أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2015
2468
التاريخ: 2/12/2022
1483
التاريخ: 2024-09-16
295
التاريخ: 2024-09-12
258
|
ان منذ أقدم العصور كان الزارع والراعي يخضعان خضوعا تاما لرحمة الظروف المناخية، ولا يزال هذا هو حالهما في الوقت الحاضر؛ إذ إن المناخ هو المتحكم الأول في توزيع الحياة النباتية والحيوانية في العالم، فلا يمكن مثلا أن تنجح زراعة غلة مثل القمح على نطاق واسع في الأقاليم الاستوائية ذات الأمطار الغزيرة طول العام، أو أن تنتشر زراعة الكاكاو أو المطاط في الأقاليم الباردة، فلكل نبات ظروفه المناخية التي تلائمه والتي لا يجود إلا فيها، وهكذا تحددت مناطق الإنتاج الزراعي سواء في ذلك إنتاج المواد الغذائية أو إنتاج المواد الأولية اللازمة للصناعة، وتحددت تبعا لذلك طرق التجارة ومناطق الإنتاج والاستهلاك.
ويتحكم المناخ فضلا عن ذلك في نظام الزراعة في المنطقة الواحدة فهو الذي يفرض على الزارع أن يتبعوا نظما خاصة في توزيع محصولاتهم على فصول السنة، ومن الطبيعي أن يكون تحكم المناخ في الإنتاج الزراعي أقوى في الأقاليم التي تعتمد الزراعة فيها على المطر منه في الأقاليم التي تقوم الزراعة فيها على الري، فكثيرا ما يؤدي نقص الأمطار في سنة من السنين إلى فشل الزراعة أو فقر المرعى مما يترتب عليه حدوث مجاعات خطيرة، كما يحدث كثيرا في بعض مناطق أستراليا والهند وشمال إفريقية وغيرها من المناطق التي تتغير كمية الأمطار التي تسقط فيه تغيرا كبيرا من سنة إلى أخرى، وقد يحدث العكس تماما في بعض الأحيان فتزايد الأمطار بدرجة يتلف معها الزرع ويتعذر الحصاد، فيهبط المحصول هبوطا كبيرا، كما يحدث كثيرا في مناطق زراعة القمح بغرب أوروبا، فالقمح يعتبر من النباتات التي تحتاج -لكي يتم نضجها- إلى فترة جفاف قبل الحصاد وإلا فسد المحصول وقل الإنتاج.
ولئن كان الإنسان قد عجز عن أن يعدل الظروف المناخية على حسب رغباته، فإنه لم يعجز تماما في أن يتحايل عليها بوسائله الخاصة، فقد استطاع مثلا أن ينقل زراعة غلة من الغلات، ولو على نطاق ضيق، إلى مناطق لم تكن تصلح لها من قبل، وذلك باستنبات فصائل وأنواع جديدة تكون أقدر على تحمل بعض الظروف المناخية التي تتحملها الفصائل والأنواع الأصلية، فقد أمكن مثلا استنبات فصائل كثيرة من الذرة يصلح كل منها لنوع معين من أنواع المناخ، ومن هذه الفصائل ما يصل ارتفاع نباته إلى سته أمتار ويحتاج لنموه ونضجه إلى ما بين عشرة أشهر وأحد عشر شهرا(1)، وهذه الفصائل هي التي يمكن زراعتها في المناطق الحارة، التي لا ينخفض متوسط درجة الحرارة فيها في أي شهر من شهور السنة انخفاضا يضر النبات أو يوقف نموه، وإلى جانب ذلك استنبتت أنواع من الذرة لا يكاد يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أرباع المتر، ولا تحتاج لنموها إلى أكثر من ثلاثة أشهر، ومثل هذه الأنواع تزرع غالبا في المناطق الباردة نسبيا حيث يكون الفصل الدافئ الذي يستطيع النبات أن ينمو خلاله قصيرا، كما هي الحال في بعض مناطق وسط أوربا وأمريكا الشمالية.
ومن أنواع الذرة أيضا نوع يزرعه الهنود منذ زمن طويل في جنوب غرب أمريكا الشمالية، وهذا النوع لا يحتاج إلا إلى كميات قليلة جدا من الماء، ولهذا فإنه يمكن أن يجود في المناطق التي لا تكفي موارد المياه فيها لزراعة الأنواع الأخرى من الذرة، وتغرس بذور هذا النوع عادة في التربة على عمق لا يقل عن قدم واحد من سطح الأرض، وذلك حتى يمكنها أن تستفيد من الرطوبة الموجودة في الأجزاء السفلى من التربة، ويا حبذا لو جربت زراعته في بعض المناطق شبه الصحراوية في الوطن العربي، كما هي الحال في المناطق. الساحلية من شمال الصحراء الغربية وشمال شبه جزيرة سيناء في جمهورية مصر العربية.
وما قيل عن الذرة يمكن أن يقال كذلك عن كثير من الغلات الأخرى التي يعظم الطلب عليها في جميع أنحاء العالم إما لقيمتها كمادة غذائية كما هي الحال في القمح والأرز، أو لأهميتها كمادة أولية لازمة للصناعة، كما هي الحال في القطن، فجميع هذه الغلات قد أمكن التوسع في زراعتها بحيث أصبحت تنتشر في مناطق كان المعتقد من قبل أن أحوالها المناخية لا تصلح لها.
ويظهر أثر المناخ ومقدار ما يبذله الإنسان من مجهود للتحايل عليه بصورة أوضح في حالة إنتاج الخضروات الغذائية مثل الطماطم والمقاثى، فعلى الرغم من أن هذه النباتات تعتبر حساسة جدا للتغيرات الجوية، فقد أصبح من الممكن زراعتها في الوقت الحاضر في جميع أنحاء العالم تقريبا، ولو على نطاق ضيق ويبذل مجهودات كبيرة واتباع وسائل خاصة، فإلى جانب استنبات أنواع وفصائل لها قدرة على تحمل صنوف مختلفة، من المناخ أمكن إنتاج بعض هذه الخضروات في ظروف جوية صناعية، وذلك بزراعتها في بيوت من الزجاج يمكن التحكم في درجة الحرارة داخلها، ولهذا فليس من المستغرب أن تزرع الطماطم مثلا في كثير من الأقاليم المدارية وأن تزرع في نفس الوقت في بريطانيا وغيرها من دول غرب أوروبا، والفارق الرئيسي هو أن بينما يضطر الزراع في الأقاليم المدارية أحيانا لزراعة النبات في ظل بعض الأشجار، أو تغطية شجيراته بطريق خاصة لحمايتها من أشعة الشمس القوية، فإن الزارع الأوروبي قد يضطر لوضع هذه الشجيرات في بيوت من الزجاج يمكن أن تنفذ منها أشعة الشمس فيظل الجو بداخلها دافئا، ويحدث ذلك عادة في الفصل الذي يكثر فيه ظهور الصقيع، أو تنخفض أثناءه درجة الحرارة بصورة تؤذي النبات وكثيرا ما توقد النيران في بساتين الفواكه لنفس الغرض.
ولئن كان المناخ يؤثر تأثيرا مباشرا على توزيع المحاصيل الزراعية فيجب ألا تخفى علينا أنه كذلك عامل أساسي في تكوين التربة التي تعتبر مع المياه العذبة الأساس الأول لوجود الإنسان وبقائه، فلولا وجود التربة الصالحة للزراعة أو حتى لظهور الحياة النباتية الطبيعية وما يعيش فيها أو عليها من حياة حيوانية لما استطاع الإنسان أن يبقى وينتشر على سطح الأرض، كما أن النباتات الطبيعية نفسها وتباين أنواعها وتوزيعها ليست إلا أثرا من آثار الظروف المناخية وتباينها من مكان إلى آخر. ويكفي أن نذكر أن الرخاء الذي تتمتع به بعض أقاليم العالم والمجاعات التي قد تتعرض لها أقاليم أخرى والأمراض التي تصيب المحاصيل المختلفة من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر ليست كلها إلا مظاهر مترتبة على المناخ والطقس.
_____________________
(1) Gove Hambidge, U.S. Department of Agriculture Year book 1941
"Climate and Man" p 31.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|