أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-3-2022
2532
التاريخ: 21-2-2022
4226
التاريخ: 23-2-2022
2168
التاريخ: 3-3-2022
1921
|
كتابا التنزيل المديني والعياشي
السائد عند السنّة القول بأنّ أوّل من صنّف في أسباب النزول بشكل مستقلّ هو عليّ بن المديني ( 234 هـ ) ، « 1 » كما يرى بعض الباحثين أنّ كتاب التنزيل المذكور
في الذريعة « 2 » منسوبا إلى محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقنديّ ، المعروف بالعيّاشيّ صاحب التفسير ، قد صنّف في نفس هذا الموضوع « 3 ». وهذه النسبة تبدو بعيدة جدا عن الوقائع ، كما يتبيّن ذلك بعد تسجيل الملاحظات التاليّة :
أوّلا : عدم ورود هذا المعنى في المصدر :
إذا عدنا إلى المصدر الأصليّ الذي نسب كتابي التنزيل للمدينيّ والعيّاشيّ ، وهو كتاب الفهرست لابن النديم ، والذي نقل عنه الذريعة ، نجد أنّه لم يزد عن أن ينسب إليهما كتابا باسم التنزيل من غير أن يعرّف بمضمون الكتابين . « 4 » على أنّ ابن النديم نفسه في الفهرست قد عنون فصلا ب : « الكتب المؤلّفة في نزول القرآن » ، وهذا العنوان قد يكون أقرب إلى احتمال كون المضمون فيها هو أسباب النزول ، « 5 » ومع ذلك لم يأت فيه ذكر لكتابي المدينيّ والعيّاشي .
ثانيا : التصنيف باسم « التنزيل » :
لم تكن تسمية « التنزيل » معروفة لأسباب النزول ، فقد ورد عنوان التنزيل في مختلف المواضيع التي ترتبط بتنزيل القرآن : كالتحريف ، والنسخ ، والمكّي والمدنيّ . . . ، « 6 » والتعبير به وحده يكون بحذف المضاف ، فنحن وإن احتملنا أن يكون المضاف المحذوف كلمة « أسباب » ، إلّا أنّ احتمال أن يكون أمرا آخر ممّا نال الرواج الكثير في تلك العصور أقرب .
ثالثا : معاني التنزيل :
إذا أردنا أن ندرس كلمة « التنزيل » فإنّنا نجد لها عدّة معان مصطلحة :
فالتنزيل في أصله هو « مصدر مزيد فيه ، وأصله النزول ، وقد يستعمل ويراد به ما نزل ، ومن هذا القبيل إطلاقه على القرآن في آيات كثيرة . . . ) {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80] « 7 » . « 8 » وذكر في الذريعة أنّ « التنزيل تفعيل من النزول ، وقد جعل اسما للقرآن الشريف وأريد منه « القرآن » في بضعة عشر موضعا منه ( . . . ) وقد أضاف كثير من مفسري الخاصة والعامة تفاسيرهم إلى هذا الاسم المبارك مثل أسرار التنزيل ، أنوار التنزيل ، شواهد التنزيل ، مدارك التنزيل ، معالم التنزيل » . « 9 » كما اصطلحوا أن يراد به : « إيضاح معنى الآية واللفظ ، في مقابل التأويل المشتقّة من مادّة « أول » بمعنى ما يرجع إليه الشيء » ، « 10 » فيكون من قبيل بيان مفردات الألفاظ القرآنيّة ، ككتاب مفردات الأصفهانيّ ، أو غريب القرآن لزيد بن عليّ .
وقد مرّ في الروايات التي تعرّضت لمصحف عليّ عليه السّلام ، احتمالات ثلاث لما يحتمل أن يريدوه من « التنزيل » . « 11 » ومع كلّ هذه الاحتمالات ، فبأيّ منطق يستطيع الإنسان أن يصرّ على أنّ المراد من كتابي التنزيل اللذين لم يصل إلينا منها شيء هو جمع أسباب النزول ، وهل هذا إلّا رجم بالغيب ؟ !
رابعا : العيّاشي وتغيير اصطلاح أسباب النزول :
إنّنا لو سلّمنا بأنّ العيّاشي أراد أن يصنّف مؤلّفا في أسباب النزول ، التي وردت بهذا المصطلح على لسان الأئمّة عليهم السّلام وبسؤال الرواة عنها في بعض الروايات ، « 12 » فلا معنى لأن يغيّر العيّاشي اسمها من « أسباب النزول » إلى « التنزيل ».
خامسا : بين المدينيّ والبخاريّ :
من المفارقات أن نقول بأنّ المدينيّ قام بعمليّة تجعل أسباب النزول تتفرّد بباب لخصوصيّاتها ، ثمّ يأتي تلميذه البخاريّ فيهدم ما بناه وقسّمه أستاذه ، ثم يعيد جمع الأسباب إلى بقيّة المنقولات في عالم التفسير . « 13 » سادسا : عدم تمايز « أسباب النزول » حتّى زمان متأخّر :
قد تقدّم أنّ إفراد أسباب النزول عن بقيّة روايات التفسير ، لم تظهر بوادره قبل الطبريّ ، وقد تعرّضنا لحالة التردّد والارتباك التي ظهر عليها هذا الباب مع الطبريّ ؛ بحيث لم تستقرّ عنده وفق مصطلح وصيغة واحدة .
كما يظهر من خلال مراجعة كلمات الواحديّ ، أنّه حتّى زمانه لم يكن قد سبقه من جمع الأسباب ، يقول : « . . أمّا اليوم ، فكلّ أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ، ملقيا زمامه إلى الجهالة غير مفكّر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية ، وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب ، لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلّمون في نزول القرآن . . . » ، « 14 » فلو كان قد سبقه من جمع أسباب النزول لما كان لهذه الكلمة معنى !
عدا عن أنّنا لا نجده ولا غيره من المصنّفين في تلك العصور يرجعون إلى كتب سابقة قد ألّفت في أسباب النزول .
وبالتالي لا معنى لأن نقول بأنّ كتابي التنزيل كان موضوعهما جمع أسباب النزول .
_________________
( 1 ) . يقول الزركشي : « وقد اعتنى بذلك المفسّرون في كتبهم وأفردوا فيه تصانيف ، منهم عليّ بن المدينيّ شيخ البخاري » ( البرهان ، ص 22 ) ، ويقول السيوطيّ أنّ المدينيّ : « أفرده بالتصنيف جماعة أقدمهم علي بن المدينيّ شيخ البخارىّ » ( الإتقان في علوم القرآن ، ج 1 ، ص 40 ) ، وكذا ذكر كثير من الباحثين ؛ لاحظ : د . الرشيد ، أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص ، ص 106 ؛ خالد خليفة السعد ، علم أسباب النزول وأهميّته في تفسير القرآن ، ص 20 ، الهامش 2 ؛ أ . د . فهد بن عبد الرحمن الرومي ، دراسات في علوم القرآن ، ص 134 ؛ د . فرشوخ ، المدخل إلى علوم القرآن والعلوم الإسلاميّة ، ص 32 ؛ الشيخ حسن أيّوب ، الحديث في علوم القرآن والحديث ، ص 10 ؛ بهرامي وسجّادي ، مجلة پژوهشهاي قرآنىّ ( 1 ) ، ص 44 ؛ مجلّة پژوهشهاي قرآني ( 2 ) ، ص 125 ؛ ولكنّهم جعلوا اسمه المدايني بإضافة ألف ، والمدائنيّ شخص آخر اسمه ، عليّ بن محمّد بن عبد اللّه بن أبي سيف المدائنىّ ( راجع : فهرست ابن النديم ، 161 ) ! ؛ عبد الحكيم الأنيس ، مقدّمة العجاب في بيان الأسباب ، ص 80 ؛ الجلالي ، تراثنا ، ج 4 ، ص 46 ؛ الزرقاني ، مناهل العرفان ، ج 1 ، ص 101 ؛ السيّد حجّتي ، أسباب النزول ، ص 20 ؛ فواز أحمد زمرلي ، مقدّمة العجاب ، ص 18 . . . .
( 2 ) . الذريعة ، ج 4 ، ص 454 .
( 3 ) . تراثنا ، ج 4 ، ص 48 ؛ ولا بأس من التأكيد بأنّ المصنّف لهما هو عنوان « التنزيل » وليس بعنوان « أسباب النزول » كما يجري على ألسن بعض الباحثين ، ( لاحظ مثلا : عبد الحكيم الأنيس ، مقدّمة العجاب ، ص 80 ) ؛ ولعلّ الخطأ ناشئ ممّا ذكره البعض بأنّ للمديني والعيّاشي كتابين في أسباب النزول ، فتوهّموا أنّ اسم المصنّفين ، « أسباب النزول » ، ونحن لم نجد أحدا من المحقّقين قد نسب إليهما المصنّف باسم « أسباب النزول » فضلا عن ابن النديم الذي اقتصر في ذكر مصنّفاتهما على كتابي ، « التنزيل ».
( 4 ) . فهرست ابن النديم ، ص 334 ، 335 ، 380 .
( 5 ) . بأن يكون ذلك بحذف المضاف ( أسباب ) ، مع أنّ في هذا العنوان ( النزول ) احتمالات أخرى كثيرة ، كأن يكون في ترتيب النزول الذي كان علما معروفا في تلك العصور ، بل لعلّه الأقرب .
( 6 ) . التنزيل من القرآن والتحريف ، لأبي الحسن علي بن الحسن بن فضال الكوفي » ، ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج 4 ، ص 454 ، 455 ) ؛ « التنزيل والتحريف ، للسيارى » ، ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج 4 ، ص 454 ، 455 ) ؛ كما ورد في غير ذلك من الموضوعات ، ككتاب ، « التنزيل والتعبير ، لأبي عبد اللّه محمد بن خالد بن عبد الرحمن البرقي » ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج 4 ، ص 454 ، 455 ) . . . .
( 7) . الواقعة ، 80 ؛ الحاقة ، 43 ، و « ورد في سورتين ( تنزيل من رب العالمين ) ، وفي ثالثة ( وإنه لتنزيل رب العالمين ) ، وقال : ( تنزيل من الرحمن الرحيم ) و ( تنزيل من حكيم حميد ) و ( تنزيل العزيز الرحيم ) ، وقال : ( تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم ) في الزمر والجاثية والأحقاف ، ( وتنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم ) في المؤمن ، ( وتنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) في ألم السجدة » ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج 4 ، ص 454 ).
( 8 ). السيّد الخوئيّ ، البيان ، ص 222 .
( 9 ) . الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج 4 ، ص 454 .
( 10 ) . ترجمة عن : د . رجبعلي مظلومي ، پژوهشي بيرامون آخرين كتاب إلهي ، ج 1 ، جزء 3 ، ص 93 .
( 11 ). فقد مرّ أنّهم إمّا أن يريدوا ، « كما نزل من غير أن ينقص حرف أو يزيد » ، وإمّا « الترتيب الذي نزل عليه أيّام الوحي » ، وإمّا « التفاسير التي أنزلها اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ».
( 12 ) . كما بيّنا عند الحديث عن دور الأئمّة عليهم السّلام على مستوى دراية ورواية هذا العلم .
( 13 ) . لاحظ : صحيح البخاريّ ، كتاب تفسير القرآن ، ج 5 ، ص 146 وما بعد .
( 14 ) . الواحدي ، ص 11 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|