والاعتقادات الصحيحة والارتباط باللّه عزّ وجلّ.
والآية الرابعة : تتعلّق بالقرآن المجيد وفيه نور من العلم والمعرفة.
والآية الثانية : تتعلّق بالتوراة الأصيلة النازلة من اللّه تعالى.
والآية الثالثة : تتعلّق بنورانية الصدر بالايمان والتوجّه.
والآية الخامسة : تتعلّق بالنبي الأكرم فانّه مظهر النور.
وأمّا النور في عوالم الآخرة : فكما في :
{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ } [الحديد : 13]. {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } [التحريم : 8]. {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ} [الحديد : 12] ولا يخفى أنّ في عوالم ما وراء المادّة : يترك ويزول كلّ أصل كان مادّيّا وفي المادّة ، من البدن وقواه وتمايلاته وآثاره وشهواته ، ويومئذ تبلى السرائر ، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك. والغطاء ما يغطّى الحقيقة ويستر الباطن والسريرة ، فإذا انكشف الباطن وهو الروح بزوال البدن الجسدانيّ المادّيّ الظلمانيّ المنكدر : تبلى السريرة على ما هي عليها ، من النورانيّة والظلمانيّة.
فنورانيّة عالم الآخرة إنما هو انكشاف ما في الدنيا ، برفع الغطاء وكشف الحجب والأستار ، وظهور ما هو الحقيقة الباطنيّة.
فيسعى نور المعارف الإلهيّة والمشاهدات الروحانيّة فيما بين أيديهم وأمامهم ، ونور الصفات الملكوتيّة في أيمانهم.
وأمّا النور الروحانيّ : فكما في :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35]. {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة : 32]. {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الزمر: 69] النور الروحانيّ على قسمين : إمّا له وجود ذاتيّ وتحقّق بذاته ، أو يكون وجوده بغيره :
فالثاني- كما في عالم العقل والجبروت من الموجودات الروحانيّة المتكونة النورانية بإفاضة من المبدإ.
والأوّل- منحصر في النور الواجب بذاته ، وهو الغنى بذاته وهو غير متناه ولا حدّ له بوجه من الوجوه ، وهو الحىّ المطلق.
فالنور من أسماء اللّه عزّ وجلّ بمعنى الظاهر بذاته والمتقوّم بنفسه والنافذ المؤثّر في غيره ، وله مراتب :
الأوّل- أن يلاحظ بذاته وفي نفسه ومن حيث هو ، وبهذا المعنى يطلق على اللّه عزّ وجلّ ، ويختصّ به تعالى ، وصفته عين ذاته.
الثاني- أن يلاحظ بالنظر الى جهة التأثير والافاضة في مقام التكوين ، بمعنى إفاضة النور تكوينا ، وإيجاده بالبسط والتجلّي.
الثالث- إفاضة النّور بعد التكوين في مقام إدامة الحياة.
ثمّ إنّ لتجلّى النور وبسطه أيضا مراتب ، ويختلف بحسب اختلاف مراتب العوالم وطبقات الموجودات التكوينيّة ، كعالم العقول ، والملائكة ، والإنسان ، والحيوان ، والنبات والجماد. فيختلف النور وظهوره شدّة وضعفا في هذه الطبقات.
ويشاهد لبعض اهل المعرفة في المقام امور ، نشير الى بعضها :
الأوّل- إنّ مقام الهويّة الصرفة المطلقة والذات اللاهوتيّة الّتي لا حدّ لها ولا وصف بوجه ، لا خارجا ولا فكرا ولا تعقّلا : هو مقام غيب الغيوب الّذي يعبّر عنه بكلمة- هو- يا من ليس إلّا هو.
الثاني- مقام الالوهيّة المتنزعة فيه الصفات المعبّر عنه بكلمة- اللّه ، فيلاحظ فيه جميع صفات الجمال والعظمة والكرامة ، فاللّه اسم خاصّ شخصيّ له تعالى ذاتا وصفة ، فيدلّ على الذات المستجمع لجميع صفات الجمال والكرامة ، كما سبق في سما.
وقلنا إنّ هذه الكلمة اسم شخصيّ مخصوص لا يطلق على غيره تعالى ، وهو غير مخصوص باللغة العربيّة ، بل منقول من العبريّة والسريانيّة.
الثالث- ومن الصفات الأصيلة الثابتة في مقام الالوهيّة : الحىّ والرحمة والنور والروح والإرادة والقدرة والعلم.
وكلّ من هذه الصفات إمّا أن يكون النظر فيها الى جهة كونها وصفات لا حدّ فيها ولا نهاية ، وهي تلاحظ من حيث هي منطبقة على الذات الواجب تعالى ، ومنتزعة منه. وإمّا أن يكون النظر الى جهة كونها منبسطة ومتجلية بالنسبة الى ما سواه.
وهذا الانبساط إمّا بالتكوين : كما في تكوين موجود يكون مصداقا لهذه الصفات ، فيجعل الموجود مصداقا لصفة الحياة أو الرحمة أو النور أو سائرها. وإمّا على سبيل مجرّد الإعمال والتوجيه والتشريع الى الغير :
فالتكوين كإطلاق الرحمة والنور والروح على من سوية ، كما في تطبيقها على نبيّ مرسل أو كتاب منزل من جانب اللّه تعالى :
{وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف : 157]. {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة : 61] والتشريع والتوجيه : كما في :
{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا } [التحريم : 8]. {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } [غافر : 15] الرابع- مراتب حقيقة النور قد أشير اليها في آية النور المباركة :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] :
أشار تعالى الى بسط نوره وتجلّيه في العوالم كلّها ، فانّ السموات يراد منها العوالم العلويّة الروحانيّة ، والأرض يراد منها العالم السفلّى المادّيّ.
وقلنا إنّ النور ما يكون ظاهرا ومتجلّيا في نفسه ونافذا ومؤثّرا فيما سواه ، وهذا المعنى تختلف خصوصيّاته باختلاف العوالم. ومبدأ هذه التجليّات هو النور الواجب بنفسه في اللّه عزّ وجلّ.
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35].
النور المتجلّي والمبسوط منه تعالى مثل مشكوة (محلّ سراج) يوضع فيها المصباح ، فالمشكوة وأطرافها ومحيطها تتنوّر وتستضيىء بنور المصباح.
فالعوالم كلّها علويّة وسفليّة مستضيئة بنور اللّه النافذ المحيط الظاهر في جميع مراتبها ، ونوره المنبسط يتجلّى في كلّ عالم ومحيط على تناسب تلك العالم وبحسب اقتضائها.
ومبدأ الأنوار كلّها وبجميع أقسامها المنبسطة الظاهرة : هو نور اللّه عزّ وجلّ ، وبسطه إنّما يتحقّق بنحو تكوين أو توجيه. كما قلنا.
وحقيقة النور : عبارة عن التحقّق والظهور في الموجودات من العوالم بطبقاتها المتنوّعة ، في كلّ طبقة بحسبها.
{الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35].
المصباح آلة الصباح وهو بمعنى التنوّر فهو ما به يتحقّق انكشاف الظلام مادّيّا أو معنويّا. والزجاجة : ما ترى ما وراءها ويجهره بأحسن نحو.
وذكر الزجاجة : فانّ النظر في المقام الى جهة البسط والنشر وتجلّى النور ، وهذا المعنى يناسب كون المصباح في زجاجة صافية لطيفة ، ترى ما ورائها ولا تحجب عنه ، بل تؤيّد بسط نور المصباح وإنفاذه وإنارته.
وأمّا الزجاجة في الممثّل وفي مقام بسط نور اللّه : فهي الأرواح والعقول من عالم الجبروت ، فانّها اللطيفة المجرّدة الفانية في النور الحقّ من غير انكدار وأنانيّة وتشخّص ، وهي مظاهر الصفات ومجالي الجمال والكرامة والجلال ومرائي العظمة والكبرياء اللاهوتيّة.
فهي وسائط فيضان الفيض والنور والرحمة ، ووسائل الاستفاضة والاستنارة والتوجّه والارتباط ، كما أنّ النظر الى الشمس لا يمكن إلّا بوساطة زجاجة أو مرآة ، حتّى يسهل النظر بانعكاس النور وانكساره.
ومن مصاديق الزجاجة : أرواح الأنبياء والأولياء الواصلين الى مرتبة الفناء التامّ ، بالعبور عن مرحلة التشخّص والأنانيّة ، حتّى تتحصّل لهم حقيقة العبوديّة والمظهريّة التامّة للأسماء والصفات.
فيستفيد منهم عباد يريدون التوجّه والسير الى لقاء اللّه تعالى ، فيفيضون اليهم الحقائق الروحانيّة والأنوار اللاهوتيّة.
{الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35].
الكوكب : ما تجمّع وتظاهر بضياء أو عظمة أو حسن. والدرّ : ما فيه سيلان خير أو نور وضياء.
فالزجاجة الصافية الطاهرة البسيطة الفانية : تشابه في عظمتها وحسنها وبهائها وتلألؤها وعلوّ مقامها ودوام ضيائها كوكبا سماويّا عظيما متلألئا سائلا عنه النور والحسن والجلال والبهاء.
وهذا المعنى ينطبق في العالم الكبير على عوالم الأرواح والعقول المجرّدة والجبروت الفانية في اللاهوت. وفي العالم الصغير الإنساني على من زكّى نفسه عن أي كدورة وطهّرّها عن جميع الحجب النفسانيّة وعن الانانيّة ، حتّى صارت طاهرة قادسة روحانيّة فانية في اللاهوت.
فالزجاجة حينئذ تستعدّ لاستقرار المصباح فيها واستضاءتها منه وإضاءتها لما سواها وانعكاس نور الحقّ عليها من دون حجاب وكدورة واختلاط.
وتوصيف الزجاجة دون المصباح : فانّ المصباح مبدأ النور ومنشأ بسطه ، ولا حاجة الى توصيفه وتعريفه بهذه الصفات.
{يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ} [النور: 35].
الشجرة : واحدة الشجر وهو المتعالي المتظاهر المتفرّعة منه فروع مادّيّا أو معنويّا. وهذا الإطلاق باعتبار تجلّى النور واعتلائه وظهوره.
والإيقاد : جعل شيء مشتعلا ومتلألئا بعد التحرّق. والضمير فيه راجع الى الكوكب وهو الشيء المتجمّع المتظاهر بضياء وعظمة.
والتعبير بتوقّد الكوكب من شجرة مباركة : إشارة الى انطباق هذا المثال على الممثّل له الواقع ، فانّ الشجرة المباركة هي حقيقة المصباح ، ويراد منها النور المنبسط المتجلّي النافذ المؤثّر عن نور اللّه عزّ وجلّ ، وقلنا إنّه من الصفات الذاتيّة الثابتة الأصيلة في مقام الالوهيّة.
مضافا الى أنّ المصباح قد ذكر في الآية الكريمة مقيّدا بكونه في الزجاجة ، فانّ المصباح المجرّد عن الزجاجة لا ظهور له في الخارج ولا ينبسط نوره.
المباركة : مفاعلة وتدل على استمرار البركة وهو الفضل والخير والفيض ، وتدلّ الكلمة في الآية على زيادة البسط وكثرة الافاضة والتجلّي.
والزيتونة : مفرد الزيتون ، وهو مجموع الشجر وأثماره ، ويشار بهذا التوصيف الى كون الزيت في الشجرة ذاتيّا وفي نفس الشجرة ، وإن كانت الشجرة في نفسها غير متقوّمة ، كما أنّ البسط مبدؤه النور الذاتي الّذي هو من صفات الجمال.
لا شرقيّة ولا غربيّة : أي إنّ هذه الشجرة المباركة الّتي حقيقها بسط النور ليست كسائر الأشجار الخارجيّة منتسبة الى جهة شرق أو جهة غرب ، وليست محدودة ومقيّدة تحت قيود الجسمانيّة ، حتّى تكون محكومة بحكمها ، ومحدودة بحدودها ومضطرّة في جلواتها وظهوراتها.
ولمّا كان تداوم الحياة واستمرار البقاء في العوالم والموجودات المادّيّة والروحانيّة محتاجا الى بسط النور وتعلّقه : فلا بدّ من كون البسط والفيض غير محدود وغير مقيّد بقيود زمانيّة ولا مكانيّة ولا بغيرها ، وان يكون منبسطا وساريا في العوالم كلّها مادّيّة وروحانيّة.
وهذا المعنى توضيح لأوّل الآية الكريمة :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: 35] إشارة الى أنّ هذا البسط والتجلّي للنور غير محدود بأي قيد وحدّ حتّى بالاحتياج الى النار والحرارة ليحصل الاشتعال والتوقّد ، كما في الأنوار المادّيّة.
فمادّة النور في الشجرة ومبدؤه هو الزيت الموجود في ذات الشجرة ذاتا وهو يوجب الإضاءة ما دامت الشجرة موجودة ، من غير حاجة الى زيت خارجيّ ، فالحرارة والزيت في الشجرة ذاتيّتان ثابتتان.
والتعبير بصيغة المضارع (يكاد ، يضيء) يدلّ على الاستمرار.
مضافا الى أنّ عدم الحاجة في بسط النور الى الحرارة والحركة والتموّج :
يدلّ على الاختيار والقدرة المطلقة ، من دون توقّف على أمر.
{نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35].
خبر ثان لقوله تعالى- كأنّها كوكب. أي إنّ الزجاجة كالكوكب المتلألئ ، ونور على نور. فانّ الزجاجة نور فوق نور المصباح وعليه. ونور المصباح هو النور المنبسط وهو نور السموات والأرض ، وهو واقع في نور الزجاجة وهو عالم الأرواح والعقول الفانية.
ولا يناسب في الآية الكريمة وإعرابها وجوه اخر مذكورة في التفاسير ، كما لا يخفى على المحقّق البصير.
ففي الجملة إشارة الى أنّ النفس الفاني في اللّه تعالى : هو نور كما في الزجاجة وعلى نور ، لاستناده على النور المتجلّي المنبسط.
ولا يخفى أنّ انبساط النور يلازم وجود مبدأ وأصل للنور ، حتّى يتحصّل له الانبساط ، وهذا المبدأ هو النور من صفات الذات وهو عين الذات ، وإذا انبسط ذلك النور يقال إنّه نور السموات والأرض ونور قاطبة الموجودات ، فينسب اليها.
{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35].
إشارة الى أنّ السير الى تلك العوالم والوصول الى مرتبة الفناء ، حتّى يدرك النور ويشاهد حقيقته ويستنير منها : إنّما هو بتوفيق اللّه وتأييده وهدايته.
ومشيّة اللّه تعالى على حسب اقتضاء المحلّ واستعداده.
هذا إجمال ما يتعلّق بتفسير حقيقة الآية الكريمة وتوضيحها ، من دون أن يستند الى اصطلاحات مجعولة باطلة ، الّتي لا تزيد لصاحبها الّا بعدا وحيرة وضلالا عن الحقّ ، وليس الطريق الى شهود الحقيقة إلّا هداية اللّه عزّ وجلّ ، والهداية بمقدار الاستعداد والتهيّؤ ، والتهيّؤ لا يتحقّق إلّا بتزكية النفس وتطهيرها وتهذيبها.
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } [الشمس : 9].
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|