دور الادعاء العام في الوقاية من جرائم العقود الحكومية على المستوى الداخلي |
173
11:00 صباحاً
التاريخ: 2024-10-30
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
5442
التاريخ: 25-4-2017
2379
التاريخ: 2024-10-28
223
التاريخ: 20-3-2016
2325
|
هناك دوران للادعاء العام في الوقاية من جرائم مناقصات العقود الحكومية، أحدهما دور خاص والآخر دور عام، وسيتم بيان كل منهما وكما يلي:
أولا: الدور الخاص للادعاء العام في الوقاية من الجرائم : للادعاء العام اختصاص خاص للوقاية من الجرائم عامة، ومن ضمنها الجرائم الماسة بالعقود الحكومية، فيقع من ضمن مهام جهاز الادعاء العام رصد الظواهر الاجرامية ومتابعتها ووسيلة ذلك هو تقديم المقترحات العلمية لتقليص الجرائم والوقاية منها ومكافحتها وكذلك معالجة آثارها وهذه المقترحات يمكن أن تكون بحوثا أو دراسات أو تقارير أو مقالات، وبأي شكل كان (1).
إنَّ قانون الادعاء النافذ لم يحدد الأساليب التي يمكن ان يلجأ لها الادعاء العام في رصد الظواهر الاجرامية، ولذلك فإن له استخدام كافة الوسائل المتاحة في تحديد هذه الظواهر، ويمكن على سبيل المثال لا الحصر أن يستخدم أساليب الإحصاء الجنائي من خلال جمع البيانات في ما يخص الحوادث الاجرامية، وهي الطريقة التي يتم فيها تحويل الظواهر إلى ارقام والذي يسمح بدراسة تحرك الجريمة وعلاقتها بمختلف العوامل كالعمر والجنس والمكان والأساليب والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدافع ووسائل ارتكابها (2)؛ كما يمكن الاستعانة بالراي العام وملاحظاته على السلوكيات الاجرامية، وكذا التقارير الصادرة من الجهات الأمنية، والاستعانة بالإحصائيات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
إن الغرض من إعطاء هذه المهام للادعاء العام هو لتطويق الظواهر الاجرامية وتحجيمها، كما ان ذلك ليس الغاية منه هو رصد الظواهر الاجرامية فحسب، وإنما يمتد أيضا إلى معرفة أسبابها وإمكانية القضاء على المسببات، كأن تكون وضعًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو نفسيًا معينًا، ولكل ذلك أهمية كبيرة أيضًا في التنبؤ بالسلوكيات الاجرامية قبل ان تستحيل إلى ظاهرة إجرامية أو قبل ان تحدث من الأساس؛ وما سبق أيضا يمكن التركيز عليه في مجال الجرائم الماسة بمناقصات العقود الحكومية، إذ يستطيع الادعاء العام ايلائه أهمية كبيرة خصوصا بعد استفحال هذا الفعل الاجرامي، وان يستعرض مسبباتها والية الوقاية منها ومكافحتها وعلاج اثارها (3).
ثانيا: الدور العام للادعاء العام في الوقاية من الجرائم : للإدعاء العام دور كبير في الوقاية من الجرائم، فالوقاية من حدوث الجرائم لا تتلخص بمجرد إجراءات يقوم بها جهاز معين أو سلطة معينة قبل حدوث الجريمة، بل ان الوقاية من الجرائم تتحدد أيضا ولو بصورة غير مباشرة، من خلال وجود أجهزة وهيئات تكافح الجريمة، وتعالج نتائجها.
و نافلة القول ان وجود مثل هذه الأجهزة المختصة بمكافحة الجرائم ما هي إلا رادع يبعث في نفس الذي يريد ان يرتكب جريمة ما الخشية من ارتكابها، وبالنتيجة فأن هذا العامل يصبح عامل وقاية من حدوث هذه الجرائم، وهذه الأجهزة أو الهيئات المختصة بمكافحة الجريمة عامة تماثل النصوص العقابية التي تبعث في نفس الأشخاص الرهبة من ارتكاب أي فعل مخالف للقانون، مما يشكل عاملا من عوامل الوقاية منها ؛ فلو لم تكن هنالك نصوص عقابية، ولم تكن هنالك أجهزة مختصة في مكافحة الجريمة، لما كان هنالك رادع نفسي يقي المجتمع من ارتكاب الجرائم؛ ويبرز دور الادعاء العام في هذا الجانب، واهم هذه الأدوار هو دور الادعاء العام في التحري في جرائم الفساد المالي والإداري، ومن ضمنها الجرائم الماسة بمناقصات العقود الحكومية، والتحري أو الاستدلال يجري عادة قبل التحقيق الابتدائي، وغايته جمع الأدلة والمعلومات التي تثبت ارتكاب جريمة معينة أو نفيها، وكذلك وجود المتهمين من عدمه وغيرها من المعلومات التي يستفاد منها في التحقيق، ولكن يمكن أن يكون بعد التحقيق الابتدائي، وهو بهذا المعنى يكون من واجبات أعضاء الضبط القضائي التحري عن الجرائم(4).
كما يختص أيضا بمراقبة التحريات عن الجرائم، وجمع ادلتها التي تلزم بالتحقيق فيها، واتخاذ كل ما يمكن أن يؤدي إلى كشف معالم الجريمة (5) ، وعلى ذلك فالادعاء العام له مراقبة مشروعية التحريات التي تجري في جرائم مناقصات العقود الحكومية عامة، كما غيرها من الجرائم، وللادعاء العام سلطة استثنائية بالتحقيق بالجرائم، فهو يمارس مهام قاض التحقيق استثناء من الأصل، وذلك في حال غياب قاضي التحقيق وذلك خشية من ضياع ادلة الجريمة(6).
وهو ما يجري أيضا على الجرائم الماسة بالعقود الحكومية، فيستطيع الادعاء العام ان يقوم بالتحري إذا ما وقعت مثل هذه الجرائم، وان يمارس مهام قاضي التحقيق فيها في حال غياب الأخير، ونجد ان ذلك ما كان عليه المشرع المصري في الاستثناء ذاته، ولكن بعد تعديل قانون الإجراءات الجنائية جعل للنيابة العامة وهي بمثابة الادعاء العام كما سبق بيانه اختصاص التحقيق في الجرائم کاختصاص اصيل، وأصبح قاضي التحقيق هو الذي يمارس التحقيق استثناء من الأصل(7). أما في التشريع الجزائري، فان المشرع قد اعطى النيابة العامة اختصاص البحث والتحري عن الجرائم، لكنه لم يعطها سلطة قاضي التحقيق بصورة أصلية، ونجد ذلك صريحا في المادة (112) من قانون الإجراءات الجنائية الجزائري النافذ، إذ أنه في حال غياب قاضي التحقيق المختص، يقوم حينها وكيل الجمهورية وهو ممثل النائب العام بمخاطبة قاض اخر لإكمال الإجراءات، وهذا يعني ان النيابة العامة لا تتمتع بسلطات تحقيقية تخولها اتخاذ إجراءات تحقيقية مهمة، كإصدار امر القبض وغيرها بصورة اصلية لكن على سبيل الاستثناء، فان لوكيل الجمهورية المنضوي تحت مسمى الادعاء العام ان يقوم باستجواب المتهمين في حال الجرائم المشهودة أو الضرورة، كما اعطي له الحق في توقيف المتهم (8).
ثالثا: دور الادعاء العام في الوقاية من الفساد: استحدث قانون الادعاء العام العراقي رقم 49 لسنة 2017 دائرة المدعي العام المالي والإداري والذي يرأسه مدع عام لا تقل خدمته عن 15 سنة، وتعطى له سلطة الاشراف على مكاتب الادعاء العام المالي والإداري في دوائر الدولة كافة منها الوزارات والهيئات المستقلة، وهذه المكاتب يرأسها مدع عام لا تقل خدمته عن 10 سنوات(9). كما أعطي لهذه المكاتب اختصاص التحقيق في جرائم الفساد المالي والإداري وكافة الجرائم التي تخل بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي، واتباعًا للأحكام الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، على أن يقوم المدعي العام في هذه المكاتب بإحالة الدعوى إلى قاضي التحقيق المختص خلال 24 ساعة من وقت القبض على المتهم(10)؛ ونرى ما يماثله في التشريع المصري الذي استحدث نيابة الأموال العامة، وذلك بموجب قرار النائب العام رقم 45 بتاريخ 16 من تشرين الثاني 1968 ، التي تتولى وتختص بالتحقيق والتصرف في جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر (11)، وهو ما يدخل ضمنها جرائم المساس بالعقود والمناقصات الحكومية، ونجد ان تعليمات النيابة العامة في مصر لسنة 2007 قد جاء مقتضبا في تبيان مهام نيابة الأموال العامة من ناحية الاختصاص، مما يؤشر الرغبة بان يتدخل بصورة مطلقة بمثل هذه القضايا الماسة بالمال العام، وهذا ولا يوجد ما يماثله في النظام القانوني الجزائري الذي لم يسع إلى تخصيص نيابات عامة مختصة بالأموال العامة. وعودا إلى العراق فأننا نلاحظ بأن هذا التشكيل الداخل ضمن هذا الجهاز قد الغي بموجب قرار صادر من قبل المحكمة الاتحادية العليا في العراق، حيث تم الغاء اختصاص التحقيق المنصوص عليه في هذه الفقرات، وبالتالي التشكيل كاملا في جهاز الادعاء العام، إذ ان الأصل والمبدأ الثابت والمستقر بان قاضي التحقيق هو الذي يختص بإجراءات التحقيق (12) ، وهو الذي يسير إجراءاتها ويصدر القرارات ومنها أوامر القبض الداخلة ضمن إجراءات التحقيق والتي لا يجيز الدستور العراقي ان تصدر إلا من قبل قضاة التحقيق (13) ، ولا يمارس الادعاء العام هذهِ السلطة إلا في سبيل الاستثناء، وذلك في حال غياب قاضي التحقيق عند غيابه في مكان الحادث (14).
كما أن المحكمة الاتحادية قد استرشدت بمبدأ الفصل بين السلطات الذي أقره الدستور العراقي، وبالتالي فإن قيام السلطة التشريعية باستحداث اختصاصات أخرى أو الغائها انما يتعارض مع جوهر مبدأ الفصل بين السلطات.
وبالرغم من الأسباب المعقولة للإلغاء، نرى بأن وجود مثل هذا التشكيل ضروري في عملية مكافحة جرائم المال العام، وبالخصوص تلك التي تمارس في العقود الحكومية، وذلك لما تتمتع به التشكيلات القضائية من استقلالية ومهنية عالية تجعل من رقابتها رقابة ناجعة ؛ وعلى العموم فإن ذلك لا يمنع جهاز الادعاء العام من التدخل في التحري عن الجرائم الخاصة بالفساد المالي والإداري إذ أنه يدخل ضمن اختصاصه في التحريات التي يمكن أن يعملها وفقا لأحكام المادتين (317 و 321) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ؛ كما أن له سلطة استثنائية بالتحقيق بالجرائم المعنية بالفساد، وذلك في حال غياب قاضي التحقيق، فهو يمارس مهام قاضي التحقيق استثناء من الأصل، وذلك خوفا من ضياع معالم الجريمة أو بطئ الإجراءات القانونية التي لا تتفق مع بعض الجرائم التي تستلزم اتخاذ الإجراءات التحقيقية على وجه السرعة، وللادعاء العام كذلك استخدام اختصاصاته العامة في جرائم الفساد ومنها ما يخص مناقصات العقود الحكومية.
رابعاً - علاقة الهيئات الرقابية بالادعاء العام:
للهيئات الرقابية علاقة كبيرة بالادعاء العام، ومنها ديوان الرقابة المالية، وذلك على مستوى الاخبار والدعاوى التي يجب ان تتصل بعلم الادعاء العام، ومنها الدعاوى التي تنشأ ضمن نطاق عمل واختصاص هذه الجهة؛ فعلاقة الادعاء العام بديوان الرقابة المالية علاقة وطيدة، إذ ان واحدة من الإجراءات التي يتخذها ديوان الرقابة المالية، هو إلزام الديوان بتقديم اخبار إلى الادعاء العام أو هيئة النزاهة أو الجهات التحقيقية المختصة عن وجود المخالفات المالية إذا ما يمكن ان تشكل جريمة(15). فلو كان هنالك عقد حكومي ابرمته الدولة، وفيه ما يخالف الضوابط المعمول بها في الكلف التخمينية في العقود الحكومية، كان تكون الكلف التخمينية صادرة من لجنة ليست مشكلة . القانون، أو كانت الكلف التخمينية أكبر مما هو عليه واقع المشروع، فلديوان الرقابة المالية أن يكمل تحقيقاته بهذا الشأن وبعد أن يؤشر شبهات المخالفات، حينها يخبر الادعاء العام بوجود هذهِ المخالفات، ليتخذ الادعاء العام إجراءاته بإعلام السلطة القضائية المختصة وهو قضاء التحقيق وفقًا للإجراءات التي نص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون الادعاء العام العراقي (16).
_____________
1- الفقرة خامسا، المادة (2)، قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017.
2- د. محمد عبد المحسن سعدون الإحصاء الجنائي ودوره في رصد ومكافحة الجريمة بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية، المجلد 1 ، العدد ،13 ، النجف الاشرف العراق، 2010، ص 296.
3- د. وصفي وائل الطائي، الادعاء العام في العراق والنيابة العامة في مصر، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2020، ص 49.
4- د. رفعت رشوان، التنظيم القانوني للضبطية القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة، "ورقة عمل مقدمة في إطار الخطة التدريبية السنوية لإدارة الشؤون القانونية بوزارة الداخلية، دولة الامارات العربية المتحدة، ص3، متاح على الموقع: kenanaonline.com اخر تاريخ للزيارة 2023/4/18.
5- الفقرة ثانيا، المادة (5) قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017.
6- القاضي رائد احمد حسن، دور المحقق في التحقيق الابتدائي، بحث منشور في وقائع وبحوث المؤتمر العلمي الأول لهيئة النزاهة، 2008، ص 49
7- د. احمد المهدي التحقيق الجنائي الابتدائي وضمانات المتهم وحمايتها ، دار العدالة، مصر، 2007، ص11.
8- المادة (65) ، قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الصادر بالأمر رقم -6-278 لسنة 1965.
9- الفقرة 13 و 14 من المادة (5) قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017.
10- الفقرة 12 ، المادة (5) ، قانون الادعاء العام العراقي النافذ.
11- المادة (1063) ، التعليمات العامة للنيابات لسنة 2007.
12- المواد (51 و 52 و 53 و 54 و 55 و 56 و 57)، قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971.
13- الفقرة أولا ب، المادة (37) الدستور العراقي لسنة 2005.
14- القرار رقم 112 / اتحادية / 2021 ، الصادر بتاريخ 2021/11/9 ، المحكمة الاتحادية العليا في العراق، متاح على الموقع : https://www.iraqfsc.iq/ethadai.php تاريخ الزيارة 2023/4/27.
15- المادة (16) ، قانون ديوان الرقابة المالية رقم 31 لسنة 2011 المعدل.
16- الضوابط رقم 8 ، الية اعداد الدراسات والتصاميم والمخططات والكلف التخمينية والتعامل مع المكاتب الاستشارية وزارة التخطيط العراقية، 2010.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|