أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-09-2014
7948
التاريخ: 9-06-2015
5346
التاريخ: 9-11-2014
5055
التاريخ: 26-09-2014
6069
|
إنّ هذه الصفة ، التي تعد من أهم الصفات الفعليّة ، تشكل العمود الأساس في الوثوق بدعوات الأنبياء ، لأنّه - نعوذ باللَّه- لو كان يُمكن تصور صدور الكذب عنه جلّ وعلا لما بقيت هنالك ثقة لا بمسألة الوحي ، ولا بالوعود الأخرويّة ، ولا بالأخبار التي تتحدث عن المعارف الدينيّة ، أو عن عوامل سعادة البشر وشقاوتهم ، وبتعبيرٍ آخر فإنّ أسس المسائل الدينيّة تنهار بصورة تامّة بنفي هذه الصفة.
ومن هنا يتضح مدى تأثير الإيمان بصدق اللَّه في فهم حقائق الدين.
ولعل هذا هو السّر من ملاحظة وصف الباري في آيات قرآنية عديدة بالصادق وبتعابير متنوعة ومختلفة تماماً ، ومن زوايا متنوّعة.
بعد هذا التمهيد نعود إلى القرآن لنمعن خاشعين في الآيات القرآنية التالية :
1- {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} (النساء/ 87) .
2- {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (النساء/ 122) .
3- {وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} (آل عمران/ 152) .
4- {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (1) (الأحزاب/ 22) .
شرح المفردات :
إشتقتْ كلمة «صادق» من مادّة «صدق» ، وكما قال الراغب : إنّها ضدّ الكذب ، وبالأصل من أوصاف الكلام والأخبار ، فأحياناً صادقة وأحياناً كاذبة ، وأحياناً تُستعمل عرضاً في الإستفهام والأمر والدعاء أيضاً ، كأنّ يقول أحد : (أَفُلان في الدار) أي إنّه يقصد بأنّه لا يدري بوجود فلان في الدار أو عدم وجوده ، (لذا فقد نقول أحياناً : إنّه يكذب ، فهو يعلم بوجود فلان في الدار).
وَحقيقة الصدق هي تطابُق الحديث مع الأعتقاد والواقع ، لذا فلو تحدّث أحد طبق الواقع ولكن خلاف ما يعتَقِدُ به فهو كاذب ، كقول المنافقين لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} ، فقال تعالى ردّاً عليهم : {وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون/ 1) .
وقد يُستعمل الكذب والصدق في مورد الأفعال والأعمال أيضاً ، فمن يؤدّي أعماله وفق وظيفته الواجبة يُدعى صادقاً ، وإذا عمل على خلافها يُدعى كاذباً ، فمثلًا يُقال لِمَن يؤدّي حق الحرب والقتال : (صدق في القتال) وإن لم يفعل يُقال (كذب في القتال) ، وآية : {لَقَد صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ} ، التي نزلت بشأن تحقق رؤيا الرسول صلى الله عليه وآله بخصوص فتح مكة ودخول المسلمين المسجد الحرام منتصرين ، نموذج على هذا المطلب (2).
وكلمة «صدقة» التي تُستعمل بخصوص الأموال التي يبذلها الإنسان في سبيل اللَّه بقصد القربة ، إنّما سُميت بهذا الاسم لأنّ الإنسان يُصدّق بواسطتها إخلاصه بعمله ، وكذلك تسمية المهر «صداق» لأنّه دليل عمليٌّ على صدق الزوج إزاء زوجته.
ولكن ما قاله الراغب حول عناصر الصدق الأساسيّة ، ووجوب مطابقة الكلام للواقع ، واعتقاد المتكلّم ، محل اختلاف شديد بين العلماء ، فاعتقد البعض منهم كفاية تطابُقه مع المُعتَقد فقط ، واشترط البعض الآخر تطابُقه مع الواقع فقط ، ولا محل هنا لشرح ذلك.
هذا في حين اعتقد (ابن فارس) في (مقاييس اللغة» بأنّ أصل «الصدق) هو القوّة الموجودة في شيء وإنّما سُمي الكلام المطابق للواقع صدقاً بسبب قوّته ، لذا يُسمّى الرمح القوي (رُمح صَدق) ، ومهر المرأة (صداق) لأنّه حق مفروض وذو قوّة.
ولكننا نعتقد بأنّ ما ورد في مفردات الراغب حول أصل هذه الكلمة أصَحّ.
ولسائر أرباب اللغة نفس هذا الرأي أيضاً ، ويُنقلُ في (شرح القاموس) عن (الخليل) أنّه قال : (الصدق) معناه : الكمال من كل شيء ، وأضاف قائلًا : إنّ إطلاق (صَدق) على الأشياء المستوية القويّة (كالرمح القوي) ينشأ من معنى الجَودة والقوّة (الصلابة) ، أي ما يُقال بخصوص صلابته وجودته يُطابق الحقيقة ، وإذا كان ال (صدق) يعني الصلابة والقوّة لأُطلق على كل شيءٍ قوي (صدق) ، في حين أنّه ليس كذلك.
«صدّيق» : معناه كثير الصدق أو من لا يكذب أبداً أو استحالة صدور الكذب منه لأنّه اعتاد على الصدق ، أو مَن يصدق في كُلٍّ من الإعتقاد والقول والعمل ، (كل هذا لكون كلمة صدّيق من صيغ المبالغة والتي يُمكن أن تكون في إحدى الأمور المختلفة المذكورة أعلاه).
ويُستعمل تعبير «لسان صدق» بخصوص الشخص الصالح من جميع النواحي ، وإن مُدِحَ وأُثنيَ عليه فهو عين الواقع.
وعلى أيّة حال ، فإنَّ وصف الباري بالصادق ينشأ من جهات متعددة : من جهة صدقه في أخباره ، وفي وعوده بإثابة المحسنين ومعاقبة المسيئين.
ومن جهة تنفيذه لجميع ما صرّح به في القرآن الكريم ، وسيأتي شرحه في تفسير آيات البحث.
جمع الآيات وتفسيرها
تحدثت الآيتان الأولى والثانية حول أنّ اللَّه سبحانه وتعالى أصدق كل شيء حيث قال تعالى وباستفهامٍ استنكاري : {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} و{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (3).
وقد اعتقد بعض المفسّرين بأنّ التعبير بكلمة (أصدق) يخص الكميّة فقط (أي مَن هو أكثر صدقاً في الموارد) ، لا الكيفيّة ، لأنّ الكلام الصادق هو ما طابق الواقع وإلّا فهو كذب ، ولا يُمكن تصوُّر الزيادة والنقصان في كيفيته (4).
ولكن الحق هو إمكانية تصوُّر درجات مختلفة للصدق من حيث الكيفيّة ، وهو عندما يكون الواقع ذا أبعاد مختلفة ، فمن المسلَّم أنّ المتكلّم الذي يُطابق كلامه الواقع في جميع الأبعاد يُعتَبر أصدق ممن يُطابق كلامه الواقع في أبعاد مُعينَّة.
فمثلًا عندما يُشبّهُ مؤمنٌ (بسلمان الفارسي) ، والآخر يُشبَّهُ (بأبي ذر) ، فمن المسلَّم أن أصدقهما هو من أخذ بنظر الإعتبار في تشببهه أبعاداً أكثر.
واللَّه أصدق حديثاً ممن سواه ، إنّما هو كذلك ، لكون منشأ الكذب إمّا من الجهل وعدم معرفة الواقع ، أو من الضعف والعجز والحاجة ، ولكون ذاته المقدّسة منزّهة عن جميع هذه الصفات ، فهو أصدق حديثاً.
وتحدثت الآيتان الثالثة والرابعة عن صدق اللَّه في وعوده ، لكن الآية الثالثة تحدثت عن الوعد الإلهي حول النصر على الأعداء في معركة أُحد ، حيث انتصر المسلمون في البداية طبق هذا الوعد ، لكن تثاقل وعصيان جماعة منهم أدت إلى انكسارهم في نهاية الأمر ، قال تعالى : {وَلَقْدَ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} ، ولكن اختلافكم وتماهلكم وعصيانكم في نهاية الأمر أدّى إلى انكساركم ، والتقصير إنّما جاء من عندكم ، ولم يخلف اللَّهُ وعدَهُ.
وكان هذا ردّاً على من كانوا يعتقدون بأنّ هزيمتهم في معركة أُحد ، هي خلاف للوعد الإلهي.
أمّا الآية الرابعة فقد تحدثت عن لسان حال المؤمنين حول واقعة الأحزاب ، حيث إنّهم عندما وقفوا أمام جيش الأحزاب قالوا : {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ}.
والكلام هنا يدور حول كُلّ مَن صدق اللَّه وصدق رسوله الذي : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى} ، وقوله قول اللَّه ، ووعده وعد اللَّه أيضاً.
وهنالك عدّة احتمالات حول ما وعد به اللَّه ورسوله المؤمنين وتحقق عند مشاهدتهم جيش الأحزاب : الأول : إنّ الرسول صلى الله عليه وآله كان قد قال لهم : ستقصدكم جيوش الأحزاب بعد تسعة أو عشرة أيّام ، فعندما حضرت جيوش الأحزاب في الموعد المقرر قال المؤمنون قولهم هذا : {هَذَا مَا وَعَدَنا اللَّه وَرَسُولُه} (5) (النجم/ 3- 4) .
والأمر الآخر هو أنّه تعالى قال مُخاطباً المسلمين : {أَمْ حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة/ 214) .
وجدوا أنفسهم مقابل ذلك الجيش العظيم عرفوا تحقق الوعد الإلهي وإشرافهم على دخول امتحانٍ عظيم (6).
وقال البعض أيضاً : إنَّ الرسول صلى الله عليه وآله كان قد بشّر المؤمنين بالنصر بعد محاصرتهم من قبل جيش الأحزاب ، وانتشار الإسلام في أرجاء العالم وسقوط قصور (الحيرة) و(المدائن) و(كسرى) في أيدي المسلمين فيما بعد.
فعندما رأى المسلمون القسم الأول من هذا الوعد فرحوا وقالوا : أبشروا بالنصر النهائي (7).
_________________________
(1) وقد وردت نفس هذه المفاهيم في آيات قرآنية اخرى (كالذاريات ، 5 ؛ الأنعام ، 115 ؛ الزمر ، 74؛ الفتح ، 27 ؛ وكذا ورد تعبير {إنّا لصادقون} في الآية 146 من سورة الأنعام ؛ والآية 64 من سورة الحجر).
(2) المفردات ، مادة (صدق) ، باختصار.
(3) قيل وقول : مصدر.
(4) تفسير روح المعاني ، ج 5 ، ص 95 ، ذيل الآية 87 من سورة النساء.
(5) تفسير روح المعاني ، ج 21 ، ص 151.
(6) تفسير الميزان ، ج 16 ، ص 306 ، وقد ورد نفس هذا التفسير في تفسير الكبير بشكل مختصر.
(7) تفسير القرطبي ، ج 8 ، ص 5239.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|