أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-09-2014
1354
التاريخ: 18-3-2016
1213
التاريخ: 27-11-2015
1173
التاريخ: 27-11-2015
1847
|
اعتقد أغلب علماء المسلمين بأنّ هذه المسألة من ناحية البعد العقلي هي فرعٌ من مسألة (الحُسن والقُبح) ، لذا يتوجب علينا هنا متابعة هذه المسألة ، وذكرنا عصارة منها هنا :
كان الأشاعرة (جماعة أبو الحسن الأشعري المدعو علي بن اسماعيل والذي كان من متكلمي أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري) يُنكرون (الحسن والقبح) العقليين بالمرّة ، ويقولون : إنّ عقلنا ليس بقادر لوحده على إدراك الصالح والطالح ، والحسن والقبيح من الأشياء ، ومعيار معرفتهما هو الشرع.
فما يستحسنه الشرع فهو حَسنٌ ، وما يستقبحه فهو قبيح ، حتى الأمور التي نعتقد اليوم بحُسْنها وقُبحها ، فإذا قال الشرع خلاف ما نعتقد لقلنا مثل قوله ، حتى وإن سُئِلوا : هل يُدرك العقل حُسْن العدالة والإحسان ، وقبح الظلم والبخل ، وقتل الأبرياء؟ لقالوا : لا! فيجب الإستعانة فقط بتوجيهات الأنبياء وأولياءِ اللَّه.
وفي مقابل هؤلاء يقف (المعتزلة) و (الشيعة) الذين يعتقدون باستقلال العقل في إدراك الحسن والقبح ، فمثلًا يعتبرون حُسن الإحسان ، وقبح الظلم من بديهيات حكم العقل.
طبعاً إنّهم لا يقولون : إنّ العقل قادرٌ على إدراك جميع المحاسن والمساوي ، لأنّ إدراكه محدود على أيّة حال ، بل يقولون : إنّ العقل يدرك القسم الواضح جدّاً منها ، ويُعدّونها من المستَقلات العقليّة.
ذكر (فاضل القوشچي) ثلاثة معانٍ للحسن والقبح :
1- (صفة الكمال والنقص) ، كقولنا : الِعلمُ حسنٌ ، والجهل قبيحٌ ، لأنّ العلم يمنح صاحبه الكمال ، والجهل يخلّف النقصان.
2- الحسن بمعنى (التنسيق مع المقصود) ، والقبح بمعنى (عدم التنسيق مع المقصود).
هذا هو ما يُعبَّر عنه أحياناً ب (المصلحة) أو (المفسدة) فنقول : العمل الفلاني حسن ومن ورائه مصلحة ، أي يُقربنا أو يقرب المجتمع الإنساني من أهدافه ، أو الأمر الفلاني فيه مفسدة وقبيح ، لأنّه يُبعدنا عن الأهداف الأساسيّة ، سواءٌ كانت هذه الأهداف ماديّة أو معنويّة.
3- الحسن بمعنى (الأمور المستحقّة للثناء والثواب الإلهي) ، والقبح بمعنى (الأمور المستحقة للتوبيخ والعقاب).
ثم أضاف قائلًا : وموضع الشجار والنزاع بين الأشاعرة والمعتزلة هو هذا المعنى الثالث (1) (2).
ولكن الحق هو أنّ هذه المعاني الثلاثة غير منفصلة عن بعضها ، لأنّ الثواب والثناء يعود إلى الأفعال والأعمال التي فيها مصلحة معينة ، وتقرّب الإنسان إلى مراحل الكمال طبعاً ، كما هو حال الصفات الكمالية كالعلم الذي يُقرّب الإنسان من هذه الأهداف.
وعليه فإنّ هذه المعاني الثلاثة لازمة وملزومة ببعضها ، وإن فرّق «فاضل القوشچي» بينها فإنّما هو لتعبيد الطريق للإجابة على استدلالات جماعة (الحسن والقبح العقليين) ، فمثلًا يَرُدُ على استدلالهم هذا عندما يقولون : (نحن ندرك حسن الإحسان وقبح الظلم بحكم ضرورة الوجدان). فيقول : إنّ هذا الكلام صحيحٌ بالمعنى الأول والثاني ، وغير صحيح بالمعنى الثالث.
لذا يُمكن القول في تعريف (الحسن والقبح) بأنّ الأفعال الحسنة هي الأفعال التي تقرّب الفرد أو المجتمع البشري من الكمال المطلوب ، أو تربّي فيه الصفات الكماليّة ، وتقرّبه من الأهداف التكاملية ، ومثل هذه الأعمال فيها مصلحة طبعاً ومحببة من قبل اللَّه سبحانه وتعالى وتستحق الثواب ، وعكسها الأفعال القبيحة.
الآن وبعد أن عرفنا معنى (الحسن والقبح) والأراء المختلفة حول عقلانيتهما وعدم عقلانيتهما ، لننظر أيّاً منهما أحق من صاحبه.
لا ريب في أنّ الذهن الفارغ من تأثيرات هذا وذاك يعتقد إجمالًا بعقلانية الحسن والقبح ، ويبدو أنّ المنكرين كانوا قد خضعوا لتأثيرات مسائل اخرى أدّت بهم إلى الوصول إلى هذه النتيجة (كالطريق المسدود الذي وصل إليه دعاة مسألة الجبر والتفويض التي أشرنا إليها سابقاً) ، والدليل على إثبات هذا الموضوع إجمالًا أمران :
أ) عندما نُراجع وجداننا نلاحظ أَنَّهُ حتى على فرض عدم ارسال اللَّه أيّ رسولٍ أو نبي ، تبقى مسائل الظلم والجور وإراقة دماء الأبرياء وسلب الأموال ، وحرق بيوت الأبرياء ونقض العهود وإثابة المسيء ، من القبائح ، وبالعكس ، فالإحسان ، التضحية ، الفداء ، السخاء ، مساعدة الضعفاء ، الدفاع عن المضلومين ، حسن وذو قيمة.
فنحن نعتقد بأنّ هذه الأعمال- التي ذكرناها أخيراً- ناشئة من صفات الكمال ، وباتّجاه أهداف المجتمع البشري وتستحق الثناء والثواب ، في حين أنّنا نعتبر أعمال المجموعة الأولى ناشئة من النقص ، وتؤدّي إلى الدمار والفساد الفردي والاجتماعي وتستحق التوبيخ والعقاب.
لذا فإنّ جميع العقلاء ، حتى اولئك الذين لا يدينون بشريعة أو دين معين وينكرون جميع الأديان ، يعترفون بهذه الأمور ، ويؤسسون نظامهم الاجتماعي (ولو في الظاهر) وفقها ، ويعتبرون أي نغمةٍ مخالفةٍ قد تظهر من زاويةٍ معينة ، بأنّها حتماً ناشئة من (الأخطاء) أو نوع من النزاع اللفظي واللعب بالألفاظ.
فأي عقلٍ يسْمح بأن نقتل جميع المحسنين والصالحين ونلقي بهم في البحر ، ونفتح أبواب السجون أمام الجناة والأشقياء ونمنحهم الحريّة ونسلّمهم مقاليد الأمور؟!
ب) إن أنكرنا مسألة الحسن والقبح لتزلزلت أسس جميع الأديان والشرائع السماويّة ، ولما أمكن إثبات أي دين ، لأنّ من يُنكر الحسن والقبح عليه أن يقبل بكذب الوعود الإلهيّة التي أعطاها اللَّه في جميع الأديان ، وإن كان اللَّه قد قال : إنّ الجنّة مأوى المحسنين ، والنار مثوى المسيئين ، فما المانع لو كان الأمر بعكس ذلك !؟
وكذّب اللَّه (العياذ باللَّه) في جميع هذه المسائل ، ولا قباحة في الكذب !!
وكذا ما المانع من أن يجعل اللَّه المعاجز في تصرّف الكذّابين؟ ليخدعوا عباده ويحرفوهم عن الطريق الصحيح !
وعليه فلا تبقى هنالك ثقة بالمعاجز ، ولا بما يأتي به وحي السماء ، إلّا أن نقبل بقباحة هذه الأمور ، ونزاهة اللَّه عن فعل القبيح ، فتقوى الأسس الشرعيّة وتصير المعجزة دليلًا على النبوة ، ويصير الوحي دليلًا على بيان الحقائق.
_____________________
(1) شرح تجريد القوشچي ، ص 441.
(2) هنالك معنى رابعٌ للحسن والقبح والذي هو خارج عن بحثنا ، وهو الحسن بمعنى موافقة الطبع (الوجه الجميل) والقبيح بمعنى منافرة الطبع.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|