المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



ما هي فوائد الالتفات إلى العناء في حياة الإنسان  
  
289   11:26 صباحاً   التاريخ: 2024-08-30
المؤلف : الشيخ علي رضا بناهيان
الكتاب أو المصدر : النظام التربوي الديني
الجزء والصفحة : ص 272 ــ 299
القسم : الاسرة و المجتمع / معلومات عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16/9/2022 1454
التاريخ: 2024-02-10 1104
التاريخ: 2024-05-28 695
التاريخ: 2023-05-02 1131

1ـ الالتفات الى العناء يمنع الانسان من التوهم

أحد فوائد الالتفات إلى العناء هو أن يقلل الأمال التي تحجب الأجل. فمن طبيعة الإنسان هي أنه إذا أحب شيئا يعقد أمله عليه، ثم يتوهمه ويحلم به ويتعامل معه كأنه أمر واقع أو سوف يقع عن قریب، فهو يزعم أنه يقدر على تحقيق أحلامه. وأحيانا تبلغ مشتهيات الإنسان من الأهمية بمكان بحيث تظهر نفسها واقعا. فكيف نستطيع أن نخرج هذه الأمال من قلب هذا الإنسان المتوهم والحالم الذي وقع أسيرا بيد آماله وأحلامه؟ فلابد أن نذكره بمعاناته ومصاعب حياته.

2ـ الالتفات الى العناء يضاعف حالة الشكر والصبر لدى الانسان

الالتفات يضاعف حالة الشكر لدى الإنسان، وإن هذا الشكر ينتج عن رؤية الإنسان الصحيحة تجاه موقع المعاناة في الحياة. فإن جعل الإنسان الراحة والدعة هي الأصل، سوف لا يشعر بحالة الشكر ولا يشعر بتكليف في هذا الجانب أساسا. إما إن عرف أن هذه النعم قد جاءت في عالم معجون بالعناء والصعاب، وأساسا إن الدنيا هي محل المحن والمعاناة، عند ذلك يشكر النعم التي في حياته بكل وجوده. كما أن هذا الالتفات يضاعف صبر الإنسان وطاقته على تحمل الصعاب

3ـ الالتفات الى العناء يحسن رؤية الانسان عن الدين والدنيا

إذا التفت الإنسان إلى العناء، عند ذلك ينظر إلى الدنيا كدار بلاء ومحنة، وإن هذه الرؤية تحسن انطباعه عن الدين. فكلما نظرت إلى الدنيا باعتبارها دارا محفوفا بالبلاء، كلما شعرت بلذة الدين أكثر. وفي المقابل كلما نظرت إلى الدنيا بأحلامك وأوهامك واعتبرتها دار متعة ولذة، تبتعد عن الدين وتراه برنامجا مرا محفوفا بالعناء. فهناك نسبة عجيبة بين هاتين الرؤيتين. فإن لم تنظر إلى معاناة الدنيا تتدهور علاقتك مع الدين، وإذا نظرت إلى الدنيا بنظرة صائبة متأثرة بكثير من آيات القرآن من قبيل قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، و {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، و {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]، تحسن علاقتك مع الدين.

لابد أن نحفظ هذا التوازن بين الدين والدنيا، كما نجده في ألفاظ آيات القرآن. فعندما يتحدث الله عن الدنيا يقدم العسر على اليسر ويقول: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] ولكنه عندما يريد أن يتحدث عن الدين يقول: (يُريدُ الله بِكُمُ اليُسر ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسر) [البقرة/185]. على أي حال إن الآثار التربوية المترتبة على الحديث عن العناء ومحن الدنيا كثيرة جدا.

4- الالتفات إلى العناء يفتح باب محبة الله على الإنسان

ينطوي العناء على آثار وبركات كثيرة للإنسان سواء أكان من قبيل المعاناة الاختيارية والإرادية المتمثلة بجهاد النفس، وسواء أكانت غير إرادية المتمثلة بالمقدّرات الإلهية في منعطفات حياة الإنسان. فعلى سبيل المثال من أجل إدراك محبة الله وألطافه عليك، لابد أن تعرف علاقتك مع المعاناة وتدرك قاعدة الدنيا وأنها صبت على البلايا والمحن، ولكن الله قد رزقك بأنواع النعم وأسباب الراحة في هذه الدنيا التي هي دار بلاء.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لله سبحانه في المناجاة الشعبانية: (إِلَهِي لَمْ يَكُنْ لِي. حَوْلٌ فَأَنْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلَّا فِي وَقْتٍ أَيْقَظْتَنِي لِمَحَبَّتِكَ) (إقبال الأعمال، ج 2، ص 686) وأنتم تعرفون أن هذه العبارة متناسبة مع أضعف الناس دينا. فقد جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وتحدث عن لسانهم بكل صراحة. فهي متناسبة مع حالهم على خلاف بعض العبارات الأخرى في الأدعية التي هي مختصة بمقام أهل البيت (عليهم السلام) أو مقام الأولياء ولا تناسب حالنا، ولكن هذه العبارة متناسبة مع الجميع وتحكي عن الجميع. في هذه العبارة نقول يا إلهي أنا لا أستطيع أن أترك الذنوب والمعاصي إلا أن توقظني بمحبتك لا بعقوبتك.

طيب، كيف يوقظك الله بمحبته؟! فإذا أردت أن تشعر بمحبة الله، يجب عليك أن لا تمر من موضوع العناء مرور الكرام. وإذا أردت أن تشاهد محبة الله إليك لابد أن تنظر إلى الألم والعناء بكل جد. هذا هو الطريق ولا مفر منه.

ـ دور الأمهات في توطين الأولاد على العناء والألم

إن توطين النفس على العناء ينطوي على آثار تربوية كثيرة ومختلفة. طبعا في مقام تربية الأطفال وتلقينهم مفهوم العناء لابد من التصرف برأفة ورحمة. كالطبيب الذي يداوي مريضه بأعمال مؤلمة وفي نفس الوقت يقوي معنوياته بالكلام الطيب وإظهار الشفقة. إنّ للأمهات دورا بارزا جدا في تلقين أولادهن مفهوم العناء وضرورة المعاناة في الحياة الدنيا. فإن الطفل يواجه الألم والعناء من أول سنين حياته، ولكن على الأم أن تتعامل بحكمة مع أوجاع وآلام طفلها وتربيه بحنانها وفكرها حتى يعلم أن الألم والعناء من قواعد الحياة الدنيا. فبحسن تعامل الأم تحسن رؤية الولد تجاه أوجاعه ومعاناته ولا يفرّ منها بعدئذ. طبعا ينبغي للأم أن لا تزيد مرارة آلام ولدها ولا تشمت به إذا هوى على الأرض أو ضربه أحد زملائه، بل تتعامل مع هذه الأحداث كأحداث طبيعية جدا ومطابقة لقواعد الحياة، وفي نفس الوقت تشفق عليه وتواسيه وتلطف به كي تمزج ألمه بحلاوة حنانها.

ـ الالتفات إلى العناء يبعد الإنسان عن طلب الراحة / إن مشكلة شبابنا الرئيسة في مسار جهاد النفس هي حب الراحة

الإنسان يطلب الراحة، وحب الراحة تمثل أول مرض وأول مظهر من مظاهر حب الدنيا التي يصاب بها الإنسان أغلب الشباب ليسوا طلاب المال وليسوا طلاب الجاه كما أنهم ليسوا مرائين ويحظون بكثير من النزعات الإيجابية من قبيل حب العدالة والعرفان والمثل، كما أنهم براء من كثير من الصفات السيئة، ولكنهم مبتلون بحب الراحة وإن هذا الحب يكاد أن يدمر حياتهم ومستقبلهم. أول ما يشعر به الإنسان هو طلب الراحة، وبعد ذلك يأتي طلب اللذة.

المشكلة الأولى هي أن الشاب يتعاجز عن الحركة والقيام بأي أمر، ويخالف أي شيء يزعج راحته. وحتى قد يتعاجز عن ترتيب ملابسه. في حين أن أحد زملاء الخميني في أيام شبابه ينقل عنه أنه كان ملبسه مرتبا دائما، فلم نره بلباس غير مرتب حتى في حجرته ومحل استراحته.

ـ إن حب الراحة ينسينا العناء ويمنعنا عن الحركة

إن حب الراحة هو أول مانع يقف في وجه الإنسان في درب المعاناة وتحمل العناء. إن حب الراحة يدخل الإنسان في عالم الخيال والأحلام فيزعم بإمكان وجود حياة بلا تعب، غير أنه إذا استفحلت هذه النزعة في روح الإنسان تتدهور كل حياته. إن حب الراحة ينسينا العناء ويمنع استراتيجية المعاناة من أداء دورها. إنه يعيقنا عن الحركة ويمنعنا من حسن التعامل مع الدين.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثَوَابُ الْعَمَلِ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ) (غرر الحکم، ص 333، الحديث 5). إن بعض الشباب يشكرون ربهم على نزاهتهم من حب الدنيا، في حين أنهم غير ملتفتين إلى أن حب الراحة هي إحدى شعب حب الدنيا. وفي الواقع إن حب الراحة هي أول مظهر من مظاهر حب الدنيا.

ـ لابد أن تكون في الدنيا مثل القوات الخاصة

في أيام الدفاع المقدس عندما كان يأخذ الشباب إجازة ويرجعون إلى أهاليهم، لم يكن يطاوع قلبهم على أن يناموا على الفراش، فكانت الأم تفرش الفراش عند الليل، بيد أن هذا الشاب المجاهد كان يأبى أن ينام على الفراش ويقول لها: يضيق صدري بالنوم على الفراش، فاسمحي لي أن أنام بلا فراش فإنه أروح لي!

ولم يكن هذا المجاهد متظاهرا في هذا الموقف، ولم ينم على الأرض طمعا بالثواب، إذ لم يقل له أحد باستحباب النوم على الأرض. حتى لم يكن بصدد مواساة المجاهدين أو يعيش أجواء الجبهة والقتال حيث كان ينام فيها على التراب والصخور أو ينام جالسا بل كان يشعر بضيق صدره واختصاره في حالة الراحة.

أتذكر عندما كنا في كتيبة التدمير نتدرب حيث كنا مستقرين في خندق وخيمة لمدة شهر قبل عمليات (والفجر واحد)، كنا نتذاكر بمثل هذه الأبحاث آنذاك مع أننا لم نكن قد تجاوزنا مرحلة الثانوية. ويشهد الله أن الأبحاث كانت تطرح بشكل تلقائي وجماعي بلا أن يأتينا أستاذ في الأخلاق أو يدرسنا معلم ليحثنا على اتخاذ بعض القرارات، كلا، بل كانت الأجواء تقتضي مثل هذه الأبحاث والقرارات.

فبالإضافة إلى الحرب الليلية والإزعاج الليلي والبرامج الصباحية والاستعراضات والهرولة التي كانت متعبة جدا، بحيث كانت تدمع عيون بعض الشباب من شدة التمارين وقساوتها، بالإضافة إلى كل هذه التمارين الشاقة قرر الشباب على حفر أرض الخيمة وتستطيحها فكأنه لم تكفهم كل هذه التمارين فأرادوا أن يشقوا على أنفسهم ويتعبوها أكثر، حتى يحظوا بالروحية المعنوية المترتبة على هذا التعب. كانوا قد شعروا بسلبية العطالة وكراهية الكسل والخمول.

ثم قررنا في الخيمة على أن لا يستعين أحد بصاحبه في المائدة ليناوله الملح أو الخبز أو الماء مثلا فإذا أراد أحد شيئا من المائدة يجب عليه أن يقوم ويمشي إليه ليستخدمه. فكان إذا يأتينا ضيف يستغرب من سلوكنا ولكن الجميع في تلك الخيمة كانوا يمارسون هذا الأسلوب بكل رغبة، إذ كانوا قد عرفوا أن التعاجز والكسل مرض يهلك الإنسان شانه شأن الغاز السام الذي يتسرب في الغرفة المغلقة، فإنه ينوم الإنسان في بداية الأمر ثم يقضي عليه.

ـ يترعرع حب الشهوات في حضن حب الراحة

قبل أن يغتر الإنسان بالشهوات، يبتلى بحب الراحة والأولى أن تمنع الإنسان عن حب الراحة قبل أن تمنعه من اللهو بالشهوات. إن اللهو بالشهوات ولا سيما الشهوات الجنسية هي أشبه شيء بحركة السيارة بسرعة عالية في منعطف خطر جدا، فإذا وصلت السيارة إلى المنعطف لا فائدة للتنبيه بعد، ولا داعي لأمر السائق بتخفيض السرعة. لابد أن يكون التنبيه قبل الوصول إلى هذا المنعطف الخطر. وهكذا في موضوعنا فيفترض أن تنصح الشاب وتنبهه عندما تظهر على سلوكه بوادر علائم حب الراحة لتقف أمام حركته نحو فساده وهلاكه، وذلك لأن حب الشهوات ينمو في حضن حب الراحة.

تسلق الجبال مفيد لمكافحة حب الراحة / ما الفرق بين تسلق الجبال وكرة القدم

إن استفحلت نزعة حب الراحة في وجود الإنسان يبتعد عن إنسانيته كثيرا، فلا تسمحوا لأولادكم أن يتربوا على حب الراحة ولا تعودوهم على الراحة والابتعاد عن التعب والنصب.

أحد النشاطات المؤثرة في مكافحة حب الراحة لدى الشباب هو تسلق الجبال الجماعي وإن تأثيره أكثر من لعب كرة القدم فلا تخدع نفسك بكرة القدم بدلا من تسلق الجبال، لأنك في كرة القدم تركض وتسعى وأنت متحمس للتهديف، بيد أن تسلق الجبال خال من هذا الحماس والتنافس، فالعناء فيه أوقع في قلبك وأقوى تأثيرا. كما إذا ذهبت إلى تسلق الجبال مع أصدقائك لا تقدر على الاستراحة والتوقف متى ما شئت لئلا تتأخر عنهم. ثم سوف تعرف قدر وقتك في التسلق الجماعي، لأنك إن تأخرت عن جماعتك بقدر ما تفتح قيطان حذائك وتشدّه، قد لا تستطيع أن تجبر هذا التأخر إلى آخر الرحلة. أما في المدينة فلا يعرف الإنسان قدر كثير ما يضيعه من وقته تلبية لحب الراحة. إن تسلق الجبال يزيدك تمتعا بالنعم الإلهية ويحفظ صحتك. فمن تعود على أن يجلس على القنفة الفخمة دائما، يشعر بالوجع وعدم الارتياح بأقل تغيير في جلسته، أما الذي يتسلق الجبال وعود نفسه على تحمل الصعاب، فإنه يلتذ ويشعر بالراحة حتى إن جلس على الصخرة الصماء ويعيش حياة صحية.

ـ لا تقوم التقوى على أركان حب الراحة

إن لم نحذر من حب الراحة، تؤثر على نظرتنا العامة تجاه الحياة. فابدأوا، أيها الشباب من أنفسكم واقلعوا جذور حب الراحة من قلوبكم قبل أن تفرض عليكم الحياة ذلك. ولابد للآباء أن يبدأوا مع أولادهم بترك الراحة بعد إنهاء السنة السابعة من عمرهم فأقيموا احتفالا لهم قبل احتفال التكليف وسموه باحتفال الأدب. طبعا لا ينبغي أن تشقوا عليهم وتسودوا لهم الحياة من ذلك العمر، ولكن لابد أن تبدأوا معهم شيئا فشيئا وتذيقونهم بعض الصعاب وشيئا من التعب، فعلى سبيل المثال طالبوهم بغسل جواريبهم في بعض الأيام، ثم صعدوا مستوى المطالبات برأفة وحنان. فللأسف قد بلغ بعض الشباب الثماني عشرة من عمرهم ولم يغسلوا شيئا من ملابسهم قط فلا يُدرى متى يريدون أن يفعلوا طاقاتهم الإنسانية ويا ترى هل وجود الغسالات المتطورة دليل على تربية الأولاد على الدلال وعدم التعب؟!

ـ حب النصب مؤشر لحب الله

لماذا يجب علينا أن نتحدث عن العناء والمشقة بشكل صريح، ولماذا يجب أن نأخذ هذه الاستراتيجية بعين الاعتبار وأن نتحرك ونسير على أساس هذه الرؤية؟ إنما نفعل ذلك من أجل أن نصل إلى عشق الله.

أيها الإخوة الأعزاء بودي أن ألفت أنظاركم إلى حقيقة عن طريق نقل رواية رائعة لكم. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الْقَلْبُ الْمُحِبُ لِلَّهِ يُحِبُّ كَثِيرًا النَّصَبَ لِلَّهِ وَ الْقَلْبُ اللَّاهِي عَنِ اللَّهِ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكَ رِفْعَةَ الْبِر بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلَ مُرٌّ وَ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ حلُو) (مجموعة ورام، ج 2، ص87) أنا لا أعرف لماذا يحب العاشق الله أن يتحمل النصب والتعب لربه، فهل أنتم تعرفون ما العلاقة بين العشق والنصب؟ كم من حجة قد حجها الإمام السجاد مشيا على الأقدام، مع أن في ذلك الزمان لم يكن فرق كثير بين الذهاب مشيا والذهاب ركوبا على الفرس أو الجمل. هل تعلمون أن من أفضل العبادات هو المشي لزيارة بيت الله الحرام وزيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)؟! لقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيَّ، إِنْ كَانَ مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطُوَةٍ حَسَنَةً ومَحَى عَنْهُ سَيِّئَةَ حَتَّى إِذَا صَارَ فِي الْحَائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْمُصْلِحِينَ الْمُنْتَجَبِينَ الْمُفْلِحِينَ الْمُنْجِحِينَ حَتَّى إِذَا قَضَى مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الانصِرَافَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله ـ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ لَكَ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مضى) (كامل الزيارات، ص 132).

لماذا هذا الثواب ولماذا هذا التأكيد على المشي وتحمل العناء في سبيل الزيارة؟ سمعت أحد المساكين كان يستهزئ بالمشي ويقول: أفهل نترك السيارات بعد ذلك ونرجع إلى القرون الماضية؟ كأن الإمام عندما تحدث عن ثواب المشي في ذلك الزمان، أراد أن يحرم الخيل والجمال!

أنا لا أعرف علاقة النصب ومحبة الله جيدا، ولكن يبدو من خلال هذه القرائن أن الإنسان المحب للراحة لا يبلغ محبة الله، أليس كذلك؟ لا أدري لماذا أصبحت علامة محبة الله هو حب النصب له. فهل هذا راجع إلى تركيبة الحب؟ فما حقيقة الحب حتى صار النصب علامة له؟ وما الفرق بين محبة الله وباقي أنواع الحب حتى أصبح يعرف بحب النصب والتعب من دون باقي أنواع الحب؟

كلما ازداد الإنسان حبا وعشقا لله، يزداد حبا للعناء والنصب من أجله، فهو لا يطيق أن يبقى مرتاحا بلا تعب. إذا وفقك الله وزرت إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في فسطاطه، فإذا لم يعطك الإمام أي عمل ومسؤولية بل يوزع المهام الصعبة والمتعبة على باقي أصحابه، ماذا تفعل؟! لعلك تخاطب الإمام وتقول له سيدي مرني بشيء، فتصور أن الإمام يمتنع عن إعطاء مهمة لك ويقول: استرح ولا تتعب نفسك! ماذا يحل بك إن عاملك الإمام بهذا الأسلوب؟ من المؤكد أنك سوف تكاد أن تموت ألما وحسرة بعد ما ترى أن الإمام لم يعبأ بك ولم ينظر إليك. أما إذا حملك أنواع المهام والمسؤوليات وشق عليك بأنواع المسؤوليات الصعبة والمتعبة تشعر بوجود علاقة الحب بينك وبين الإمام.

إن العناء وحب النصب مؤشر العشق. فإن حذفت استراتيجية المعاناة لم يبق لك حب الله ولا حب أولياء الله. ولعله لهذا السبب تجد أن الله قد جعل برنامج أنس العبد مع ربه المتمثل بصلاة الليل في جوف الليل لماذا جعل وقت صلاة الليل في ذلك الوقت؟ مع أنه لو كان قد جعل وقته في وسط النهار، لما تركنا هذه الصلاة ولأزداد المصلون حتى أننا قد نبكي ونصليها بحضور أكثر ونشاط أكثر، أما في ذلك الوقت يستيقظ الإنسان وهو يتأرجح يمينا وشمالا من شدة النعس، ثم لا يفهم من صلاته شيء.

فإذا سألتم ربّكم أن لماذا جعلت موعدك مع عشاقك في ذلك الوقت، يقول: إنني أردت أن ألطف بعشاقي، إذ أنهم يودون النصب من أجلي، ومن جانب لا يحبون تعب المرتاضين، بل يريدون أن يتحملوا عناء أنا أشرت عليهم به، وإلا فلا يتهنأون بهذا العناء. فتفضلت على عبادي وأمرتهم بالصلاة في السحر، فبهذا الأمر لبيت رغبتهم في تحمل التعب والنصب من أجلي.

رضوان الله تعالى على الخميني، إذ كان قد عود نفسه على القيام في الليل عدة مرات، فلم يصل صلاة الليل في دفعة واحدة، بل كان يقسمها في طول الليل، طلبا لمزيد من العناء والنصب في حب الله فيا ترى أي عناء يود المحب أن يتحمله من أجل معشوقه؟!

طبعا أنتم أعرف مني بأن العناء لابد أن يكون ضمن برنامج وأصول وهو الإسلام. كما أن الله لا يأمر عبده بعناء إلا ويصحب هذا التعب والعناء بلذة عالية جدا.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

بإمكانكم أن تعرفوا مدى عشق شهداء كربلاء من خلال جراحات أجسادهم. فاذهبوا إلى كربلاء وانظروا أيهم قد قطعوا إربا إرباً؟ لقد قطع أعداء الحسين (عليه السلام) رجلين من الشهداء إربا إرباً؛ الأول علي الأكبر، والثاني أبو الفضل العباس. لماذا علي الأكبر؟ لأنه كان أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) فأثار أحقادهم الكامنة. والأهم من ذلك هو أن كان اسمه عليا، وكانوا قد أشربوا غضبا لأمير المؤمنين (عليه السلام) فانهالوا عليه وما أبقوا له جسدا.

والثاني هو جسد قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وفي الواقع إنهم قد مثلوا بجسمه وهجموا عليه بكل ما لديهم. فما إن سقط العباس على الأرض ظهرت شجاعة القوم، فلما رأوه قطيع اليدين هجموا عليه بأعمدتهم.

بودي هذه الليلة أن أنقل لكم موقفا من مواقف العباس التي لم تسمعوها كثيرا. عندما أراد العباس وإخوته أن يستأذنوا للميدان، قال لهم العباس وكانوا أصغر منه سنا: (تقدموا لأحتسبكم عند الله تعالى). إن هذا الموقف مجهول وقليل ممن يعرف عظمته. إن أولياء الله كمّل في جميع مشاعرهم وهم أشد الناس حظا من المشاعر والعواطف تجاه الإخوة والأحبة، وأما حبهم لإخوتهم من أمهم وأبيهم فمما لا يوصف، وهو أمر خاص بهم لا تدركه عقولنا. فأراد العباس بهذا الموقف أن يكون أكثر إخوته حظا من بلاء فقد الإخوة والأعزة. ولا أدري فلعله أراد بهذا الموقف أن يواسي الحسين (عليه السلام) عندما يسقط هو على الأرض ويأتيه الحسين (عليه السلام)، ويا لها من لوعة على قلب الحسين (عليه السلام). ولهذا لما جاء الحسين (عليه السلام) إلى أخيه العباس (عليه السلام) أعلن عن إفلاسه. فكأني به قال: أخي عباس مهما قتل الأعداء من أولادي وأصحابي لم أنكسر، أما الآن فقد انكسر ظهري وقلت حيلتي. ألا لعنة الله على القوم الظالمين. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.