أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2017
58796
التاريخ: 24-3-2016
15313
التاريخ: 15-3-2018
2590
التاريخ: 24-3-2016
26763
|
خلصت سياسة الدفاع الاجتماعي الجديد إلى أن العقوبة وحدها قاصرة عن بلوغ الهدف التقويمي ومواجهة كل حالات الإجرام فلجأت إلى سياسة التدابير الاحترازية للحد من حصول الجرائم الماسة بأنن المجتمع ومنها الجرائم المخلة بالشرف على اختلاف أنواعها .
فحماية المجتمع من الجرائم الماسة به تتطلب أتخاذ وسائل قانونية ضد ظاهرة الإجرام والحيلولة دون احتمال ارتكاب الجاني جريمة في المستقبل سواء كانت تلك الجريمة مخلة بالشرف أم غير ذلك. وقد اختلفت الوظيفة الأساسية للتدابير الاجرائية عنهـا فـي العقوبة فبينما الوظيفة الأصلية للأخيرة هي وظيفة أخلاقية جوهرها الردع، نجد أن الوظيفة الأساسية للتدابير الاجرائية نفعية مضمونها الدفاع عن المجتمع ضد الخطورة الإجرامية درءا لارتكاب جرائم جديدة سواء كانت تلك الجرائم مخلة بالشرف أم غير ذلك بحسب التكييف القانوني لها أو وصفها.
وفي نطاق هذه الوظيفة للتدابير الاجرائية يمكن التمييز بين ثلاث فئات للتدابير وفقـا الطبيعة الهدف التي تسعى إليه.
النبذة الأولى: تعريف التدابير الاجرائية
أن المقصود بفكرة التدابير (1) هي تلك الإجراءات الإيجابية التي تصدر بها أحكام القضاء الجنائي ويخضع بمقتضاها " المجرم " لمعاملة جنائية تختلف جوهريا في المعاملة التي يلقاها تنفيذا للعقوبات، وهي خلاصة ما أوصى بـه علـم الإجرام والتفكير العلمي في المجال الجنائي كي تحل محل العقوبات الجنائية.
كما تختلف تلك التدابير عن المعاملة العقابية أثناء التنفيذ وعن بدائل " العقاب" التي هي تدابير سلبية يصدر بها حكم جنائي لتجنب توقيع العقوبة مثل: نظام وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها، نظام الاختيار القضائي والعفو القضائي، كذلك لا ينبغي أن تختلط بتدابير التحصين الاجتماعي ضد الإجرام التي تهدف إلى الوقاية من الإجرام بإجراءات غير جنائية.
نستخلص من الإطار العام للتدابير الاجرائية أنها تشكل جزء من النظرية العامة العلمية للقانون الجنائي كما صورتها المدرسة الوضعية، عندما أثبتت لها المشـاهدة أن العقوبات تقصر عن تحقيق الغاية الوحيدة للقانون الجنائي وهي حماية المجتمع والدفاع عنه ضد الخطورة الإجرامية، وعجزها عن مواجهة الخطورة الإجرامية لدى عديمي الإرادة أو ناقصي الإرادة الحرة وقد أطلق عليها أقطاب المدرسة الوضعية تدابير الأمن، التي وصلت إلى حد الإعدام كاستئصال لعنصر إجرامي لا أمل في شفائه أو العزل أو النفي وغير ذلك من التدابير التي فاقت قسوتها العقوبة.
لذلك ينبغي التفرقة بين نوعين من التدابير، وهي التي تسمى بالتدابير الجنائية التي يحكم بها بجانب العقوبة أو يحكم بها وحدها وهي موجودة بجانب العقوبة سواء كانت تكميلية أو ثانوية مثل الوضع تحت مراقبة السلطة العامة، وتدابير الدفاع الاجتماعي التي تواجه الخطورة الإجرامية.
أن مبررات التدابير الاجرائية تستند إلى الاعتبارات العملية للعدالة الجنائية، وقد خلقت أزمة العقوبة التوجه التشريعي لوضع أداة قانونية لتحقيق الردع (2) وترجع أزمة العقوبة إلى:
1. عدم كفاية المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه العقوبة وهو التفكير والإيلام.
2 الزيادة المستمرة في ظاهرة الإجرام وبخاصة الجرائم المخلة بالشرف وما لوحظ
بوجه خاص في ازدياد العود إلى الجريمة.
3. زيادة الاهتمام بوسائل مكافحة إنحراف الأحداث وصغار السن واتباعهم سلوك إجرامية تتنافى مع القيم الأخلاقية .
4 مساوئ النظام العقابي وولوجه إلى العقوبات السالبة للحرية من انتقادات بالعقوبات قصيرة المدة، خاصة أن بعض البلدان تعاقب في جرائم الشرف عقوبات قصيرة.
وقد أدى استناد العقوبة على فكرة المسؤولية الأخلاقية إلى عدم تطبيقها على من انعدم لديهم التمييز والإدراك رغم ما لدى هذه الفئات من خطورة إجرامية مما ترتب عليه في النهاية أن نزلت العقوبة بفئات أقل خطورة يبدو أنهم أسوياء، خاصة أن هذه الفئه هي الأكثر خطورة لارتكاب جرائم مخلة بالشرف نظراً لعدم تمييزهم أو إدراكهم. (3)
ترتب على هذا ظهور سياسة جديدة شعارها منع الجرائم من خلال سياسة المنع الخاص أفضل من ردعها، ووسيلة ذلك هي التدابير كضرورة للمحافظة على المجتمع والدفاع عن بقائه.
نستخلص مما سبق أن وظيفة التدابير والهدف منها قد تطور، حيث بدأت بوظيفة دفاعية بفكر المدرسة الوضعية الإيطالية التي ترى في التدابير الوسيلة اللازمة لإقصاء وأبعاد الأفراد الخطرين كإجراء وقائي. ومع بداية القرن العشرين استخدمت لسد نقص في القانون الجنائي التقليدي، وذلك بالنسبة لفاقدي الأهلية الجنائية للمسؤولية، ثم قامت بوظيفة علاجية بجانب العقوبة وفقا لفكر الدفاع الاجتماعي الحديث (4).
ويميل الفقه والتشريع الحديث إلى التوسع في نظام التدابير الاحترازية ونادي البعض بإلغاء العقوبات التقليدية وإفساح المجال الجنائي للتدابير - إلا أنهم لم يتفقوا علـى أوصاف التدابير، فقد توصف بأنها تدابير أمن أو تدابير احترازية أو تدابير وقائية أو تدابير الدفاع الاجتماعي ولكل وصف معنى ومفهوم خاص (5).
وتتسم التدابير بالطبيعة الجزائية حيث تنفذ على المحكوم عليه قسراً، كما أنها تنطوي تقييد حريته وحقوقه الشخصية.
ويمكن تعرفها - بأنها جزاءات جنائية حديثة لها وظيفة اجتماعية يتخذها المجتمع ضد المجرم كرد فعل لخطورته الإجرامية بسبب ارتكابه فعلاً يعتبر جريمة، وذلك بقصد تأهيله وإصلاحه. (6)
لذا فالغاية من التدابير هو تأمين حماية المجتمع أولاً ومن ثم العمل على اصلاح المجرمين ثانياً.
النبذة الثانية: طبيعة التدابير
كما اختلف الفقه والتشريع حول تسمية التدابير الإجرائية (7) ، كما اختلفوا حول تحديد طبيعتها، فمنهم من وصفها بالطبيعة الإدارية البحتة (8) حيث عبر عنها بالتدابير الإدارية للأمن، هدفها مواجه الخطورة الإجرامية بقصد منع وقوع الجريمة.
ومنهم من أضفى عليها الصفة العقابية لاتصال الأمر بحريات الأفراد وحقوقهم وتوفير الضمانات القضائية الأمر الذي دعى بعض التشريعات إلى النص على ذلك كما حرصت المؤتمرات الدولية على تأكيد هذا المعنى.
فقد قرر مؤتمر بروكسل سنة 1926 أن العقوبات والتدابير الاحترازية تعتبر أعمالا قضائية كما قرر مؤتمر روما 1927 أن التدابير الاحترازية من اختصاص السلطة وهذا ما يغلب على التشريعات الجنائية الحديثة وسوف نتناول طبيعة التدابير عند مقارنتها بالعقوبة. وتتنوع التدابير لارتباطها بتنوع الخطورة الإجرامية إلى الأنواع الآتية:
1- التدابير الوقائية أو الاحترازية (9) وهي التي توجه ضد الحالات الخطيرة التي تسبق الفعل الإجرامي من أمثلتها (الجنون الاختلال العقلي، حالات التشرد والاشتباه) إدمان المخدرات الإيداع في مأوى علاجي والوضع تحت مراقبة.
2- التدابير الجنائية مثل مراقبة الشرطة والمصادرة والغلق وهي تصف بالعقوبات التكميلية أو التبعية وقد ألحقت بالتدابير غير العقابية لوظيفتها الاحترازية، ومن هذه التدابير أيضا ما ينأي عن الصفة العقابية في المضمون والمعنى مثل مجرد الإلزام بالعمل دون تقيد الحرية، أو خطر الإقامة في مكان معين وارتياد الحانات وهذه النماذج استحدثتها التشريعات المتطورة (10).
3- تدابير الدفاع الاجتماعي: هي التدابير غير العقابية بالمعنى الدقيق والأصل أنها توجه إلى فاقدي الأهلية من مراكبي الجرائم كما تضم التدابير الخاصة بمعتادي الإجرام وقد نص مشروع مدونتها العقابية الأخير بالنسبة لحالات المرض العقلي والنفسي، الذي يعدم الأهلية أو ينقصها على الإيداع في مأوى علاجي.
أن الغرض من التدابير الإجرائية هو وقاية المجتمع من خطورة المجرم واحتمال ارتكابه الجريمة في المستقبل أي تحقيق الأمن العام، كما أن هذه الغاية غير مرتبطة بالجرائم المخلة بالشرف أو غيرها ومن هنا يصح أيضا وصفها بأنها تدابير أمن عامه.(11)
وللقيام بهذه المهمة الإصلاحية يتم الاعتماد على جمله من الأساليب العلاجية والتهذيبية تستهدف تأهيل المجرم أو أبعاده أو تعجيزه عن ممارسة سلوكه الضار ودرء الخطر الكامن في شخص المجرم، يتم ذلك أما بالتأهيل أو الأبعاد أو بالتعجيز وهي تدخل في مبدأ الردع الخاص بحسب رأينا يتمثل التأهيل والابعاد والتعجيز بالتالي:
التأهيل: عند المصالحة بين الفرد والمجتمع بإزالة أسباب مرضه بحيث تنقطع الصلة بين عوامل الإجرام وظاهرة الجريمة، حيث يخرج المدان متوافقا مع المجتمع مجرداً من حالته الإجرامية الخطرة.
الابعاد : يقصد به الفصل بين المجرم وبين مكان معين يهيئ له الإجرام، كما أن اعتقال معتاد الإجرام وأبعاد الأجنبي عن البلاد وحظر الإقامة له في المكان الذي يمارس فيه الشخص إجرامه كل ذلك يؤثر إيجاباً على حماية المجتمع من مرتكبي الاجرام بشكل عام ومرتكبي الجرائم المخلة بالشرف بشكل خاص كون الإجراءات المعنية تؤثر على عنصر تربيتهم واخلاقهم.
التعجيز هو تجريد المجرم من وسائله المادية التي تساعده في ارتكاب الجريمة والأضرار بالمجتمع مثل المصادرة وإغلاق المؤسسة أو إخضاعها للحراسة.
____________
1- علي راشد، القانون الجنائي: المدخل وأصول النظرية العامة، دار النهضة العربية، القاهرة 1974 ، ص 703.
2- علي راشد، القانون الجنائي: المدخل وأصول النظرية العامة، دار النهضة العربية، القاهرة 1974 ، ص 706.
3- Roger Merle, et André vitu, traité de droit criminel, paris, 1978, T1, (1) No. 586, st.-380.
4- M. Ancel, la défence sociale nouvelle, Revue Internationale de droit (2) comparé, Paris, 1981, p.807-381
5- يسميها قانون عقوبات ألمانيا الشرقية الصادر سنة 1968 تدابير المسائلة الجنائية لأنها تشمل التدابير الاحترازية والعقوبات التقليدية أحمد فتحي سرور أصول السياسة الجنائية، مرجع سابق، ص 130.
6- اقترح في مشروع القانون السويرى سنة 1893 الأخذ بنظامي التدابير والعقوبات كوسيلة الإصلاح قانون العقوبات.
7- مرتضى سعد، الرقابة القضائية على التنفيذ العقابي أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة القاهرة، القاهرة، 1972، ص 22 وما بعدها.
8- نيازي حتاتة، بحث في تدابير الأمن مجلة الأمن العام، عدد 225، السنة 7، ص 61.
9- علي راشد، القانون الجنائي: المدخل وأصول النظرية العامة، دار النهضة العربية، القاهرة 1974 ، ص 709.
10- يسر أنور علي آمال عبد الرحيم عثمان أصول علمي الإجرام والعقاب، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص 115.
11- جلال ،ثروت، الظاهر الإجرامية دراسة في علم الإجرام والعقاب، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، 1979 ، ص 249.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|