المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6387 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
اصناف وتوزيع البرسيم الحجازي في مصر
2025-01-09
اليوريا ( Urea )
2025-01-09
ذرة الكربون غير المتماثلة
2025-01-09
لتشابه الضوئي Optical isomerism
2025-01-09
طرق تحضير الألكاينات
2025-01-09
حامض اليوريك Uric Acid
2025-01-09



حبّ الجاه  
  
66   03:20 مساءً   التاريخ: 2025-01-08
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج3/ ص7-24
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / الرذائل وعلاجاتها / حب الدنيا والرئاسة والمال /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-25 971
التاريخ: 2024-05-25 1199
التاريخ: 2024-02-03 1065
التاريخ: 27-8-2022 1493

تنويه :

تختلف الميول الإنسانية من شخص إلى آخر فالبعض يحب المال والبعض الآخر يحب الجمال وآخر يحب الكمال ، وآخر يطلب المقام والجاه ، أي يطلب الوجاهة ، فيجب أن يحترمه الناس وينحنون له ، ويريد أن يشيرون إليه بالبنان ويطلبون منه حوائجهم ، وبعبارة أدق يحس بأنّه أرفع شأناً من الباقين ، له الكلام الأول والأخير وإن كان أقل فهماً ودرايةً ، ويسمى مثل هذا الشخص بالراغب للوصول لأعلى المراتب أو محب الجاه.

هذه الصفة تتوفر في الكبار أكثر منها لدى الشباب والصغار ، وفي بعض الأحيان ترافق الإنسان حتى الممات ، فتتلاشى كل قواه إلّا حبّ الجاه فهو راسخ في القلب بل يزداد رسوخاً وقوّة كلما امتد العمر في الإنسان.

هذه الرذيلة هي مصدر لكثير من المفاسد والفردية ، فهي تبعد الإنسان عن الخَلق والخالق ، ولأجل الوصول لأهدافه المشؤومة تقحمه في المهالك ، والأنكى من ذلك أنّها تظهر في الغالب بصورة حسنة مثل الاحساس بالمسؤولية والعزم على أداء الواجبات الاجتماعية ولزوم الإرادة الصحيحة وما شابه ذلك ، فقد جاء في الحديث : «آخرُ ما يَخرُجُ مِنْ قُلوبِ الصِّدِّيقِينَ حُبُّ الجاهِ»، ويبين هذا الحديث خطورة هذهِ الرذيلة الأخلاقية.

والجدير بالذكر أنّ هذه الصفة لها صلة وثيقة مع الرياء والتكبر والعُجب وغالباً ما يُشتبه بينها وبين مثيلاتها.

وبهذه الإشارة نعود لنستوحي ما ورد عن عللها وعواقبها في القرآن الكريم :

1 ـ في حادثة السامري التي جاءت في سورة طه في الآيات 85 و 88 و 95 و 96 تبين أنّ حبّ الجاه هو السبب في ضلال السامري وجمع غفير معه من بني اسرائيل حيث قال : (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ ... فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ...

قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ـ قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)([1]).

2 ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)([2]).

(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)([3]).

3 ـ (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ)([4]).

4 ـ (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ... فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)([5]).

5 ـ (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)([6]).

6 ـ (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ)([7]).

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)([8]).

تفسير واستنتاج :

ذم طُلاب الجاه

كما أشرنا سابقاً أنّ حبّ الجاه يعني التعلق الشديد بالمكانة والمنزلة الاجتماعية والسعي لنيلها بأي صورة كانت ، وهو من الرذائل الخطيرة التي لا تؤثر على الجوانب الروحية للإنسان فحسب بل تجعل الشخص منبوذاً اجتماعياً ، ويعيش العزلة القاتلة.

ولقد رأينا على مدى تاريخ الأنبياء (عليهم ‌السلام) والأقوام السالفة ، كم كانت هذه الرذيلة منتشرة ومتفشية فيهم ، بحيث تحدث عنها القرآن الكريم في أكثر من آية وسورة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ كثيراً من الرذائل لها مفاهيم مشتركة ، وكما يقول المثل وجهان لسكة واحدةٍ ، بحيث يمكن أن يصدر فعل قبيح من الإنسان يكون مصداقاً لعدّة صفات رذيلة ، وقد نزلت في مثل ذلك آيات من القرآن الكريم تعكس هذا المعنى لبعض الرذائل كالتكبر والغرور والأنانية والعجب والرياء وحب الجاه.

وعلى أية حال ، نرى في الآيات الاولى قصة السامري المعروفة لدى الجميع ، فللسامري سمعة قبيحة عند بني اسرائيل ، وكان محبّاً للجاه بشكل غريب ، حيث استغل غياب النبي موسى (عليه‌ السلام) وذهابه للقاء ربّه في طور سيناء ، فصنع من حلّي بني اسرائيل عجلاً جسداً له خوار ، فعند ما كانوا يضعونه في اتجاه الهواء تصدر منه أصواتاً غريبة، أو يقال أنّه جمع مقداراً من التراب الذي كان تحت أقدام جبرائيل (عليه‌ السلام) أو مركبه الذي ظهر به عند ما فرعون وجنوده في اليم ، فوضع ذلك التراب داخل العجل الذهبي ، والصوت الذي كان يصدر منه من بركة ذلك التراب. وبعدها دعا السامري الناس لعبادة ذلك العجل ولم يمرّ وقت طويل حتى استجاب له بعضهم وعبدوا العجل وسجدوا له.

وقال الله تعالى في القرآن الكريم : (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ).

فرجع موسى غضبان أسفاً إلى قومه وعاتب أخاه هارون عتاباً شديداً ، وتبرأ القوم من فعلهم واتهموا السامري فقال سبحانه وتعالى : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ...).

وتوجه بعدها موسى (عليه‌ السلام) إلى السامري : (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ـ قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي).

كان هدف السامري من تلك الفتنة المضلّة هو الوصول إلى الجاه والمنصب والمقام ، فعاقبه الباري تعالى بالطرد من المجتمع والانزواء (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ).

فكان في الشريعة الموسوية وقوانينها الجنائية ، أنّ الإنسان ، إذا ما أذنب ذنباً كبيراً ، ينظر إليه وكأنّه رجس خبيث نجس فلا يحق أن يمسّه أحد ولا يمس هو أحداً.

ويقال : إن السامري ابتلي بمرض نفسي ووسواس شديد بحيث كان يخاف من جميع الناس وإذا ما تقرب إليه أحد يصيح ويقول «لا مساس» ، نعم فهذا هو جزاء من يحب الجاه ويتلاعب بالدين لأجل أغراضه الدنيوية.

وتتطرق الآيات القرآنية في «الآية الثانية» إلى نوع آخر من حبّ الجاه والمقام لبني اسرائيل ، فقد طلبوا أمراً عجيباً من موسى (عليه‌ السلام) ، فقالوا : «ارنا الله جهرةً» وإلّا لن نؤمن لك أبداً ، فأخذتهم الصاعقة ، ولو لا لطف الباري تعالى لماتوا إلى الأبد ، وفيها قال تعالى في قرآنه الكريم : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

ولكن ما هي الصاعقة؟

إنّها رعد وبرق ينتج نتيجة اصطدام الغيوم ببعضها ، فهي تحمل الكهربائية الموجبة وعند وصولها للأرض تبحث عن الكهربائية السالبة فتتحد معها بدرجة حرارة تصل إلى 15000 مئوية فتحدث صوتاً مهيباً وإذا ما اصابت مكاناً ما فستدمره تدميراً كاملاً.

في قصة بني اسرائيل عند ما وقعت الصاعقة على بني اسرائيل وتجلّى الباري للجبل وجعله دكّاً مات جميع من اختارهم موسى (عليه‌ السلام) من بني اسرائيل وعددهم (70) نفراً من شدة الخوف والهلع الذي أصابهم ، وبقي موسى على قيد الحياة ولكنه غاب عن الوعي وعند ما أفاق ، طلب من الباري تعالى العفو والمغفرة ودعا لهم بالحياة فاستجاب الباري دعاءه وأحياهم وعلم هؤلاء القوم المعاندين إلى أنّهم ليسوا بشيء أمام قدرة الباري تعالى.

أشار القرآن الكريم إلى هذهِ الحادثة في مكان آخر وآية اخرَى فقال : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ).

فيمكن أن يكون ذلك الطلب من التذرع أو من حبّ الجاه أو من الاثنين معاً ، ويستمر القرآن الكريم ويقول قد سألوا أكبر من ذلك ([9])(فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ).

فهذه التعبيرات وما شابهها تبيّن مدى تغلغل حبّ الجاه والكبر والغرور والعناد في قلوب بني اسرائيل ، ولذلك كانوا دائماً يتذرعون ويتحججون في كل وقت ، وهي نفس الصفات الرذيلة التي نراها عند اليهود في وقتنا الحاضر ، ولحد الآن يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار ، ويفكرون في السيطرة على اقتصاد العالم ، مع عدم قدرتهم وكفاءتهم على ذلك.

ولم يكن حبّ الجاه متغلغلاً في قلوب بني اسرائيل فحسب ، فالفراعنة ونمرود كانوا أيضاً من مصاديق ذلك ، فنقرأ في القسم الثالث من الآيات ، أنّ الباري تعالى قال عن فرعون : (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ).

وقد جمع فرعون في هذه الآية عدّة رذائل ، الغرور ، التكبر ، حبّ الجاه واغفال البُسطاء من الناس ، والغريب في الأمر أنّ فرعون شاهد معجزات النبي موسى (عليه‌ السلام) بعينه ولكنه أصرّ واستكبر وتمسك بمسألة الطبقة الاجتماعية والأسورة من الذهب ، ولثغة موسى (عليه‌ السلام) في الكلام (بالرغم من أن اللثغة قد زالت منه بعد البعثة بعد ما طلب موسى ذلك من الله تعالى).

وعلى أيّة حال فإن فرعون لم يزد قومه إلّا ضلالاً.

وفي «الآية الرابعة» من هذه الآيات نواجه قصة «قارون» فهو من النماذج البارزة للأشخاص الذين يعيشون حبّ الجاه عند بني اسرائيل ، وهي الصفة القبيحة التي أودت بحياته وأرسلته إلى الحضيض.

فيا للعجب من الغرور وحبّ الجاه كيف يضع الحجب على بصيرة وفهم الإنسان ويمنعه من درك أكثر الامور بداهةً ، فعند ما وعضه بعض بني اسرائيل وقالوا له : بما أنّ الله قد أنعم عليك فابتغ فيما آتاك الله من النعم الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا ، فكل شيء آيلٌ إلى الزوال وإيّاك أن تستعمل هذه الأموال للإفساد في الأرض ومحاربة الرسول (عليه‌ السلام).

فقال ذلك الرجل المغرور في جوابه : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ...) قال ذلك واستمر في عناده وجموحه ، ولأجل أن يرضي غريزة حبّ الجاه عنده ، خرج على قومه بزينة من الخيل والخدّام وكثرة الغلمان الذين كانوا يجلسون على سرجٍ من ذهب ويلبسون أنواع الحُلي الذهبية.

وقد أخذ مثل ذلك المنظر البرّاق والمخادع بقلوب وعقول بني اسرائيل فقالوا : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

ولكن وكما صرّح القرآن الكريم في هذه الآيات فإنّ الله تعالى خسف بقارون الأرض ودفنت كل أمواله وقصوره والزينة التي كانت عليه وكأن شيئاً لم يكن ، لا قارون ولا امواله ولا زينته المبهرة للعقول!!

وعندها انتبه الذين تمنوا مقام قارون ، انتبهوا من غفلتهم ورجعوا عن قولهم واستعاذوا بالله تعالى من أقوالهم. نعم فإنّ حبّ الجاه والغفلة والغرور ، تغوي الإنسان وتورثه الغفلة عن أبسط الامور البديهية للحياة ، وبما أنّ الإنسان خلق ضعيفاً ، فانّ أوهى عنوان أو امتياز يعرض عليه يغير حياته ويقلبها رأساً على عقب ويفضي به إلى الهلكة لأنّه سرعان ما يدعي القدرة والاستقلال ، بل يتعداها إلى مقام الالوهية.

وفي «الآية الخامسة» من الآيات تتحدث عن فرعون ، وتصوّر لنا حبّ الجاه وأعماله الجنونية حيث خاطب موسى (عليه‌ السلام) قائلاً : (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) بلا شك ، أنّ فرعون بادعائه للربوبية لم يكن من السذاجة بدرجة لا يدرك فيها دعوة موسى (عليه‌ السلام) المنطلقة من التعريف بالله ربّ العالمين ، فهو الحاكم على أرض مصر الوسيعة.

وبديهي أن الأنانية والتكبر وحبّه للجاه ، لم تكن لتسمح له بقبول الحق والمنطق السليم الصادر من الله تعالى على لسان نبيه موسى (عليه‌ السلام).

وهذا هو طريق الطغاة وأفعالهم فدائماً ما يقابلون الحق بالقوّة ، والدليل والبرهان بالسجن!

ولكن عقوبة السجن في مثل هذه المواد لم تكن أداة رادعة في دائرة التصدي لخط الرسالة والنبوة بقيادة موسى (عليه‌ السلام) الذي ضعضع أركان حكومة فرعون ، ولهذا ذكر بعض المفسرين أنّ سجن فرعون لم يكن بالسجن الذي يخرج منه الإنسان حيّاً ، فالمسجون فيه يلاقي شتى أنواع العذاب حتى يموت فيه.

ويدور الحديث في «الآية السادسة» من هذهِ الآيات ، عن مشركي العرب فبدلاً من أن يطلبوا الدليل والبرهان والمعجزة من الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) كانوا يتذرعون بأنواع الذرائع من موقع الانكار والجحود ، فتارة يطلبون منه تفجير الينابيع والعيون من الصحاري المقفرة اليابسة والحارة من أرض الحجاز ، وتارة يطلبون جنات من أعناب ونخيل تجري من تحتها الأنهار ، وتارة يطلبون انزال الحجارة من السماء واخرى حضور الباري تعالى والملائكة والبيوت من الذهب؟ وبعدها يقولون : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ).

فأولئك بطلباتهم تلك ، قد كشفوا عن واقعهم الزائف حيث يعيشون منتهى الكبر وحبّ الجاه الذي ملأ قلوبهم ، واثبتوا أنّ الإنسان عند ما يقع في سلوكه الأخلاقي والفكري تحت تأثير تلك الصفات الذميمة ، فسوف يتحرك بعيداً عن العقل والمنطق.

اختلف المفسرون بأن ما المراد من كلمة (بيت من زخرفٍ)؟

فاحتملوا فيها أمرين : الأول أنّ المراد من الكلمة هو بيت مليء بالذهب أو أشياء مصنوعة من الذهب ، والثاني : أنّ المراد هو بيت منقوش بالزخارف الذهبية ، ولكن التفسير الأول أوفق لسياق الآية وذلك بالنظر إلى عبارة (من زخرفٍ).

في «الآية السابعة» والأخيرة من هذهِ الآيات التي وردت عقيب الحديث عن قارون ، صدر أمر إلهي عام فقال : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

نعم فإن عاقبة محبّي الجاه والمستكبرين ، نفس عاقبة قارون الذي باع كل شيء من أجل حبّه للجاه والمقام وعاش مغضوباً عليه ، وختم حياته باللعن الإلهي إلى الأبد.

ويمكن الاستفادة من عطف الفساد على العلو في الأرض في الآية أنّ المتكبرين ومحبّي الجاه والمقام سيفسدون في الأرض في نهاية المطاف كي يشبعوا عطشهم وغرائزهم ، ولن يتوقفوا عند أي جناية يرتكبونها.

ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام علي (عليه‌ السلام) عند ما آلت اليه الخلافة كان يخرج بنفسه إلى السوق ، فيرشد الضّال ويساعد الضعيف وعند مروره بجانب الباعة والكسبة كان يقرأ عليهم هذهِ الآية : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أنّه عند ما تلا هذه الآية بكى وقال : «ذَهَبَتِ واللهِ الأَمانيُّ عِندَ هذهِ الآيةِ» ([10]).

ويمكن أن يكون مراد الإمام (عليه‌ السلام) أنّه بما أنّ الباري تعالى جعل الآخرة للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا يريدون الرئاسة ، وهو أمر صعب جدّاً ، فسوف لا تبقى امنية للشخص المؤمن في حركة الحياة الدنيوية.

ويستفاد من مجموع الآيات التي ذكرت سابقاً وما شابهها من الآيات أن طلب الجاه والرئاسة ، وخصوصاً إذا ما اقترن بالكبر والغرور والعناد فانّه سيفضي بالحياة الإنسانية إلى السقوط ، وسوف لا تؤثر على الفرد فقط بل تطال المجتمع ايضاً.

حبّ الجاه في الروايات الإسلامية :

ورد الحديث عن هذه الرذيلة مرّةً تحت عنوان (حبّ الجاه) ومرّة تحت عنوان (حبّ الرئاسة) واخرى بعنوان «الشرف» ، ونختار قسماً من تلك الروايات الكثيرة :

1 ـ الروايات التي تتحدث عن مدى تأثير وتخريب هذهِ الرذيلة في دائرة الدين والمعتقد، بحيث جاء في الحديث النبوي الشريف : «ما ذِئبانِ ضاريانِ ارسِلا فِي زَرِيبَةِ غَنَمٍ أكثرَ فَساداً فِيها مِنْ حُبِّ المالِ وَالجاهِ فِي دِينِ الرِّجُلِ المُسلِمِ» ([11]).

وتأسيساً على ذلك ، فإنّ حبّ الجاه والثروة وعبادة المقام تمثل عناصر خطيرة على مستوى عملية هدم الدين وتخريب الإيمان في أعماق النفس ، كما هو الحال في علاقة الذئب والغنم.

2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أيضاً أنّه قال: «حُبُّ الجاهِ وَالمالِ يُنبِتانِ النِّفاقَ فِي القَلبِ كَما يُنبِتُ الماءُ البَقلَ» ([12]).

3 ـ وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) قال : «مَنْ طَلَبَ الرِّئاسَةَ هَلَكَ» ([13]).

4 ـ قد أولت الروايات الإسلامية أهمية كبرى لهذهِ المسألة من موقع التحسس لظهور أبسط العلامات لحبّ الجاه وحذّرت منها ، ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أيضاً : «إِيّاكُم وَهَؤلاءِ الرُّؤساءِ الَّذِينَ يَتَرَأسُونَ فَو اللهِ ما خَفَقْتِ النِّعالُ خَلفَ رَجُلٍ إلّا هَلَكَ وأَهلَكَ» ([14]).

ويجب التنويه إلى أن المستضعفين والمحرومين غالباً ما كانوا حفاة الأقدام في ذلك الزمان والنعال مختص بالغني ، ومن البديهي أنّ هؤلاء لا يتبعون شخصاً في سبيل الله ومن أجل الخير!

5 ـ في حديث عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وفي معرض حديثه عن الجذور الأصلية للذنوب : «أَوّلُ ما عُصِي اللهُ تَباركَ وَتَعالى بِستِّ خِصالٍ حُبِّ الدُّنيا وَحُبِّ الرِّئاسَةِ وَحُبِّ الطَّعامِ وَحُبِّ النِّساءِ وَحُبِّ النَّومِ وَالرَّاحَةِ» ([15]).

6 ـ وعن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أنّه قال : «إِنّ حُبَّ الشّرفِ وَالذِّكرِ لا يَكُونانِ فِي قَلبِ الخائِفِ الرَّاهِبِ» ([16]).

7 ـ وعن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أيضاً : «مَنْ طَلَبَ الرِّئاسَةَ بِغيرِ حَقٍّ حُرِمَ الطَّاعَةَ لَهُ بِحَقٍ» ([17]).

ومن ذلك البيان يتبين أنّ حبّ الجاه والمقام يتقاطع دائماً مع الحق ، ومنه يتبيّن أيضاً أنّ حبّ الرئاسة على نوعين :

الرئاسة بالحق والرئاسة بالباطل :

نقرأ في بعض الآيات أنّ «عباد الرحمن» يطلبون من الباري تعالى أن يجعلهم للمتقين إماماً (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً)([18]).

ومنه يتبيّن أنّ حبّ الرئاسة لا يقع في الدائرة الذميمة دائماً ، كما ذكر هذا المعنى العلّامة المجلسي (قدس ‌سره) في كتابه بحار الأنوار ، حيث قسّم الرئاسة إلى نوعين : «رئاسة بالحق» و «رئاسة بالباطل» ، بعدها ضرب مثالاً لرئاسة الحق وهو التصدي لمقام الفتوى والتدريس والوعظ ، ويعقب قائلاً : إنّ الذي له الأهلية لذلك وهو عالم بالكتاب والسنة وهدفه هداية الخلق وتعليم الناس ، فيجب عليه إمّا عيناً أو كفايةً التصدي لذلك المقام ، ولكن الذي لا علم له ولا اطلاع بالمسائل وليس له هدف إلّا الشهرة وتحصيل المال والمقام ، فتلك الرئاسة الباطلة ، وهذا هو فعل المبتلين بالصفة الرذيلة وهي حبّ الجاه.

وبعدها نقل عن بعض المحققين أن معنى كلمة «الجاه» هو تملك القلب والتأثير عليه ، فحكمها حكم تملك الأموال ، كل هذهِ الامور هي من أهداف الحياة ، وتنتهي بالموت ، والدنيا مزرعة الآخرة ، فالذي يجعل من تلك زاداً له في الآخرة فهو السعيد والمنعم ، والذي يجعل منها وسيلة لإتباع الأهواء فهو الشقيّ الفقير ([19]).

وفي الواقع أنّ الذين يطلبون الرئاسة لأغراض اجتماعية وإنسانية ، أو بعبارة اخرَى يطلبون الجاه للوصول للأهداف الإلهيّة وليس لحب المقام والرئاسة بالذات ، اولئك في الحقيقة السائرون على خط الإمام علي (عليه‌ السلام) الذي يقول : «أما وَالَّذي فَلَقَ الحَبّةَ وَبرَأ النَّسمَةَ لَو لا حُضُورِ الحاضِرِ وَقِيامِ الحُجَّةِ بِوجُودِ النَّاصِرِ وَما أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَماءِ أَلّا يُقارُّوا عِلى كِظّةِ ظالِمٍ وَلا سَغبِ مَظلُومٍ لأَلقَيتُ حَبلَها عَلى غَارِبِها وَلَسَقَيتُ آخِرها بِكأسِ أَولِها» ([20]).

علامات حبّ الجاه :

يمكن معرفة الأفراد الذين يحبون الجاه والمقام عن طريق حركاتهم وكلماتهم وسلوكهم ، فكل ما يفعلوه من خير يرغبون في اظهاره والإعلان عنه ، حتى تكون لهم المنزلة والمقام عند الناس.

وعلى هذا فالذين يحبّون الجاه يتحرّكون في سلوكهم الأخلاقي نحو الرياء غالباً ، لأنّ حبّهم للجاه لا يمكن اشباعه إلّا بالرياء ، ولذلك فإنّ بعض كبار علماء الأخلاق ، ادرجوا عنوان الرياء وحب الجاه سويةً في كتبهم ([21]).

وكثير من الذين يحبّون الجاه يحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وبهذا جاءت الآية الشريفة : (يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا)([22]) فهدفهم الشهرة والوجاهة والإشارة إليه بالبنان ، عن أي طريق كان ، وليس هدفهم من الوجاهة هو التحرك باتّجاه تفعيل الخير في المجتمع من موقع الإصلاحات الاجتماعية ، ولكن الهدف هو مدح الناس وخضوعهم لهم والإشارة إليهم بالبنان كما قلنا ، فهم يسعون للأعمال التي فيها الشهرة وإن كان مردودها قليلاً ، ولا يسعون أبداً للأعمال التي لا تحقق لهم الوجاهة والسمعة وإن كانت تلك الأعمال تعود بالنفع الكثير للمجتمع.

محبو الجاه يتوقعون أن يُمدحوا دائماً ، ولا يرغبون بالنقد والتأنيب وينتظرون الاحترام من الجميع في المجالس وغيرها ولا يحبون أن يجلس أحد في مكان أعلى منهم ، أو يقاطعهم في أثناء كلامهم ويجب أن يكون كلامهم هو الكلام الأول والأخير ، ومن قدّم إليهم صنوف المدح وآيات الاحترام والتبجيل فهو إنسان شريف ويعترف بالجميل ، ومن لم يكن كذلك فهو لئيم وناكر للجميل ، ولذلك فإن مثل هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون منبوذين ومكروهين ، ورجوع بعض المحتاجين إليهم هو من باب الإجبار وعدم الحيلة.

مثل هؤلاء الأفراد يعرفون بسرعة ، وجاء في حديث عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) : «إنَّ شِرارَكُم مَن أَحبَّ أن يُوطّأ عَقِبَهُ» ([23]).

ونقرأ في حديث آخر عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) : «مَنْ أَحبَّ أن يُمثّل لَهُ الرِّجالُ فَليَتَبَوءَ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ([24]).

ومن العلامات الاخرى لهم ، أنّهم يعيشون في حالة الوهم والشخصية الخيالية الضاربة في أحلام اليقظة ، فما لا يحصلونه في عالم الواقع من المنزلة والجاه والاحترام يجدونه حاضراً في عالم الوهم والخيال.

أسباب ومقاصد حبّ الجاه :

في بحث «حبّ الجاه» علّق المرحوم «الفيض الكاشاني» تعليقاً لطيفاً ، فقال : «إنّ تعلق الناس بحب الجاه والمقام ، أو بعبارة اخرَى أنّ حبّ التسلط على القلوب أقوى من حبّ المال والثروة ، لأنّ الوصول للمال والثروة يكون عن طريق الجاه ، أسهل منه عن طريق المال للجاه ، حيث يوجد الكثير من المتمولين لكن لا سيطرة لهم على قلوب الناس ، ولكن الذين يستطيعون التأثير على القلوب ، يكون تحصيل المال والثروة أسهل لهم.

ثانياً : الأموال تكون معرضة للتلف والحفاظ عليها يعدّ أمراً صعباً لكن الذي يملك

القلوب يكون المحافظة عليها أسهل (وإن كانت في هذا الطريق أسهل).

ثالثاً : التسلط على القلوب يزداد يوماً بعد يوم بدون تجشم عناء كبير ، ونفس مدح وثناء الناس كفيل بنشرها ، ولكن جمع وزيادة الأموال يحتاج إلى تجشم العناء الكبير» ([25]).

ولقد ذكر المرحوم الفيض الكاشاني هذا الكلام لبيان ميل الإنسان لحالة «الجاه والمقام» ، ولكن إذا دققنا النظر فسنرى أنّه يمكن أن نعتبرها من الدوافع «لحب الجاه» ، لأنّه عند ما يكون الجاه والمقام سبباً لزيادة الأموال والوصول إلى جميع الأماني والأهواء ، علاوةً على خضوع الناس وتواضعهم ، فمن الطبيعي أن تتوجه الأنظار إليه ، بحيث يمكن القول أنّه لا يكاد أن ينجو منه أحد ، وإن كان بمرتبةٍ أضعف عند بعض الناس ، وقد ورد في كلمات أهل المعرفة والحكمة أنّه : «آخِرُ ما يَخرُجُ مِنْ قُلُوبِ الصُّدِيقِينَ حُبُّ الجاهِ» ([26]).

ومن الأسباب الاخرى لحبّ الجاه هو «حبّ الذات» المفرط عند الإنسان ، حيث يتحرّك الإنسان لإرضاء هذا الدافع المترسخ في أعماق النفس بكل وسيلة تمكنه من تحصيل ذلك الغرض ، ومنها المقام والمنزلة في واقع المجتمع.

وهناك دوافع اخرى لهذه الحالة النفسية مثل الشعور بالحقارة والدونية ، فالأشخاص الذين ذاقوا مرارة الحقارة وعاشوا الإهانة من الآخرين لأي سبب كان فإنّهم يسعون وعن طريق حبّ الجاه والأماني الكاذبة لتعويض ذلك النقص.

وكذلك الحسد والحقد والانتقام يمكنها أن تكون من الأسباب وعلل حبّ الجاه ، فإنّ من يعيش الحسد تجاه الآخر يتحرّك من موقع طلب الرياسة والمنزلة الاجتماعية ليكون الآخر في موقع أسفل منه في دائرة العلاقات الاجتماعية ويستغل الفرصة لتنفيذ ما في قلبه من الحسد والحقد والانتقام.

والخلاصة أنّ حبّ الجاه من الرذائل المعقدة التي لها جذور ومشتركات مع كثير من الرذائل الاخرى.

علاج حبّ الجاه :

بالنظر للأبحاث التي مرّت بنا في الوقاية أو معالجة الرذائل الأخلاقية اتضح لدينا أصل كلّي وهو أن المبتلين بتلك الرذائل الأخلاقية إذا ما تنبهوا للعواقب السيئة لهذهِ الصفات ، فإنّهم في الأغلب الأعم سيفكرون في طرق العلاج لها وتركها.

وهذا الأصل يصدق أيضاً في مورد حب الجاه ، فإذا ما انتبه المبتلى بحبّ الجاه الى أنّ هذهِ الرذيلة لا تبعده عن الخالق فحسب بل عن المخلوق ايضاً ، فيهرب منه الصديق ويبتعد عنه الناس ، وأنّ هذه الصفة ستجرّه للرياء الذي هو من أخطر الذنوب أو ربّما يصبح «كالسامري» و «قارون» اللذان كفرا وعادا نبي الله (عليه‌ السلام) ، وإذا ما علموا أنّ تأثير حبّ الجاه على الإيمان القلبي للإنسان كمثل الذئب الضاري في قطيع الغنم ، فلا يسلم دين وإيمان للإنسان في حركة الحياة الروحية ويستبدله بالنفاق الذي ينبت في قلب المحب للجاه كما ينبت الزرع في الأرض السهلة ، فإذا علم الإنسان بكل هذه المخاطر والآثار المخرّبة لهذه الرذيلة فسوف يجدد النظر في سلوكياته وأعماله قطعاً.

وإذا فكر هذا الشخص بعدم ثبات هذهِ الدنيا والتفت إلى قصر العمر وأنّ النعم مواهب مؤقتة وعارية مستردة أو على حد تعبير بعض علماء الأخلاق ، أنّ كل الناس شرقاً وغرباً لو سجدوا للإنسان لمدّة طويلة فلا يلبث أن يموت الساجد والمسجود له ، فمن الأكيد أنّه سينتبه من غفلته ويرعوي من سلوكه.

ومن الدروس الاخرى النافعة في التخلص من حبّ الجاه والسلطة هو مطالعة أحوال وحياة فرعون ونمرود وقارون والسامري ، ونهاية حياتهم المؤسفة ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإنّ حب الجاه ناشئ من ضعف الإيمان خصوصاً الاعتقاد بالتوحيد الأفعالي ، فبتقوية دعائم الإيمان في أعماق القلب سيزول حب الجاه ، فمن يدرك عظمة الله تعالى ، يوقن أنّ العالم بأسره لا يساوي شيئاً في مقابل ذاته المُقدّسة ، وأن العزّة والذلة والعظمة والحقارة بيد الله تعالى ، والأهم من ذلك كلّه أن القلوب بيد خالقها ، فلا يمكن الاعتماد على اقبال الناس وإدبارهم ، فإن إقبالهم وإدبارهم لا ثبات فيه مطلقاً ولا يعتمد عليه ، فالبعض يمثّلهُ بالقِدر فيه ماء وصل الى درجة الغَليان فهو في حالة تَغيّر مستمر ، ومن يتحرّك في تدبير اموره على ذلك الأساس فَمثله مثل الذي يريد البناء على أمواج البحر ، والمراهنة على معطيات رضا الناس وحالة الاعتماد عليهم لا ينتج الضرر الاخروي فقط ، بل لا ينسجم حتى مع خط العقل في سلوكياتنا الدنيوية أيضاً.

كل ما ورد هي طرق العلاج من الناحية العلمية ، وأمّا من الناحية العملية ، فطريقة علاج حب الجاه هو أن يضع الشخص نَفْسَه في حالة يميتُ فيها «حب الجاه» ، فمثلاً يجلس في المجالس العامة مع الأفراد العاديين وليس مع الشخصيات المرموقة ، وعلى مستوى اللباس ، يجب أن يتّخذه من النوع المتوسط وكذلك بيته ومركبه وطعامه وأمثال ذلك.

ويعتقد بعض اعاظم علماء الأخلاق ، أنّ أفضل طريقة لقطع حب الجاه هو العزلة عن الناس ، بشرط ان لا تكون العزلة بدورها وسيلة لكسب الجاه عند الناس بطريقة غير مباشرة.

وقد كان كثير من المتصوفة ودعاة العرفان ، ولأجل كسر حب الجاه في نفوسهم يتصرفون في واقع الممارسة بسلوكيات لا يقبلها الشرع ، والعجيب أنّهم كانوا يسمّون مثل هذهِ الذنوب الجلية بالذنوب «الصورية» القابلة للصفح والتسامح ، وينقل المرحوم «الفيض الكاشاني» أنّ أحد الملوك القدماء قرر الذهاب الى زاهد زمانه ، وعند ما أحسّ ذلك الزاهد قرب وصول الملك أمر بأن يأتوه بالخبز والخضروات ، وأخذ يأكل بنهمٍ وحرص ويكبر اللّقمة في يده ، وعند ما رأى الملك ذلك المنظر ، سقط الزاهد من عينه وعاد إدراجه بدون أن يكلمه بشيء ، فقال الزاهد : «الحَمدُ للهِ الّذِي صَرَفَكَ عَنّي».

وينقل عن بعضهم أنّهم كانوا يأخذون بعض الأشربة ويضعونها في آنية ملوّنة كي يتصور الناس أنّهم يشربون الخمر وبذلك يسقطون من أعينهم.

وينقل أيضاً عن آخر عرف بالزهد بين الناس وأصبح محطّاً للأنظار ، فدخل الحمّام يوماً ولبس ثياب شخص آخر تعمداً ووقف في وسط الطريق فعرفه الناس فأخذوه وضربوه واخذوا الثياب منه وأعادوها لصاحبها ، وقالوا هذا رجل كذّاب ومخادع ، وابتعدوا عنه!!

بلا شك أن هذهِ الأعمال وما شابهها قد تكون من الموارد المحرمةً قطعاً وفي اخرَى من المكروهات ، ولم يبيح الشارع المقدس أبداً أن يضع الإنسان المسلم نفسه في هذهِ المواضع حتى يلوّث سمعته ويسقط من أعين الناس ، وكما أنّ سوء الظن بالناس محرم في الاسلام ، فكذلك توفير عوامل سوء الظن هو بدوره من المحرمات.

وعليه يجب أن تكون الطرق في تهذيب الأخلاق مشروعة ومطابقة للموازين الإسلامية والعقلية ، ومع وجود الطرق الشرعية لا داعي لسلوك السبل غير المشروعة.

والعجيب في الأمر أن المرحوم «الفيض الكاشاني» عند ما ذكر تلك الامور عقّب قائلاً : إنّ وضع الشراب المحلل في آنية توهم الناظر بالشرب للمحرم هو محل تأملٍ من الناحية الفقهية ولكن أهل الحب والهوى يمكن أن يعالجوا أنفسهم بأمور لا يفتي بها الفقيه أبداً ، ويعتبرونها من طرق إصلاح القلب ، فبعد ارتكابهم لتلك الذنوب «الصورية» كانوا يجبرونها بالأعمال الخيريّة ، وبعدها يذكر قصة سارق الحمّام ([27]).

لو كان هذا الكلام من بعض المتصوفة لما كان محلاً للتعجب ، ولكن يصدر من فقيه معتبر كالفيض الكاشاني ، فهو غير متوقع منه ، فالتسلط على أموال الآخرين ولبس ثياب شخص آخر في الحمام هو من الذنوب القطعية ، وهو ليس بالذنب الصوري ، وارتكاب الذنب لا يناسب أهل الحب والهوى ولا يُصلح القلب ، علاوة على ذلك فمع وجود الطرق المشروعة فما الداعي للتوسل بتلك الطرق الملتوية؟

والأقرب للحق أنّ هذا العالم الكبير تأثر بكلمات الغزالي في كتابه «احياء العلوم» فالغزالي لديه كثير من هذهِ الشطحات في دائرة السلوك والممارسة الصوفية ، ولعل قصد المرحوم الفيض الكاشاني هو نقل الكلام عن الغزالي وليس تأييداً لمثل تلك السلوكيات.

وهناك فرقة «الملامتية» ([28]) وهي من الفرق الصوفية المعروفة ، حيث انتخبوا تلك الطريقة لتخريب سمعتهم وتشويه شخصيتهم أمام الغير ، ومن المؤكد أنّ الإسلام لا يقرّ مثل هذهِ الأعمال البعيدة عن المنطق والعقل والشرع ، ويريد من الإنسان الوصول للحق عن طريقه المشروع لا غير.

إنّ المرحوم الفيض الكاشاني لم يقرّ أعمال وطرق الملامتية ، الذين كانوا يرتكبون الكبائر لكي يسقطوا في أعين الناس ، بل حرّمها في أماكن اخرَى من كتابه.


[1] سورة طه ، الآيات 85 و 88 و 95 و 96.

[2] سورة البقرة ، الآية 55.

[3] سورة الفرقان ، الآية 21.

[4] سورة الزخرف ، الآية 51 و 52.

[5] سورة القصص ، الآية 78 و 79.

[6] سورة الشعراء ، الآية 29.

[7] سورة الاسراء ، الآية 93.

[8] سورة القصص ، الآية 83.

[9] سورة النساء ، الآية 153.

[10] تفسير علي بن ابراهيم الوارد في ذيل الآية الآنفة الذكر.

[11] ميزان الحكمة ، ج 1 ، ص 492 ، ح 3034.

[12] المحجة البيضاء ، ج 6 ، ص 112.

[13] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 297 ، ح 2.

[14] المصدر السابق ، ح 3.

[15] الخصال ، ج 1 ، ص 330.

[16] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 69 ، ح 7.

[17] تحف العقول ، ص 237.

[18] سورة الفرقان ، الآية 74.

[19] بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 147 وما بعدها (مع التلخيص).

[20] نهج البلاغة ، الخطبة 3.

[21] المحجة البيضاء ، ج 6 ، ص 106 وما بعدها حيث بحثت المسألة بما يقارب المائة صفحة.

[22] سورة آل عمران ، الآية 188.

[23] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 299 ، ح 8.

[24] مكارم الأخلاق ، ج 1 ، ص 26.

[25] المحجة البيضاء ، ج 6 ، ص 115 ـ 116 مع التلخيص.

[26] بعد التفحص الدقيق لم نعثر على هذهِ الجملة كنص روائي لا في البحار ولا في المستدرك ولا في الوسائل.

[27] المحجة البيضاء ، ج 6 ، ص 130.

[28] الملامتية ، هم طائفة من المتصوفة ظهروا في القرن الثالث الهجري وما بعده في خراسان ، فكانت عقيدتهم أنّ سوء الظن بالنفس هو من اولى الخُطى للوصول إلى حسن الظن بالله تعالى واصل المعرفة ، فكانوا يخالفون الصوفية في سلوكهم ، وكانوا من حيث المأكل والملبس لا يختلفون عن الناس في الظاهر وكان سعيهم هو عدم اظهار الخير وعدم اخفاء الشر ، حتى لا يقعون بالرياء وحب الجاه بعقيدتهم ، فكانوا لا يتورعون عن اظهار قبائح ومعايب النفس أمام الملأ ، حتى يصبحوا عرضةً للملامة من قبل الناس فيرتدعوا عن الغرور (وكانوا يفعلون الافعال التي يستنكرها كل إنسان) ومن يريد التفصيل فليراجع كتاب (جلوه حق) ص 63 و 64.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.