أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
1726
التاريخ: 8-11-2014
1679
التاريخ: 12-10-2014
1551
التاريخ: 27-1-2023
1605
|
رأى بعض من مفسري أهل السنّة أنّ ذلك يعني نساء النبي صلى الله عليه وآله، ولكن ...تغيير سياق الآية، وتبديل الضمائر من «جمع المؤنث»- فيما قبل وبعد هذه الآية- إلى «جمع المذكر» دليل بَيّنٌ على أنّ لهذه العبارة مضمونا منفصلًا، وأنّ المراد منها أمر آخر، أليس اللَّه حكيماً والقرآن في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة وجميع عباراته تخضع للحساب.
وطائفة اخرى من المفسرين خصتها بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، والروايات الكثيرة الواردة في مصادر أهل السنّة والشيعة والتي نشير إلى بعضها لاحقاً شاهدٌ على هذا المعنى.
وبسبب وجود هذه الروايات ربما ذكر الذين لا يحصرون الآية بهؤلاء العظماء معنىً واسعاً لها بحيث يشملهم ويشمل نساء النبي صلى الله عليه و آله وهذا تفسير ثالث للآية.
أمّا الروايات التي تدل على اختصاص الآية بالنبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام وابنيهما الحسن والحسين عليهما السلام فهي- وكما أشرنا- كثيرة للغاية، منها ثمانية عشرة رواية، نقلت خمس منها في تفسير «الدر المنثور» عن ام سلمة، وثلاث عن أبي سعيد الخدري، وواحدة عن عائشة، وواحدة عن انس، واثنتان عن ابن عباس، واثنتان عن أبي الحمراء، وواحدة عن وائلة بن الاسقع، وواحدة عن سعد، وواحدة عن الضحاك بن مزاحم، وواحدة عن زيد بن الأرقم (1).
ويحصي المرحوم العلّامة الطباطبائي في تفسير «الميزان» الروايات التي وردت بهذا الصدد بما يربو عن سبعين رواية ويقول : وهي روايات جمة تزيد على سبعين حديثاً يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة، ويضيف رواة آخرين سوى الذين ذكرناهم أعلاه (الرواة الذين ذكرت رواياتهم في غير تفسير الدر المنثور).
وذكر البعض أنّ عدد الروايات والكتب التي نقلت فيها بلغ المئات ولا يُستبعد أن يكون كذلك.
وهنا نذكر طائفة من هذه الروايات فقط مع ذكر مصادرها ليتبين قول الواحدي في «أسباب النزول» : أنّ الآية نزلت في النبي صلى الله عليه و آله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم (2).
ويمكن اختصار هذه الروايات في أربعة اقسام :
1- الروايات التي نقلت عن بعض نساء النبي صلى الله عليه و آله تقول بصريح التعبير : عندما كان النبي صلى الله عليه و آله يتحدث عن هذه الآية سألناه هل نحن منهم؟ فقال : «لا ولكنكم على خير».
منها ما يرويه الثعلبي في تفسيره عن «ام سلمة» زوجة النبي صلى الله عليه و آله أنّ النبي كان في بيتها وجاءته فاطمة عليها السلام بالطعام، فقال لها صلى الله عليه و آله : «ادع لي بعلك وابنيك» فجاؤوا فتناولوا الطعام ثم نشر صلى الله عليه و آله عليهم الكساء وقال : اللّهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأَذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، ونزلت آية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ...» فقلت يا رسول اللَّه وأنا معكم؟! فقال : «إنّكِ على خير» (3).
وكذلك الثعلبي وهو من العلماء المعروفين لدى أهل السنّة الذي عاش في القرن الرابع وأوائل القرن الخامس، وتفسيره الكبير معروف، يروي عن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و آله ما يلي :
عندما سئلت عن حرب الجمل ودورها في تلك الحرب المدمرة، قالت (بتأسف) : لقد كان تقديراً إلهياً! وعندما سئلت عن علي عليه السلام قالت :
«تسألني عن أحبّ الناس كان إلى رسول اللَّه، وزوج أحب الناس كان إلى رسول اللَّه، لقد رأيت علياً وفاطمة وحسنا وحسيناً وجمع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بثوب عليهم، ثم قال : اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأَذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً. قالت : فقلت يا رسول اللَّه أنا من أهلك؟ قال : تنحي فإنّك إلى خير» (4).
فمثل هذه الروايات تؤكد بصراحة أنّ نساء النبي صلى الله عليه و آله لم يكنّ من أهل البيت في هذه الآية.
2- وردت قصّة حديث الكساء في روايات كثيرة للغاية وبتعابير مختلفة والمضمون المشترك لها جميعاً هو أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دعا علياً عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام- أو أنّهم حضروا عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله- أو أنّه غطاهم بالكساء أو بقماش، وقال : إلهي هؤلاء أهل بيتي فأَذهب عنهم الرجس، فنزلت الآية : {انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً}.
والجدير بالاهتمام أنّ هذا الحديث روي في صحيح مسلم عن «عائشة»، وكذلك نقله الحاكم في «المستدرك»، والبيهقي في «السنن»، وابن جرير في «تفسيره»، والسيوطي في «الدر المنثور» (5).
وأورده الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل أيضاً (6)، كما نقل هذا الحديث في صحيح «الترمذي» مراراً، ففي موضع رواه عن «عمرو بن أبي سلمة» وفي موضع آخر عن «ام سلمة» (7).
والملاحظة الاخرى هي أنّ «الفخر الرازي» يضيف في ذيل آية المباهلة (سورة آل عمران، الآية 61) بعد نقله لهذا الحديث (حديث الكساء) :
واعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث (8).
كما يجدر ذكر هذه الملاحظة وهي : أنّ الإمام «أحمد بن حنبل» أورد هذا الحديث في مسنده بطرق مختلفة (9).
3- نقرأ في جانب آخر من الروايات العديدة والكثيرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه و آله وبعد نزول آية التطهير كان يمرّ على دار فاطمة عليها السلام ولعدّة أشهر «في بعضها ستة أشهر، وفي بعضها ثمانية أو تسعة أشهر» أثناء ذهابه لصلاة الصبح وينادي : «الصلاة يا أهل البيت! إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيراً».
وروي هذا الحديث في «شواهد التنزيل» للمفسر الشهير «الحاكم الحسكاني» عن «انس بن مالك» (10).
وجاء في نفس الكتاب رواية اخرى عن «أبي الحمراء» يذكر فيها أنّ المدّة كانت «سبعة أشهر».
ورويت هذه الواقعة أيضاً في نفس الكتاب عن «أبي سعيد الخدري» ذاكراً أنّ المدّة كانت «ثمانية أشهر» (11).
إنّ الاختلاف في هذه التعابير أمر طبيعي، فربما شاهد أنس هذا الأمر لمدّة ستة أشهر، وأبو سعيد الخدري لمدّة ثمانية أشهر، وأبو الحمراء لمدّة سبعة أشهر وابن عباس تسعة أشهر (12).
فكل منهم نقل ما رآه، فلا تضارب بين كلامهم.
على أيّة حال، فاستمرار هذه الحالة وتكرار هذا الكلام خلال تلك الفترة الطويلة من قبل النبي الأكرم صلى الله عليه و آله كان أمراً مخططاً له، فهو كان يريد أن يُبيّن بوضوح أنّ المراد من «أهل البيت» هم أهل هذه الدار فقط، لئلا يبقى شك بالنسبة لأي شخصٍ في المستقبل، وليعلم الجميع أنّ هذه الآية نزلت بحق هذه الزمرة فقط، والعجيب أنّ القضية بالرغم من هذا التكرار والتأكيد بقيت غامضة بالنسبة للبعض.
لاسيّما وأنّ الدار الوحيدة التي كانت بابها مفتوحة على مسجد النبي صلى الله عليه و آله هي دار النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام، (فقد أمر النبي صلى الله عليه و آله بإغلاق جميع الأبواب التي كانت تفتح على المسجد ماعدا هاتين البابين).
ويذكر أنّ الكثير من الناس طالما سمعوا هذا الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أثناء الصلاة، وبعد هذا التأكيد والإثبات أليس من المدهش أن يصر بعض المفسرين على سعة مفهوم الآية لتشمل نساء النبي صلى الله عليه و آله أيضاً، مع ما أوردناه سابقاً من حديث عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و آله واستنادا إلى شهادة التاريخ حيث أنّها لم تَدعْ شيئاً أثناء ذكرها لفضائلها وتفاصيل حياتها مع النبي صلى الله عليه و آله، فهي لم تر نفسها غير مشمولة بهذه الآية فحسب، بل تقول : إنّ النبي قال لي :
«لستِ منهم»!
4- الروايات العديدة المروية عن الصحابي المعروف أبي سعيد الخدري التي أشارت الى آية التطهير تقول بصراحة : نزلت في خمسة : في رسول اللَّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (13).
وملخص الحديث هو : إنّ الروايات التي وردت في المصادر الإسلامية بشأن آية التطهير واختصاصها بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين من الكثرة بحيث يجعلها في صف الروايات المتواترة، ولا يبقى فيها أدنى شك من هذه الناحية، حيث إنّ صاحب شرح إحقاق الحق ينقلها عن ما يربو على سبعين مصدراً من مصادر أهل السنة (بالإضافة إلى المصادر المعروفة لدى أتباع أهل البيت) ويقول : «لو أحصينا كافة هذه المصادر لتجاوزت الألف» (14)!.
أجوابة عن عدّة أسئلة :
نظراً إلى أنّ الآية الآنفة الذكر التي تواترت الروايات في المصادر الإسلامية المعروفة في تفسيرها، تعد كرامة عظيمة لأئمّة أهل البيت عليهم السلام يمكن اعتبارها دليلًا على حقانية خَطِّهم، وقد تشبث بعض العلماء وأخذوا كالعادة بالبحث عن إشكالات أشبه ما تكون باختلاق المبررات بعيداً عن الانتقاد العلمي، بينما أيقنت طائفة اخرى بالآية والروايات بشجاعة، وإن ظلوا أتباعاً لطريقة أهل السنّة من الناحية الاصولية، وفيما يلي بعض الانتقادات :
1- المراد من أهل البيت هم الساكنون في بيت النبي صلى الله عليه و آله، لأنّ البيت يعني الدار المسكونة، وسكنةُ بيت النبي صلى الله عليه و آله هم نساؤه، وليس الآخرين، وإذا ما جاء الضمير على صورة ضمير المذكر فالسبب يعود إلى أنّ لفظ «الاهل» مذكر، وإذا ما جاء البيت بصيغة المفرد لا الجمع، بينما نساء النبي صلى الله عليه و آله كنّ يسكنّ في بيوت عديدة، فذلك بسبب أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان واحداً، فذكر بيته بصفة الواحد أيضاً، والخلاصة أنّ الآية ناظرة إلى نساء النبي صلى الله عليه و آله فقط.
لقد اتضحت الاجابة جيداً عن هذا السؤال أو التبرير من خلال الأبحاث السابقة، وآثار التكلف أثناء الدفاع عن هذا الرأي مشهودة تماماً، فلو كان المقصود من (الأهل) نساء النبي صلى الله عليه و آله يكون ظاهر اللفظ «مفرد مذكر» ومعناه «جمع مؤنث»، بينما لم يذكر في الآية لا «المفرد المذكر» ولا «الجمع المؤنث» بل جاء بصيغة «الجمع المذكر».
كما أنّ التعبير ب «البيت» جاء بصيغة المفرد خلافاً لمطلع الآية الذي جاء بصيغة الجمع، فمن المتعذر أن تكون عبارة : {وَقَرَن فىِ بُيُوتِكُنَّ} من أجل شخص النبي صلى الله عليه و آله، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يكن يمتلك بيتاً مستقلًا، فقد كان بيته هي البيوت التي كانت تعيش فيها زوجاته.
على هذا الأساس فلا سبيل سوى أن يكون المقصود من البيت هنا بيت القرابة والارتباط النسبي بالنبي صلى الله عليه و آله، لا بيت السكنى كما في التعبير المتداول والمعتاد عليه.
بالإضافة إلى كل هذا فعلى فرض قبولنا بهذه الآراء البعيدة عن الواقع، فهل يمكن التغاضي عن روايات بهذه السعة والكثرة والصراحة وهى التي تحصر أهل البيت عليهم السلام بخمسة أشخاص؟ أم نعتبرها روايات ضعيفة السند؟ فلو لم تكن هذه الروايات متواترة وقوية، فليس لدينا- إذن- حديث متواتر وصحيح، ولو كانت هذه الروايات خالية من الصراحة، فأيّ رواية صريحة في مضمونها؟!
والأدهى من ذلك كله ما نقل عن «عكرمة» قوله : من شاء باهلتُه أنّها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه و آله (15)، ونقل عنه في تعبير آخر : إنّ عكرمة كان ينادي في السوق أنّ قوله تعالى إنّما يريد اللَّه ... نزل في نساء النبي صلى الله عليه و آله (16).
إنّه لمدهش حقاً، فهل يمكن إثبات المسائل العلمية والاستدلالية بالمباهلة والصراخ في الأسواق، وهو أمر يمتلك جميع هذه الأدلة والشواهد والقرائن، إذ يقوم النبي صلى الله عليه و آله ببسط الكساء على خمسة أشخاص ويشخِّصهم بدقّة ويخاطبهم، حتى أنّه لم يسمح ل «أم سلمة»
و «عائشة» بالدخول تحته، وأخذ يكرر هذه العبارة أمام دار فاطمة عليها السلام لمدة ستة أشهر أو ثمانية أشهر أو تسعة أشهر، دالًا على أنّ المرادف بهذه الآية هو أنتم، وإنّ كلمة «إنّما» التي تدل على الحصر واضحة للعيان.
والنبي صلى الله عليه و آله إنّما يريد بهذا التأكيد ازالة جميع اشكال الشبهات، بَيدَ أنّ عكرمة يريد من خلال الدوافع التي يعلمها جيداً أن يثبت بالمباهلة غير ذلك رافعاً عقيرته في الأسواق ضد ذلك!.
إنَّ حماس واندفاع عكرمة وراء المباهلة النادرة والقليلة الحصول في الأبحاث العلمية، وكذا مناداته في الأسواق التي هي من النوادر في القضايا العلمية أيضاً، بحد ذاته دليلٌ على أنّ هناك أمراً وراء ذلك، وإنّ وراء هذا القيل والقال تكمن أسرارٌ اخرى، فهل كان مكلَّفاً بإنكار هذه الفضيلة الإلهيّة العظيمة ارضاءً لسلاطين زمانه، وأن ينبري للتصدي لأحاديث النبي صلى الله عليه و آله بهذه الصلافة؟!
2- السؤال الآخر هو : إذا كان المراد هو تلك الأنوار المقدّسة الخمسة، فما هي منزلة سائر ائمة أهل البيت عليهم السلام؟
والجواب هو : أنّ الذين كانوا يعاصرون ذلك الوقت هم أولئك الخمسة، والآخرون جاءوا فيما بعد، وورثوا تلك الصفات عن النبي صلى الله عليه و آله وآبائهم عليهم السلام.
3- كما تمّ التلميح آنفاً إلى أنّ المراد من الإرادة في {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ}، الإرادة التكوينية، لا التشريعية، وبتعبير آخر ليس المراد هو أنّ اللَّه أمركم بالابتعاد عن المعصية، لأنّ هذا الأمر الإلهي يعمّ المسلمين جميعاً ولا يخصُ أصحاب الكساء فقط.
يتضح ممّا تقدم أنّ الإرادة التكوينية والمشيئة الإلهيّة قضت بتطهيرهم، والمحافظة عليهم من كل ذنب، وصيانتهم من شر الشيطان والأهواء النفسية، ونحن نعلم أنّ مشيئة اللَّه غير قابلة للتخلُّف، وما تفوَّه به البعض من أنّ إرادة اللَّه قابلة للتخلف يمثل غاية الجهل والغباء، فمن الذي يستطيع الحيلولة دون مشيئة اللَّه، إلّا أن تكون مشيئة اللَّه متعلقة بشرط ولم يحصل ذلك الشرط؟ ونحن نعلم أنّ الإرادة في الآية أعلاه مطلقة، وليست مشروطة بشرط أبداً.
وما قاله البعض : إنّ هذا الكلام يستدعي أن يكون صحابة النبي صلى الله عليه و آله معصومين لاسيّما الذين شاركوا في معركة بدر، حيث قال تعالى بحقهم :
{وَلَكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشْكُرونَ} (المائدة/ 6). (17)
وممّا يبعث على الأسف هو عند اضطرام نار التعصب فإنّها تلتهم كل شيء وتحوِّله إلى رماد، وبالأساس فإننا نفتقد في القرآن الكريم مثل هذه الآية بشأن معركة بدر، وما نزل بشأن معركة بدر هو : {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيطَانِ}. (الانفال/ 11)
وظاهر هذه الآية تتعلق بنزول المطر (في معركة بدر) واستثمار المسلمين له للغسل والوضوء، ولا ترتبط ببحثنا أبداً، إلّا أنّ هذا الأخ المتعصب حذف مطلع الآية وجاء بعبارة «ليطهركم» فقط، وعدّها دليلًا على طهارة وقداسة الصحابة كافّة.
وبالطبع فإنّ عبارة : {وَلَكِن يُريدُ لِيُطَهَّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكم تَشكُرُونَ} لم تأتِ بشأن أصحاب بدر، بل جاءت في ذيل آية الوضوء والغسل والتيمم، وواضح أنّها تشير إلى الطهارة التي تحصل من هذه المطهرات الثلاثة، فكيف يصادرها هذا المفسر الشهير من هناك ويذهب بها إلى ميدان بدر، ويصادر أمراً يخص الغسل والتيمم ويقحمه في موضوع بحث العصمة؟ إنّه أمرٌ غامض.
ويثار هنا سؤال آخر وهو : إذا كانت الآية دليلًا على عصمة هؤلاء العظماء، فلماذا جاءت «يريد» بصيغة «الفعل المضارع» إذن؟
فإن كانوا معصومين فلماذا يقول : «يريد اللَّه» فهل أنّ تحصيل الحاصل ممكن؟ لماذا لم يقل «أراد اللَّه بصيغة الفعل الماضي»؟ (18).
لو كان قائل هذا الكلام يبحث التعبير ب «يريد» في آيات القرآن الكريم بدقة وتمعُّن لما تفوَّه بمثل هذا الكلام، لأنّ هذه الكلمة طالما استعملت في الكثير من آيات القرآن الكريم بشأن الامور المتعلقة بالإرادة المستمرة من الماضي وحتى الآن، ومن الآن إلى المستقبل، وبتعبير آخر : إنّ هذه العبارة غالباً ما تستعمل للدلالة على استمرار وثبات المشيئة على شيء ما في الماضي والحاضر والمستقبل، ويمكن ملاحظة صدق هذا الكلام في الآيات التالية :
{وَمَا اللَّهُ يُريدُ ظُلْماً لِلعَالَمِينَ} (آل عمران/ 108) .
{يُريدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} (البقرة/ 185) .
{يُريدُ اللَّهُ انْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (النساء/ 28) .
وبديهي أنّ مفهوم هذه الآيات ليس هو أنّ اللَّه أراد ظلماً في السابق، وكان يريد بكم العسر قبل ذلك، أو أنّه لم يُرِدْ سابقاً التخفيف عنكم واليوم فعل هكذا، بل إنّ مفاد هذه الآيات جميعها هو أنّه أراد هكذا في الماضي والحاضر وفي المستقبل.
وكذلك قال تعالى بشأن الشيطان : {وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَنْ يُضِلَّهُم ضَلَالًا بَعِيداً}. (النساء/ 60)
و{انَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ انْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضَاءَ فِى الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ} (المائدة/ 91).
و{بَلْ يُرِيدُ إِلانسَانُ لِيَفْجُرَ امَامَهُ} (القيامة/ 5).
يتضح جلياً من خلال هذه الآيات بيان الإرادة المستمرة للشيطان في الماضي والحاضر والمستقبل لإغواء الناس، وذلك بخلق العداوة والبغضاء عن طريق الخمر والقمار، وكذا مفهوم الآية الثالثة، وهو : إنّ الإنسان الجاحد يريد أن يكون متحرراً على الدوام ويرتكب الذنب، لذا فهو ينكر القيامة.
هنالك آيات كثيرة في القرآن تتابع هذا الموضوع، غير هذه الآيات الست أعلاه التي تبيّن أنّ استعمال كلمة «يريد» بنحو الاستمرارية يشمل الأزمنة الثلاثة.
على هذا الأساس فمفهوم الآية الكريمة : {انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِجْسَ}، هو تعلُّق الإرادة الإلهيّة المستمرة بطهارة وقداسة وعصمة أصحاب الكساء.
______________________________
(1) تفسير در المنثور، ج 5، ص 196 و 199.
(2) تفسير الميزان، ج 16، ص 311.
(3) ذكر الطبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية مورد البحث، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، ج 2، ص 56، الحديث أعلاه.
(4) تفسير مجمع البيان، ذيل الآية محل البحث.
(5) صحيح مسلم، ج 4، ص 1883، ح 2424 (باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله).
(6) شواهد التنزيل، ج 2، ص 33، ح 376.
(7) صحيح الترمذي، ج 5، ص 699، ح 3871 (باب فضل فاطمة).
(8) تفسير الكبير، ج 8، 105 ص 80.
(9) مسند أحمد، ج 1، ص 330 و ج 4، ص 107 وج 6، ص 292 (نقلًا عن فضائل الخمسة، ج 1، ص 276 وما بعدها).
(10) شواهد التنزيل، ج 2، ص 11 و 12 و 13 و 14 و 15 و 92 (انتبهوا إلى أنّ شواهد التنزيل نقل هذه الرواية بطرق عديدة).
(11) شواهد التنزيل، ج 2، ص 28؛ واحقاق الحق، ج 2، ص 503 إلى 548.
(12) تفسير در المنثور، ج 5، ص 199.
(13) وردت في شواهد التنزيل أربع روايات بهذا الصدد، ج 2 من ص 24- 27 (ح 659 و 660 و 661 و 664).
(14) اقتباساً من احقاق الحق، ج 2، ص 502 إلى 563.
(15) تفسير روح المعاني، ج 22، ص 12.
(16) المصدر السابق، ص 13.
(17) تفسير روح المعاني، ج 22، ص 17، (ذيل الآية 33 من سورة الأحزاب).
(18) تفسير روح المعاني، ج 22، ص 17.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|