أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-9-2020
2998
التاريخ: 20-2-2019
1935
التاريخ: 2023-03-13
1188
التاريخ: 28-6-2019
2973
|
إخوان الثقة وإخوان المكاشرة:
قبل أن نتحدّث عن حقوق الإخوان ونتعرّف إلى ما ينبغي القيام به أو الاجتناب عنه في تعاملنا معهم، نتعرّض لتصنيفهم حيث إنّهم ليسوا بمرتبة واحدة بل بعضهم أفضل من بعض، لأنّ فيهم من لا يُمكن الاستغناء عنه بحال من الأحوال لأنّه كالغذاء اليوميّ وفيهم من ليس كذلك، وبالإمكان الابتعاد عنه لفترات محدّدة أو طويلة، ولنأخذ بيان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المجال مع شيء من التفصيل.
في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "الإخوانُ صنفانِ إخوانُ الثقةِ وإخوانُ المكاشرةِ"[1] فأمَّا إخوانُ الثقةِ، فُهم الكفُّ والجناحُ والأهلُ والمالُ، فإذا كنتَ من أخيكَ على حدِّ الثقةِ، فابذلْ لهَ مالَك وبدنَك، وصافِ من صافاهُ وعادِ من عاداهُ، واكتمْ سرَّهُ وعيبَهُ، وأَظهِرْ منهُ الحسنَ، واعلمْ أيُّها السائلُ أنَّهم أقلُّ منَ الكبريتِ الأحمرِ وأمّا إخوان المكاشرةِ، فإنَّك تصيبُ لذَّتكَ منهُم، فلا تقطعَنَّ ذلكَ منهُم، ولا تطلبنَّ ما وراءَ ذلكَ من ضميرِهم وابذلْ لهُم ما بذلوا لك من طلاقةِ الوجهِ وحلاوةِ اللسان[2].
لقد بيّن (عليه السلام) في هذا التصنيف شكلين من العلاقة الأخويّة يُمكن أن نطلق على المرحلة الأولى المعبّر عنها بــ"إخوان الثقة" العلاقة العميقة المتينة في أبعادها الرساليّة، بما يكنّه كلّ واحد للآخر من مودّة ووفاء واحترام، وبما هما عليه من وحدة في المنطلق والهدف، وصدق في الكلمة والموقف، وضرورة أنّ الأفعال بينهما معرِبة دائمًا عن الأقوال، فلا زيف ولا مداهنة ولا مجاراة، ولذلك من الطبيعيّ أن يكون حالهم ما ذُكر في الحديث الشريف، فهم أهل الصلاح والصدق والأمانة الّذين يوثق بهم في الدين وموافقة ظاهرهم لباطنهم، والثقة بهم هي سبب البذل لهم وإعانتهم ومصافاتهم ومعاداة أعدائهم وكتمان أسرارهم، وإظهار محاسنهم، وإخفاء مساوئهم وهم الكفّ والجناح أي هم قوّة يُمكن الاعتماد عليها في كفّ الأذى ورفع الباطل، والاستعانة بها في الموارد الّتي يُحتاج فيها إلى عون.
وأمّا الشكل الثاني من العلاقة المعبّر عنها بــ "إخوان المكاشرة" فيُمكن وصفها بالعلاقة السطحيّة الّتي لا تتعدّى الظاهر والمجاملة والمقابلة بمعنى أنّها مقتصرة على دلالات الوجه واللسان دون البناء على ما وراء ذلك من داخل الآخر، فلذا لا يُمكن أن يكون هذا الصنف بمثابة الصنف الأوّل بالتعويل عليه ومكاشفته بالشؤون الخاصّة وإيداع الأسرار لديه، بل يندرج نمط الارتباط هذا في حدود الشكل لا المضمون.
ولا يوجد واحد منّا إلَّا وله إخوان أو أصدقاء من الصنفين المذكورين، سواء في مكان عمله أو سُكناه أو جامعته أو مدرسته والخطأ الّذي طالما وقعنا فيه أنّنا نعكس النوع المطلوب من التعاطي مع كلّ صنف منهما, فربّما نختصر على طلاقة الوجه وحلاوة اللسان واللياقات المتبّعة في الأماكن العامّة مع الصنف الّذي ينبغي لنا مصافاته وبذل ما يُمكن بذله مع حاجته في بعض الأحيان إليها، ونغوص مع الصنف الآخر الّذي ينبغي الاحتراز منه، في إبداء الخصوصيّات وإيداع كلّ شيء لديه مع أنّنا لم نثق بعد في أمانته، ثمّ بعد ذلك تقع المشكلة، حيث نصطدم ونتفاجأ بحصول ما لا ينبغي حصوله من نقض عهد أو عدم وفاء بوعد، أو خيانة ماليّة أو معنويّة والخلل إذا كان بهذه الصورة أو غيرها فإنّ سببه الأوّل هو نحن، حيث لم نقم باختيار الوظيفة المطلوبة مع كلّ صنف بحسبه ولذلك في بعض تعابير المعصومين عليهم السلام تصريح ودلالة على مكان المشكلة كما في قول الإمام الصادق (عليه السلام): "لمْ يخنْكَ الأمينُ ولكنِ ائْتمَنْتَ الخائن"[3].
بمعنى أنّ الخلل نشأ من عندك حينما وضعتَ ثقتك في غير محلّها في ائتمان الخائن، وإلَّا لم يكن خلل. وهذا
معنى انعكاس التعامل بين الصنفين الّذي يجلب الكثير من الأزمات في أوساط الناس فالمطلوب أوَّلًا هو التعرّف إلى كلّ من إخوانك، أنّه إلى أيّ صنفٍ ينتمي ثمّ بعد ذلك إقامة العلاقة معه على أساس معرفته، إمّا بشكل عميق أو بشكل سطحيّ ويرشدنا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى حقيقة أصناف الإخوان في بيان يعتبر تفصيلًا لما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعلى ضوئه يُمكن تحديد طبيعة العلاقة حيث يقول الإمام (عليه السلام): "الإخوانُ ثلاثةٌ، فواحدٌ كالغذاءِ الّذي يُحتاجُ إليهِ كلَّ وقتٍ فهوَ العاقلُ، والثاني في معنى الداءِ وهوَ الأحمقُ، والثالثُ في معنى الدواءِ فهو اللبيبُ[4],[5] ".
الأوّل: فإنّه يمثّل حاجة دائمة ومستمرّة في الحياة الفكريّة والدينيّة والعلميّة والعمليّة لأخيه، كما الطعام والشراب بالنسبة للبدن، ولذلك قال (عليه السلام) يُحتاج إليه كلّ وقت
الثاني: أي الأحمق، فهو من فسد عقله فبات مصدرًا للانحراف والإضلال عن الطريق القويم والكلّ في غنًى عنه ومأمور بالاحتراز منه.
الثالث: أي اللبيب، فهو ضرورة في دوام العافية الاجتماعيّة ودواء عند حلول المشاكل أو الوقوع في الأزمات سواء كانت خاصّة أم عامّة، فهو الّذي يصونه ويحفظه ومعه يشعر بالراحة والأمان.
فيكون العاقل واللبيب من إخوان الثقة والأحمق من إخوان المكاشرة، ويدخل في الصنف الأوّل المواسي بنفسه أو ماله، كما يدخل في الصنف الثاني صاحب الغاية الّتي متى ما تحقّقت فارق أخاه، وقد جاء في الحديث: "الأخوانُ ثلاثةٌ مواسٍ بنفسِه وآخرُ مواسٍ بمالِه وآخرُ يأخُذ منكَ البُلغةَ[6] ويريدُك لبعضِ اللّذَّةِ فلا تعدَّه من أهلِ الثقةِ"[7].
ومن هذا الأخير يحذّرنا الإمام الصادق (عليه السلام) قائلًا: "واحذرْ أنْ تؤاخي من أرادك لطمعٍ أو خوفٍ أو ميلٍ أو مالٍ أو أكلٍ أو شربٍ واطلبْ مؤاخاةَ الأتقياءِ"[8].
خصلتان هامّتان:
يُمكننا أن نعرّف إخوان الثقة بخصلتين هامّتين، من خلالهما نرى من هو الأخ حقًّا:
الأولى: الإصلاح، وهو أن يلتزم الأخ سبيلًا بنّاءً في علاقته بأخيه من خلال مكاشفته بعيوبه، وعدم مداهنته وكثرة إطرائه مع ما يراه من أعماله غير المرضية، ومعاونته على التغيير ليكون على أحسن ما يرام، فيحبّ له أن تجتمع الأوصاف الحميدة فيه بأجمعها
الثانية: الإخلاص، بمعنى أن يكون صادقًا معه مخلصًا له في باطنه وسريرته فلا يظهر له خلاف ما يضمره ولسانه ترجمان قلبه على الدوام فإذا توفّرت هاتان الخصلتان في رجل كان لا محيصَ عن معاشرته، هذا ما أوصانا به مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو يعرّفنا إخوان الثقة من خلال الركيزتين المتقدّمتين قائلًا: "اجتهدوا في أنْ يكونَ زمانُكم أربعَ ساعاتٍ ساعةً لمناجاةِ اللهِ، وساعةً لأمرِ المعاشِ، وساعةً لمعاشرةِ الإخوانِ والثقاتِ الّذين يعرّفونَكُم عيوبَكُم ويُخلصونَ لكُم في الباطنِ وساعةً تخلونُ فيها للذّاتِكم في غيرِ محرّمٍ"[9].
أعظم الإخوان:
عرفنا ممّا تقدم أنّه يوجد تفاوت في درجات الإخوان بحسب ما يمتلكون من خصال جميلة، لكن لم نشر إلى الدرجة العظمى والرتبة العليا من درجات الأخوّة إلى حدّ أن يكون ذلك الرجل هو أعظم إخوانه على الإطلاق، فبماذا يا ترى يبلغ هذه المنزلة؟
ويجيبنا مولانا الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام قائلاً: "أيُّها الناسُ، أنا أُخبرِكم عن أخٍ لي كانَ من أعظمِ الناسِ في عيني وكان رأسُ ما عَظُمَ بهِ في عيني صِغَرُ الدنيا في عينهِ، كان خارجًا من سلطانِ بطنِه فلا يشتهي ما لا يجدُ ولا يُكثِرُ إذا وُجِدَ، كان خارجًا من سلطانِ فرجه، فلا يستخفُّ له عقلَه ولا رأيَه، كانَ خارجًا من سلطانِ الجهالةِ فلا يمدُّ يده إلَّا على ثقةٍ لمنفعةٍ، كانَ لا يتشهّي ولا يتسخّطُ ولا يتبرّم، كانَ أكثرَ دهرِه صمّاتًا فإذا قالَ بذَّ[10] القائلينَ، كان لا يدخلُ في مِراءٍ ولا يشاركُ في دعوى ولا يُدلي بحجّةٍ حتّى يرى قاضيًا، وكان لا يغفلُ عن إخوانِه ولا يخصُّ نفسه بشيءٍ دونَهم .
كان ضعيفًا مستضْعَفًا، فإذا جاءَ الجِدُّ كان ليثًا عاديًا، كان لا يلومُ أحدًا فيما يقعُ العذرُ في مثلهِ حتّى يرى اعتذارًا، كان يفعلُ ما يقولُ ويفعلُ ما لا يقولُ، كان إذا ابتزَّه أمرانِ لا يدري أيَّهما أفضلُ، نظر إلى أقربِهما إلى الهوى فخالفَه، كان لا يشكو وجعًا إلَّا عند من يرجو عندَه البرءَ، ولا يستشيرُ إلَّا من يرجو عندَه النصيحةَ، كانَ لا يتبرّمُ ولا يتسخّطُ ولا يتشكّى ولا يتشهّى ولا ينتقمُ ولا يغفلُ عن العدوِّ فعليكُم بمثلِ هذه الأخلاقِ الكريمةِ إنْ أطقتُموها، فإن لم تطيقوها كلَّها, فأخْذُ القليل خيرٌ من تركِ الكثيرِ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلَّا باللهِ"[11].
[1] المكاشرة في اللغة: من الكَشْر وهو ظهور الأسنان للضحك وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه.
[2] الكافي، ج2، ص391.
[3] بحار الأنوار، ج75، ص 335.
[4] تحف العقول، ص323.
[5] في اللغة: اللبيب: اللبّ: العقل الخالص من الشوائب وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللب واللباب من الشيء وقيل: هو ما زكى من العقل فكل لبّ عقل وليس كل عقل لبًا ولهذا علّق الله تعالى الاحكام الّتي لا يدركها إلَّا العقول الزكية بأولي الألباب نحو قوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذكّر إلَّا أولوا الألباب.
[6] البلغة: أي ما يبلغه ويكفيه من العيش.
[7] تحف العقول، ص423.
[8] مصباح الشريعة، ص63.
[9] تحف العقول، ص203.
[10] أي سبقهم وغلبهم.
[11] الكافي، ج2، ص238.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|