أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-05-2015
3544
التاريخ: 2023-04-02
3373
التاريخ: 2024-11-25
459
التاريخ: 21-05-2015
28259
|
( 1 ) حقد ابن أبي دؤاد على الإمام الجواد ( عليه السلام ) !
إذا غضب أحمد بن أبي دؤاد على أحد ، تقع عليه الكارثة من المعتصم ! فابن أبي دؤاد سوداوي حقود ، والمعتصم لا يرد له طلباً ، لأنه عراب خلافته ونديمه . ولا يشفع لمن غضب عليه أن يكون صاحب فضل على الخليفة وكل الخلافة !
فقد وقعت الكارثة على القائد التركي الشجاع المسمى الأفشين ، الذي قطف النصر للمسلمين على بابك الخرمي قائد الثورة المجوسية ، وهزم ملك الروم وَفَتَحَ عمورية ، ثم انخنس المعتصم على بعد عشرين كيلو متراً عن المعركة .
كان الأفشين قائد جيش المعتصم ، فبلغ قاضي القضاة المحترم أنه تكلم عليه ، فأشار على المعتصم أن ينزل رتبته ، فجعله قائد نصف الجيش ، وعين شخصاً للنصف الآخر ، ثم لم يشف ذلك حقد القاضي ، فطلب منه أن يقتله ، فقتله !
قال الدينوري في الأخبار الطوال / 405 : ( ثم إن أحمد بن أبي داود وَجَدَ على الأفشين لكلام بلغه عنه ، فأشار على المعتصم أن يجعل الجيش نصفين ، نصفاً مع الأفشين ونصفاً مع أشناس ، ففعل المعتصم ذلك . فوجد الأفشين منه وطال حزنه واشتد حقده ، فقال أحمد بن أبي دؤاد للمعتصم : يا أمير المؤمنين إن أبا جعفر المنصور استشار أنصح الناس عنده في أمر أبي مسلم فكان من جوابه أن قال : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ، فقال له المنصور : حسبك ، ثم قتل أبا مسلم . فقال له المعتصم : أنت أيضاً حسبك يا أبا عبد الله ! ثم وجه إلى الأفشين ، فقتله ) !
وقد وصف ابن كثير ( النهاية : 10 / 313 ) تكريم المعتصم للأفشين عندما انتصر على بابك الخرمي فقال : ( توج الأفشين وقلده وشاحين من جوهر ، وأطلق له عشرين ألف ألف درهم ، وكتب له بولاية السند ، وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه فيمدحوه على ما فعل من الخير إلى المسلمين ، وعلى تخريبه بلاد بابك التي يقال لها البذ وتركه إياها قيعاناً وخراباً . فقالوا في ذلك فأحسنوا ، وكان من جملتهم أبو تمام الطائي ، وقد أورد قصيدته بتمامها ابن جرير . . ) .
أما حقد قاضي القضاة على الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فقد اعترف هو أنه بلغ أعلى درجة للغليان في حياته ، ليس لأنه بلغه عنه كلام ، بل لأن الجواد ( عليه السلام ) أظهر فقه الإسلام وشريعته ، وكشف أن هذا القاضي وأمثاله جهلة ، لا فقه لهم !
روى العياشي في تفسيره ( 1 / 314 ) : ( عن أحمد بن الفضل الخاقاني من آل رزين قال : قُطع الطريق بجلولاء على السابلة من الحجاج وغيرهم ، وأفلت القُطَّاع ، فبلغ الخبر المعتصم فكتب إلى عامل له كان بها : تؤمن على الطريق فيُقطع على طرف إذن أمير المؤمنين ، ثم ينفلت القطاع ! فإن أنت طلبت هؤلاء وظفرت بهم وإلا أمرت بأن تضرب ألف سوط ثم تصلب بحيث قطع الطريق !
قال : فطلبهم العامل حتى ظفر بهم واستوثق منهم ، ثم كتب بذلك إلى المعتصم فجمع الفقهاء وابن أبي دؤاد ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم ، وكان أبو جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) حاضراً ، فقالوا : قد سبق حكم الله فيهم في قوله إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ . ولأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء فيهم .
قال : فالتفت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) فقال له : ما تقول فيما أجابوا فيه ؟ فقال قد تكلم هؤلاء الفقهاء والقاضي بما سمع أمير المؤمنين . قال : أخبرني بما عندك ، قال : إنهم قد أضلوا فيما أفتوا به ! والذي يجب في ذلك أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق ، فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا أحداً ولم يأخذوا مالاً ، أمر بايداعهم الحبس ، فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل وان كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس أمر بقتلهم ، وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس وأخذوا المال ، أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم بعد ذلك ، قال : فكتب إلى العامل بأن يمتثل ذلك فيهم ) .
أقول : هذا مثلٌ من كشف الإمام ( عليه السلام ) لقاضي القضاة وجماعته الذين يزعمون أنهم فقهاء الأمة ! وقد استوعب ذلك المعتصم فأمر بتنفيذ قول الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، ولم يستشر ابن أبي دؤاد . وكان هذا من المرات القليلة التي يخالف فيها رأي قاضي قضاته وعراب خلافته . وذكرت بعض الروايات أن القصة وقعت سنة 219 .
ولا بد أن عدداً من أمثالها وقع قبلها في مجلس الخليفة .
أما قاصمة الظهر للقاضي الحقود ، فكانت عندما أقنع الإمام الجواد ( عليه السلام ) المعتصم بأنَّ قطع يد السارق بعد تمام الشروط ، إنما يكون من أصول الأصابع وليس من الزند .
روى العياشي ( 1 / 319 ) : ( عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه بشدة قال : رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم ، فقلت له في ذلك فقال : وددت اليوم أني قد مِتُّ منذ عشرين سنة ! قال قلت له : ولم ذاك ؟ قال : لما كان من هذا الأسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم ، بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ! قال قلت له : وكيف كان ذلك ؟
قال : إن سارقاً أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي ، فسألنا عن القطع في أي
موضع يجب أن يقطع ؟ قال : فقلت من الكرسوع . قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال قلت : لأن اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع . لقول الله في التيمم : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ . واتفق معي على ذلك قوم .
وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق . قال وما الدليل على ذلك ؟ قالوا : لأن الله لما قال : وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ، في الغسل ، دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق
قال : فالتفت إلى محمد بن علي فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟
فقال : قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين . قال دعني مما تكلموا به ، أي شئ عندك ؟ قال أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين . قال : أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه . فقال : أما إذا أقسمت عليَّ بالله ، إني أقول : إنهم أخطأوا فيه السنة فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع ، فيترك الكف .
قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين . فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها . وقال الله تبارك وتعالى : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ ، يعنى به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ، فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ، وما كان لله لم يقطع . قال : فأعجب المعتصم ذلك ، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع ، دون الكف . قال ابن أبي داود : قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً !
قال زرقان : إن ابن أبي داود قال : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة ، فقلت : إن نصيحة أمير المؤمنين عليَّ واجبة ، وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار !
قال : وما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين من مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه ، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقواده ووزرائه وكتابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟ !
قال : فتغير لونه ، وانتبه لما نبهته له وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً .
قال : فأمر اليوم الرابع فلاناً من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه ، فأبى أن يجيبه ، وقال : قد علمتَ أني لا أحضر مجالسكم . فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك . وقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك .
فصار إليه ، فلما أطعم منها أحس السم ، فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم ، قال : خروجي من دارك خير لك ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خَلْفَة ( هيضة واستفراغ ) حتى قبض . صلوات الله عليه ) .
أقول : من يعرف جو بلاط المعتصم ، ونفسية أحمد بن أبي دؤاد المريضة ، وحقده على الإمام الجواد ( عليه السلام ) وتأثيره على المتعصم ، يستقرب أن يكون هو الذي أصر عليه أن يدس له السُّم ويتخلص منه .
وقول ابن أبي دؤاد : ( ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويَدَّعُون أنه أولى منه بمقامه ) .
يدل على أن الشيعة كانوا شطر الأمة يومها ، وأن عقيدة الإمامة تعني أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) هو صاحب الحق الشرعي ، والمعتصم غاصب .
أما قصة السم في هذه الرواية ، فهي إحدى المرات العديدة التي أقدم فيها المعتصم على سُمِّ الإمام ( عليه السلام ) ، ولعل آخرها كانت على يد زوجته وأخيها جعفر بن المأمون .
( 2 ) محاولاتهم المتكررة أن يسموا الإمام الجواد ( عليه السلام ) !
1 . نقرأ في سيرة الإمام الجواد ( عليه السلام ) عدة محاولات لقتله بالسُّم ! وكان القتل بالسم شائعاً عند الملوك والخلفاء والطبقة السياسية في كل العصور ، وكان الأمر سهلاً عندما يكون الضحية ضيفاً في قصور الخلافة !
وقد تقدم قول علي بن محمد الحسني عندما زار الإمام الجواد ( عليه السلام ) صبيحة عرسه كما في الخرائج : 1 / 379 : ( قلت في نفسي الساعة يأتون بماء مسموم واغتممت لذلك ! فأقبل الغلام ومعه الماء ، فتبسم أبو جعفر في وجهي ، ثم قال للغلام : ناولني الماء فتناوله فشرب ظاهراً ثم ناولني فشربت . . . قال : والله إني أظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس ، كما تقول الرافضة ) .
وفي المدة التي قضاها الإمام الجواد ( عليه السلام ) في قصور الخلافة ، كان له برنامجه الخاص ، فلم يكن يحضر مجالس لهوهم ولا يجيب دعواتهم ، إلا إذا اضطر للحضور عند الخليفة .
وتقدم قوله لأحدهم : ( علمتَ أني لا أحضر مجالسكم . فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام . . وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ) . ( تفسير العياشي : 1 / 320 ) .
وهذا الوزير لا يريد بركة الإمام ( عليه السلام ) ، بل يريد أن يسقيه سُماً بأمر سيده المعتصم !
2 . قال وزير المعتصم عمر بن الفرج الرخجي ( الثاقب / 517 ) : ( سمعت من أبي جعفر شيئاً لو رآه محمد أخي لكفر . فقلت : وما هو أصلحك الله ؟ قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قُرِّب الطعام فقال : أمسكوا . فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب ؟ فقال : عليَّ بالخبَّاز ، فجئ به فعاتبه وقال : من أمرك أن تسمني في هذا الطعام ؟ فقال له : جعلت فداك ، فلان ! ثم أمر بالطعام فرفع ، وأتي بغيره ) !
أقول : كان عمر بن الفرج وزيراً مقرباً من المعتصم ناصبياً ، وقد ترجمنا له . وكان أخوه محمد بن الفرج شيعياً مقرباً عند الإمام الكاظم والرضا والجواد ( عليهم السلام ) .
ومعنى كلام عمر أن أخي محمد لو رأى المعجزة التي رأيتها من الجواد ، لصار من الغلاة فيه وكفر ! ثم ذكر أن الإمام ( عليه السلام ) كشف محاولة قتله بالسم !
وقد نصت الرواية على أن الحادثة كانت في المدينة ، وكان عمر بن الفرج والي مكة والمدينة من قبل المعتصم ، فلا بد أن يكون هو وراء محاولة اغتيال الإمام الجواد ( عليه السلام ) !
والعجيب مكابرته بعد أن رأى معجزة الإمام ( عليه السلام ) لكن عينه لم تنكسر ! بل اتهم أخاه محمداً رضي الله عنه بأنه مغال في الإمام ، بل اتهمه بالكفر لأنه يعتقد أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) يعلم الغيب مما علمه الله تعالى .
وتفكير عمر الرخجي هو نفس تفكير المعتصم ووزرائه ، فهم غير معنيين بالإيمان بالمعجزات التي يشاهدونها من الإمام ( عليه السلام ) ولا بمجرد تفسيرها ! فالمهم عندهم التخلص من صاحب المعجزة ، حتى لا يفتتن به الناس ويتبعوه ، ويتركوهم !
3 . في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 491 ) : ( ولما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي وأم الفضل ، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه فتجهز وخرج إلى بغداد ، فأكرمه وعظمه ، وأنفذ أشناس بالتحف إليه وإلى أم الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يد أشناس وقال : إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي داود وسعد بن الخصيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج وصنع في الحال . فقال : أشربها بالليل ، قال : إنه ينفع بارداً وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك فشربها عالماً بفعلهم ! وروي من وجه آخر ، سنذكره في فصل معجزاته إن شاء الله تعالى ) .
أقول : اختصرت هذه الرواية إحضار المعتصم للجواد ( عليه السلام ) مرتين ، وتحدثت عن سُمِّ المعتصم له على يد قائد حرسه وجيشه أشناس ، وطوت محاولات أخرى للمعتصم ، وأحداثاً ذكرتها الروايات الأخرى .
ولعلها تتحدث عن المرة الأولى التي أحضره فيها . ومحاولة سمه بشراب مثلج مختوم بختم الخليفة من المرات التي لم تنجح حتى نجح آخرها على يد زوجته وأخيها جعفر !
ومعنى قوله أن الشراب كان تحت ختمه ، أي كان إناؤه في ظرف مختوم بختم الخليفة كدليل على أنه خال من السم !
وهذا يدل على أن جو القتل بالسم كان سائداً في قصور الخليفة وعمله ، وأن المعتصم كان حريصاً على قتل الإمام ( عليه السلام ) ولو بالسم بإسمه !
4 . قال الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات / 118 : ( ثم إن المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر ( عليه السلام ) وأشار إلى ابنة المأمون زوجته ، بأنها تسمه لأنه وقف على انحرافها عن أبي جعفر ، وشدة غيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك وجعلت سماً في عنب رازقي ووضعته بين يديه ( عليه السلام ) ، فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي ، فقال : ما بكاؤك ! والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا ينستر ! فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناصوراً ، فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلة ، حتى احتاجت إلى الإسترفاد . وروي أن الناصور كان في فرجها ) .
وروى الطبري في دلائل الإمامة / 395 : ( وكان سبب وفاته أن أم الفضل بنت المأمون لما تَسَرَّى ورزقه الله الولد من غيرها انحرفت عنه وسَمَّتْهُ في عنب وكان تسعة عشر عنبة ، وكان يحب العنب ، فلما أكله بكت فقال لها : مِمَّ بكاؤك ! والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وببلاء لا ينستر ! فبليت بعده بعلة في أغمض المواضع أنفقت عليها جميع ملكها ، حتى احتاجت إلى رفد الناس . ويقال : إنها سمته بمنديل يمسح به عند الملامسة ، فلما أحس بذلك قال لها : أبلاك الله بداءٍ لا دواءَ له . فوقعت الأَكَلة في فرجها ، فكانت تنكشف للطبيب ينظرون إليها ، ويشيرون عليها بالدواء فلا ينفع ذلك شيئاً ، حتى ماتت في علتها ) .
أقول : لا شك أن لزوجته الخبيثة دوراً أساسياً في سمه ( عليه السلام ) ، لكن لا يكفي تعليل بغيرة النساء ، فقد ذكروا انحرافها عنه ، وأنه كانت تفسر كراماته بالسحر ، وكانت أكثر حياتها معه بعيدة عنه فقد ذهب الإمام ( عليه السلام ) بعد العقد إلى المدينة ، وعاش فيها وكبر وتزوج ، وفي السابعة عشرة رزق بولده علي الهادي ( عليه السلام ) ، ثم رزق بولد وبنتين ، وكانت زوجته أم الفضل طوال هذه المدة في بيت أبيها ببغداد .
وفي سنة 215 عندما أراد المأمون السفر إلى الشام ، وافاه الإمام الجواد ( عليه السلام ) في تكريت ، فطلب منه ، أو أمره حسب رواية الطبري أن يدخل بزوجته ، قال : ( وأمره أن يدخل بابنته أم الفضل ، وكان زَوَّجَهَا منه ، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف التي على شاطئ دجلة ، فأقام بها ، فلما كان أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة ، ثم أتى منزله بالمدينة فأقام بها ) . ( الطبري : 7 / 190 ) .
ونلاحظ تحفظ المفيد ( رحمه الله ) على رواية أنها كانت تشكو الجواد ( عليه السلام ) لأبيها ، لأنه تزوج عليها ، ولعلها لم تسكن معه في المدينة إلا بعد موت المأمون وذهاب الخلافة منهم وفقدها بذخ القصور وترفها ! ولما جاءت مع الإمام ( عليه السلام ) كان عنده زوجته وأولاده .
كما نستبعد أنها سمته بخرقة يمسح بها فرجه ، فكأنها مقولةٌ لتبرير دعائه عليها بأن تصاب بعلة في فرجها . لكن قد يكون سبب دعائه ( عليه السلام ) بذلك أمرٌ آخر من سلوكها .
والنتيجة : أن محاولاتهم قتل الإمام الجواد ( عليه السلام ) بالسم كانت متعددة ، حتى عندما كان في المدينة ، وكانت تتواصل وتشتد عندما يحضرونه إلى بغداد ، وقد تكون عشر مرات ، وكانت زوجته شريكة في سُمِّه مرةً أو أكثر ، وكانت تدبر ذلك مع أخيها جعفر !
( 3 ) الأماكن التي سكن فيها الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد
1 . سكن الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد ، في ثلاثة أمكنة على الأقل : فعندما جاء به المأمون ليعقد له على ابنته ، أنزله كما يظهر في أحد قصور الخلافة ، وبقي في بغداد فترة قصيرة ، ثم رجع إلى المدينة .
أما عندما كان يأتي هو لمناسبة كاستقبال المأمون من عودته من الشام ، فالمرجح أنه كان ينزل خارج قصور الخلافة ، وكان يبقى مدة ثم يرجع إلى المدينة .
وفي رواية المسعودي في إثبات الوصية / 216 : ( فحمله ( المأمون ) وأنزله بالقرب من داره ودخل عليه حسين المكاري فلما رأى طيب حاله قال في نفسه : لا يرجع أبداً إلى موطنه فقال : خبز شعير وملح جريش وحرم الرسول أحبّ إليَّ مما ترى ) .
وقوله أنزله بالقرب من داره يدل على أنه أنزله في أحد قصور الخلافة . وقد اهتم بتكريمه ، لكن الإمام ( عليه السلام ) لم يكن مرتاحاً لذلك .
2 . وأما عندما أحضره المأمون سنة 215 ، وأمره أن يدخل بزوجته ، فقد أعدوا له دار أحمد بن يوسف ، وهو على شاطئ دجلة ، كما نص عليه الطبري : 7 / 189 .
وعبَّرت عنه رواية ابن حمزة في الثاقب / 518 ، بقصر أحمد بن يوسف ، قال : ( حدثني بعض المدينيين أنهم كانوا يدخلون على أبي جعفر ( عليه السلام ) وهو نازل في قصر أحمد بن يوسف ، يقولون له : يا أبا جعفر ، جعلنا فداك ، قد تهيأنا وتجهزنا ولانراك تَهِمُّ ) .
وتعبيرهم بالقصر صحيح ، لأن أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء ، كان ولي ديوان الرسائل للمأمون ، برتبة وزير . ( الأعلام : 1 / 272 ) .
وقد وصفت رواية معجم الأدباء ( 5 / 165 ) كرمه وقصره فقالت : ( لما خرج عبد الله بن طاهر من بغداد إلى خراسان ، قال لابنه محمد : إن عاشرت أحداً بمدينة السلام ، فعليك بأحمد بن يوسف الكاتب ، فإن له مروءة ، فما عرج محمد حين انصرف من توديع أبيه على شئ حتى هجم على أحمد بن يوسف في داره فأطال عنده ، ففطن له أحمد فقال : يا جارية غدينا ، فأحضرت طبقاً وأرغفة نقية وقدمت ألواناً يسيرة وحلاوةً ، وأعقب ذلك بأنواع من الأشربة في زجاج فاخر وآلة حسنة ، وقال : يتناول الأمير من أيها شاء . ثم قال له : إن رأى الأمير أن يشرف عبده ويجيئه في غد فأنعم بذلك . فنهض وهو متعجب من وصف أبيه له وأراد فضيحته ، فلم يترك قائداً جليلاً ولا رجلاً مذكوراً من أصحابه ، إلا عرفهم أنه في دعوة أحمد بن يوسف ، وأمرهم بالغدو معه ، فلما أصبحوا قصدوا دار أحمد بن يوسف ، وقد أخذ أهبته وأظهر مروءته ، فرأى محمد من النضائد والفرش والستور والغلمان والوصائف ما أدهشه ، وكان قد نصب ثلاث مائة مائدة ، وقد حفت بثلاث مائة وصيفة ، ونقل إلى كل مائدة ثلاث مائة لون في صحاف الذهب والفضة ، ومثارد الصين .
فلما رفعت الموائد قال ابن طاهر : هل أكل من بالباب ، فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نصبت لهم الموائد فأكلوا ، فقال : شتان بين يوميك يا أبا الحسن ) .
أقول : اختارالمأمون هذا القصر لعرس الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وكان أحمد بن يوسف توفي سنة 213 ( الأعلام : 1 / 272 ) أي قبل ذلك بسنتين . فقد يكون قصره يومها بيد أولاده ، أو بيد المأمون . وبقي الإمام ( عليه السلام ) فيه شهوراً حتى ذهب إلى الحج ، ومعه زوجته أم الفضل ، ثم سكن في المدينة .
3 . أما عندما استقدمه المعتصم مرتين ، وأبقاه في الثانية في بغداد حتى قتله ، فيظهر أنه سكن مع زوجته في منزل اشتراه أو استأجره في شرق بغداد ، في رحبة أسوار بن ميمون ، قرب قنطرة البردان . وفي هذا المنزل وردت الرواية أنه استشهد صلوات الله عليه ، وعنده صلى عليه الواثق ولي عهد المعتصم .
قال الحافظ في تاريخ بغداد ( 3 / 267 ) : ( فتوفي فيها ( بغداد ) يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة ، وركب هارون بن أبي إسحاق فصلى عليه عند منزله في رحبة أسوار بن ميمون ، ناحية قنطرة البردان ، ثم حمل ودفن في مقابر قريش ) .
وهارون بن أبي إسحاق هو الواثق بن المعتصم . وقوله : فصلى عليه عند منزله ، يدل على أن صلاته كانت في ساحة أو فسحة عند منزل الإمام الجواد ( عليه السلام ) الذي توفي فيه . وفيه إشارة إلى أن الوقت كان صيفاً أو صحواً ، يسمح بالصلاة على الجنازة في الفضاء .
ويفهم من الأشخاص الذين نُسبوا إلى قنطرة البردان ورحبة أسوار ، أنهاكانت محلة يسكنها كبار الرواة والعلماء ، وبعيدة نسبياً عن قصور الخلافة .
ثم حملت جنازته ( عليه السلام ) إلى مقابر قريش في غربي بغداد ، وهي الكاظمية الفعلية .
ومما يؤكد أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) توفي في بيته المذكور وليس في القصر ، ما رواه في بصائر الدرجات / 501 ، بسند صحيح عن علي بن مهزيار عن أبي مسافر قال : ( قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) في العشية التي اعتل فيها من ليلتها العلة التي توفي فيها : يا عبد الله ما أرسل الله نبياً من أنبيائه إلى أحد حتى يأخذ عليه ثلاثة أشياء . قلت : وأي شئ هو يا سيدي ؟ قال : الإقرار بالله بالعبودية والوحدانية ، وأن الله يقدم ما يشاء . ونحن قوم أو نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نقلنا إليه ) .
4 . وهناك مكان آخر شهد معجزة للإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وهو مسجد المسيب ، ففي الكافي ( 1 / 497 ) : ( قال : صليت مع أبي جعفر ( عليه السلام ) في مسجد المسيب ، وصلى بنا في موضع القبلة سواء . وذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق ، فدعا بماء وتهيأ ( توضأ ) تحت السدرة ، فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها ) .
وفي المستجاد من الإرشاد / 213 ، والثاقب في المناقب / 512 : ( وقد روى أكثر الناس أنه لما توجه أبو جعفر ( عليه السلام ) من بغداد منصرفاً من عند المأمون ، ومعه أم الفضل ابنة المأمون قاصداً بها المدينة ، صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس ، فنزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة ، وقام وصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله ، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو الله ، وقنت قبل ركوعه فيها وصل الثالثة وتشهد وسلم ، ثم جلس هنيهة يذكر الله جل اسمه ، وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب تعقيبها ، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج ، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً ! فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوها نبقاً حلواً لا عجم له ! وودعوه ومضى من وقته إلى المدينة ) .
وفي المناقب ( 3 / 496 ) : ( فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً ، فتعجبوا من ذاك وأكلوا منها ، فوجدوا نبقاً حلواً لاعجم له ، وودعوه ومضى إلى المدينة . قال الشيخ المفيد : وقد أكلت من ثمرها وكان لا عجم له ) .
أقول : مسجد المسيب كما دلت رواية ابن السكيت ملاصق لسجن السندي بن شاهك الذي توفي فيه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، ويقع غربي بغداد في باب الكوفة .
قال في عيون المعجزات / 81 : ( إن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) كان في حبس هارون الرشيد ، وهو في المسجد المعروف بمسجد المسيب ، من جانب الغربي بباب الكوفة ، لأنه قد نقل الموضع إليه من دار السندي بن شاهك ، وهي الدار المعروفة بدار أبي عمرويه ) . ونحوه في مناقب آل أبي طالب : 3 / 438 .
( 4 ) كانت إمامة الجواد في السابعة من عمره ظاهرة جديدة !
صار التشيع في القرن الثاني بجهود أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) تياراً قوياً في الأمة ، حتى أنه أحدث هزة سياسية اقتلعت الحكم الأموي من جذوره ، وقام بعده الحكم العباسي باسم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وفي أواخر القرن الثاني كان التشيع لأهل البيت ( عليهم السلام ) فخراً ، وكان الخليفة المأمون يعلن أنه شيعي المذهب ، ويناظر الفقهاء والمتكلمين في إثبات التشيع .
وقد تأكد للناس ذلك عندما جعل المأمون ولاية عهده للإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وهو الإمام الثامن في سلسلة الأئمة الاثني عشر عند الشيعة .
لذا يمكن القول إن عصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان عصر المد الفكري للتشيع .
وقد حدث أمرٌ بوفاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان جديداً على الشيعة ، وغريباً على غيرهم ، هو أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان أعلن أن الإمام بعده والحجة لله على الناس ابنه محمد الجواد ( عليه السلام ) ، فلما توفي كان عمر الإمام الجواد ( عليه السلام ) نحو سبع سنين !
أما الشيعة فكان كثيرٌ منهم قالوا بإمامته من حياة أبيه بمجرد أن سمعوا منه النص على إمامته ، وبعضهم كانوا مستعدين لقبول ذلك لأن الأئمة الماضين وخاصة الإمام الصادق ( عليهم السلام ) أخبروهم بأنهم سيبتلون بأن يكون حجة الله عليهم صبياً ، كعيسى ويحيى وسليمان فقد كانوا أنبياء وهم صبيانٌ صغار ( عليهم السلام ) !
وزاد من يقين الشيعة أن الإمام المعصوم عندهم لايجهزه ويصلي عليه إلا معصوم ، وأن الإمام الجواد عندما توفي أبوه الإمام الرضا في طوس ، كان صبياً في المدينة ، فأخبر الناس بوفاته ، وأمر عائلته بإقامة المأتم ، وذهب بنحو الإعجاز إلى طوس فقام بتجهيزه والصلاة عليه ، ورجع إلى المدينة في ذلك اليوم !
وتقدم أن فقهاء الشيعة ورؤساؤهم اجتمعوا في بغداد ، ثم زاروا الإمام الجواد في المدينة ، فاقتنعوا به وأعلنوا إمامته .
( 5 ) من نصوص الإمام الجواد على إمامة ابنه الهادي ( عليهما السلام )
وروى المسعودي في إثبات الوصية / 193 ، عن إسماعيل بن بزيع قال : ( قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : يُفضي هذا الأمر إلى أبي الحسن وهو ابن سبع سنين ! ثم قال : نعم وأقل من سبع سنين ، كما كان عيسى ( عليه السلام ) ) .
وروى الصدوق في كمال الدين / 378 ، عن الصقر بن أبي دلف قال : ( سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ( عليهما السلام ) يقول : إن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثم سكت . فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبكي بكاء شديداً ثم قال : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر . فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم ؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره ، وارتداد أكثر القائلين بإمامته ! فقلت له : ولم سمي المنتظر ؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون ، وينكره المرتابون ، ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المُسَلِّمون ) .
وروى في الكافي ( 1 / 323 ) : ( عن إسماعيل بن مهران قال : لما خرج أبو جعفر ( عليه السلام ) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرَّ بوجهه إلي ضاحكاً ، وقال : ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة .
فلما أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ، ثم التفت إلي فقال : عند هذه يُخاف علي ، الأمر من بعدي إلى ابني علي ) .
وفي كفاية الأثر / 284 : ( عن أمية بن علي القيسي قال : قلت لأبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) : مَن الخلَف من بعدك ؟ قال : ابني علي . ثم قال : إنه سيكون حيرة . قال : قلت إلى أين ؟ فسكت ثم قال : إلى المدينة . قلت : وإلى أي مدينة ؟ قال : مدينتنا هذه ، وهل مدينة غيرها ؟ ) .
وفي كمال الدين / 382 : ( عن علي بن عبد الغفار قال : لما مات أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر ( عليه السلام ) يسألونه عن الأمر ، فكتب ( عليه السلام ) : الأمر لي ما دمت حياً ، فإذا نزلت بي مقادير الله عز وجل آتاكم الله الخلف مني ، وأنى لكم بالخلف بعد الخلف ) !
يقصد أن الإمام بعده ابنه الحسن العسكري ( عليهما السلام ) ، لكن سيصعب عليكم رؤية الخلف بعده ، وهو ابنه الإمام المهدي ( عليه السلام ) .
وروى في الكافي ( 1 / 324 ) عن الخيراني ، أن أباه : ( كان يلزم باب أبي جعفر ( عليه السلام ) للخدمة التي كان وكل بها . وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر ( عليه السلام ) وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي ، فخرجت ذات ليله وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لأبي : إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إني ماضٍ والأمر صائر إلى ابني علي ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي .
ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قد قال لك ؟ قال : خيراً . قال : قد سمعت ما قال فَلِمَ تكتمه ؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي : قد حرم الله عليك ما فعلت لأن الله تعالى يقول : وَلَا تَجَسَّسُوا ، فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإياك أن تظهرها إلى وقتها .
فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ، ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة ، وقال : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها ، فافتحوها واعملوا بما فيها .
فلما مضى أبو جعفر ( عليه السلام ) ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربع مائة إنسان .
واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر ، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده ، وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويسأله أن يأتيه ، فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع : أحضروا الرقاع فأحضروها فقال لهم : هذا ما أمرت به . فقال بعضهم : قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر ؟ فقال لهم : قد آتاكم الله عز وجل به هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة وسأله أن يشهد بما عنده ، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئاً فدعاه أبي إلى المباهلة ، فقال : لما حقق عليه ، قال : قد سمعت ذلك . وهذا مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم : فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعاً .
وفي نسخة الصفواني : محمد بن جعفر الكوفي ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة : شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) أشهده أنه أوصى إلى علي ابنه بنفسه وأخواته ، وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله بن المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك ، إلى أن يبلغ علي بن محمد .
صَيَّرَ عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه ، يقوم بأمر نفسه وإخوانه ، ويصير أمر موسى إليه ، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها .
وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة ، سنة عشرين ومائتين .
وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه . وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) وهو الجواني ، على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب ، وكتب شهادته بيده . وشهد نصر الخادم ، وكتب شهادته بيده ) .
( 6 ) شرح هذا الحديث
1 . الخيراني من أولاد عبد خير ، وكان خادماً موثوقاً للإمام الرضا والجواد ( عليهما السلام ) ، وهو حاجبه في بغداد ، يجلس في غرفة الحراسة أو الاستقبال ، وعندما كان الإمام ( عليه السلام ) مريضاً من أثر السم ، كان يرسل اليه من داخل البيت من هو أقرب اليه منه ، فيبلغه أمره .
وكان قاضي المعتصم أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، وهو من أصحاب يحيى بن أكثم يحضر كل ليلة في آخر الليل ليعرف حالة الإمام ( عليه السلام ) وهل توفي ، ليكتب حكماً قضائياً بأنه مات بشكل طبيعي ، ولم يكن مسموماً !
وهذا معنى قوله : ( وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر ( عليه السلام ) ) .
وكان الإمام ( عليه السلام ) إذا أراد شيئاً من الخيراني أرسل رسوله من داخل البيت فكلم الخيراني سراً ويبتعد القاضي . وهذا معنى : ( وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر ( عليه السلام ) وبين أبي ، إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي ) .
وجاء الرسول ذات ليلة : ( وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام ) أي لم يبتعد القاضي ، بل وقف بحيث يسمع ليعرف ماذا أرسل الإمام ( عليه السلام ) إلى الحاجب ! فعاتبه الخيراني واتهمه بالتجسس .
وأبلغه الرسول رسالة مكتوبة من الإمام ( عليه السلام ) وأمره أن ينسخها ويرسلها إلى كبار الشيعة ، وهي تخبر بوفاته ، وتنص على إمامة الهادي ( عليه السلام ) .
وبعد تشييع الإمام ( عليه السلام ) أرسل محمد بن الفرج أخ الوزير عمر بن فرج ، إلى الخيراني يدعوه إلى مجلس كبار الشيعة في داره ، فجاء وأخبرهم بوصايا الإمام ونصه على الهادي ( عليهما السلام ) فأحبوا أن يكون معه شاهد ، فاستشهد بالقاضي أحمد بن محمد بن عيسى فأبى ، ثم اعترف وشهد !
وقد تصور شراح الحديث أن أحمد بن محمد بن عيسى هو القمي الأشعري ، وجيه الشيعة في قم ، وتحيروا في إبائه الشهادة بإمامة الجواد ( عليه السلام ) ثم اعترافه !
وقد ضعف السيد الخوئي الرواية لأنها تذمه وهو جليل القدر ، لا يصدر منه ما نسبته اليه من إنكار الشهادة . لكن ستعرف أنه البرتي وليس الأشعري .
2 . يدل الحديث على أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) ضبط بيته وعين له حاجباً يثق به ، وكان كما ورد في أول رحبة أسوار ، قرب قنطرة البردان .
3 . يدل الحديث على أن الإمام ( عليه السلام ) مرض من السم مدة ثم توفي ، وأن المعتصم أمر قاضيه أن يتفقده ليخبره بخبره ، ويكتب تقريره القضائي بوفاته الطبيعية !
ولم أجد تحديد المدة التي عانى فيها الإمام ( عليه السلام ) من تأثير السم قبل وفاته .
4 . يدل قوله : ( فكتب محمد بن الفرج إلى أبي ( الخيراني ) يعلمه باجتماعهم عنده ، وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه . ويسأله أن يأتيه ) على جو الإرهاب الذي فرضه المعتصم على زوار بيت الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، حتى أن شخصية محترمة عند المعتصم كمحمد بن الفرج ، يخشى أن يزور بيت الإمام ( عليه السلام ) بعد شهادته ، حتى لا يتهم بأنه من شيعته ، وأنه يدبر شيئاً . مع أن أخاه عمر بن الفرج وزيرٌ مقربٌ من المعتصم .
ثم إن المعتصم زعم أنه يحب الإمام الجواد ( عليه السلام ) وأنه لم يقتله ، وقد بعث ابنه وصلى على جنازته . لكنه بتعامل مع شيعته ومنزله ، أكد التهمة على نفسه !
5 . يظهر من رسالة محمد بن الفرج إلى الخيراني ، وتعامل كبار شخصيات الشيعة معه أنهم كانوا يثقون به . والخيراني هنا هو ابن خيران مولى الإمام الرضا ، وخيران كان حاجباً للإمام الجواد ، وقد روى ابنه عنه أيضاً في الكافي : ( 1 / 322 ) : ( قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن ( الرضا ( عليه السلام ) ) بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كونٌ فإلى من ؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن : إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة ، في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر ) .
وقد ترجم له السيد الخوئي في معجمه ( 8 / 88 ) ، ترجمة وافية ، قال : ( خيران الخادم = خيران الأسباطي : ثقة ، من أصحاب الهادي ( عليه السلام ) ، رجال الشيخ . وعده البرقي أيضاً في أصحاب الهادي ( عليه السلام ) وقال الكشي : خيران الخادم القراطيسي : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه : حدثني الحسين بن محمد بن عامر قال : حدثني خيران الخادم القراطيسي ، قال : حججت أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى ( عليه السلام ) وسألته عن بعض الخدم ، وكانت له منزلة من أبي جعفر ( عليه السلام ) فسألته أن يوصلني إليه فلما صرنا إلى المدينة ، قال لي : تهيأ فإني أريد أن أمضي إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فمضيت معه ، فلما أن وافينا الباب ، قال لي : كن في حانوت ، فاستأذن ودخل ، فلما أبطأ عليَّ رسوله خرجت إلى الباب فسألت عنه فأخبروني أنه قد خرج ومضى ، فبقيت متحيراً فإذا أنا كذلك ، إذ خرج خادم من الدار ، فقال : أنت خيران ؟ فقلت : نعم . قال لي : أدخل ، فدخلت وإذا أبو جعفر ( عليه السلام ) قائم على دكان ( مرتفع ) لم يكن فُرش له ما يقعد عليه فجاء غلام بمصلى فألقاه له فجلس ، فلما نظرت إليه تهيبته ودهشت ، فذهبت لأصعد الدكان من غير درجة ، فأشار إلى موضع الدرجة فصعدت وسلمت فرد السلام ومد يده إلي فأخذتها وقبلتها ، ووضعتها على وجهي ، فأقعدني بيده فأمسكت يده مما داخلني من الدهش فتركها في يدي صلوات الله عليه ، فلما سكنت خليتها فساءلني .
وكان الريان بن شبيب قال لي : إن وصلت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) قل له : مولاك الريان بن شبيب يقرؤك السلام ويسألك الدعاء له ولولَده ، فذكرت له ذلك فدعا له ولم يدع لولده ، فأعدت عليه فدعا له ولم يدع لولده ، فأعدت عليه ثلاثاً فدعا له ولم يدع لولده ! فودعته وقمت ، فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه ولم أفهم ما قال ، وخرج الخادم في أثري فقلت له : ما قال سيدي لما قمت ؟ فقال لي قال : من هذا الذي يرى أن يهدي لنفسه . هذا ولد في بلاد الشرك فلما أخرج منها صار إلى من هو شر منهم ، فلما أراد الله أن يهديه هداه . . .
عن إبراهيم بن مهزيار قال : كتب له خيران الخادم : قد وجهت إليك ثمانية دراهم ، كانت أهديت إلي من طرسوس دراهم منهم ، وكرهت أن أردها على صاحبها أو أحدث فيها حدثاً دون أمرك فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا لأعرفها إن شاء الله وأنتهي إلى أمرك . فكتب وقرأته : إقبل منهم إذا أهدي إليك دراهم أو غيرها فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يرد هدية على يهودي ولا نصراني .
حمدويه وإبراهيم ، قالا : حدثنا محمد بن عيسى قال : حدثني خيران الخادم قال : وجهت إلى سيدي ثمانية دراهم وذكر مثله سواء . وقال : قلت جعلت فداك إنه ربما أتاني الرجل لك قبله الحق أو يعرف موضع الحق لك ، فيسألني عما يعمل به فيكون مذهبي أخذ ما يتبرع في سر ؟ قال ( عليه السلام ) : إعمل في ذلك برأيك ، فإن رأيك رأيي ، ومن أطاعك فقد أطاعني . قال أبو عمرو : هذا يدل على أنه كان وكيله . ولخيران هذا : مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن ( عليه السلام ) .
أقول : بعدما ثبتت وثاقة الرجل فلابد من تصديقه فيما أخبر به ، وفيه دلالة على جلالته وعظم منزلته عند الإمام ( عليه السلام ) ) .
وترجم له السيد الأمين في أعيان الشيعة ( 6 / 362 ) وفيه : ( خيران مولى الرضا ( عليه السلام ) ويقال خيران الخادم القراطيسي . وقال الشيخ في رجاله : خيران الخادم ، من أصحاب أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) ثقة ) .
أقول : يدل الحديث على أن خيران الخادم زار الإمام الجواد بعد وفاة الإمام الرضا ( عليهما السلام ) ، وأن الريان بن شبيب خال المعتصم ، أوصاه أن يطلب له ولابنه الدعاء ، فدعا له الإمام ( عليه السلام ) ولم يدع لابنه ، لأنه كان يزعم أنه سيهدي نفسه ولا يحتاج من يهديه !
ولم تذكر الرواية أين عاش خيران بعد ذلك ، حتى ذكرت أنه كان حاجب الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد عندما سقي السم .
6 . توجد عدة قرائن تدل على أن أحمد بن محمد بن عيسى في الرواية ليس هو الأشعري القمي المعروف ، بل هو قاض في بغداد من أصحاب يحيى بن أكثم ، ويظهر أنه كان مأموراً من المعتصم ، فيأتي كل يوم ليعرف حال الإمام ( عليه السلام ) حتى يكتب تقريره بأنه مات حتف أنفه وليس بالسُّم .
منها : أن عامة مصادرهم ترجمت له ، كالخطيب في تاريخ بغداد ( 5 / 265 ) قال : ( أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر أبو العباس البرتي القاضي . . . وكان من أصحاب يحيى بن أكثم ، وكان قبل ذلك تقلد واسطاً وقطعة من أعمال السواد ) .
وفي الأنساب للسمعاني ( 1 / 308 ) : ( البِرْتي . . هذه النسبة إلى بِرت وهي مدينة بنواحي بغداد ، والمشهور بهذه النسبة القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى ، البرتي ) .
ودوره في الرواية يتناسب مع هذا القاضي ، ولا يتناسب مع شخصية أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الذي قال عنه الشيخ الطوسي في الفهرس / 68 : ( شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع ، وكان أيضاً الرئيس الذي يلقي السلطان بها ، ولقي أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، وصنف كتباً ، منها كتاب التوحيد . . كتاب النوادر ) .
فلو كان يومها في بغداد لكان له حضور أقوى مما ذكرت الرواية .
ومنها : أن الخلفاء كانوا يرسلون قاضياً أو أكثر ليتفقد ضحيتهم المسموم ، وينظم محضراً قضائياً بأنه مات حنف أنفه ، وأن بدنه سالم ليس فيه آثار قتل أو تعذيب !
وقد ورد ذلك في سمهم للإمام الكاظم والإمام الهادي والعسكري ( عليهم السلام ) ، فهذا الذي كان يأتي كل ليلة ليعرف خبر علة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، من هؤلاء !
روى في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 1 / 97 ) في شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( لما توفى أبو إبراهيم موسى بن جعفر جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وساير أهل المملكة والحكام ، وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه . وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعني في قتله ، فانظروا إليه . فدخلوا عليه سبعون رجلاً من شيعته ، فنظروا إلى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وليس به أثر جراحه ، ولا خنق ) .
وروى في الكافي ( 1 / 505 ) في شهادة الإمام الهادي ( عليه السلام ) : ( فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه ، فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين وقال : هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه . حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان . ومن القضاة فلان وفلان . ومن المتطببين فلان وفلان ، ثم غطى وجهه وأمر بحمله ) .
ومنها : أن خيران عليه حكم بأنه تجسس ليستمع رسالة الإمام ( عليه السلام ) الخاصة له : ( وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام . . ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قد قال لك ؟ قال : خيراً . قال : قد سمعت ما قال فَلِمَ تكتمه ؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي : قد حرم الله عليك ما فعلت ، لأن الله تعالى يقول : وَلَا تَجَسَّسُوا ، فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإياك أن تظهرها إلى وقتها ) .
فيظهر أنه كان في مدخل الدار غرفة واحدة يجلس فيها خيران ، وكان يأتيه القاضي ليسأل عن حال الإمام ( عليه السلام ) فيجلس فترة ، فإذا جاء رسولٌ من داخل البيت ليبلغ خيران أمراً ، يخرج القاضي أو يتنحى ليتحدثا بينهما .
لكن القاضي في تلك الليلة تنحى كأنه خارج ، ثم استدار ووقف بحث يسمع كلامهما ! فاتهمه خيران بأنه احتال وتجسس وارتكب حراماً . وهذا يناسب شخصية قاض مأمور من المعتصم ولا يناسب شخصية أحمد بن عيسى الأشعري رضي الله عنه .
ومنها : أن أحمد بن محمد بن عيسى لو كان يومها في بغداد ، لكان له حضور قوي في اجتماع الشيعة في دار محمد بن الفرج ، وكان أحد أركان الاجتماع ، لأنه لا يقل وزناً عن ابن فرج ، فكيف لم يذكروه بين المدعويين ، ولا بين الحضور ، إلا عندما طلب منه خيران الشهادة فأبى ، فهدده بالمباهلة ، فأقر !
فهذا يتناسب مع حاضر فضولي ، أو جاسوس للدولة مفروض على الحضور !
وأخيراً ، فإن مجرد الشك في أن المقصود بأحمد بن عيسى في الرواية الأشعري ، كافٍ لتبرئته ، حيث يحتمل أن يكون الراوي أضاف كلمة الأشعري لأنه تصور أنه المقصود .
( 7 ) كانت شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) في آخر ذي القعدة سنة 220
تقدم في الفصل الأول ما رواه في الكافي ( 1 / 492 ) : ( ولد ( عليه السلام ) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة ، وقبض سنة عشرين ومائتين ، في آخر ذي القعدة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً ، ودفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جده موسى ( عليهما السلام ) ) . ونحوه في التهذيب : 6 / 90 ، والمقنعة للمفيد / 483 ، والإرشاد : 2 / 289 ، والوافي : 2 / 365 . وعامة المصادر .
وقد تعارف الشيعة على إحياء ذكرى شهادته ( عليه السلام ) في التاسع والعشرين من ذي القعدة لاحتمال أن يكون الشهر ناقصاً .
( 8 ) الإمام علي الهادي يصلي على أبيه ( عليهما السلام )
عندما توفي الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد ، كان الإمام الهادي ( عليه السلام ) صبياً في المدينة فأخبر الناس بوفاة أبيه ، وأمر عائلته بإقامة المأتم ، وذهب بنحو الإعجاز إلى بغداد فقام بتجهيز جنازة أبيه والصلاة عليه ، ورجع إلى المدينة في ذلك اليوم !
روى في الكافي ( 1 / 381 ) : ( عن هارون بن الفضل قال : رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر ( عليهما السلام ) فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى أبو جعفر . فقيل له : وكيف عرفت ؟ قال : لأنه تداخلني ذلة لله ، لم أكن أعرفها ) .
وفي إثبات الإمامة / 221 عن رضيع أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( بينا أبو الحسن ( عليه السلام ) جالس مع مؤدِّب له يكنى أبا زكريا ، وأبو جعفر عندنا إنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ من اللوح إلى مؤدبه ، إذ بكى بكاء شديداً فسأله المؤدب : ممَّ بكاؤك ؟ فلم يجبه . فقال : إئذن لي بالدخول فأذن له ، فارتفع الصِّياح والبكاء من منزله ، ثم خرج إلينا فسألنا عن البكاء ، فقال : إن أبي قد توفي الساعة ! فقلنا : بما علمت ؟ قال : دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك ، فعلمت أنه قد مضى فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر ، فإذا هو قد مضى في ذلك الوقت ) .
( 9 ) قَتل المعتصم الإمام وسَجَن ابنه الهادي ( عليهما السلام )
عندما رجع المأمون من خراسان إلى بغداد سنة 204 ، دعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) من المدينة فأكرمه ، وقدمه إلى العباسيين على أنه أحد أهل بيت خصهم الله بالعلم من صغرهم ، فلا يحتاجون إلى أساتذة ! وأثبت لهم ذلك ، وعقد زواجه على ابنته .
وعندما قَتَل المعتصم الإمام الجواد ( عليه السلام ) بالسم ، كان يعرف شخصيته الفريدة ومقامه عند الله تعالى ، وكان يعرف أن ابنه علياً الهادي ( عليه السلام ) مثل أبيه ، لكنه استنكف عن الاعتراف بذلك ، وقرر أن يعامل الإمام الهادي ( عليه السلام ) على أنه صبي صغير السن ! فعين له من يعلمه العربية والأدب ، ويحبسه في بيتهم في المدينة ، ويمنعه من الاتصال بالشيعة .
وقد روى المؤرخون أن المعتصم أمر وزيره عمر الرخجي وكان والياً على مكة والمدينة ، أن يوكل بالهادي ( عليه السلام ) شخصاً باسم معلم ، فيكون تحت رقابته التامة ، ويعزله عن الناس ! فاختار الرخجي الجنيدي ونصبه لهذه المهمة ، وأمر حاكم المدينة أن ينفذ أوامره ! فكانت النتيجة إيمان الجنيدي بإمامة الهادي ( عليه السلام ) !
روى المسعودي في دلائل الإمامة / 230 ، عن محمد بن سعيد ، قال : ( قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لهم : أُبْغُوا لي رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم ، لا يوالي أهل هذا البيت ! لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه ، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه . فأسموا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي ، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم ، ظاهر الغضب والعداوة ( لأهل البيت ) !
فأحضره عمر بن الفرج ، وأسنى له الجاري من مال السلطان ، وتقدم إليه بما أراد ، وعرفه أن السلطان ( المعتصم ) أمره باختيار مثله ، وتوكيله بهذا الغلام .
قال : فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن ( عليه السلام ) في القصر بِصِرْيَا ( أي في البيت في مزرعة صريا بضاحية المدينة ) فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله ، وأخذ المفاتيح إليه ! فمكث على هذا مدة ، وانقطعت الشيعة عنه ، وعن الاستماع منه ، والقراءة عليه .
ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له : ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه ؟ فقال منكراً عليَّ : تقول الغلام ، ولا تقول الشيخ الهاشمي !
أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني ؟ قلت : لا . قال : فإني والله أذكر له الحزب من الأدب ، أظن أني قد بالغت فيه ، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه ، ويظن الناس أني أُعلمه وأنا والله أتعلم منه ! قال : فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه ، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت عليه وسألته عن خبره وحاله ، ثم قلت : ما حال الفتى الهاشمي ؟ فقال لي : دع هذا القول عنك ، هذا والله خير أهل الأرض ، وأفضل من خلق الله تعالى ، وإنه لربما همَّ بالدخول فأقول له : تنظر حتى تقرأ عشرك فيقول لي : أي السور تحب أن أقرأها ؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه ، فيهذُّهَا بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط ، بأطيب من مزامير داود النبي ( عليه السلام ) التي بها من قراءته يضرب المثل . قال ثم قال : هذا مات أبوه بالعراق وهو صغير بالمدينة ، ونشأ بين هذه الجواري السود ، فمن أين علم هذا ؟ قال : ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به ) !
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يحتفي بإصدار العدد الألف من نشرة الكفيل
|
|
|