المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



القاضي الجُرجاني  
  
4720   11:09 صباحاً   التاريخ: 29-12-2015
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج2، ص585-589
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2016 6304
التاريخ: 24-6-2019 1623
التاريخ: 21-06-2015 4178
التاريخ: 21-06-2015 2016

ولد أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ في جرجان و تطوّف في صباه في فارس و العراق و الشام، و سمع الحديث في نيسابور. و قد تولّى القضاء على المذهب الشافعيّ مرارا في بلدان مختلفة حتّى أصبح قاضي القضاة في الريّ.

اتّصل القاضي الجرجاني بالصاحب بن عبّاد و توثّقت الصلة بينهما برغم ما كان بينهما من اختلاف الرأي في المتنبّي: فلمّا ألّف الصاحب بن عبّاد رسالته في الكشف عن مساوئ المتنبّي ألّف الجرجانيّ كتابه القيّم «الوساطة بين المتنبّي و خصومه» . و لمّا مات الصاحب بن عبّاد (سنة 385 ه‍) تصرّفت الأحوال بالجرجانيّ كثيرا. ثم توفّي الجرجاني، و هو قاضي القضاة في الريّ، سنة ٣٩٣ ه‍ (1) (1002-1003 م) ، و دفن في جرجان.

خصائصه الفنّيّة:

كان القاضي الجرجاني إماما فاضلا و شاعرا و ناثرا و فقيها و متكلّما، و لكنّه شهر بالشعر و بالتأليف في الأدب. و شعره متين السبك عالي النفس مع سهولة و عذوبة في المقطّعات و القصائد على السواء. و هو مكثر، و أحسن فنونه الحكمة و الغزل. أما نثره فسهل ممتنع مرسل حسن التقسيم و المعالجة للموضوعات التي يتناولها. و له كتب منها: تفسير القرآن المجيد، تهذيب التاريخ، الوساطة بين المتنبّي و خصومه، و قد ألّفه للردّ على الصاحب بن عبّاد (راجع فوق، ص 562) .

المختار من شعره و نثره:

- قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ في حقّ العلم على العالم:

يقولون لي: فيك انقباض، و إنّما... رأوا رجلا عن موقف الذلّ أحجما (2)
أرى الناس: من داناهم هان عندهم... و من أكرمته عزّة النفس أكرما
إذا قيل: هذا مشرب؛ قلت: قد أرى... و لكنّ نفس الحرّ تحتمل الظما
و ما كلّ برق لاح لي يستفزّني... و لا كلّ أهل الأرض أرضاه منعما (3)
و لم أقض حقّ العلم إن كنت كلّما... بدا طمع صيّرته لي سلّما (4)
و لم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أ أشقى به غرسا و أجنيه حنظلا... إذن، فاتّباع الجهل قد كان أحزما (5)
و لو أنّ أهل العلم صانوه صانهم... و لو عظّموه في النفوس لعظّما
و لكن أهانوه فهان، و دنّسوا... محيّاه بالأطماع حتى تجهّما (6)
- و قال القاضي الجرجاني في الغزل و الخمر:

أفدي الّذي قال و في كفّه... مثل الذي أشرب من فيه (7)

الورد قد أينع في وجنتي... قلت: فمي باللّثم يجنيه (8)
- و قال في الوحدة (البعد عن الناس) :

ما تطعّمت لذّة العيش حتّى... صرت للبيت و الكتاب جليسا
ليس شيء عندي أعزّ من العل‍ـ...ـم، فلم أبتغي سواه أنيسا (9)
إنّما الذلّ في مخالطة النّا...س، فدعهم و عش عزيزا رئيسا
- الشعر و الشعر المحدث (من الوساطة بين المتنبّي و خصومه ٢٣) :

و متى سمعتني أختار للمحدث هذا الاختيار، و أبعثه على التطبّع و أحسّن له التسهيل، فلا تظنّن أني أريد بالسمح السهل الضعيف الركيك، و لا باللطيف الرشيق الخنث المؤنّث، بل أريد النمط الأوسط: ما ارتفع عن الساقط السوقي و انحطّ عن البدويّ الوحشيّ، و ما جاوز سفسفة نصر و نظرائه و لم يبلغ تعجرف هميان بن قحافة (10) و أضرابه. نعم، و لا آمرك بإجراء أنواع الشعر كلّه مجرى واحدا، و لا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه. بل أرى لك أن تقسّم الألفاظ على رتب المعاني، فلا يكون غزلك كافتخارك، و لا مديحك كوعيدك، و لا هجاؤك كاستبطائك، و لا هزلك بمنزلة جدّك، و لا تعريضك مثل تصريحك؛ بل ترتّب كلا مرتبته و توفّيه حقّه: فتلطّف إذا تغزّلت، و تفخّم إذا افتخرت، و تتصرّف للمديح تصرّف مواقعه، فإنّ المدح بالشجاعة و البأس يتميّز عن المدح باللباقة و الظرف، و وصف الحرب و السلاح ليس كوصف المجلس و المدام. فلكلّ واحد من الأمرين نهج هو أملك به و طريق لا يشاركه الآخر فيه. . . . . فأمّا الهجو فأبلغه ما جرى مجرى الهزل و التهافت، و ما اعترض بين التصريح و التعريض، و ما قربت معانيه و سهل حفظه و أسرع علوقه بالقلب و لصوقه بالنفس. فأما القذف و الإفحاش فسباب محض، و ليس للشاعر فيه إلاّ إقامة الوزن و تصحيح النظم.

-المطبوعون في الشعر و النقد الصحيح (الوساطة ٢٣-24) :

و إذا أردت أن تعرف موقع اللفظ الرشيق من القلب، و عظم غنائه في تحسين الشعر، فتصفّح شعر جميل و ذي الرمّة في القدماء ثم البحتريّ في المتأخّرين، و تتبّع نسيب متيّمي العرب و متغزّلي أهل الحجاز كعمر و كثيّر و جميل و نصيب و أضرابهم و قسهم بمن هم أجود منهم شعرا و أفصح لفظا و سبكا، ثمّ انظروا حكم و أنصف، و دعني من قولك: هل زاد على كذا، و هل قال إلاّ ما قال فلان! فإنّ روعة اللفظ تفضي بك إلى الحكم (السريع) ، و إنما تفضي (أنت) إلى المعنى عند التفتيش و الكشف. و ملاك الأمر ترك التكلّف و رفض التعمّل و الاسترسال للطبع و تجنّب الحمل عليه و العنف به. و لست أعني بهذا كلّ طبع، بل المهذّب الذي صقله الأدب و شحذته الرواية و جلّته الفطنة و ألهم الفصل بين الرديء و الجيّد و تصوّر أمثلة الحسن و القبح.

-القول في المتنبّي (الوساطة 48) :

إن خصم هذا الرجل فريقان: أحدهما يعمّ بالنقص كلّ محدث، و لا يرى الشعر إلاّ القديم الجاهليّ و ما سلك به ذلك المنهج و أجري على تلك الطريقة. . . . فإذا نزلت به إلى أبي تمّام و أضرابه نفض يده و أقسم و اجتهد أنّ القوم لم يقرضوا بيتا و لم يقعوا من الشعر إلا بالبعد. و أنا أرى لك، إذا كنت متوخّيا للعدل مؤثرا للإنصاف أن تقسم شعره (شعر المتنبّي) فتجعله في الشطر الأول تابعا لأبي تمام، و فيما بعده واسطة بينه (بين أبي تمّام) و بين مسلم (بن الوليد) . . . .

_________________

1) ابن الأثير (9:67) . في معجم الأدباء (14:15) : مات بالري يوم الثلاثاء لست (ليال) بقين من ذي الحجة سنة اثنتين و تسعين و ثلاثمائة، و ورد نيسابور سنة سبع و ثلاثين و ثلاثمائة. و في وفيات الأعيان (1:584) : ذكر الحاكم في تاريخ النيسابوريين أنه (الجرجاني) توفي في سلخ (آخر) صفر سنة 366 ه‍ بنيسابور، و عمره ست و سبعون سنة؛ و ورد به أخوه محمد نيسابور في سنة ٣٣٧ ه‍ و هو صغير غير بالغ؛ و سمعا من سائر الشيوخ: مات بالري سنة ٣٩٢ ه‍. . . . و نقل الحاكم أثبت و أصح

2) انقباض: انكماش، قلة رغبة في الانبساط إلى الناس. أحجم: تأخر، أمسك نفسه عن الاقدام.

3) لا أركض وراء كل أمل يبدو لي، و لا أرضى التفضل على من أي انسان اتفق.

4) . . . . صيرت (العلم) سلما (وسيلة) إلى كل حاجة أو مطمع مادي.

5) طال شقائي و تعبي في غرس العلم (في التعلم و أنا صغير) فلا أريد أن أقطف الآن ثمراته بإذلال نفسي للآخرين (تسخير علمي للاستفادة المادية من الناس) . لو كنت أرغب في مثل ذلك لما كنت تعلمت (فأنا أستطيع بإذلال نفسي للآخرين أن أتكسب منهم كثيرا، سواء أ كنت عالما أو جاهلا) .

6) المحيا: الوجه. تجهم: غلظ، قبح (لقد سخر نفر من الناس علمهم في سبيل أغراضهم الدنيا حتى كره الناس العلم) .

7) مثل الذي أشرب من فيه «كناية عن الخمر و تشبيه ريق المحبوب بها»

8) الورد في الخد (حمرة الخد، جمال الوجه) لا يقطف باليد (كورد الشجر) بل يلثم (يقبل بالفم) .

9) . . . . فلما ذا أبتغي (أطلب) مؤنسا سوى العلم.

10) نصر-الخبز أرزي (راجع، فوق، ص 430-431) ؛ هميان بن هميان بن قحافة: شاعر قديم (أموي) راجز من بني عامر.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.