المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9148 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
داء المستخفيات الرئوية Pulmonary cryptococcosis
2024-12-22
احكام الوضوء وكيفيته
2024-12-22
أحكام النفاس
2024-12-22
من له الحق في طلب إعادة المحاكمة في القوانين الجزائية الإجرائية الخاصة
2024-12-22
PRIONS
2024-12-22
أحكام المياه
2024-12-22



شهادة الإمام الجواد "ع" بيد المعتصم  
  
458   01:30 صباحاً   التاريخ: 2024-11-25
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الإمام محمد الجواد "ع" شبيه عيسى ويحيى وسليمان "ع"
الجزء والصفحة : ص183-214
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن علي الجواد / شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام) /

( 1 ) حقد ابن أبي دؤاد على الإمام الجواد ( عليه السلام ) !

إذا غضب أحمد بن أبي دؤاد على أحد ، تقع عليه الكارثة من المعتصم ! فابن أبي دؤاد سوداوي حقود ، والمعتصم لا يرد له طلباً ، لأنه عراب خلافته ونديمه . ولا يشفع لمن غضب عليه أن يكون صاحب فضل على الخليفة وكل الخلافة !

فقد وقعت الكارثة على القائد التركي الشجاع المسمى الأفشين ، الذي قطف النصر للمسلمين على بابك الخرمي قائد الثورة المجوسية ، وهزم ملك الروم وَفَتَحَ عمورية ، ثم انخنس المعتصم على بعد عشرين كيلو متراً عن المعركة .

كان الأفشين قائد جيش المعتصم ، فبلغ قاضي القضاة المحترم أنه تكلم عليه ، فأشار على المعتصم أن ينزل رتبته ، فجعله قائد نصف الجيش ، وعين شخصاً للنصف الآخر ، ثم لم يشف ذلك حقد القاضي ، فطلب منه أن يقتله ، فقتله !

قال الدينوري في الأخبار الطوال / 405 : ( ثم إن أحمد بن أبي داود وَجَدَ على الأفشين لكلام بلغه عنه ، فأشار على المعتصم أن يجعل الجيش نصفين ، نصفاً مع الأفشين ونصفاً مع أشناس ، ففعل المعتصم ذلك . فوجد الأفشين منه وطال حزنه واشتد حقده ، فقال أحمد بن أبي دؤاد للمعتصم : يا أمير المؤمنين إن أبا جعفر المنصور استشار أنصح الناس عنده في أمر أبي مسلم فكان من جوابه أن قال : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ، فقال له المنصور : حسبك ، ثم قتل أبا مسلم . فقال له المعتصم : أنت أيضاً حسبك يا أبا عبد الله ! ثم وجه إلى الأفشين ، فقتله ) !

وقد وصف ابن كثير ( النهاية : 10 / 313 ) تكريم المعتصم للأفشين عندما انتصر على بابك الخرمي فقال : ( توج الأفشين وقلده وشاحين من جوهر ، وأطلق له عشرين ألف ألف درهم ، وكتب له بولاية السند ، وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه فيمدحوه على ما فعل من الخير إلى المسلمين ، وعلى تخريبه بلاد بابك التي يقال لها البذ وتركه إياها قيعاناً وخراباً . فقالوا في ذلك فأحسنوا ، وكان من جملتهم أبو تمام الطائي ، وقد أورد قصيدته بتمامها ابن جرير . . ) .

أما حقد قاضي القضاة على الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فقد اعترف هو أنه بلغ أعلى درجة للغليان في حياته ، ليس لأنه بلغه عنه كلام ، بل لأن الجواد ( عليه السلام ) أظهر فقه الإسلام وشريعته ، وكشف أن هذا القاضي وأمثاله جهلة ، لا فقه لهم !

روى العياشي في تفسيره ( 1 / 314 ) : ( عن أحمد بن الفضل الخاقاني من آل رزين قال : قُطع الطريق بجلولاء على السابلة من الحجاج وغيرهم ، وأفلت القُطَّاع ، فبلغ الخبر المعتصم فكتب إلى عامل له كان بها : تؤمن على الطريق فيُقطع على طرف إذن أمير المؤمنين ، ثم ينفلت القطاع ! فإن أنت طلبت هؤلاء وظفرت بهم وإلا أمرت بأن تضرب ألف سوط ثم تصلب بحيث قطع الطريق !

قال : فطلبهم العامل حتى ظفر بهم واستوثق منهم ، ثم كتب بذلك إلى المعتصم فجمع الفقهاء وابن أبي دؤاد ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم ، وكان أبو جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) حاضراً ، فقالوا : قد سبق حكم الله فيهم في قوله إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ . ولأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء فيهم .

قال : فالتفت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) فقال له : ما تقول فيما أجابوا فيه ؟ فقال قد تكلم هؤلاء الفقهاء والقاضي بما سمع أمير المؤمنين . قال : أخبرني بما عندك ، قال : إنهم قد أضلوا فيما أفتوا به ! والذي يجب في ذلك أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق ، فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا أحداً ولم يأخذوا مالاً ، أمر بايداعهم الحبس ، فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل وان كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس أمر بقتلهم ، وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس وأخذوا المال ، أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم بعد ذلك ، قال : فكتب إلى العامل بأن يمتثل ذلك فيهم ) .

أقول : هذا مثلٌ من كشف الإمام ( عليه السلام ) لقاضي القضاة وجماعته الذين يزعمون أنهم فقهاء الأمة ! وقد استوعب ذلك المعتصم فأمر بتنفيذ قول الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، ولم يستشر ابن أبي دؤاد . وكان هذا من المرات القليلة التي يخالف فيها رأي قاضي قضاته وعراب خلافته . وذكرت بعض الروايات أن القصة وقعت سنة 219 .

ولا بد أن عدداً من أمثالها وقع قبلها في مجلس الخليفة .

أما قاصمة الظهر للقاضي الحقود ، فكانت عندما أقنع الإمام الجواد ( عليه السلام ) المعتصم بأنَّ قطع يد السارق بعد تمام الشروط ، إنما يكون من أصول الأصابع وليس من الزند .

روى العياشي ( 1 / 319 ) : ( عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه بشدة قال : رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم ، فقلت له في ذلك فقال : وددت اليوم أني قد مِتُّ منذ عشرين سنة ! قال قلت له : ولم ذاك ؟ قال : لما كان من هذا الأسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم ، بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ! قال قلت له : وكيف كان ذلك ؟

قال : إن سارقاً أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي ، فسألنا عن القطع في أي

موضع يجب أن يقطع ؟ قال : فقلت من الكرسوع . قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال قلت : لأن اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع . لقول الله في التيمم : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ . واتفق معي على ذلك قوم .

وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق . قال وما الدليل على ذلك ؟ قالوا : لأن الله لما قال : وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ، في الغسل ، دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق

قال : فالتفت إلى محمد بن علي فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟

فقال : قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين . قال دعني مما تكلموا به ، أي شئ عندك ؟ قال أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين . قال : أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه . فقال : أما إذا أقسمت عليَّ بالله ، إني أقول : إنهم أخطأوا فيه السنة فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع ، فيترك الكف .

قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين . فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها . وقال الله تبارك وتعالى : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ ، يعنى به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ، فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ، وما كان لله لم يقطع . قال : فأعجب المعتصم ذلك ، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع ، دون الكف . قال ابن أبي داود : قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً !

قال زرقان : إن ابن أبي داود قال : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة ، فقلت : إن نصيحة أمير المؤمنين عليَّ واجبة ، وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار !

قال : وما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين من مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه ، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقواده ووزرائه وكتابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟ !

قال : فتغير لونه ، وانتبه لما نبهته له وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً .

قال : فأمر اليوم الرابع فلاناً من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه ، فأبى أن يجيبه ، وقال : قد علمتَ أني لا أحضر مجالسكم . فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك . وقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك .

فصار إليه ، فلما أطعم منها أحس السم ، فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم ، قال : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خَلْفَة ( هيضة واستفراغ ) حتى قبض . صلوات الله عليه ) .

أقول : من يعرف جو بلاط المعتصم ، ونفسية أحمد بن أبي دؤاد المريضة ، وحقده على الإمام الجواد ( عليه السلام ) وتأثيره على المتعصم ، يستقرب أن يكون هو الذي أصر عليه أن يدس له السُّم ويتخلص منه .

وقول ابن أبي دؤاد : ( ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويَدَّعُون أنه أولى منه بمقامه ) .

يدل على أن الشيعة كانوا شطر الأمة يومها ، وأن عقيدة الإمامة تعني أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) هو صاحب الحق الشرعي ، والمعتصم غاصب .

أما قصة السم في هذه الرواية ، فهي إحدى المرات العديدة التي أقدم فيها المعتصم على سُمِّ الإمام ( عليه السلام ) ، ولعل آخرها كانت على يد زوجته وأخيها جعفر بن المأمون .

( 2 ) محاولاتهم المتكررة أن يسموا الإمام الجواد ( عليه السلام ) !

1 . نقرأ في سيرة الإمام الجواد ( عليه السلام ) عدة محاولات لقتله بالسُّم ! وكان القتل بالسم شائعاً عند الملوك والخلفاء والطبقة السياسية في كل العصور ، وكان الأمر سهلاً عندما يكون الضحية ضيفاً في قصور الخلافة !

وقد تقدم قول علي بن محمد الحسني عندما زار الإمام الجواد ( عليه السلام ) صبيحة عرسه كما في الخرائج : 1 / 379 : ( قلت في نفسي الساعة يأتون بماء مسموم واغتممت لذلك ! فأقبل الغلام ومعه الماء ، فتبسم أبو جعفر في وجهي ، ثم قال للغلام : ناولني الماء فتناوله فشرب ظاهراً ثم ناولني فشربت . . . قال : والله إني أظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس ، كما تقول الرافضة ) .

وفي المدة التي قضاها الإمام الجواد ( عليه السلام ) في قصور الخلافة ، كان له برنامجه الخاص ، فلم يكن يحضر مجالس لهوهم ولا يجيب دعواتهم ، إلا إذا اضطر للحضور عند الخليفة .

وتقدم قوله لأحدهم : ( علمتَ أني لا أحضر مجالسكم . فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام . . وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ) . ( تفسير العياشي : 1 / 320 ) .

وهذا الوزير لا يريد بركة الإمام ( عليه السلام ) ، بل يريد أن يسقيه سُماً بأمر سيده المعتصم !

2 . قال وزير المعتصم عمر بن الفرج الرخجي ( الثاقب / 517 ) : ( سمعت من أبي جعفر شيئاً لو رآه محمد أخي لكفر . فقلت : وما هو أصلحك الله ؟ قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قُرِّب الطعام فقال : أمسكوا . فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب ؟ فقال : عليَّ بالخبَّاز ، فجئ به فعاتبه وقال : من أمرك أن تسمني في هذا الطعام ؟ فقال له : جعلت فداك ، فلان ! ثم أمر بالطعام فرفع ، وأتي بغيره ) !

أقول : كان عمر بن الفرج وزيراً مقرباً من المعتصم ناصبياً ، وقد ترجمنا له . وكان أخوه محمد بن الفرج شيعياً مقرباً عند الإمام الكاظم والرضا والجواد ( عليهم السلام ) .

ومعنى كلام عمر أن أخي محمد لو رأى المعجزة التي رأيتها من الجواد ، لصار من الغلاة فيه وكفر ! ثم ذكر أن الإمام ( عليه السلام ) كشف محاولة قتله بالسم !

وقد نصت الرواية على أن الحادثة كانت في المدينة ، وكان عمر بن الفرج والي مكة والمدينة من قبل المعتصم ، فلا بد أن يكون هو وراء محاولة اغتيال الإمام الجواد ( عليه السلام ) !

والعجيب مكابرته بعد أن رأى معجزة الإمام ( عليه السلام ) لكن عينه لم تنكسر ! بل اتهم أخاه محمداً رضي الله عنه بأنه مغال في الإمام ، بل اتهمه بالكفر لأنه يعتقد أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) يعلم الغيب مما علمه الله تعالى .

وتفكير عمر الرخجي هو نفس تفكير المعتصم ووزرائه ، فهم غير معنيين بالإيمان بالمعجزات التي يشاهدونها من الإمام ( عليه السلام ) ولا بمجرد تفسيرها ! فالمهم عندهم التخلص من صاحب المعجزة ، حتى لا يفتتن به الناس ويتبعوه ، ويتركوهم !

3 . في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 491 ) : ( ولما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي وأم الفضل ، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه فتجهز وخرج إلى بغداد ، فأكرمه وعظمه ، وأنفذ أشناس بالتحف إليه وإلى أم الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يد أشناس وقال : إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي داود وسعد بن الخصيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج وصنع في الحال . فقال : أشربها بالليل ، قال : إنه ينفع بارداً وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك فشربها عالماً بفعلهم ! وروي من وجه آخر ، سنذكره في فصل معجزاته إن شاء الله تعالى ) .

أقول : اختصرت هذه الرواية إحضار المعتصم للجواد ( عليه السلام ) مرتين ، وتحدثت عن سُمِّ المعتصم له على يد قائد حرسه وجيشه أشناس ، وطوت محاولات أخرى للمعتصم ، وأحداثاً ذكرتها الروايات الأخرى .

ولعلها تتحدث عن المرة الأولى التي أحضره فيها . ومحاولة سمه بشراب مثلج مختوم بختم الخليفة من المرات التي لم تنجح حتى نجح آخرها على يد زوجته وأخيها جعفر !

ومعنى قوله أن الشراب كان تحت ختمه ، أي كان إناؤه في ظرف مختوم بختم الخليفة كدليل على أنه خال من السم !

وهذا يدل على أن جو القتل بالسم كان سائداً في قصور الخليفة وعمله ، وأن المعتصم كان حريصاً على قتل الإمام ( عليه السلام ) ولو بالسم بإسمه !

4 . قال الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات / 118 : ( ثم إن المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر ( عليه السلام ) وأشار إلى ابنة المأمون زوجته ، بأنها تسمه لأنه وقف على انحرافها عن أبي جعفر ، وشدة غيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك وجعلت سماً في عنب رازقي ووضعته بين يديه ( عليه السلام ) ، فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي ، فقال : ما بكاؤك ! والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا ينستر ! فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناصوراً ، فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلة ، حتى احتاجت إلى الإسترفاد . وروي أن الناصور كان في فرجها ) .

وروى الطبري في دلائل الإمامة / 395 : ( وكان سبب وفاته أن أم الفضل بنت المأمون لما تَسَرَّى ورزقه الله الولد من غيرها انحرفت عنه وسَمَّتْهُ في عنب وكان تسعة عشر عنبة ، وكان يحب العنب ، فلما أكله بكت فقال لها : مِمَّ بكاؤك ! والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وببلاء لا ينستر ! فبليت بعده بعلة في أغمض المواضع أنفقت عليها جميع ملكها ، حتى احتاجت إلى رفد الناس . ويقال : إنها سمته بمنديل يمسح به عند الملامسة ، فلما أحس بذلك قال لها : أبلاك الله بداءٍ لا دواءَ له . فوقعت الأَكَلة في فرجها ، فكانت تنكشف للطبيب ينظرون إليها ، ويشيرون عليها بالدواء فلا ينفع ذلك شيئاً ، حتى ماتت في علتها ) .

أقول : لا شك أن لزوجته الخبيثة دوراً أساسياً في سمه ( عليه السلام ) ، لكن لا يكفي تعليل بغيرة النساء ، فقد ذكروا انحرافها عنه ، وأنه كانت تفسر كراماته بالسحر ، وكانت أكثر حياتها معه بعيدة عنه فقد ذهب الإمام ( عليه السلام ) بعد العقد إلى المدينة ، وعاش فيها وكبر وتزوج ، وفي السابعة عشرة رزق بولده علي الهادي ( عليه السلام ) ، ثم رزق بولد وبنتين ، وكانت زوجته أم الفضل طوال هذه المدة في بيت أبيها ببغداد .

وفي سنة 215 عندما أراد المأمون السفر إلى الشام ، وافاه الإمام الجواد ( عليه السلام ) في تكريت ، فطلب منه ، أو أمره حسب رواية الطبري أن يدخل بزوجته ، قال : ( وأمره أن يدخل بابنته أم الفضل ، وكان زَوَّجَهَا منه ، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف التي على شاطئ دجلة ، فأقام بها ، فلما كان أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة ، ثم أتى منزله بالمدينة فأقام بها ) . ( الطبري : 7 / 190 ) .

ونلاحظ تحفظ المفيد ( رحمه الله ) على رواية أنها كانت تشكو الجواد ( عليه السلام ) لأبيها ، لأنه تزوج عليها ، ولعلها لم تسكن معه في المدينة إلا بعد موت المأمون وذهاب الخلافة منهم وفقدها بذخ القصور وترفها ! ولما جاءت مع الإمام ( عليه السلام ) كان عنده زوجته وأولاده .

كما نستبعد أنها سمته بخرقة يمسح بها فرجه ، فكأنها مقولةٌ لتبرير دعائه عليها بأن تصاب بعلة في فرجها . لكن قد يكون سبب دعائه ( عليه السلام ) بذلك أمرٌ آخر من سلوكها .

والنتيجة : أن محاولاتهم قتل الإمام الجواد ( عليه السلام ) بالسم كانت متعددة ، حتى عندما كان في المدينة ، وكانت تتواصل وتشتد عندما يحضرونه إلى بغداد ، وقد تكون عشر مرات ، وكانت زوجته شريكة في سُمِّه مرةً أو أكثر ، وكانت تدبر ذلك مع أخيها جعفر !

( 3 ) الأماكن التي سكن فيها الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد

1 . سكن الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد ، في ثلاثة أمكنة على الأقل : فعندما جاء به المأمون ليعقد له على ابنته ، أنزله كما يظهر في أحد قصور الخلافة ، وبقي في بغداد فترة قصيرة ، ثم رجع إلى المدينة .

أما عندما كان يأتي هو لمناسبة كاستقبال المأمون من عودته من الشام ، فالمرجح أنه كان ينزل خارج قصور الخلافة ، وكان يبقى مدة ثم يرجع إلى المدينة .

وفي رواية المسعودي في إثبات الوصية / 216 : ( فحمله ( المأمون ) وأنزله بالقرب من داره ودخل عليه حسين المكاري فلما رأى طيب حاله قال في نفسه : لا يرجع أبداً إلى موطنه فقال : خبز شعير وملح جريش وحرم الرسول أحبّ إليَّ مما ترى ) .

وقوله أنزله بالقرب من داره يدل على أنه أنزله في أحد قصور الخلافة . وقد اهتم بتكريمه ، لكن الإمام ( عليه السلام ) لم يكن مرتاحاً لذلك .

2 . وأما عندما أحضره المأمون سنة 215 ، وأمره أن يدخل بزوجته ، فقد أعدوا له دار أحمد بن يوسف ، وهو على شاطئ دجلة ، كما نص عليه الطبري : 7 / 189 .

وعبَّرت عنه رواية ابن حمزة في الثاقب / 518 ، بقصر أحمد بن يوسف ، قال : ( حدثني بعض المدينيين أنهم كانوا يدخلون على أبي جعفر ( عليه السلام ) وهو نازل في قصر أحمد بن يوسف ، يقولون له : يا أبا جعفر ، جعلنا فداك ، قد تهيأنا وتجهزنا ولانراك تَهِمُّ ) .

وتعبيرهم بالقصر صحيح ، لأن أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء ، كان ولي ديوان الرسائل للمأمون ، برتبة وزير . ( الأعلام : 1 / 272 ) .

وقد وصفت رواية معجم الأدباء ( 5 / 165 ) كرمه وقصره فقالت : ( لما خرج عبد الله بن طاهر من بغداد إلى خراسان ، قال لابنه محمد : إن عاشرت أحداً بمدينة السلام ، فعليك بأحمد بن يوسف الكاتب ، فإن له مروءة ، فما عرج محمد حين انصرف من توديع أبيه على شئ حتى هجم على أحمد بن يوسف في داره فأطال عنده ، ففطن له أحمد فقال : يا جارية غدينا ، فأحضرت طبقاً وأرغفة نقية وقدمت ألواناً يسيرة وحلاوةً ، وأعقب ذلك بأنواع من الأشربة في زجاج فاخر وآلة حسنة ، وقال : يتناول الأمير من أيها شاء . ثم قال له : إن رأى الأمير أن يشرف عبده ويجيئه في غد فأنعم بذلك . فنهض وهو متعجب من وصف أبيه له وأراد فضيحته ، فلم يترك قائداً جليلاً ولا رجلاً مذكوراً من أصحابه ، إلا عرفهم أنه في دعوة أحمد بن يوسف ، وأمرهم بالغدو معه ، فلما أصبحوا قصدوا دار أحمد بن يوسف ، وقد أخذ أهبته وأظهر مروءته ، فرأى محمد من النضائد والفرش والستور والغلمان والوصائف ما أدهشه ، وكان قد نصب ثلاث مائة مائدة ، وقد حفت بثلاث مائة وصيفة ، ونقل إلى كل مائدة ثلاث مائة لون في صحاف الذهب والفضة ، ومثارد الصين .

فلما رفعت الموائد قال ابن طاهر : هل أكل من بالباب ، فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نصبت لهم الموائد فأكلوا ، فقال : شتان بين يوميك يا أبا الحسن ) .

أقول : اختارالمأمون هذا القصر لعرس الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وكان أحمد بن يوسف توفي سنة 213 ( الأعلام : 1 / 272 ) أي قبل ذلك بسنتين . فقد يكون قصره يومها بيد أولاده ، أو بيد المأمون . وبقي الإمام ( عليه السلام ) فيه شهوراً حتى ذهب إلى الحج ، ومعه زوجته أم الفضل ، ثم سكن في المدينة .

3 . أما عندما استقدمه المعتصم مرتين ، وأبقاه في الثانية في بغداد حتى قتله ، فيظهر أنه سكن مع زوجته في منزل اشتراه أو استأجره في شرق بغداد ، في رحبة أسوار بن ميمون ، قرب قنطرة البردان . وفي هذا المنزل وردت الرواية أنه استشهد صلوات الله عليه ، وعنده صلى عليه الواثق ولي عهد المعتصم .

قال الحافظ في تاريخ بغداد ( 3 / 267 ) : ( فتوفي فيها ( بغداد ) يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة ، وركب هارون بن أبي إسحاق فصلى عليه عند منزله في رحبة أسوار بن ميمون ، ناحية قنطرة البردان ، ثم حمل ودفن في مقابر قريش ) .

وهارون بن أبي إسحاق هو الواثق بن المعتصم . وقوله : فصلى عليه عند منزله ، يدل على أن صلاته كانت في ساحة أو فسحة عند منزل الإمام الجواد ( عليه السلام ) الذي توفي فيه . وفيه إشارة إلى أن الوقت كان صيفاً أو صحواً ، يسمح بالصلاة على الجنازة في الفضاء .

ويفهم من الأشخاص الذين نُسبوا إلى قنطرة البردان ورحبة أسوار ، أنهاكانت محلة يسكنها كبار الرواة والعلماء ، وبعيدة نسبياً عن قصور الخلافة .

ثم حملت جنازته ( عليه السلام ) إلى مقابر قريش في غربي بغداد ، وهي الكاظمية الفعلية .

ومما يؤكد أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) توفي في بيته المذكور وليس في القصر ، ما رواه في بصائر الدرجات / 501 ، بسند صحيح عن علي بن مهزيار عن أبي مسافر قال : ( قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) في العشية التي اعتل فيها من ليلتها العلة التي توفي فيها : يا عبد الله ما أرسل الله نبياً من أنبيائه إلى أحد حتى يأخذ عليه ثلاثة أشياء . قلت : وأي شئ هو يا سيدي ؟ قال : الإقرار بالله بالعبودية والوحدانية ، وأن الله يقدم ما يشاء . ونحن قوم أو نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نقلنا إليه ) .

4 . وهناك مكان آخر شهد معجزة للإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وهو مسجد المسيب ، ففي الكافي ( 1 / 497 ) : ( قال : صليت مع أبي جعفر ( عليه السلام ) في مسجد المسيب ، وصلى بنا في موضع القبلة سواء . وذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق ، فدعا بماء وتهيأ ( توضأ ) تحت السدرة ، فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها ) .

وفي المستجاد من الإرشاد / 213 ، والثاقب في المناقب / 512 : ( وقد روى أكثر الناس أنه لما توجه أبو جعفر ( عليه السلام ) من بغداد منصرفاً من عند المأمون ، ومعه أم الفضل ابنة المأمون قاصداً بها المدينة ، صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس ، فنزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة ، وقام وصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله ، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو الله ، وقنت قبل ركوعه فيها وصل الثالثة وتشهد وسلم ، ثم جلس هنيهة يذكر الله جل اسمه ، وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب تعقيبها ، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج ، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً ! فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوها نبقاً حلواً لا عجم له ! وودعوه ومضى من وقته إلى المدينة ) .

وفي المناقب ( 3 / 496 ) : ( فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً ، فتعجبوا من ذاك وأكلوا منها ، فوجدوا نبقاً حلواً لاعجم له ، وودعوه ومضى إلى المدينة . قال الشيخ المفيد : وقد أكلت من ثمرها وكان لا عجم له ) .

أقول : مسجد المسيب كما دلت رواية ابن السكيت ملاصق لسجن السندي بن شاهك الذي توفي فيه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، ويقع غربي بغداد في باب الكوفة .

قال في عيون المعجزات / 81 : ( إن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) كان في حبس هارون الرشيد ، وهو في المسجد المعروف بمسجد المسيب ، من جانب الغربي بباب الكوفة ، لأنه قد نقل الموضع إليه من دار السندي بن شاهك ، وهي الدار المعروفة بدار أبي عمرويه ) . ونحوه في مناقب آل أبي طالب : 3 / 438 .

( 4 ) كانت إمامة الجواد في السابعة من عمره ظاهرة جديدة !

صار التشيع في القرن الثاني بجهود أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) تياراً قوياً في الأمة ، حتى أنه أحدث هزة سياسية اقتلعت الحكم الأموي من جذوره ، وقام بعده الحكم العباسي باسم أهل البيت ( عليهم السلام ) .

وفي أواخر القرن الثاني كان التشيع لأهل البيت ( عليهم السلام ) فخراً ، وكان الخليفة المأمون يعلن أنه شيعي المذهب ، ويناظر الفقهاء والمتكلمين في إثبات التشيع .

وقد تأكد للناس ذلك عندما جعل المأمون ولاية عهده للإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وهو الإمام الثامن في سلسلة الأئمة الاثني عشر عند الشيعة .

لذا يمكن القول إن عصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان عصر المد الفكري للتشيع .

وقد حدث أمرٌ بوفاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان جديداً على الشيعة ، وغريباً على غيرهم ، هو أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان أعلن أن الإمام بعده والحجة لله على الناس ابنه محمد الجواد ( عليه السلام ) ، فلما توفي كان عمر الإمام الجواد ( عليه السلام ) نحو سبع سنين !

أما الشيعة فكان كثيرٌ منهم قالوا بإمامته من حياة أبيه بمجرد أن سمعوا منه النص على إمامته ، وبعضهم كانوا مستعدين لقبول ذلك لأن الأئمة الماضين وخاصة الإمام الصادق ( عليهم السلام ) أخبروهم بأنهم سيبتلون بأن يكون حجة الله عليهم صبياً ، كعيسى ويحيى وسليمان فقد كانوا أنبياء وهم صبيانٌ صغار ( عليهم السلام ) !

وزاد من يقين الشيعة أن الإمام المعصوم عندهم لايجهزه ويصلي عليه إلا معصوم ، وأن الإمام الجواد عندما توفي أبوه الإمام الرضا في طوس ، كان صبياً في المدينة ، فأخبر الناس بوفاته ، وأمر عائلته بإقامة المأتم ، وذهب بنحو الإعجاز إلى طوس فقام بتجهيزه والصلاة عليه ، ورجع إلى المدينة في ذلك اليوم !

وتقدم أن فقهاء الشيعة ورؤساؤهم اجتمعوا في بغداد ، ثم زاروا الإمام الجواد في المدينة ، فاقتنعوا به وأعلنوا إمامته .

( 5 ) من نصوص الإمام الجواد على إمامة ابنه الهادي ( عليهما السلام )

وروى المسعودي في إثبات الوصية / 193 ، عن إسماعيل بن بزيع قال : ( قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : يُفضي هذا الأمر إلى أبي الحسن وهو ابن سبع سنين ! ثم قال : نعم وأقل من سبع سنين ، كما كان عيسى ( عليه السلام ) ) .

وروى الصدوق في كمال الدين / 378 ، عن الصقر بن أبي دلف قال : ( سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ( عليهما السلام ) يقول : إن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثم سكت . فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبكي بكاء شديداً ثم قال : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر . فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم ؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره ، وارتداد أكثر القائلين بإمامته ! فقلت له : ولم سمي المنتظر ؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون ، وينكره المرتابون ، ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المُسَلِّمون ) .

وروى في الكافي ( 1 / 323 ) : ( عن إسماعيل بن مهران قال : لما خرج أبو جعفر ( عليه السلام ) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرَّ بوجهه إلي ضاحكاً ، وقال : ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة .

فلما أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ، ثم التفت إلي فقال : عند هذه يُخاف علي ، الأمر من بعدي إلى ابني علي ) .

وفي كفاية الأثر / 284 : ( عن أمية بن علي القيسي قال : قلت لأبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) : مَن الخلَف من بعدك ؟ قال : ابني علي . ثم قال : إنه سيكون حيرة . قال : قلت إلى أين ؟ فسكت ثم قال : إلى المدينة . قلت : وإلى أي مدينة ؟ قال : مدينتنا هذه ، وهل مدينة غيرها ؟ ) .

وفي كمال الدين / 382 : ( عن علي بن عبد الغفار قال : لما مات أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر ( عليه السلام ) يسألونه عن الأمر ، فكتب ( عليه السلام ) : الأمر لي ما دمت حياً ، فإذا نزلت بي مقادير الله عز وجل آتاكم الله الخلف مني ، وأنى لكم بالخلف بعد الخلف ) !

يقصد أن الإمام بعده ابنه الحسن العسكري ( عليهما السلام ) ، لكن سيصعب عليكم رؤية الخلف بعده ، وهو ابنه الإمام المهدي ( عليه السلام ) .

وروى في الكافي ( 1 / 324 ) عن الخيراني ، أن أباه : ( كان يلزم باب أبي جعفر ( عليه السلام ) للخدمة التي كان وكل بها . وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر ( عليه السلام ) وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي ، فخرجت ذات ليله وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لأبي : إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إني ماضٍ والأمر صائر إلى ابني علي ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي .

ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قد قال لك ؟ قال : خيراً . قال : قد سمعت ما قال فَلِمَ تكتمه ؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي : قد حرم الله عليك ما فعلت لأن الله تعالى يقول : وَلَا تَجَسَّسُوا ، فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإياك أن تظهرها إلى وقتها .

فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ، ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة ، وقال : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها ، فافتحوها واعملوا بما فيها .

فلما مضى أبو جعفر ( عليه السلام ) ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربع مائة إنسان .

واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر ، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده ، وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويسأله أن يأتيه ، فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع : أحضروا الرقاع فأحضروها فقال لهم : هذا ما أمرت به . فقال بعضهم : قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر ؟ فقال لهم : قد آتاكم الله عز وجل به هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة وسأله أن يشهد بما عنده ، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئاً فدعاه أبي إلى المباهلة ، فقال : لما حقق عليه ، قال : قد سمعت ذلك . وهذا مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم : فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعاً .

وفي نسخة الصفواني : محمد بن جعفر الكوفي ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة : شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) أشهده أنه أوصى إلى علي ابنه بنفسه وأخواته ، وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله بن المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك ، إلى أن يبلغ علي بن محمد .

صَيَّرَ عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه ، يقوم بأمر نفسه وإخوانه ، ويصير أمر موسى إليه ، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها .

وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة ، سنة عشرين ومائتين .

وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه . وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) وهو الجواني ، على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب ، وكتب شهادته بيده . وشهد نصر الخادم ، وكتب شهادته بيده ) .

( 6 ) شرح هذا الحديث

1 . الخيراني من أولاد عبد خير ، وكان خادماً موثوقاً للإمام الرضا والجواد ( عليهما السلام ) ، وهو حاجبه في بغداد ، يجلس في غرفة الحراسة أو الاستقبال ، وعندما كان الإمام ( عليه السلام ) مريضاً من أثر السم ، كان يرسل اليه من داخل البيت من هو أقرب اليه منه ، فيبلغه أمره .

وكان قاضي المعتصم أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، وهو من أصحاب يحيى بن أكثم يحضر كل ليلة في آخر الليل ليعرف حالة الإمام ( عليه السلام ) وهل توفي ، ليكتب حكماً قضائياً بأنه مات بشكل طبيعي ، ولم يكن مسموماً !

وهذا معنى قوله : ( وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر ( عليه السلام ) ) .

وكان الإمام ( عليه السلام ) إذا أراد شيئاً من الخيراني أرسل رسوله من داخل البيت فكلم الخيراني سراً ويبتعد القاضي . وهذا معنى : ( وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر ( عليه السلام ) وبين أبي ، إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي ) .

وجاء الرسول ذات ليلة : ( وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام ) أي لم يبتعد القاضي ، بل وقف بحيث يسمع ليعرف ماذا أرسل الإمام ( عليه السلام ) إلى الحاجب ! فعاتبه الخيراني واتهمه بالتجسس .

وأبلغه الرسول رسالة مكتوبة من الإمام ( عليه السلام ) وأمره أن ينسخها ويرسلها إلى كبار الشيعة ، وهي تخبر بوفاته ، وتنص على إمامة الهادي ( عليه السلام ) .

وبعد تشييع الإمام ( عليه السلام ) أرسل محمد بن الفرج أخ الوزير عمر بن فرج ، إلى الخيراني يدعوه إلى مجلس كبار الشيعة في داره ، فجاء وأخبرهم بوصايا الإمام ونصه على الهادي ( عليهما السلام ) فأحبوا أن يكون معه شاهد ، فاستشهد بالقاضي أحمد بن محمد بن عيسى فأبى ، ثم اعترف وشهد !

وقد تصور شراح الحديث أن أحمد بن محمد بن عيسى هو القمي الأشعري ، وجيه الشيعة في قم ، وتحيروا في إبائه الشهادة بإمامة الجواد ( عليه السلام ) ثم اعترافه !

وقد ضعف السيد الخوئي الرواية لأنها تذمه وهو جليل القدر ، لا يصدر منه ما نسبته اليه من إنكار الشهادة . لكن ستعرف أنه البرتي وليس الأشعري .

2 . يدل الحديث على أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) ضبط بيته وعين له حاجباً يثق به ، وكان كما ورد في أول رحبة أسوار ، قرب قنطرة البردان .

3 . يدل الحديث على أن الإمام ( عليه السلام ) مرض من السم مدة ثم توفي ، وأن المعتصم أمر قاضيه أن يتفقده ليخبره بخبره ، ويكتب تقريره القضائي بوفاته الطبيعية !

ولم أجد تحديد المدة التي عانى فيها الإمام ( عليه السلام ) من تأثير السم قبل وفاته .

4 . يدل قوله : ( فكتب محمد بن الفرج إلى أبي ( الخيراني ) يعلمه باجتماعهم عنده ، وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه . ويسأله أن يأتيه ) على جو الإرهاب الذي فرضه المعتصم على زوار بيت الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، حتى أن شخصية محترمة عند المعتصم كمحمد بن الفرج ، يخشى أن يزور بيت الإمام ( عليه السلام ) بعد شهادته ، حتى لا يتهم بأنه من شيعته ، وأنه يدبر شيئاً . مع أن أخاه عمر بن الفرج وزيرٌ مقربٌ من المعتصم .

ثم إن المعتصم زعم أنه يحب الإمام الجواد ( عليه السلام ) وأنه لم يقتله ، وقد بعث ابنه وصلى على جنازته . لكنه بتعامل مع شيعته ومنزله ، أكد التهمة على نفسه !

5 . يظهر من رسالة محمد بن الفرج إلى الخيراني ، وتعامل كبار شخصيات الشيعة معه أنهم كانوا يثقون به . والخيراني هنا هو ابن خيران مولى الإمام الرضا ، وخيران كان حاجباً للإمام الجواد ، وقد روى ابنه عنه أيضاً في الكافي : ( 1 / 322 ) : ( قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن ( الرضا ( عليه السلام ) ) بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كونٌ فإلى من ؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن : إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة ، في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر ) .

وقد ترجم له السيد الخوئي في معجمه ( 8 / 88 ) ، ترجمة وافية ، قال : ( خيران الخادم = خيران الأسباطي : ثقة ، من أصحاب الهادي ( عليه السلام ) ، رجال الشيخ . وعده البرقي أيضاً في أصحاب الهادي ( عليه السلام ) وقال الكشي : خيران الخادم القراطيسي : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه : حدثني الحسين بن محمد بن عامر قال : حدثني خيران الخادم القراطيسي ، قال : حججت أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى ( عليه السلام ) وسألته عن بعض الخدم ، وكانت له منزلة من أبي جعفر ( عليه السلام ) فسألته أن يوصلني إليه فلما صرنا إلى المدينة ، قال لي : تهيأ فإني أريد أن أمضي إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فمضيت معه ، فلما أن وافينا الباب ، قال لي : كن في حانوت ، فاستأذن ودخل ، فلما أبطأ عليَّ رسوله خرجت إلى الباب فسألت عنه فأخبروني أنه قد خرج ومضى ، فبقيت متحيراً فإذا أنا كذلك ، إذ خرج خادم من الدار ، فقال : أنت خيران ؟ فقلت : نعم . قال لي : أدخل ، فدخلت وإذا أبو جعفر ( عليه السلام ) قائم على دكان ( مرتفع ) لم يكن فُرش له ما يقعد عليه فجاء غلام بمصلى فألقاه له فجلس ، فلما نظرت إليه تهيبته ودهشت ، فذهبت لأصعد الدكان من غير درجة ، فأشار إلى موضع الدرجة فصعدت وسلمت فرد السلام ومد يده إلي فأخذتها وقبلتها ، ووضعتها على وجهي ، فأقعدني بيده فأمسكت يده مما داخلني من الدهش فتركها في يدي صلوات الله عليه ، فلما سكنت خليتها فساءلني .

وكان الريان بن شبيب قال لي : إن وصلت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) قل له : مولاك الريان بن شبيب يقرؤك السلام ويسألك الدعاء له ولولَده ، فذكرت له ذلك فدعا له ولم يدع لولده ، فأعدت عليه فدعا له ولم يدع لولده ، فأعدت عليه ثلاثاً فدعا له ولم يدع لولده ! فودعته وقمت ، فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه ولم أفهم ما قال ، وخرج الخادم في أثري فقلت له : ما قال سيدي لما قمت ؟ فقال لي قال : من هذا الذي يرى أن يهدي لنفسه . هذا ولد في بلاد الشرك فلما أخرج منها صار إلى من هو شر منهم ، فلما أراد الله أن يهديه هداه . . .

عن إبراهيم بن مهزيار قال : كتب له خيران الخادم : قد وجهت إليك ثمانية دراهم ، كانت أهديت إلي من طرسوس دراهم منهم ، وكرهت أن أردها على صاحبها أو أحدث فيها حدثاً دون أمرك فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا لأعرفها إن شاء الله وأنتهي إلى أمرك . فكتب وقرأته : إقبل منهم إذا أهدي إليك دراهم أو غيرها فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يرد هدية على يهودي ولا نصراني .

حمدويه وإبراهيم ، قالا : حدثنا محمد بن عيسى قال : حدثني خيران الخادم قال : وجهت إلى سيدي ثمانية دراهم وذكر مثله سواء . وقال : قلت جعلت فداك إنه ربما أتاني الرجل لك قبله الحق أو يعرف موضع الحق لك ، فيسألني عما يعمل به فيكون مذهبي أخذ ما يتبرع في سر ؟ قال ( عليه السلام ) : إعمل في ذلك برأيك ، فإن رأيك رأيي ، ومن أطاعك فقد أطاعني . قال أبو عمرو : هذا يدل على أنه كان وكيله . ولخيران هذا : مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن ( عليه السلام ) .

أقول : بعدما ثبتت وثاقة الرجل فلابد من تصديقه فيما أخبر به ، وفيه دلالة على جلالته وعظم منزلته عند الإمام ( عليه السلام ) ) .

وترجم له السيد الأمين في أعيان الشيعة ( 6 / 362 ) وفيه : ( خيران مولى الرضا ( عليه السلام ) ويقال خيران الخادم القراطيسي . وقال الشيخ في رجاله : خيران الخادم ، من أصحاب أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) ثقة ) .

أقول : يدل الحديث على أن خيران الخادم زار الإمام الجواد بعد وفاة الإمام الرضا ( عليهما السلام ) ، وأن الريان بن شبيب خال المعتصم ، أوصاه أن يطلب له ولابنه الدعاء ، فدعا له الإمام ( عليه السلام ) ولم يدع لابنه ، لأنه كان يزعم أنه سيهدي نفسه ولا يحتاج من يهديه !

ولم تذكر الرواية أين عاش خيران بعد ذلك ، حتى ذكرت أنه كان حاجب الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد عندما سقي السم .

6 . توجد عدة قرائن تدل على أن أحمد بن محمد بن عيسى في الرواية ليس هو الأشعري القمي المعروف ، بل هو قاض في بغداد من أصحاب يحيى بن أكثم ، ويظهر أنه كان مأموراً من المعتصم ، فيأتي كل يوم ليعرف حال الإمام ( عليه السلام ) حتى يكتب تقريره بأنه مات حتف أنفه وليس بالسُّم .

منها : أن عامة مصادرهم ترجمت له ، كالخطيب في تاريخ بغداد ( 5 / 265 ) قال : ( أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر أبو العباس البرتي القاضي . . . وكان من أصحاب يحيى بن أكثم ، وكان قبل ذلك تقلد واسطاً وقطعة من أعمال السواد ) .

وفي الأنساب للسمعاني ( 1 / 308 ) : ( البِرْتي . . هذه النسبة إلى بِرت وهي مدينة بنواحي بغداد ، والمشهور بهذه النسبة القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى ، البرتي ) .

ودوره في الرواية يتناسب مع هذا القاضي ، ولا يتناسب مع شخصية أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الذي قال عنه الشيخ الطوسي في الفهرس / 68 : ( شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع ، وكان أيضاً الرئيس الذي يلقي السلطان بها ، ولقي أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، وصنف كتباً ، منها كتاب التوحيد . . كتاب النوادر ) .

فلو كان يومها في بغداد لكان له حضور أقوى مما ذكرت الرواية .

ومنها : أن الخلفاء كانوا يرسلون قاضياً أو أكثر ليتفقد ضحيتهم المسموم ، وينظم محضراً قضائياً بأنه مات حنف أنفه ، وأن بدنه سالم ليس فيه آثار قتل أو تعذيب !

وقد ورد ذلك في سمهم للإمام الكاظم والإمام الهادي والعسكري ( عليهم السلام ) ، فهذا الذي كان يأتي كل ليلة ليعرف خبر علة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، من هؤلاء !

روى في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 1 / 97 ) في شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( لما توفى أبو إبراهيم موسى بن جعفر جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وساير أهل المملكة والحكام ، وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه . وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعني في قتله ، فانظروا إليه . فدخلوا عليه سبعون رجلاً من شيعته ، فنظروا إلى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وليس به أثر جراحه ، ولا خنق ) .

وروى في الكافي ( 1 / 505 ) في شهادة الإمام الهادي ( عليه السلام ) : ( فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه ، فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين وقال : هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه . حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان . ومن القضاة فلان وفلان . ومن المتطببين فلان وفلان ، ثم غطى وجهه وأمر بحمله ) .

ومنها : أن خيران عليه حكم بأنه تجسس ليستمع رسالة الإمام ( عليه السلام ) الخاصة له : ( وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام . . ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قد قال لك ؟ قال : خيراً . قال : قد سمعت ما قال فَلِمَ تكتمه ؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي : قد حرم الله عليك ما فعلت ، لأن الله تعالى يقول : وَلَا تَجَسَّسُوا ، فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإياك أن تظهرها إلى وقتها ) .

فيظهر أنه كان في مدخل الدار غرفة واحدة يجلس فيها خيران ، وكان يأتيه القاضي ليسأل عن حال الإمام ( عليه السلام ) فيجلس فترة ، فإذا جاء رسولٌ من داخل البيت ليبلغ خيران أمراً ، يخرج القاضي أو يتنحى ليتحدثا بينهما .

لكن القاضي في تلك الليلة تنحى كأنه خارج ، ثم استدار ووقف بحث يسمع كلامهما ! فاتهمه خيران بأنه احتال وتجسس وارتكب حراماً . وهذا يناسب شخصية قاض مأمور من المعتصم ولا يناسب شخصية أحمد بن عيسى الأشعري رضي الله عنه .

ومنها : أن أحمد بن محمد بن عيسى لو كان يومها في بغداد ، لكان له حضور قوي في اجتماع الشيعة في دار محمد بن الفرج ، وكان أحد أركان الاجتماع ، لأنه لا يقل وزناً عن ابن فرج ، فكيف لم يذكروه بين المدعويين ، ولا بين الحضور ، إلا عندما طلب منه خيران الشهادة فأبى ، فهدده بالمباهلة ، فأقر !

فهذا يتناسب مع حاضر فضولي ، أو جاسوس للدولة مفروض على الحضور !

وأخيراً ، فإن مجرد الشك في أن المقصود بأحمد بن عيسى في الرواية الأشعري ، كافٍ لتبرئته ، حيث يحتمل أن يكون الراوي أضاف كلمة الأشعري لأنه تصور أنه المقصود .

( 7 ) كانت شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) في آخر ذي القعدة سنة 220

تقدم في الفصل الأول ما رواه في الكافي ( 1 / 492 ) : ( ولد ( عليه السلام ) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة ، وقبض سنة عشرين ومائتين ، في آخر ذي القعدة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً ، ودفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى ( عليهما السلام ) ) . ونحوه في التهذيب : 6 / 90 ، والمقنعة للمفيد / 483 ، والإرشاد : 2 / 289 ، والوافي : 2 / 365 . وعامة المصادر .

وقد تعارف الشيعة على إحياء ذكرى شهادته ( عليه السلام ) في التاسع والعشرين من ذي القعدة لاحتمال أن يكون الشهر ناقصاً .

( 8 ) الإمام علي الهادي يصلي على أبيه ( عليهما السلام )

عندما توفي الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد ، كان الإمام الهادي ( عليه السلام ) صبياً في المدينة فأخبر الناس بوفاة أبيه ، وأمر عائلته بإقامة المأتم ، وذهب بنحو الإعجاز إلى بغداد فقام بتجهيز جنازة أبيه والصلاة عليه ، ورجع إلى المدينة في ذلك اليوم !

روى في الكافي ( 1 / 381 ) : ( عن هارون بن الفضل قال : رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر ( عليهما السلام ) فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى أبو جعفر . فقيل له : وكيف عرفت ؟ قال : لأنه تداخلني ذلة لله ، لم أكن أعرفها ) .

وفي إثبات الإمامة / 221 عن رضيع أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( بينا أبو الحسن ( عليه السلام ) جالس مع مؤدِّب له يكنى أبا زكريا ، وأبو جعفر عندنا إنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ من اللوح إلى مؤدبه ، إذ بكى بكاء شديداً فسأله المؤدب : ممَّ بكاؤك ؟ فلم يجبه . فقال : إئذن لي بالدخول فأذن له ، فارتفع الصِّياح والبكاء من منزله ، ثم خرج إلينا فسألنا عن البكاء ، فقال : إن أبي قد توفي الساعة ! فقلنا : بما علمت ؟ قال : دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك ، فعلمت أنه قد مضى فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر ، فإذا هو قد مضى في ذلك الوقت ) .

( 9 ) قَتل المعتصم الإمام وسَجَن ابنه الهادي ( عليهما السلام )

عندما رجع المأمون من خراسان إلى بغداد سنة 204 ، دعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) من المدينة فأكرمه ، وقدمه إلى العباسيين على أنه أحد أهل بيت خصهم الله بالعلم من صغرهم ، فلا يحتاجون إلى أساتذة ! وأثبت لهم ذلك ، وعقد زواجه على ابنته .

وعندما قَتَل المعتصم الإمام الجواد ( عليه السلام ) بالسم ، كان يعرف شخصيته الفريدة ومقامه عند الله تعالى ، وكان يعرف أن ابنه علياً الهادي ( عليه السلام ) مثل أبيه ، لكنه استنكف عن الاعتراف بذلك ، وقرر أن يعامل الإمام الهادي ( عليه السلام ) على أنه صبي صغير السن ! فعين له من يعلمه العربية والأدب ، ويحبسه في بيتهم في المدينة ، ويمنعه من الاتصال بالشيعة .

وقد روى المؤرخون أن المعتصم أمر وزيره عمر الرخجي وكان والياً على مكة والمدينة ، أن يوكل بالهادي ( عليه السلام ) شخصاً باسم معلم ، فيكون تحت رقابته التامة ، ويعزله عن الناس ! فاختار الرخجي الجنيدي ونصبه لهذه المهمة ، وأمر حاكم المدينة أن ينفذ أوامره ! فكانت النتيجة إيمان الجنيدي بإمامة الهادي ( عليه السلام ) !

روى المسعودي في دلائل الإمامة / 230 ، عن محمد بن سعيد ، قال : ( قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لهم : أُبْغُوا لي رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم ، لا يوالي أهل هذا البيت ! لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه ، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه . فأسموا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي ، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم ، ظاهر الغضب والعداوة ( لأهل البيت ) !

فأحضره عمر بن الفرج ، وأسنى له الجاري من مال السلطان ، وتقدم إليه بما أراد ، وعرفه أن السلطان ( المعتصم ) أمره باختيار مثله ، وتوكيله بهذا الغلام .

قال : فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن ( عليه السلام ) في القصر بِصِرْيَا ( أي في البيت في مزرعة صريا بضاحية المدينة ) فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله ، وأخذ المفاتيح إليه ! فمكث على هذا مدة ، وانقطعت الشيعة عنه ، وعن الاستماع منه ، والقراءة عليه .

ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له : ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه ؟ فقال منكراً عليَّ : تقول الغلام ، ولا تقول الشيخ الهاشمي !

أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني ؟ قلت : لا . قال : فإني والله أذكر له الحزب من الأدب ، أظن أني قد بالغت فيه ، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه ، ويظن الناس أني أُعلمه وأنا والله أتعلم منه ! قال : فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه ، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت عليه وسألته عن خبره وحاله ، ثم قلت : ما حال الفتى الهاشمي ؟ فقال لي : دع هذا القول عنك ، هذا والله خير أهل الأرض ، وأفضل من خلق الله تعالى ، وإنه لربما همَّ بالدخول فأقول له : تنظر حتى تقرأ عشرك فيقول لي : أي السور تحب أن أقرأها ؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه ، فيهذُّهَا بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط ، بأطيب من مزامير داود النبي ( عليه السلام ) التي بها من قراءته يضرب المثل . قال ثم قال : هذا مات أبوه بالعراق وهو صغير بالمدينة ، ونشأ بين هذه الجواري السود ، فمن أين علم هذا ؟ قال : ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به ) !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.